الامام علي(ع) القانون الواضح

د. اسعد الامارة

عرف عن الامام علي بن ابي طالب (ع) انه يفرق بين الحق وبين الباطل بكل وضوح وبلا مداهنة، يميز بجلاء بين المسموح وبين الممنوع بكل نقاء ويحدد بصمت ما عليه وعلى اتباعه في غير عناء حتى عرفه اتباعه ومن عادوه انه هذا القانون الواضح أكثر من كونه قاعدة مؤقتة للالتزام بالمبادئ حد التشدد، ورغم ذلك كان قاعدة يحتذى بها ولسنا مغالين اذا قلنا انه طبق قانون السماء في الارض على غيره ولم يستثني نفسه او أهل بيته لذلك كثيرا ما اختلط الامر على قلة معدودة فظنوا أنهم يخافونه ولذلك يطيعونه وازاء ذلك خرجوا عليه من خافوا منه وتذبذبوا بين الايمان بمبادئه وهي الاسلام بنقاءه وبين الدنيا وما جنوا منها باسم الاسلام.

عاش علي بن ابي طالب(ع) كل حياته يحمل مبادئه بين حناياه في اشد الظروف التي مرت بها الدعوة الاسلامية منذ بزوغها في فجر الرسالة الاسلامية، فكان يتصرف على اشاعة الطمأنينة بين المسلمين لقوته وجرأته التي تجلب الكرامة فكثيرا من احتذى به في اكثر الظروف التي مر بها الرسول(ص) شدة وقسوة،فكانوا اشياعه واتباعه يرون فيه انه شامخ لايهاب وبنفس الوقت معتدا ً بحقه في تطبيق الاسلام الصحيح وليس الاسلام السياسي الذي انكشف رجاله واتباعه وخرجوا عليه في كل المراحل بعد رحيل النبي محمد(ص) فكان يستشار ولا يستشير، يرُهب ولا يرهب، بل يحترم حتى من ألد اعداءه واشدهم بغضا عليه لقربه من رسول الله وزوج ابنته(ابنة الرسول-ص-).

هذه الميزات التي لم تحفل بها شخصية من قبله او من بعده ولا نغالي ان قلنا انها شخصية نادرة قد لا تنطبق سماتها على بشر غير علي بن ابي طالب، تلك الشخصية بقيت وما زالت باقية جدل الفكر والمبادئ والوجود المتزن في الدين والدنيا معاً.

سارت الملايين على مبدأ (علي بن ابي طالب) المتجسد في الاسلام النقي عبر اكثر من اربعة عشر قرناً، هذا المبدأ الذي خطه( ابا الحسن) هو صمام الأمان في الوعي الفاهم للدين رغم العواصف التي مرت بها التيارات المتعددة في الاسلام.

قالوا عنه انه إمام المتقين، ونعتوه بأنه ابو الفقراء، وسموه الحق بعينه، ووصفوه بإنه باب مدينة العلم،فهو يأخذ العلم مختلفاً من محمد(ص) كما تأخذ الشخصية شاكلة مختلفة من محمد (ص) ايضا، فبالرغم من موسوعيته الشاملة كان لا يتحدث إلا بعلم عميق صعب على الاخرين فهمه، فهو لم يتحدث الى ماهو غث وتافه من الامور لذلك ما مر يوم في مجلسه او في حضرته إلا كان يقدم أعقد ما في العلم بكل سلاسة وسهولة تكاد تغري اشد المتعنتين ضده ببلاغته وعلمه فيلين (الليونة) من كان شديدا في عداءه للاسلام.

علي بن ابي طالب (ع) هو العلم الذاتي وليس لناقل للعلم، لذلك عدوه إمام بحق خلال مسيرة حياته منذ بزوغه حتى استشهاده.

جمع علي بن ابي طالب (ع) بين مفهومي التفقه في الدين والعلم في الدنيا لذا بقيا يحتلان مكان الصدارة في الاسلام حتى وان رغب البعض عمدا او بغير قصد محو شخصية هذا الفقيه العالم بالعداء السياسي او العداء الشخصي او العداء لانتسابه لآل محمد(ص). يرجع له الفضل في ابراز الاسلام النقي القائم على مبدئية محمد وآل بيته على المستوى الواقعي البعيد عن السياسة والمصالح او التدين الزائف او التدين الممزوج بالوصولية.

يلتحم لدى (علي بن ابي طالب –ع-) مفهوما التفقه في الدين والعلم في الدنيا التحاماً متكاملا في وجود انساني كلي يفقد معناه بل كيانه عند معظم معاصريه حتى وان كانوا من ادعى البلاغة والعلم بغير هذين المفهومين، فلم يجمع اي من معاصريه هذه البلاغة في الفقه والعلم، فهو (علي) افصح في التفسير بالدين ببلاغة عن جادة الحق فيما فسره قل مثيله وفي العلم ما ابدعه من حكم وقوانين لم يعرفها غيره منذ فجر المعرفة العلمية العقلية.

لو عد علي بن ابي طالب منظراً في تلك الازمان وما تلاها لحقق اعلى صفة تلصق به وهو النظر والتنظير ولو كان صاحب فكر وتفكير لحق لنا ان نقول انه شيد صروح من المعرفة الفكرية والتفسيرية من البلاغة قل نظيرها، لذا يعد بحق محك الايمان الصادق بالدين الصحيح وبغيره لايكون الفحص فحصاً للاسلام الصادق.

* استاذ في علم النفس- الاكاديمية الاسكندنافية الامريكية

[email protected]

شبكة النبأ المعلوماتية- الخميس 2/أيلول/2010 - 22/رمضان/1431

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1431هـ  /  1999- 2010م