حلم مارتن لوثر كينغ والصراع حول القيم

مرتضى بدر

الشهر الماضي وتزامناً مع الذكرى السابع والأربعين لخطاب الداعية المدافع عن الحقوق المدنية وحقوق السود في الولايات المتحدة الأمريكية (مارتن لوثر كينغ) تدفق عشرات الآلاف من الأمريكيين المحافظين المتشددين نحو العاصمة واشنطن، واحتشدوا في نفس المكان الذي ألقى فيه كينغ خطابه الشهير “لدي حلم” قبل 47 عامًا.

اليمينيون المتشددون وجميعهم من البيض تعمدوا اختيار التوقيت والمكان لتظاهراتهم الحاشدة؛ وذلك بغرض تشويه رسالة كينغ الإنسانية من جهة، وإيصال رسالة قوية إلى الأقلية السوداء والرئيس الأسود باراك أوباما، والحزب الديمقراطي من جهة أخرى، وكأنّ لسان حالهم يقول إن الحقوق التي حصل عليها السود في الولايات المتحدة قد أضرت بالبلاد وسكانها الأصليين من البيض، وأهانت كرامتهم حسب زعمهم؛ لذا تعمدوا رفع شعار “استعادة الكرامة” في مسيرتهم الأخيرة، التي دعا لها الإعلامي اليميني “غلين بيك” وأنصار حزب الشاي (Tea Party).

الشعار المرفوع يحتوي على مضامين عنصرية، ودعوة للكراهية، وانتهاك لحقوق السود والأقليات الدينية والمهاجرين. القس لوثر كينغ ك! ان يكافح من أجل تحقيق المساواة بين الأمريكيين، وقد ألقى خطابه الشهير أمام النصب التذكاري لإبراهام لينكولن الرئيس السادس عشر للولايات المتحدة في 28 أغسطس من عام 1963، وقال فيه: “يراودني حلم .. في يوم من الأيام ستنهض هذه الأمة لتلتزم بالمعنى الحقيقي لعقيدتها، وهي أن كل الناس قد خلقوا متساوين”.

اليوم وبعد مرور سنوات من تطبيق الحقوق المدنية والمساواة بين مختلف شرائح المجتمع، ترتفع أصوات الجمعيات اليمينية المتشددة، منادية بإعادة النظر في المبادئ التي رست عليه الدستور الأمريكي. هذه الجمعيات قد تزايدت أعدادها في العامين الأخيرين، ووصلت إلى 360 جمعية. ربما كان لانتخاب الرئيس باراك أوباما الذي ينحدر من أصول أفريقية، ومن عائلة مسلمة سبب في إثارة النعرة العنصرية من قبل هذه الجماعات.

اليوم الحركات العنصرية أخذت تجاهر بكرهها للسود أكثر من ذي قبل، وتزعم أن الرئيس الأمريكي يعادي البيض، وأنه لا زال يتمسك بالديانة الإسلامية، وقد اشتد غضبهم حينما ألقى كلمة في مأدبة الإفطار التي أقامها البيت الأبيض لرؤساء المراكز والجمعيات الإسلامية بمناسبة شهر رمضان، حيث قال في كلمته: “أعتقد أن الأمريكيين! المسلمين لهم الحق نفسه في ممارسة شعائر دينهم مثل المواطنين الأمريكيين الآخرين”، ودافع عن حقهم في بناء مركز في مانهاتن، وأكد “أن الحرية الدينية هي إحدى القيم الأساسية في الدستور الأمريكي، وأن مهمته دعم الدستور” .. تلك التصريحات أثارت حفيظة المتشددين. الحزب الجمهوري وكعادته ركب الموجة بصورة انتهازية، وحاول النيل من الديمقراطيين، وشارك اليمين المتطرف في الحملة الإعلامية ضد أوباما. وكما نعلم أن الانتخابات النصف دورية للكونجرس على الأبواب، وكل حزب يسعى إلى كسب المزيد من المقاعد. ونعلم إيضاً، في مرحلة الانتخابات عادة ما تداس القيم والمبادئ الأخلاقية، خاصة في ظل هيمنة وسائل الإعلام، وتقنية المعلومات.

إننا لو نقارن بين منطق مارتن لوثر كينغ وباراك أوباما اللذين استندا على القيم الإنسانية الواردة في الدستور الأمريكي من جهة، وبين منطق المناوئين لهم من الجماعات اليمينية، نجد أن الرجلين أقرب إلى القيم بالمقارنة لمعارضيهم الذين تحركهم النزعة العنصرية. ففي الوقت الذي كان فيه كينغ ينادي بالمساواة والتسامح، ويمشى أوباما تقريباً على نفس الطريق، نجد أن اليمين المتشدد قد سعى سابقاً ويسعى اليوم إلى زرع الكراهية، وبث العنصرية، ومعاداة كل من يختلف معهم في الدين ! واللون والعقيدة السياسية.

 مارتن ذهب ضحية الصراع على القيم والمبادئ، وقد اغتيل في 14 فبراير 1968 ببندقية أحد المتعصبين البيض. اليوم، إذا استمر الحزب الجمهوري في تقديم الدعم للجماعات اليمنية المتشددة، فإنه سيواجه خسارة على المدى البعيد، فمشاركة بعض قيادات الحزب في المسيرة الأخيرة قد أساء للحزب نفسه أكثر ما يسيء للديمقراطيين، وقد كشفت تلك المسيرة عن الوجه القبيح للمتطرفين اليمينيين في الحزب الجمهوري وخارجه، ومعظمهم من أصحاب المال والثراء. بتقديري، المسيرة الأخيرة لليمين المتطرف قد لا تشفع للجمهوريين، كما إنها في الوقت نفسه لم تقلل من شعبية الديمقراطيين، رغم تراجع شعبية الرئيس باراك أوباما. الانتخابات القادمة سوف تحدد مصير ومسار القيم والتسامح في المجتمع الأمريكي.

شبكة النبأ المعلوماتية- الاثنين 13/أيلول/2010 - 3/شوال/1431

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1431هـ  /  1999- 2010م