تعلمت من الإمام الشيرازي

حسن الأنصاري

في أول يوم من أيام عيد الفطر المبارك كان ذكرى رحيل الامام السيد محمد المهدي الحسيني الشيرازي رضوان الله عليه، لقد تشرفت وبرفقة والدي رحمه الله بلقائه في أغسطس عام 1968 في مدينة كربلاء المقدسة حينها أهداني مجموعة من الكتب منها مختصر أحكام الاسلام (المسائل العملية المرجعية) وجزء من كتاب «تقريب القرآن إلى الأذهان» وكان ذلك أول لقاء يجمعني به.

 الامام الشيرازي «قدس سره» ترك آثارا غنية فخمة في الفقه والتفسير والأحكام إلى جانب سيل من الكتب، كما أنه أقام الكثير من المشاريع الدينية والاجتماعية في كثير من بلدان العالم، وكان جهاده بصمت وهدوء ودون إثارة أو حاجة للبروز الاعلامي أو البهرجة، وهذا حال العلماء المجاهدين في سبيل الله. كنت كثير التردد والحرص على حضور مجلسه بعد هجرته إلى الكويت هاربا من طغيان صدام كهروب موسى من فرعون!

 كان رحمه الله سيداً في السماحة والأخلاق والفضيلة والأدب، متبحرا في العلم والمعرفة، لا ينطق إلا بالحق والقول السديد ولا يتكلم إلا بالحكمة والموعظة الحسنة، ولا يحكم إلا بما يرضي الله، ولا يدعو إلا للتقارب والألفة والمحبة بين الناس.

 وكان كثيرا ما يدعو للوحدة وحب الوطن والتقارب بين مختلف أبناء الدولة للتعايش الأخوي في ظل النظام، وكان رضوان الله عليه دائم القول: إن الكويت دولة طيبة كريمة بشعبها وأهلها وحكامها وعليكم أن تحافظوا على سلامة استقرارها وأمنها من العبث والفتن وكان شعوره بالغصة والألم بالغا حين غزانا صدام حيث استنكر الغزو بشدة حينها كان في مدينة قم المقدسة حيث هاجر إليها في هجرته الثانية بعد أن تكررت تهديدات خلايا البعث في الكويت باغتياله!

كان رضوان الله عليه يرفض الاستماع للأحاديث التي تثير عواطف الناس ومشاعرهم أو الخوض بها بل كان كثير الحرص على عدم تناول مثل هذه المواضيع التي لا تجدي نفعا ولا تعطي إلا ثمار التفرقة والانشقاق والفتنة وتأخر الأمة، حيث كان رحمه الله دائما يشجع الشباب على تحصيل العلم في مختلف الميادين ويبارك لهم ذلك.

ولا أنسى حين جئته بعد أن رزقت بمبلغ من المال وكنت مترددا باستثماره في التجارة أو الذهاب لإكمال دراستي في الخارج.. فطلبت منه الاستخارة فكان جوابه بعد أن فتح القرآن: «اذهب واستثمر مالك في تحصيل العلم» وذلك دون علمه ما في نيتي.. منذ أن استلمت أول كتاب من الامام الشيرازي رضوان الله عليه تعلمت أن أستثمر في تحصيل العلم ولم أنقطع يوما عن قراءة الكتب وتعلم ما في بطونها وفي مختلف العلوم حتى أدمنت عالم المعرفة والعلم والأدب لكنني ما زلت طالبا وأجهل الكثير ولا أدعي العلم..

هكذا تأدبنا وتعلمنا من مراجعنا العلماء أن نكون طلاباً للعلم والخير والألفة والتعايش معا في السراء والضراء.

رحمك الله يا سيدي أيها العالم المجاهد وأسكنك فسيح جناته في الفردوس الأعلى مع النبيين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقا، ورحم الله من قرأ سورة الفاتحة على روحك الشريفة.

www.aldaronline.com

شبكة النبأ المعلوماتية- الاثنين 20/أيلول/2010 - 10/شوال/1431

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1431هـ  /  1999- 2010م