حرق المصحف ومؤامرة احتلال دول المنطقة

خليل الفائزي

من المؤسف جداً ان الإعلام العربي والإسلامي نجر وراء مخطط إحراق نسخ من القرآن الكريم الذي دعا إليه القس الأمريكي تيري جونز، وانزلق الرأي العام وتشاغل العرب والمسلمون لعدة أسابيع حتى الآن بالمؤامرة التي صيغت في تل ابيب واكتمال سيناريو إحراق القرآن في أمريكا والذي يهدف بالأساس إذلال العرب والمسلمين واحتلال المزيد من دول المنطقة.

هذا السيناريو الذي رسمته الصهيونية العالمية ينص تحقيق عدة أهداف ونوايا خبيثة ضد الدول العربية والإسلامية ومنها اولاً إعادة صياغة المخططات التي تلت أحداث 11 سبتمبر لمنع المسلمين من بناء مسجد لهم في نيويورك والتهديد السافر الذي أعلنه القس جونز من انه سيبادر بإحراق نسخ من القرآن في حالة عدم تراجع المسلمين عن بناء مسجد لهم في محيط أحداث 11 سبتمبر قي نيويورك وكأن الغبي والتافه جونز يعتقد من ان إحراق الكتاب المقدس لدى المسلمين سوف يثبط عزيمتهم ويقلص إيمانهم ويجعلهم يرفعون الراية البيضاء أمام الحقد الصهيوني المعادي لكافة الأديان والمذاهب وحرية الرأي والتعبير فإذا تراجعت الهيئة الإسلامية في أمريكا عن قرار بناء المسجد في نيويورك فان هذا التراجع سوف يسمح المجال بفرض المزيد من العنصرية الصهيونية على كافة الأديان والمعتقدات، وان حرق القرآن قطعا هو مجرد تهديد إعلامي وسياسي خاصة اذا علمنا ان الصهاينة يحرقون نسخ القرآن والكتب السماوية الأخرى بشكل يومي ومستمر في كافة طقوسهم العنصرية والحاقدة على البشرية جمعاء.

الهدف الثاني من تنفيذ السيناريو الذي دعا اليه الحاقد جونز وكرست على إشاعته أجهزة الإعلام الصهيونية هو التخطيط لإثارة غضب المسلمين واستدراجهم لتنفيذ هجمات انتقامية تشمل قتل المزيد من القوات الأمريكية وحلف الناتو خاصة في أفغانستان والعراق، حيث اعترفت قيادة الناتو من انها تتوقع تصعيد العمليات الانتحارية والانتقامية ضد قواتها المتواجدة في المنطقة، الامر الذي سيساهم بشكل مباشر وواسع استقواء قدرة ونشاط الجماعات الإرهابية والمتطرفة التي تتخذ من محاربة الاحتلال الأمريكية ذريعة لتنفيذ عملياتها الإرهابية والدموية حصرا ضد الأبرياء والعزل في العراق وأفغانستان وباكستان مما سيعطي قوات حلف الناتو بالمقابل المبررات الكافية لاستمرار احتلالها لهذه الدول او على الأقل إبقاء جزء كبير من قواتها العسكرية لفترة أطول في المنطقة تحت يافطة محاربة الإرهاب وتبادل الأدوار مع الجماعات الإرهابية لقتل المزيد من الأبرياء وتأزيم الأوضاع الأمنية والسياسية في الدول المحتلة رسميا من جانب أمريكا والناتو.

طبعاً الى جانب ذلك فان العمليات الانتقامية والاستشهادية والفدائية التي تنفذ ضد القوات المحتلة هو حق مشروع وذات هدف محمود ومقدس، وان تنفيذ مثل هذه العمليات التي تستهدف فقط القوات الغازية أينما ثقفت ووجدت سيواجه من جانب الرأي العام بالدعم والتأييد والتقدير وسيسرع من وتيرة جلاء وهروب القوات الأجنبية والغازية من المنطقة بشكل أكيد.

الهدف الثالث من السيناريو الأمريكي ـ الصهيوني المشترك الذي خططت له الصهيونية العالمية وتتوقع نتائجه هو حدوث عمليات انتقامية ضد المسيحيين العرب او الذي يعيشون في دول إسلامية من خلال اغتيالهم او إجبارهم على النزوح والرحيل من الأماكن والمناطق التي يقطنون فيها او مهاجمة وتفجير الكنائس ودور العبادة والسكن الخاصة بهم الأمر الذي سيصعد من حقد الغرب على العرب والمسلمين وتمهيد وتحريض الرأي العام في دول غربية للإشراف على ما تسمى بالحملات الصليبية الجديدة حسب ما خطط لها ونفذها الرئيس الأمريكي السابق بوش حيث احتلت قواته أفغانستان والعراق بهذه الذريعة بعد أحداث 11 سبتمبر، وبما ان الرئيس الأمريكي الحالي باراك اوباما او بالأحرى اللوبي الصهيوني الناشط في أمريكا لا يملك ذريعة دولية او مبرر عملي لاحتلال المزيد من دول المنطقة وإبقاء القوات الأمريكية لأعوام قادمة في الشرق الأوسط، فانه تم التخطيط لاحتلال بعض الدول العربية والإسلامية من خلال إشعال فتيل الحرب الدينية المقدسة واعتبار المسلمين خصماً وندا أساسيا للتحالف الصهيوني ـ الصليبي بغطاء الدفاع عن الدين المسيحي او بعض القساوسة الحاقدين والمتطرفين من الذين جعل منهم الإعلام الصهيوني والغربي ابطالاً ومدافعين عن المسيحية وروج لهم بشكل وكأن خيارات السلم والحرب مع المسلمين بيدهم وليست بيد أصحاب القرارات في واشنطن وتل ابيب.

