أزمة الغذاء العالمية... حقائق حرجة وحلول لا تغني من جوع

 

شبكة النبأ: يعاني العالم هذه الأيام وبسبب ما حدث من حرائق وفيضانات في الآونة الأخيرة في بعض البلدان من تهديد خطير وهو النقص الغذائي، الذي جاء بعد ان فتكت تلك الظاهر الطبيعية بأراضي زراعية كبيرة وبمحاصيل اكبر كانت المصدر الوحيد لكثير من البلدان الفقيرة للحصول على الغذاء ومن اهم هذه المواد هو القمح.

فقد حذر بعض الباحثين في المجال الاقتصادي والزراعي من أزمة غذائية كبيرة خطيرة قد تحدث في عدد من المناطق التي تضررت محاصيلها، بالإضافة الى ذلك هناك دول أخرى كانت تستورد من تلك الدول لاعتمادها على القمح بشكل أساسي في غذائها، بينما يرى البعض الآخر من الخبراء من ان هذه المشكلة هي ليست أزمة مستمرة بل هي مرحلة حرجة وستمر ويعود الأمر على ما كان عليه، ولكن ما يخشاه البعض خلال هذه الفترة هو ما سيحدث من أعمال شغب وغضب من قبل المواطنين للحصول على غذاء لعائلاتهم.

غير مستعدة

قال مقرر الأمم المتحدة الخاص حول الحق في الغذاء اوليفييه دو شوتر ان بلدانا عدة "غير مستعدة بشكل كاف" لمواجهة ارتفاع أسعار المواد الأولية المعلن عنه لكنه استبعد وقوع أزمة غذائية اليوم كأزمة 2008 .

وصرح دو شوتر لإذاعة فرنسا الدولية (ار اف اي) ان "اراضي جديدة زرعت منذ 2008 لكننا لم نستخلص جميع العبر من الازمة الغذائية". واعرب عن اسفه قائلا "حاولنا الاستثمار مجددا في الزراعة لكننا لم نفعل ذلك بالحجم الكافي. ولم يتسن للبلدان الوقت الكافي لإعادة بناء نظام المخزون الغذائي فيها". وأضاف "نخشى ان تكون أكثرية البلدان غير مستعدة لمواجهة ارتفاع أسعار المواد الغذائية".

ويحدث الارتفاع الحاد في أسعار الحبوب وخصوصا القمح في الايام الاخيرة اضطرابا ويسبب ارتفاعا سريعا في اسعار المنتجات الغذائية (كالرز والسكر).

واكد شوتر ان "استعدادت البلدان لا تكفي لمواجهة الغلاء المعلن والشامل لأسعار المواد الغذائية. لكنه استبعد وقوع أزمة لان "المخزون العالمي الآن اكبر مما كان عليه في 2008".

واضاف ان خطورة الموقف مرتبطة "بموقف الجهات الاقتصادية الفاعلة والدول". وقال دو شوتر "نأمل الا تحدث موجة ذعر في الأسواق". بحسب وكالة فرانس برس.

ويثير ارتفاع الأسعار الحاد القلق خصوصا في البلدان الفقيرة التي قد تواجه صعوبة في تسديد قيمة طلبات استيرادها.

نقص الغذاء

من جانب آخر، كشف تقرير دولي، أن أفغانستان والعديد من الدول الأفريقية، من بينها السودان، باتت من بين أكثر الدول المعرضة لنقص الغذاء.

وأفاد التقرير، الصادر عن منظمة "مابلكروفت" التي تتخذ من بريطانيا مقراً لها، أن أفغانستان هي الدولة الأكثر عرضة لنقص الغذاء في العالم. وحلت تسع دول أفريقية، بعد أفغانستان، في المراكز التالية بين الدول العشر الأكثر عرضة لنقص الطعام والمجاعة، وهي الكونغو وبوروندي وإريتريا والسودان وأثيوبيا وأنغولا وليبريا وتشاد وزيمبابوي.

