هل خدع العالم بحقيقة العلاقات بين إيران وأمريكا؟

خليل الفائزي

يستغرب معظم المراقبين انه في الوقت الذي ظل فيه الرأي العام في المنطقة والعالم يتابع ويترقب بين لحظة وأخرى اندلاع المواجهة العسكرية بين أمريكا وإيران على خلفية تشغيل مفاعل بوشهر النووي وما رافقه من ضجة إعلامية كبرى بشأن الاستعدادات العسكرية الهائلة التي قامت بها إيران لمواجهة اي عدوان إسرائيلي او أمريكي لتدمير منشآت إيران النووية، كشف النقاب فجأة عن محادثات سرية هامة قام بها رئيس مكتب رئاسة الجمهورية الإيرانية رحيم مشائي في واشنطن ولقائه مع سفير أمريكا في إسرائيل لتقييم العلاقات بين طهران وواشنطن ومعرفة مواقف وخطط تل ابيب حيال برامج إيران النووية!.

 وعلى ذمة النائب الإيراني الياس نادران فان رئيس مكتب رئيس الجمهورية هو على اتصال دائم مع كبار المسئولين في واشنطن منذ عدة سنوات وان رحيم مشائي دعا مؤخراً مئات الأمريكيين وسماسرة تطبيع العلاقات بين واشنطن وطهران الى مؤتمر عقد في العاصمة الإيرانية تم فيه ـ حسب قول هذا النائب في البرلمان الإيراني ـ توزيع افخر أنواع الخمور وإقامة حفلات الرقص الليلي المختلط على أنغام تقييم افضل للعلاقات بين البلدين والحيلولة دون وقوع حرب بينهما حتى الصباح!.

 حقاً اننا نعيش في عالم ملئ بالمهازل السياسية والإعلامية خاصة إذا كانت تصريحات النائب الياس نادران في البرلمان الإيراني صحيحة خاصة وإنها لم يتم نفيها حتى الآن وانه طالب باستجواب وزير الخارجية منوشهر متكي لمعرفة حقيقة مواقف الحكومة الإيرانية من العلاقات العلنية والخفية مع أمريكا حتى يكون البرلمان الإيراني على بينة على الأقل.

 ويتساءل المراقبون المستقلون منذ أعوام يا ترى ما حقيقة هذه العلاقات ، هل هي علاقات مبنية على العداء الاستراتيجي والسياسي والعقائدي بين ما توصفان بالإمبريالية الأمريكية والدولة الإسلامية ام انها علاقات خفية وذات مصالح إستراتيجية واسعة ومشتركة خاصة في العراق وأفغانستان ومنطقة الشرق الأوسط؟. وهل ان هذه العلاقات هي في الواقع علاقات أشبه بعلاقات الذئب مع الحمل كما قيل ولا يمكن ان تدوم حتى لعدة لحظات ام إنها علاقات مشوبة بالأسرار والألغاز خاصة وان سياسة أمريكا تجاه الملف النووي ساذجة وحمقاء جعلت إيران تدخل عمليا ورسميا في عضوية النادي النووي الدولي في غضون عام واحد فقط؟.

 ويا ترى ما هي حقيقة سياسة التهديد والوعيد الأمريكية او ما تسمى بسياسة العصا والجزرة حيال الحكومة الإيرانية هل هي نابعة من ذكاء وحنكة الساسة الأمريكيين لتقاسم الحصص والمصالح المشتركة من خلال التسخين الدائم لأزمات الشرق الأوسط ودفع دول المنطقة شراء المزيد من الأسلحة وارتماء العديد من الأنظمة والشعوب في أحضان السلطة الأمريكية الناهبة لثروات وخيرات المنطقة، أم إنها سياسة تدل على غباء الإدارة الأمريكية التي جعلت من إيران لاعباً أساسيا في منطقة الشرق الأوسط ووسعت من نطاق نشاطها ودورها في العراق وأفغانستان ولبنان وجعلت الكثير من الدول العربية النفطية تسارع في الخفاء لعقد الاتفاقيات الأمنية مع إيران ورفع مستوى التبادل التجاري والاقتصادي معها على مدى الأعوام الماضية رغم وجود الحصار والعقوبات الدولية المزعومة؟.

