تكالب التكالب

كاظم فنجان الحمامي

التكالب في لغة العلوم التطبيقية, هو تشكيل رابطتين منفصلتين أو أكثر بربيطة مسننة, ويطلق عليه (Chelation), وأتى اسم التكالب تشبها بمخالب وكلابات جراد البحر, ولسنا هنا بصدد الحديث عن هذا النوع من التكالب بالأنياب والمخالب, وإن كانت تشابكاتها وتكالباتها تعكس في جوهرها بعض الصور البشعة لطبيعة النفس البشرية, وميولها الشريرة للقضم والنهش والهش والعض والقبض والقص,

لكننا سنسلط الضوء هنا على ظاهرة الغلو في تصرفات بعض الكيانات المتطلعة لبسط نفوذها على المؤسسات والدوائر الحكومية, وسعيها المحموم نحو الاستحواذ على اكبر ما يمكن من كراسي التشكيلات الإدارية المرموقة, والمناصب العليا المغرية, ومن ثم الهيمنة عليها وضمها إلى رصيدها الإداري الداعم لتطلعاتها التنظيمية التوسعية, وتقوية ركائزها, في محاولات مكشوفة لتكريس مشاريع التكالب على الدنيا والإخلاد في الأرض, والإعراض عن تنفيذ المشاريع التطويرية, وكأنها لا تعلم إن التكالب على الدنيا يورث الفشل, وينثر بذور الفساد في الأوساط السياسية القلقة.

طفحت على السطح هذه الأيام فقاعات معبرة عن تطلعات الوصوليين والانتهازيين, الذين تكالبوا مع بعضهم البعض, وشحذوا هممهم للفوز بصولجانات الامتيازات الفوقية, فتكالبوا عليها كما تكالبت الذئاب على الفريسة, واستعدوا لمصادرة الخبرات المتراكمة, التي أحرزها أصحاب المهارات الواعدة من خلال خدماتهم الجليلة, التي حققوها خلال مسيرتهم الوظيفية الطويلة, ومن المتوقع أن يسعى المتكالبون لاستبعاد ذوي الكفاءات العليا, والإيقاع بهم في شباك التهميش والإقصاء, والتخلص منهم رغم عطائهم الزاخر بالانجازات العظيمة, ورغم مهاراتهم الكبيرة المتميزة, ورغم مؤهلاتهم العلمية المتقدمة, ورغم أن مبادئ معظم التكتلات الحزبية العراقية وأدبياتها مستنبطة من نصوص القرآن المجيد والسنة النبوية المطهرة, ومستمدة من التوصيات المقررة في قواعد الفقه, والقوانين واللوائح التنظيمية, التي تؤكد في مجملها, وبصيغة إلزامية, على أهمية التصدي لمشاريع وأد الكفاءات, وتؤكد على ضرورة حماية مؤسساتنا الإنتاجية من الانهيار, وتعارض فكرة العودة بها إلى الوراء, وتؤكد على رفض الرجوع بدفة الإدارة إلى المراحل الصفرية المتقهقرة. بيد إن غياب الفهم الإداري الصحيح في خضم الزوابع التي ستحملها لنا الأيام القادمة, ستتسبب في تخلف بعض الأحزاب عن ركب المصلحين, وبالتالي الفشل في تصحيح مسارات مؤسساتنا, التي يفترض أن ننهض بها جميعا في ضوء القيم والثوابت والأخلاق والمصالح الوطنية المشتركة, لذا لا يجوز لأي متكالب على المنصب أن يركب موجة التحولات الديمقراطية ليتجاوز الحدود وينتهك الضوابط ويخرق السفينة, ولا يجوز لأي متكالب على المناصب الرفيعة, في التشكيلات الإدارية المتنوعة, أن يمتطي موجة التفوق الحزبي, ويقفز فوق القيود والحواجز الوظيفية, ولا يحق للسياسيين المتعجلين, الذين ستصنعهم الأحداث, لا يحق لهم غدا أن يتسببوا ولأي مبرر في نسف وتحطيم الكيانات الإدارية لمؤسساتنا الوطنية العريقة, بل ينبغي الحرص الشديد على رعايتها وتطويرها, والاهتمام بها تمهيدا لتعزيز قوة المدير الشريف والموظف اللامع, ورفع اللبس عنه, وإحباط محاولات التلويث المغرضة، وإبطال الإشاعات إذا كانت غير صحيحة، ومنع بعض الأحزاب المتنفذة من استغلال سلطتها ونفوذها في التدخل بشؤون الإدارات العليا, ومنعها من فتح الثغرات في جدران مؤسساتنا, حتى لا يتسلل من خلالها المتكالبون على المناصب والمكاسب, من الذين تخصصوا في تكالب التكالب, وتسابقوا في اللهاث والهرولة وراء التيجان والكراسي, واستسهلوا القفز والتسلق فوق درجات السلم الإداري, من دون أن تتوفر فيهم ابسط شروط الاستحقاق الوظيفي.

 وليعلم أصحاب القرار إن أعظم الناس أجرا, وأنبههم ذكرا من لم يرض بموت العدل في وطنه, وهذا هو الإصلاح الأعظم والأهم, الذي يفترض أن يتطلع إليه المتحزبون في المرحلة القادمة, وينتظره منهم عموم الناس من كل الانتماءات الوطنية, فالناس مازالوا يؤمنون إيمانا مطلقا بأن العدل هو الأساس في كل شيء, وهو أساس المُلك, وهو المسار الصحيح نحو المستقبل الأفضل, ولا يرضون بموته.

شبكة النبأ المعلوماتية- الخميس 23/أيلول/2010 - 13/شوال/1431

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1431هـ  /  1999- 2010م