هل لنا من القدرة؟!

حول مقترح تفعيل الطاقة النووية للأغراض السلميّة

د. مؤيد الحسيني العابد

ممّا يبعث الأسى عند العديد من أرباب العلم هو هذه الفجوة الكبيرة بين الدول العربية والدول المتقدمة في العديد من المجالات لاسيما الطاقة النووية التي باتت من الأهمية أن يجب على الدول العربية السعي الى بناء القاعدة الأساس لهذا المجال أي التوسّع في الاهتمام بالطاقة العلمية للانسان العربي والانسان المسلم عموماً.

 لقد مرّ زمن ليس بالقصير والكثير من الكتّاب الذين يدّعون الثقافة العالية قد بنوا بنياناً مرصوصاً!! بينهم وبين التقدم العلمي والتطرق اليه في كتاباتهم. وكلّ وقت نشعر بالهوّة بيننا وبين الدول المتقدمة تكبر أكثر فأكثر ونحن مازلنا مستمرّين في رفد الفضائيات بالطاقات الناعمة!! التي تتراقص يميناً وشمالاً واموال البترول تذهب الى ما ينفق بطريق السحت والرذيلة! حتى وصل الأمر إلى تقليد البعض للبعض والتسابق المحموم إلى الهاوية!

 لقد كتبت إحدى الصحف الصادرة في السويد(صحيفة المترو:الصادرة في الثالث من شهرآذار عام 2009) حول الأمان في محطات الطاقة النووية. حيث أشارت الصحيفة الى أنّ السويد قد أثارت من جديد موضوع الطاقة.

حيث تدرس الحكومة السويدية العديد من الخيارات لرفد البلد بالطاقة اللازمة، وفي كلّ حركة تطور بإتّجاه البيئة والتقدم في مجال الطاقة النووية لأغراض إنتاج الطاقة الكهربائيّة التي باتت مشكلة عالمية كمشكلة المياه والتعامل مع البيئة بالوسائل السليمة والناجحة التي تخفف من هذا الجبروت المسمّى بالتلوّث الذي أوصل العالم الى أن لا صيفه كالصيف ولا الشتاء كالشتاء!

هناك عوامل عديدة تتحكم في عملية إنشاء المفاعلات النوويّة وهي الامان النووي، ووجود القدرة العلمية وأرباب العلم في هذا المجال بالاضافة الى المكان المناسب والسعي للتعامل مع الوضع العالمي الذي يستند على التعاون الدقيق في هذا المجال(خاصة للدول غير القادرة على الاستمرار لوحدها في هذا المجال كالدول العربية مثلاً).

ربما يطرح سؤال قد طرح لاكثر من مرة! هو هل الطاقة النووية جيدة أم سيئة للبيئة؟ كي نفكّر في بناء المفاعلات للاغراض السلميّة؟

تعتبر الطاقة النووية العامل الأساس والطريقة المثلى الوحيدة(على الأقل لحدّ الآن!) التي يمكننا من خلالها الحد وبشكل كبير من إنبعاثات غاز ثاني أوكسيد الكربون. حيث قامت بعض الدول بخفض إنبعاثات كميات كبيرة منه(وصلت الى 50% بين عامي 1973 و2000 في السويد) بسياسة علميّة رصينة بفضل التوسع في الطاقة النووية. وقد خفّضت فرنسا هذه الإنبعاثات الى 35% منه خلال نفس الفترة. بينما تعاني العديد من الدول من مشكلة إستمرار بل تزايد إنبعاثات الكربون التي سبّبت وتسبّب المشاكل الكبيرة لنا نحن البشر. حيث مازالت نسب إنبعاثات ثاني أوكسيد الكربون عالية وليست قريبة من أرقام تبعث على الإطمئنان!

وقد شخّصت العديد من حالات التأثير البيئي في هذا الجانب وقد كانت عمليات التعدين لليورانيوم أثر كبير كذلك في زيادة نسبة التلوث بغاز ثاني أوكسيد الكربون. بالإضافة الى إختلاف طرق التعدين التي تتباين من عملية الى أخرى. بالإضافة الى إنتشار كميات هائلة من النفايات النووية الصادرة من عدة مصادر منها الوقود المستهلك القادم من المفاعلات النووية والتي تكون عالية الاشعاع وذات نظائر باعمار نصفيّة طويلة. فوجب علينا أن نقوم بطرق مثلى لعزل هذه النفايات عن المحيط الجوي على نحو أفضل والتعرّف على التقنيات الصحيحة والمتطورة للتعامل مع أي حالات تسرّب قد تحدث من هذه النفايات وتسبب للمحيط عموماً العديد من مشاكل التلوث التي تهدد الحياة والصحة لكلّ الكائنات الحيّة.

هل لنا القدرة في إمتلاك الطاقة وفق الاسس الصحيحة؟!

نحن نحتاج الى المساعدات الممكنة من العديد من الدول منها دول أوربا التي ليس لها شروط تعجيزيّة في هذا الجانب الا تلك الشروط التي تشترطها الوكالة الدولية للطاقة النووية وفق القواعد المتبعة من قبل الجميع. من هذه الدول السويد التي تسعى الى بناء أجيال جديدة من المفاعلات النووية والتي ستقوم بتنفيذها بين الأعوام 2020 و 2030. وعلاوة على ذلك الطرق الحديثة التي تتبعها في تطوير تكنولوجيا التعامل مع إعادة استخدام النفايات المشعة ذات النظائر بالأعمار النصفيّة الطويلة.