 يا ترى هل ان هذه العلاقات هي علاقات ندية وتنافسية بين أمريكا المتورطة سياسياً وعسكرياً في مستنقع الشرق الأوسط، وإيران التي تقود جبهة العداء للسياسة الأمريكية السلطوية وتنوب عن روسيا والصين وأوروبا ومعظم دول العالم لوضع حد للاستفراد الأمريكي بمصير واقتصاد المنطقة والعالم، ام انها علاقات ود وتناغم وتبادل الأدوار السياسية والعسكرية لحصد المصالح المشتركة تحت يافطة العداء الاستراتيجي والمواجهة الصاعدة بين الطرفين خاصة وان تصعيد العداء الأمريكي المزعوم ـ حسب قول المعارضة الإيرانية ـ تزامن مع ادعاء القوى الإصلاحية فوزها الكاسح في الانتخابات الرئاسية الأخيرة ونزول المعارضة الى الشوارع بأعداد هائلة، الأمر الذي دفع الإدارة الأمريكية لتطبيق خطة العداء الوهمي للحكومة الإيرانية والتخطيط لإسقاطها ولكن في لواقع لتمكينها من تصدير أزمتها الداخلية الى خارج إيران وتبرير قمعها للإصلاحيين بشكل واسع النطاق بعد أحداث الانتخابات من خلال الزعم بوجود عدوكاسر وعدوان غاشم يقف على أبواب البلاد ويريد غزوها ؟.

 الحقيقة انها ليست المرة الأولى التي يتم فيها الكشف عن وجود قنوات او شخصيات لتقييم وتطبيع العلاقات الثنائية بين أمريكا وإيران ، فقد اعترف الطرفان خلال الأعوام الماضية بإجراء محادثات سرية على الأقل في أربع عواصم أوروبية وبشكل مباشر دون وسطاء ووافقت القيادة الإيرانية خلال العامين الماضيين على إجراء محادثات أمنية وسياسية مع أمريكا لدراسة الوضع القائم في العراق وان هذه المحادثات استمرت اكثر من عام قبل ان تتوقف رسمياً، وادعت أمريكا آنذاك ان إيران طالبت أمريكا بتنفيذ عدة شروط مسبقة منها الإفراج عن أموال إيران المجمدة في أمريكا منذ عهد شاه إيران السابق والمطالبة باعتقال وتحويل كافة زعماء وأعضاء ما تسمى منظمة مجاهدي خلق الإيرانية المتواجدة على الأراضي العراقية وعدم تقديم أمريكا اي دعم ومساعدات مادية او سياسية او إعلامية للمعارضة الإيرانية خاصة وان طهران ادعت ان أمريكا ودول نفطية مثل السعودية رصدت مئات ملايين دولار وفي بعض التقارير الرسمية عشرات مليار دولار لدعم المعارضة والقوى الإصلاحية داخل وخارج إيران.

 وخلافاً للشعارات الإعلامية المرفوعة من جانب النظام الإيراني فان الرئيس الإيراني احمدي نجاد ظل يدعو نظيره الأمريكي باراك اوباما دوما لتطبيع العلاقات بين البلدين من خلال الجلوس معاً حول طاولة مفتوحة والإجابة سوياً على أسئلة الإعلاميين خاصة وان احمدي نجاد لازال يعتقد ان اوباما اصله من جذور إسلامية وأفريقية وعليه ان يقف الى جانب دول مثل إيران وليس مناصبة العداء لها.

 واشترطت القيادة الإيرانية من خلال طرح مواقفها وبيان تصريحاتها الحوار مع أمريكا، ان يكون الحوار مباشرا ودون شروط مسبقة وان تعترف أمريكا بقدرة ومصالح النظام الإيراني وترفع عنه العقوبات وتمنحه المزايا الاقتصادية والتقنية مسبقاً وان تكف واشنطن عن عدائها لهذا النظام وان لا تعارض برامجه النووية وحصوله على أسلحة صاروخية ودفاعية.

 وخلال الأشهر الماضية رعت ونفذت أمريكا حملة سياسية وإعلامية واسعة النطاق لتطبيق القرار الصادر من مجلس الأمن رقم 1929 ، وزعمت واشنطن من ان هذا القرار سوف يشل قدرة النظام الإيراني ويجعله يركع أمام إرادة المجتمع الدولي او بالأحرى سياسة أمريكا، الا ان هذا القرار واجه حتى الان مصير القرارات المماثلة السابقة ووضع في أرشيف المساعي الأمريكية الفاشلة او نفذ ربما تطبقا للسياسة الأمريكية الرامية للتغطية على المصالح الإستراتيجية المشتركة مع خصومها الوهميين!

