الإعمار العشوائي في العراق... فساد مبطن وجهود ضائعة

 

شبكة النبأ: ليس صعبا على المتابع أن يرى نوعا من العشوائية والفوضى في العديد من المدن العراقية تحت حجة (الإعمار) حيث الحفريات تنتشر في أغلب الشوارع والساحات والأحياء السكنية، وحيث الكثبان الرملية تتعالى هنا وهناك وحيث الطرق تُقطع عند هذا المفترق او ذاك، فترى لوحة تضج بالفوضى، وحين تحاول أن تفهم ما يحدث يمكنك أن تسمع الكثير من التعليقات التي قد تقترب او تختلف عن بعضها.

وثمة الكثير من الامثلة في هذا المجال، هناك مثلا شارع رئيسي في احد الاحياء الشعبية بمدينة كربلاء المقدسة وتحديدا في حي العامل، بدأ فيه الاعمار قبل سنوات عديدة وتم حفره من اجل انشاء شبكة الصرف الصحي ولا يزال هذا المشروع يراوح بمكانه فبقي غير صالح للاستعمال الصحيح حتى هذه اللحظة، فهو مليء بالحفر العميقة التي تشبه مجرى النهر احيانا ناهيك عن اكوام القمامة المنتشرة على جانبيه، وحين تحاول أن تسأل عن سبب هذا الجمود في التنفيذ فلا تجد جوابا شافيا، مع انك تلاحظ نوعا من الفوضى التي لا تليق بمثل هذه الاماكن قط كونها اماكن سكنية تضم آلاف العوائل.

مثل هذا المشهد يتكرر في أماكن اخرى عديدة وفي مدن عديدة ايضا، البعض وخاصة المسؤولون يبررون هذا الحال بأنه ناتج عن تواصل الاعمار والعمل المتواصل من اجل انجاز الخدمات التي يحتاجها الناس، وهو أمر جيد ومطلوب فعلا، بيد أن الاعتراض يتركّز على الطرق والاساليب التي تتم فيها عمليات الاعمار.

فالمتعارف عليه في حالة قيام احدى الشركات بعمل ما يستوجب قطع الطريق الفلاني من اجل انجاز العمل فإنها تكون ملزمة بإيجاد المسلك او الشارع البديل من اجل تحقيق انسيابية السير، بل لابد أن تكون هذه النقطة شرطا من شروط التعاقد مع الشركات التي ترسو عليها المزايدة بالقيام بهذا المشروع او ذاك.

لكننا اليوم نرى ان هذه الشركات تباشر بعملها من دون ان تلتزم بهذه النقطة فتترك السيارات تبحث بنفسها عن الطرق البديلة مما يتولد عن ذلك فوضى  واختناقات كبيرة في السير نتيجة العشوائية في العمل، أما الحفريات فهي كثيرة  حيث تتوزع جوانب الطرق والساحات وتؤدي في الغالب الى تغيير في المسارات والمسالك من دون دراسة او تخطيط مسبق.

يُضاف الى ذلك بطء كبير في الانجاز ناهيك عن درجة الجودة، إذ أننا يمكن أن نلاحظ إخفاقا في النوعية في هذا المشروع او ذاك، لاسيما ما يتعلق بالمشاريع الصغيرة او حتى المتوسطة التي تٌحال الى المقاولين الذين يهدفون بالدرجة الاولى الى الربح على حساب أي شيء آخر كما أن القائمين على هذه المشاريع لا يعبأون بنوعية العمل او مستوى جودته، فهناك من يأخذ حصته من الصفقة ويترك المقاول او جهة التنفيذ تعمل ما تراه مناسبا لها وليس مناسبا لدقة وجودة الانتاج.

إن هذه النقاط وغيرها مجتمعة تسببت بخلق نوع من الفوضى في معظم المدن العراقية، وتسببت بحدوث ارباك في الطرق والشوارع والامكنة الاخرى، كما انها أسهمت بطريقة او اخرى باهدار المال العام سواء بسبب الاختلاس او البذخ او التخطيط السيّئ.

ولابد أن نشير هنا الى غياب او تلكّؤ دور الجهات الرسمية المشرفة على التخطيط العمراني حيث يتسبب غياب هذا الدور بانتشار الفوضى في جميع الامكنة التي تحدث فيها اعمال مختلفة كتعبيد الطرق او مد شبكات الصرف الصحي او الماء وغيرها من المشاريع الخدمية الهامة.

كما اننا نلاحظ فشل العديد من المشاريع الخدمية عندما تتعرض لاول اختبار عملي مثل شبكات الصرف الصحي او أنابيب مياه المجاري، حيث تفشل هذه الانابيب بامتصاص وتصريف كميات الامطار كما حدث في العام الماضي حيث فشلت هذه الشبكات بعملها حين ارتفعت مناسيب الامطار وامتلأت الشوارع بالمياه مما ادى الى اعاقة سير المركبات والمارة على حد سواء.

وهذا دليل على العجالة التي تحال بها مثل هذه المشاريع الى جهات وشركات ومقاولين غير مختصين بمثل هذه الاعمال بالاضافة الى همهم المادي الذي يتقدم على كل شيء، فبعض المقاولين يهدف الى الربح السريع والمباشر بغض النظر عن طريقة التنفيذ ومدى نجاحها او إتقانها.

وعلى العموم مطلوب عملية تخطيط مسبق في أي مشروع لكي نتجنب حالات الفوضى التي تتسرب الى الشوارع والساحات فتبدو المدن في حالة من الفوضى، وعندما نتساءل عن اسباب ما يحدث يجيبك المسؤولون او غيرهم (إنها عمليات الاعمار) ولكن لابد أن تتم أعمال الاعمار بأنواعها واشكالها بطرق سليمة تراعي الافرازات الجانبية التي يتسبب بها العمل ويتم ذلك بالتخطيط المسبق وضبط التعاقد السليم مع الشركات التي تحال إليها المشاريع الخدمية.

شبكة النبأ المعلوماتية- الأحد 29/آب/2010 - 18/رمضان/1431

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1431هـ  /  1999- 2010م