وهذه التكنولوجيا ذات إمكانيات تتيح للتقليل من كمية النفايات طويلة الأعمار النصفيّة الى درجات كبيرة وتقليل الفترة الزمنية اللازمة للخزن الى أقل من الزمن المتعارف عليه وهو 1000 سنة على أقل تقدير!

إنّ للعديد من الدول المتقدمة في هذا الجانب (ومنها السويد كما قلنا) دوراً في تطوير واختبار تكنولوجيات لهذه المفاعلات المتقدمة والتكنولوجيات المتقدمة في التعامل مع النفايات النووية المشار لها. وهنا نشير الى قدرتها على إنتاج الطاقة الكهربائيّة بتكلفة معقولة. تسعى هذه البلاد الى إنشاء الجيل القادم من المفاعلات والمسمّى بالجيل الرابع سيتيح إستخدام وقود اليورانيوم 100 مرة أكثر من الفعالية الإعتياديّة والمستخدمة الآن. وفي هذا البلد الكميات والنوعيّة الجيدة في مناجم منطقة (اوسكارشامن) والذي سيساعدهم في إدامة عشرة مفاعلات نووية من الجيل الرابع لمدة 500 عام من دون الحاجة إلى حفر غرام من اليورانيوم من تحت التربة طوال هذه الفترة الزمنيّة! وقد كان الكلام في التركيز على هذا الجيل من المفاعلات لايصال مستوى إنبعاثات غاز ثاني أوكسيد الكربون الى نسبة الصفر! مع تغطية 50% من إحتياجات الكهرباء على مستوى السويد والقدرة على تصدير الكهرباء إلى بلدان الاتحاد الأوروبي مما يساعد على المساهمة في إنخفاض مستوى الإنبعاثات في عموم أوربا بنسبة كبيرة.

وبالتالي سينعكس ذلك إيجاباً على مستوى العالم. وستكون زيادة مفاعلات من الجيلين الثاني والثالث الى 700 مفاعل على مستوى العالم الى سنة 2030 تلك السنة التي يبلغ فيها السويد الجيل الرابع وال700 مفاعل المذكورة ستغطي 20 الى 25 بالمئة من إستهلاك كهرباء العالم! آخذين بنظر الإعتبار حركة التطور على مستوى العالم. وهنا سيؤدي الى خفض كبير في إنبعاثات الكربون في عموم العالم، في وقت واحد.

السؤال الآن هو هل لنا أن نسرع في وضع الأسس الصحيحة والتعاون لانشاء منظمة أو مؤسسة على نطاق المنطقة(وقد أشرت للمقترح في أكثر من مناسبة وفي أكثر من مكان!) تشترك بها دول الاقليم من العراق وسوريا ومصر ولبنان والاردن وايران وتركيا والسعوديّة بالاضافة الى دول أخرى يمكن لها أن تستفيد من بعضها البعض لوضع خطة التغطية الكاملة لانتاج الطاقة الكهربائيّة والتي يمكن أن تقوم كذلك بحلّ مشكلة المياه بالقيام بعمليات التحلية اللازمة لمياه البحر والقيام ببناء شبكة متكاملة من الخدمات على مستوى تلك الدول اذا ما علمنا انّ الاحتياجات المتزايدة للطاقة الكهربائيّة تحتّم على تلك الدول التفكير الاجدر للقيام بحلّ واسع وعلمي لهذه المشاكل التي باتت مستعصية على العديد من دول المنطقة.

ربّ سؤال يسأل حول النفقات في عملية الانشاء فيكون الجواب مما تنفقه هذه الدول على حلول لم تأت بشيء محسوس وملموس بهذا الاتجاه!

لو أخذنا بنظر الاعتبار احتياج ايران من الطاقة للاحظنا انّ 75% من الطاقة الكهربائيّة تغطيها من توليد الغاز و18% من النفط بالاضافة الى 7% من الطاقة المائيّة لغاية عام 2006. وعدد نفوس البلد تبلغ 75 مليون وفق احصاء العام 2009. أي أنّ السعي الايراني الى بناء مفاعلات منذ فترة ليست بالقصيرة هو لتخفيف نسبة التلوث الكبيرة الموجودة في سماء طهران وعموم ايران لذلك لا نستغرب من الإلحاح الايراني على التوجّه الى الطاقة النووية. وكمثال على ذلك التوجّه ما بلغت نتائجه اليوم من إفتتاح مفاعل بوشهر(راجع المعلومات الكاملة حول المفاعل في مقالاتنا وأبحاثنا حول البرنامج النووي الايراني! في:

http://www.ahewar.org/m.asp?i=2570

ومن ضمن ما صرّح به مدير منظّمة الطاقة النووية الايرانية الى أنّ تشغيل هذا المفاعل سيوصل الى إنتاج الطاقة الكهربائيّة الى 1000 ميغاواط بعد سبعة أشهر! وهناك تشغيل آخر لمحطة دارخووين عام 2016.

إذا كان هذا العدد من النفوس يقتضي الحصول على الطاقة الكهربائية بقدر كبير ولتخطيط سيصل الى المستوى الذي يجعل هذا البلد مكتفيا ذاتيا في تغطية كل الاحتياجات من الطاقة الكهربائيّة لسنوات قادمة قد تصل الى عام 2020 أما كان ينبغي للدول العربية والاقليمية الاخرى السعي للحصول على هذه الطاقة التي باتت مهمة بل لا تقل أهمية عن أي خدمة من الخدمات التي تقدم للمواطن! إذا ما علمنا أنّ مصر لوحدها يبلغ عدد نفوسها قرابة 75 مليون نسمة والعراق 31 مليون نسمة!

شبكة النبأ المعلوماتية- الثلاثاء 31/آب/2010 - 20/رمضان/1431

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1431هـ  /  1999- 2010م