 وبالمقابل فان الإدارة الأمريكية ظلت ترسل الإيماءات والرسائل العلنية والسرية لتطبيع العلاقات مع إيران من خلال اتخاذ مواقف لصالح طهران في العراق وأفغانستان ولبنان والزعم انها منعت حتى الآن إسرائيل من إرسال طائراتها الحربية لقصف مواقع ومفاعل إيران النووية وأكدت إدارة اوباما ووزارة خارجية أمريكا انهما لا تؤيدان العمل العسكري ضد النظام الإيراني وانهما تمدان اليد مبسوطة لمعانقة هذا النظام والتحاور سلمياً معه. وتقول الحكومة الإيرانية علانية انها تتمنى ان لا يقع الرئيس اوباما في الأخطاء ذاتها التي وقع فيها بوش حينما وصف النظام الإيراني آنذاك انه يمثل الضلع الأساسي فيما نعته بمثلث الشر المعادي لارادة المجتمع الدولي والمصالح الغربية.

 وتتوقع أجهزة الإعلام الحكومية في طهران ان يشارك الرئيس الإيراني احمدي نجاد في حوار مفتوح مسئولين أمريكيين خلال زيارته المرتقبة لنيويورك على هامش اجتماع الجمعية العمومية للأمم المتحدة بهدف حل الأزمات والحيلولة دون وصول الأمور الى مواجهة عسكرية، وهي المواجهة التي يستبعد العديد من كبار المسئولين الإيرانيين حدوثها على ضوء المساعي الأخيرة الداعية لاحتواء الخلافات بشأن الملف النووي الإيراني واستعداد طهران المشاركة في محادثات مع مجموعة (5+1) التي تترأسها واشنطن وهي المحادثات التي من المقرر ان تجري قريباً في إحدى العواصم الأوروبية.

 ومع هذا يبقى السؤال مطروحاً بشأن حقيقة محادثات الرجل الثاني في حكومة احمدي نجاد ومع كبار المسئولين الأمريكيين خاصة وان هذا المسئول (رحيم مشائي) له مواقف مؤيدة للإسرائيليين وكان قد وصفهم بالأصدقاء الواقعيين للنظام الإيراني وله تصريحات ناقدة للمسلمين ومعارضة للإسلام من خلال ترجيحه علانية القومية الإيرانية على الدين الإسلامي وله إستراتيجية مدافعة عن سياسة أمريكا في المنطقة والعالم من خلال التأكيد من ان العداء لأمريكا ليس مقدسا ولابد من تخطيه وإزالته.

 ويقسم المراقبون بشكل عام مواقف المسئولين الإيرانيين حيال العلاقات مع أمريكا الى ثلاث فئات، الأولى القيادة الإيرانية التي تعارض العلاقات مع أمريكا بشكل عام وتعتبرها خطراً على أركان النظام وسيادة البلاد وتحذر من خطر هذه العلاقات لان هدف أمريكا الأول والأخير حسب هذه الرؤية هو القضاء على النظام الإيراني او احتواء قدرته وجعله عرضة للتغيير والإطاحة ودعم المعارضة بكافة أشكالها.

 الفئة الثانية هي فئة الحكومة التي توزع الشعارات البراقة المعادية لأمريكا بالأطنان وبالمجان يومياً الا انها لا تعارض في الواقع فتح باب تطبيع العلاقات مع أمريكا خاصة في الأوقات العصيبة والاستفادة من غباء السياسية الأمريكي لمصالحها الفئوية وحتى السماح لامثال مشائي الإدلاء بتصريحات تدافع عن الصداقة والود مع الإسرائيليين وعدم العداء لسياسة أمريكا السلطوية في المنطقة والعالم.

 الفئة الثالثة هي فئة الإعلاميين الرسميين والسياسيين الهامشيين ونواب البرلمان المدافعين عن الحكومة من الذين يصابون بالنشوة والغرور ويرفعون أصواتهم عالياً لمجرد إشارة الحكومة لانتقادات بالجملة والمفرق لسياسة الإدارة الأمريكية او تحقير مواقفها وسياساتها في داخل وخارج أمريكا لكن هؤلاء يلوذون بالصمت المطبق ويدسون رؤوسهم كالنعام في التراب عندما يسمعون ويرون مندوب حكومة احمدي نجاد يتحاور علانية مع مسئولي البيت الأبيض ويتسامر مع سفير أمريكا في إسرائيل بشأن تعميق العلاقات بين البلدين والبحث سوية عن مخرج لإيهام الرأي العام بحقيقة هذه العلاقات او ربما التمهيد للجهر بها علانية بعد ثلاثة عقود من الغموض والأسرار الخفية بشان حقيقة ملف خبايا العلاقات بين طهران وواشنطن.

* كاتب وإعلامي مستقل

[email protected]

شبكة النبأ المعلوماتية- الاثنين 6/أيلول/2010 - 26/رمضان/1431

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1431هـ  /  1999- 2010م