وداعا أمريكا

هادي جلومرعي

.. الاحتلال الامريكي جلب الكثير من المتاعب للعراق وشعبه طوال السنوات الماضية. وكان من نتائجه انه احدث فجوة واسعة بين طبقات اجتماعية عديدة على اساس عرقي وطائفي.

في ذات الوقت مثل الحضور الامريكي عاصفة غيرت الكثير من المفاهيم السياسية والاقتصادية والرؤية الى المستقبل، وأثر في اتجاهات الرأي العام، وجعل المنطقة كلها تفور، وأحدث ردود فعل سلبية عديدة، ولاننكر ان من ايجابياته انه مثل انقلابا في المنطقة والشرق الاوسط عموما..

تأثير الانسحاب على العراق سلبا او ايجابا يعتمد على طبيعة الرؤية الاقليمية للاوضاع في هذا البلد ومدى استعداد الفرقاء السياسيين للعمل بعيدا عن استخدام القوة والتفاهم من اجل بناء مصالح متوازنة.. والخشية تكمن في محاولة دول اقليمية لدفع الفرقاء للتناحر. نحن إذن بحاجة الى حكومة قوية لابد أن تظهر الى العلن خلال الفترة القليلة المقبلة.

في هذا الاطار فإن القوات العراقية بحاجة الى النأي بنفسها عن التحزب والرضوخ لسلطة الاحزاب والقوى المتنافسة وعليها ان تتلقى الاوامر من الجهات التنفيذية دون الرجوع الى الولاء الطائفي والقومي لانه سيضعف حضورها الميداني.

أما التهديدات المسلحة والعنفية فإنها ستتصاعد خاصة في حال تأخر تشكيل الحكومة وبقي التناحر السياسي بين الفرقاء، ولن يكون بالمقدور مواجهة العنف الفوضوي واخشى ان اطراف اقليمية ومحلية تسعى لصناعة فراغ حقيقي يوفر اجواء سيطرة لقوى محددة.

 الوضع السياسي في البلاد سيكون قلقا ما لم تتوفر ارادة سياسية لدى القوى المتنافسة لتكون مصلحة البلاد متقدمة على المصالح الاخرى الحزبية او القومية والطائفية.. نحن بحاجة الى حكومة متوازنة لاتتجاهل أحدا او تستثنيه من المشاركة فيها ومن صناعة القرار.

 يمكن القول إن العراقيين أرهقهم العنف والتناحر والإختلاف والإفتراق على أساس الدين والطائفة ولذلك نحن بحاجة الى إرادة شعبية تمنع بعض الجهات من إستغلال الاوضاع لكي تصعد العنف لغايات لاتلتقي ومصلحة المواطنين البسطاء. وسيكون الانسحاب الامريكي فرصة لمعرفة كيف ستسير الامور في المنطقة العربية والشرق الاوسط وتأثير الإنكفاء الامريكي على الوضع السياسي في العراق ؟ وهل سنمضي الى حلقة جديدة من العنف أم الى إستقرار كنا ومازلنا ننشده.

ولابد من التنبيه الى إن جميع دول الجوار ستواصل التدخل في الشأن العراقي بطرق وأساليب تتلائم وطبيعة الوقائع على الارض وبحسب الوجود الامريكي وشكله بعد الانسحاب. مثلما أن الفرقاء السياسيين لن يكون بمقدورهم لسنوات قليلة قادمة على الاقل العمل دون الحصول على الدعم الاقليمي خاصة وإن موازين القوى غير متكافئة. وهذا شعور متوفر لدى قوى سياسية عديدة تعتقد أن هنالك إستئثار بالسلطة على أساس طائفي أو قومي ولم تخف قوى أخرى خشيتها من تمدد إقليمي في حال تحقق الانسحاب الامريكي الذي يمثل الان مفارقة كبيرة حيث كان الشيعة سعداء بالتدخل الامريكي وهم الآن من المتحمسين لإنهائه، بينما يرفض السنة الانسحاب ويطالبون بتأجيله وهم كانوا من الرافضين للتدخل.

وهو إنقلاب في المعادلة ويفصح عن شكل خطير من أشكال التحول في المنطقة. خاصة مع الصعود الايراني والإنكفاء العربي وغياب روح المبادرة عند العرب الذين رفضوا مساعدة العراق بينما كانت إيران تمارس اشكالا من النشاط سواء بدعم الحكومة أو دعم المقاومة للوجود الامريكي وباشكالها المتعددة.

وعلى هذا فالتفاؤل بمستقبل أفضل لهذا البلد ينطوي على مجازفة حقيقية ولابد من الحذر في إدارة السياسة المحلية وفي التعاطي مع الاقليم المجاور لان المخاطر المحدقة بالعراق بعد الانسحاب الامريكي ليست بأقل من مثيلاتها عندما كان الاحتلال واقعا يعيشه العراق وكل بلدان المنطقة وجميعهم ثأثر به بمستويات مختلفة.. ولننتظر القادم..

hadeejalu@yahoo. com

شبكة النبأ المعلوماتية- الأربعاء 8/أيلول/2010 - 28/رمضان/1431

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1431هـ  /  1999- 2010م