الغريب أن السودان، بأراضيه الشاسعة ومياه الأنهار فيه يمكن أن يشكل سلة غذاء ليس للسودانيين فحسب وإنما للدول العربية كلها.

بالإضافة إلى ذلك لوحظ غياب الصومال، التي تجتاحها الحرب الأهلية منذ عقد التسعينيات من القرن الماضي، عن قائمة الدول العشر الأولى في مجال نقص الغذاء وانتشار الجفاف.

وبين الدول الخمسين الأكثر عرضة لنقص الغذاء والمجاعة، وردت في القائمة أسماء 36 دولة أفريقية، معظمها من دول جنوب الصحراء، التي تعاني من طقس جاف في معظم الأحيان ونقص في الأمطار وارتفاع في معدلات الفقر وتدهور في البنى التحتية.

يشار إلى أن منظمة "مابلكروفت" تعمل مع برنامج الغذاء العالمي التابع للأمم المتحدة في مجال تطوير تصنيف دول العالم غذائياً. بحسب وكالة السي ان ان.

وتم تقسيم 163 دولة على 12 فئة لمساعدة في عمليات التقييم، وتتضمن الوضعين الصحي والغذائي للسكان وإنتاج الحبوب واستيرادها ومتوسط دخل الفرد من الناتج المحلي الإجمالي والكوارث الطبيعية والصراعات الداخلية ومدى فاعلية الحكومات.

وبحسب تصنيف المنظمة، فقد احتلت فنلندا المركز الأول عالمياً من حيث توافر الغذاء، واعتبرت بالتالي الأوفر حظاً وأقل الدول تعرضاً لخطر نقص الغذاء، فيما حلت الولايات المتحدة الأمريكية في المركز 158.

بتضخم غذائي

كما قال اقتصادي لدى منظمة الأمم المتحدة للأغذية والزراعة (فاو) ان ارتفاع أسعار القمح العالمية لم يصل بعد الى مستوى ينذر بتضخم أسعار الغذاء العالمية بالرغم من صعودها الى المثلين تقريبا في غضون شهرين.

وتشير التقديرات الى أن موجة الجفاف والحر في منطقة البحر الاسود والتي أعلن عن انتهائها في روسيا في وقت سابق أتلفت ربع محاصيلها من الحبوب وجعلتها تفرض حظرا على الصادرات.

وتستعد أوكرانيا أيضا لفرض نظام حصص للصادرات وهو ما انتقده التجار باعتباره يبالغ في التقييد.

وقال عبد الرضا عباسيان الاقتصادي في منظمة الامم المتحدة للأغذية والزراعة ومحلل قطاع الحبوب انه يتوقع أن تبقى أسعار القمح مرتفعة ومتقلبة في الأشهر القادمة لكنها لا تنذر بتضخم عالمي. وقال عباسيان "الحديث عن تضخم غذائي بالرغم من أن معظم الارتفاع يقتصر على القمح أمر سابق لأوانه قليلا."

وفي وقت سابق ارتفعت عقود القمح الاجلة في بورصة مجلس شيكاجو للتجارة الى أعلى مستوياتها في حوالي عامين مسجلة 8.41 دولار للبوشل بعد صعودها على مدى شهرين بسبب موجة الجفاف في روسيا. بحسب وكالة الأنباء البريطانية.

لكنها تراجعت لاحقا الى أقل من سبعة دولارات للبوشل في عقود شهر أقرب استحقاق حيث حد نمو المخزونات العالمية من هذا الارتفاع وأبقى الاسعار أقل كثيرا من مستوى 13.34 دولار ونصف السنت الذي سجلته في فبراير شباط 2008.

وأصبحت دول مستوردة مثل مصر أكبر مستورد للقمح في العالم تلجأ الى الولايات المتحدة التي تمتلك محصولا وفيرا. وحظيت الأسعار بدعم من تصريحات محللين وتجار بأن روسيا قد تصبح مستوردا كبيرا للقمح هذا الموسم.