الهدف الرابع هوان قيادة المعسكر الغربي او بالأحرى قادة اللوبي الصهيوني العالمي يخططون مع كل ذكرى لأحداث 11 سبتمبر التي وقعت في العام 2001 ابتزاز الأنظمة الحاكمة في الدول العربية وتهديد الدول الإسلامية خاصة وان اللوبي الصهيوني اجبر هذه الأنظمة وخلال الأعوام الماضية وتحت غطاء البحث عن حلول عملية للازمة الاقتصادية العالمية، دفع مئات مليارات دولار من أموال وعائدات النفط للدول العربية الى أمريكا وإسرائيل ودول غربية تحت يافطة التعويض عن خسائر وأضرار أحداث 11 سبتمبر التي خطط لها بالأساس اللوبي الصهيوني ونفذتها جماعة القاعدة اليد الخفية والإرهابية للأنظمة المستبدة الحاكمة في السعودية والإمارات وقطر، وربما ان اللوبي الصهيوني الحاكم في أمريكا توقع من خلال تنفيذ مخطط إحراق نسخ القرآن إجبار زعماء أنظمة الدول النفطية تقديم المزيد من الإتاوات المالية للغرب بحجة العمل على احتواء التطرف المسيحي والحيلولة دون اتساع حملات الحقد الصليبي والصهيوني ضد الدول العربية والإسلامية.

ومع تصاعد او انتهاء الزوبعة الإعلامية والسياسية التي خططت لها الصهيونية العالمية بالدعوة لإحراق نسخ من القرآن، فكان من الأجدر والأفضل للمسئولين السياسيين والإعلاميين في الدول العربية والإسلامية عدم الانجرار وراء هذا المخطط وعدم الوقوع في الفخ الذي نصبه الغرب الصهيوني لتشويه سمعة الإسلام وإثارة الفتن بين المسلمين والمسيحيين، ولكن بما ان الأوضاع قد تطورت الان بشكل أضحى هذا الموضوع الشغل الشاغل والحدث الأبرز في العالم بأجمعه فانه بات من الضروري بيان وتطبيق المواقف التالية:

- إبقاء موضوع او بالأحرى مخطط الدعوة لإحراق نسخ من القرآن داخل المجتمع الأمريكي واعتبار هذا الأمر يخص الساحة الأمريكية الداخلية وعدم القيام بأعمال انتقامية مهما كانت ضد المسيحيين او الاقليات الدينية الأخرى في الدول العربية والإسلامية تطبيقاً لمنع إثارة الفتن والحؤول دون تحقيق المخطط الصهيوني الداعي للتمهيد للحروب او احتلال دول في المنطقة تحت غطاء ديني هذه المرة. وكذلك منع استغلال موضوع الدفاع عن القرآن من جانب حكام المنطقة بهدف استمالة الرأي العام في العالم الإسلامي لصالحهم وإظهارهم انهم دعاة خير ومدافعين عن الدين وحقوق الناس أجمعين لا سيما وان التاريخ يحدثنا عن شواهد وحقائق تؤكد من ان معظم الحكام الطغاة والمستبدين في عالمنا العربي والإسلامي ومنذ قرون خلت وحتى وقتنا الراهن كانوا السباقين لإحراق الكتب السماوية وتمزيق وإهانة القرآن وعدم تطبيق اي من آياته والتعامل مع خلق الله والكتب السماوية والأحكام الإلهية بشكل أسوء ملايين المرات من العمل الحقير والسافل للقساوسة والحاخامات المتطرفين في أمريكا وإسرائيل.

- بما ان الاحتلال الأمريكي لدول في المنطقة يعد جزء من الوجود الغربي والصهيوني الداعي لإذلال وتحقير الشعوب العربية والإسلامية والإساءة لمعتقداتهم ومقدساتهم فان استهداف الوجود العسكري الصهيوني والأمريكي أينما وجد يعد رادعاً هاماً ورداً مطلوباً من جانب كافة أحرار العالم والقوى الدينية والوطنية في المنطقة لمنع تكرار مثل هذه المخططات ووأدها الى الأبد او عدم طرحها في أجهزة الإعلام الغربية مرة أخرى.

- الوقوف ضد اية مواقف او دعوات مساومة او تراجع من جانب أنظمة المنطقة والجماعات الدينية والسياسية والهيئات الإسلامية في أمريكا او أوروبا وعدم السماح لها بتقديم اي تنازلات مادية او إعلامية وسياسية حيال مثل هذه المخططات التآمرية والحاقدة بل ودعوة هذه الأنظمة بإطلاق تحذيرات واقعية لقطع العلاقات او تقليصها مع كافة الدول التي تخطط لإثارة الفتن الدينية وتعمد على تهديد دول المنطقة بالاحتلال والاستسلام ونهب ثروات شعوبها ولا فان الجماهير في الدول العربية والإسلامية ستعتبر هذه الأنظمة شريكة في تنفيذ المخططات الصهيونية والأمريكية الرامية لاحتلال المزيد من البلدان العربية والإسلامية والقبول بسلطة إسرائيل وقوات حلف الناتو على المنطقة.

* كاتب وإعلامي مستقل ـ السويد

[email protected]

شبكة النبأ المعلوماتية- الثلاثاء 14/أيلول/2010 - 4/شوال/1431

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1431هـ  /  1999- 2010م