بناء الدولة بتفعيل دور الكفاءات

رؤى من فكر الامام الشيرازي

 

شبكة النبأ: تعتمد الأمم الناجحة على عوامل كثيرة من اجل النهوض ومواصلة التطور والاستقرار والابداع المتواصل، ومن بين هذه العوامل التأكيد الدائم والمستمر لتوظيف الكفاءات من اجل مصلحة الامة، فلا يجوز اهمال الكفاءات تحت أية حجة كانت إلا اذا كان حامل الكفاءة نفسه غير قادر على مواصلة العمل والانتاج لاسباب ربما تكون نفسية او فكرية او عملية وما الى ذلك.

لكن في حالة توافر الاستعداد الكافي لعمل أصحاب الكفاءات في خدمة الامة فلا يصح لاصحاب القرار التخلي عنها او تجاوزها لأن هذا يعني التخلي عن فرص التقدم والتطور ومخواكبة العصر، وفي حال تحوّل السلطة لصالح المسلمين واستلامهم الحكومة وتمكنهم من صنع القرار وادارة شؤون الناس، فلا ينبغي الاقتصاص المسبق والشامل من اصحاب الكفاءات لأنهم كانوا يعملون في ظل الحكومات السابقة، والسبب واضح جدا، أن حكومة الاسلام ليست حكومة طغاة ولا تشبه الحكومات التي سبقتها في التعامل مع هذا الجانب.

يقول الامام الراحل آية الله العظمى السيد محمد الحسيني الشيرازي (قدس سره) في كتابه الثمين الموسوم بـ (السبيل الى انهاض المسلمين) حول هذا الموضوع:

(لا تطهير في الحكومة الإسلامية بالمعنى المتعارف في الحكومات الشيوعية والحكومات الانقلابية، على الأغلب، حيث إنهم إذا أتوا إلى الحكم يخرجون جماعة من الموظفين تحت شعار التطهير، وأحيانا يكررون هذا العمل في كل عامين مرة، كما صنعته روسيا الشيوعية والصين الشيوعية أيضاً).

إذن فالحكومة الناجحة القادمة من صميم الشعب والعاملة من اجله ليست حكومة اقتصاص ولا ضغينة ولا احكام مسبقة، بل هي حكومة خدمة حقيقية وصادقة لتوفير حاجيات الشعب والامة عموما متمثل بتحقيق العيش الكريم، لهذا السبب ومن اجل تحقيق النجاح المأمول لابد لهذه الحكومة الجديدة أن توظف الكفاءات كافة من اجل تحقيق اهدافها المتمثلة اولا واخيرا في خدمة الناس وتحقيق متطلباتهم التي تتوزع على العدل والمساواة وتكافؤ الفرص من خلال بناء هيكلية سياسية واقصادية وتعليمية وثقافية متكاملة تتواءم وروح العصر وتستند الى التعاليم الاسلامية التي تهدف الى رفعة الانسان اولا واخيرا، ولابد من القول أن مثل هذه الاهداف صعبة التحقيق في حالة اهمال الكفاءات او تهميشها وتحييدها.

لذلك لابد أن يتنبّه القائمون على الحكم الاسلامي الى هذه النقطة الهامة، إذ يؤكد الامام الشيرازي في كتابه نفسه قائلا:

(على القائمين بالحركة والحكومة أن يجعلوا من منهج الحكومة ومنهجهم عدم تطبيق هذا القسم من التطهير إطلاقاً، وأن يتحالفوا على ذلك قبل الوصول إلى الحكم، وأن يطبقوه عملياً أي أن لا يطهروا ـ بهذا المعنى ـ أحداً بعد الوصول إلى الحكم، وذلك لأن حكومة الإسلام ليس حكومة حقد وديكتاتورية وضغينة، والتطهير إنما هو من الحكومات الحاقدة أي الحكومات الديكتاتورية التي لا تتوفر فيها الأحزاب والحريات).

فلابد للحكومة الاسلامية أن تثبت على ارض الواقع المجسد فعليا بأنها نقيض الدكتاتورية، وأنها قادمة من اجل الامة ولايمكن أن يتحقق هذا بإسلوب التطهير المرفوض او غير المبرر، ناهيك عن أهمية الاستفادة القصوى من الطاقات الخلاقة للكفاءات التي بمقدورها تطوير المجتمع والمساعدة على استقراره وتقدمه.

كما أن المعروف عن الاسلام انه دين التسامح وتعاليمه السمحاء تدل على جوهره الانساني الخلاق، ولا يمكن للاسلام أن يبيح الضغينة واهدار الكفاءات او حرمان الناس من ارزاقهم او تحييد مواهبهم، إذ يقول الامام الشيرازي بهذا الصدد:

(الإسلام ليس كذلك... إنه دين عفو ورحمة وصفح واستقطاب وكفاءة، بالمعنى الإسلامي للكفاءة لا بالمعنى الذي اتبعته الحكومات. والإسلام يلاحظ الكفاءة أينما وجدت سواء في الموظف الذي كان في الحكم سابقاً، أو في الإنسان الذي يريد الحكم الجديد إدخاله في الوظيفة، هذه هي الملاحظة التي يلاحظها الإسلام، فإنه دين الكفاءات ولا فرق بين السابق واللاحق).

لذا يبقى الاسلام راعيا للجميع وحاضنا للمواهب واصحاب الابداع بل ويحث جميع المسلمين على ضرورة العمل والانتاج المتواصل من اجل تحقيق رفعة الامة، وكما يقول الامام الشيرازي في كتابه نفسه:

إن (الإسلام يدور حول الكفاءات لا حول الديكتاتوريات والانتقامات والسوابق وإنما قاعدته -عفا الله عما سلف- فمن له الكفاءة الإسلامية يبقى في الحكم، ومن ليست له الكفاءة فهو مقتنع بأنه لا ينبغي له أن يبقى في الحكم، كما يحال إلى التقاعد في الحكومات الحاضرة بعد عدم تمكنه من العمل في منصبه).

إذن ليس هناك غبن لحقوق احد، فمن لايجد في نفسه القدرة على تقديم العطاء وان كفاءته توقفت وان قدراته لم تعد كسابق عهدها، يمكن للدولة ان تحيله الى التقاعد، لكن الامر الاساس والمتفق عليه هو عدم اهدار الكفاءات وقدراتها ومواهبها، بل العمل على وضعها في صالح الامة وتطورها واستقرارها.

فالتطهير ليس من شيم الاسلام ولا من اخلاق المسلمين، إذ يقول الامام الشيرازي في هذا الصدد:

(ليس في الإسلام عمليات تطهير للموظفين حسب الاصطلاح القمعي الحديث، والذي كثيراً ما يكون التطهير فيه سحقاً للكفاءات، وإتياناً بالمرتزقة والعملاء والمصفقين للحاكم الديكتاتور.. وليس هذا من خلق الإسلام).

شبكة النبأ المعلوماتية- الاثنين 20/أيلول/2010 - 10/شوال/1431

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1431هـ  /  1999- 2010م