لكن متحدثا باسم وزارة الزراعة الروسية أبلغ وكالة الإعلام الروسية أن بلاده لا تعتزم استيراد حبوب هذا العام. وقال المتحدث "ينشر تجار حبوب غير أمناء هذه الشائعة بهدف رفع الأسعار."

الأمن الغذائي

من جانبه حذر خبير بالأمم المتحدة من أن أعمال الشغب بسبب ارتفاع أسعار الخبز في موزامبيق ونقص الغذاء في أماكن أخرى يجب أن يكون جرس إنذار للحكومات التي عملت على إخفاء مشكلات الأمن الغذائي التي طفت الى السطح قبل عامين.

وقال اوليفيه دو شوتر مقرر الامم المتحدة الخاص المعني بالحق في الغذاء خلال مهمة في سوريا ان المانحين لم يفوا بتعهداتهم بشأن المساعدات وان الغضب العام في دول مثل موزامبيق يمكن توقعه.

وقال دو شوتر في بيان "أغلب الدول الفقيرة مازالت معرضة للخطر بدرجة كبيرة. مازالت تعتمد على إيرادات صادراتها من نطاق محدود من السلع الأولية ويعتمد أمنها الغذائي بدرجة كبيرة على واردات الغذاء التي ترتفع أسعارها وتتسم بالتقلب."

وفي موزامبيق قتل 13 شخصا وألقي القبض على نحو 150 بعد أعمال شغب أدت الى زيادة نسبتها 30 في المائة في أسعار الغذاء وهي نتيجة لارتفاع أسعار القمح العالمية.

وردا على ذلك أعلنت الحكومة إنها ستلغي زيادات أسعار الخبز بالاستعانة بإعانات لتغطية التكلفة.

واحتج المصريون كذلك على أسعار الغذاء وحذر الخبراء من أن أعمال الشغب قد تندلع في أماكن أخرى في افريقيا والشرق الأوسط حيث أدت الفيضانات في باكستان والحرائق في سوريا الى زيادة المخاوف بشأن الإمدادات العالمية.

وقال دو شوتر ان بين مليوني وثلاثة ملايين سوري يواجهون الآن نقصا في الغذاء بعد أربع سنوات من الجفاف الشديد.

والمزارعون الصغار والرعاة في سوريا شاهدوا انخفاض دخولهم بنسبة تصل الى 90 بالمئة نتيجة للجفاف حسبما أشار خبير مستقل. بحسب وكالة الأنباء البريطانية.

وقال "العديد من الأسر تعين عليها اختيار خفض ما تتناوله من الغذاء، أشارت تقارير الى ان 80 بالمائة من الذين تضرروا يعيشون على الخبز والشاي المحلى بالسكر." ومما يزيد من التوتر الناجم عن الكوارث الطبيعية مثل الفيضانات في باكستان قال دو شوتر ان تجار السلع والمستثمرين أثروا على أسواق الغذاء برهاناتهم.

وقال "وتفاقمت زيادة الأسعار بالمضاربات من جانب تجار لا يخضعون للقواعد التنظيمية وتنتقل الزيادات مباشرة الى الأسر التي عادة ما تنفق ما بين 60 و70 بالمائة من دخلها على الغذاء."

وتقول الأمم المتحدة انه على الرغم من أن الانتاج العالمي من الحبوب في عام 2010 من المنتظر أن يصبح ثالث أعلى إنتاج على الإطلاق الا أن المخاوف بشأن مستقبل الإمدادات دفع أسعار القمح للارتفاع بنسبة 70 بالمائة في الأسواق العالمية منذ العام الماضي.

استبعاد

بينما قال خبير زراعي ان من المستبعد أن يؤدي تقلب أسعار القمح بسبب موجة الجفاف والحرائق في روسيا الى تقليص إمدادات الغذاء العالمية بالرغم من تنامي المخاوف من التضخم الغذائي.

وقال ماكسيمو توريرو مدير التجارة والأسواق بالمعهد الدولي لأبحاث السياسة الغذائية ان الارتفاع الحاد في الاسعار بعد حظر صادرات الحبوب من روسيا محدود ومؤقت ولا يشير الى أزمة أوسع نطاقا.

وقال توريرو في مذكرة بحثية "التقلب ليس كالتضخم" مشيرا الى أن ارتفاعات السوق المرتبطة بالجفاف في منطقة البحر الأسود لن تستمر للحد الذي يرفع أسعار الخبز والأغذية الأخرى في المدى البعيد. بحسب وكالة الأنباء البريطانية.

وقال في حديثه عن أسعار القمح في السوق الفورية التي ارتفعت بنحو الربع في يوليو تموز "بالرغم من الارتفاعات في الآونة الاخيرة فان الاتجاه السائد مستقر أو نزولي بشكل طفيف. وبالتالي فلن تكون هناك اثار متعاقبة."

الذرة تتحمل الجفاف

في حين توصلت دراسة الى ان توزيع أنواع جديدة من الذرة التي تتحمل الجفاف على مزارعين أفارقة يمكن ان يوفر أكثر من 1.5 مليار دولار وان يدعم المحاصيل بما يصل الى الربع وان يخرج بعض الأشخاص الأكثر فقرا في العالم من دائرة الفقر.

وركزت الدراسة التي نشرها المركز الدولي لتحسين الذرة والقمح ومقره المكسيك والذي يحصل على معلومات من معاهد أبحاث الغذاء الاخرى على 13 دولة افريقية يقدم لها المركز ذرة تتحمل الجفاف كان يوزعها على المزارعين خلال السنوات الاربع الماضية.

ووصف المركز الذرة بأنها "أهم محصول حبوب في افريقيا" وشريان حياة لعدد يبلغ 300 مليون شخص من المهددين.

وتهدف خطة توزيع الذرة التي تتحمل الجفاف في إفريقيا الى الإسراع باستخدام أنواع مختلفة من الذرة التي تتحمل الطقس الجاف.

وقال المركز "رؤية هذا المشروع هي إنتاج ذرة تتحمل الجفاف بحلول عام 2016، وزيادة متوسط الإنتاجية للذرة في ظل أحوال المزارع الصغير بنسبة 20-30 بالمائة في المزارع وأن يصل الإنتاج الى ما بين 30 مليون و 40 مليون نسمة."

كما يهدف المشروع الى إضافة متوسط سنوي من الحبوب تبلغ قيمته 160-200 مليون دولار لمحصول افريقيا. بحسب وكالة الانباء البريطانية.

وقال ويلفريد موانجي وهو خبير كيني في الاقتصاد الزراعي بالمشروع ان الذرة المقاومة للجفاف تحقق إنتاجية تفوق أنواعا أخرى حتى لو لم يكن هناك جفاف. وأضاف "اننا نقول انه مقارنة مع أي شيء يزرعه المزارعون الآن فان هذه الأنواع ستتفوق على ما يزرعونه."

ويلقي العديد من العلماء باللوم على تغير المناخ الذي يقولون انه يرتبط بانبعاثات غازات مثل ثاني اكسيد الكربون لكن محادثات المناخ منذ العام الماضي فشلت في التوصل الى اهداف ملزمة للحد من انبعاثات الغازات.

وتسببت حالات الجفاف المتكررة في الإضرار بملايين الأفدنة من المحاصيل الزراعية في جنوب افريقيا والقرن الافريقي وحزام الساحل من موريتانيا الى السودان في العقد الماضي. وتأثرت النيجر وتشاد بدرجة كبيرة على نحو خاص بعد الانخفاض الكبير في سقوط الامطار حيث يواجه ملايين الاشخاص الجوع.

ووجدت الدراسة انه في المناطق التي تقل فيها مخاطر الجفاف الى الحد الادني فان انواع الذرة المقاومة للجفاف يمكن بحلول عام 2016 ان تحقق انتاجية أعلى بنسبة تتراوح بين 22 و25 في المئة عما كانت عليه في عام 2007 عندما بدأ المشروع.

شبكة النبأ المعلوماتية- الأربعاء 15/أيلول/2010 - 5/شوال/1431

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1431هـ  /  1999- 2010م