رمضان حول العالم... شعوب تتعبد وتتنزه وأخرى تتاجر

احمد عقيل

 

شبكة النبأ: إن المعنى الأساسي من وراء صوم شهر رمضان هو لزرع الألفة والمحبة بين صفوف المسلمين، وكذلك لنشر روح التعاون والمساعدة ممن رزقهم الله من حلاله الى من هم بحاجة لها، ولكن بعض الناس وبمرور الزمن تناست كل هذا وبدأت ثقافة رمضان تتلاشى، حيث كان سابقا وفي كل بلدان الإسلام تقاليد وعادات تقام فقط في هذا الشهر وتختلف من بلد الى اخر، مثل الجو ألحميمي الذي تخلقه ليالي رمضان للأسرة الواحدة وتجمعها حول مائدة واحدة، وحتى الفوانيس هذه التي تأخذ اهتماما كبيرا ومكانة خاصة لدى المسلمين، والتي كان هدفها الإضاءة بشكل جميل وروحاني، ولكن الآن أصبحت تصنع على أشكال دمى وتوضع فيه أغاني حديثة لكسب اهتمام المشتري، وهذا يدل على ان رمضان أصبح شهرا للتجارة والربح وليس للعبادة والتقرب الى الله.

وحتى هذا الأخير تفتقده بعض البلدان الإسلامية بين مجتمعاتها، فقد حلت محلها البرامج التلفزيونية التي هي بعيدة كل البعد عن الجو الرمضاني، والمسلسلات التي تجعلك جالس متسمر تتابعها تاركا بذلك العبادات التي تقربك من الله، ويشتكي الكثير من المسلمين من زوال بعض الفلكلور الرمضاني الذي كان سائدا قبل اليوم، ومن هذه الظواهر ظاهرة مدفع السحور ونغمات المسحراتي والقاص الذي يجتمع الناس بعد الفطور لسماع قصص ذات فائدة وحكمة، كذلك الفطور الذي كان يجمع الأسرة المسلمة بدأت المطاعم الان تنافسه وتفكك هذا التقليد، وبالرغم من ذلك فأن هناك دول إسلامية لازالت محافظة على تقاليدها وفلكلورها الخاص في رمضان، والبعض الاخر يتنقل من مكان الى اخر في سبيل لم الشمل في شهر الخير والبركة، وهناك دور كبير لبعض الجمعيات الإنسانية من خلال إقامة مآدب إفطار لأصحاب الدخل البسيط والايتام.

رمضان بيروت

عندما تنثر الشمس المندثرة في بحر بيروت خيوطها الحمراء في سماء العاصمة ويضرب المدفع إيذانا بحلول موعد الإفطار، تتجمع عائلات قليلة في المنازل حول موائد رمضان، بينما تزخر المطاعم والفنادق بولائم تتسم بالبذخ والترف وتسرق بعضا من معاني شهر الصوم والصلاة عند المسلمين.

وتتشبث عائلة كحيل المكونة من سبعة افراد بتقاليد رمضان، فتستنسخ يوميا لقاء الإفطار الذي تستبقه بالصلاة، وتستكمله بسهرات سحور منزلية. وتقول ربة المنزل نوال كحيل (55 عاما) ان "الاجتماع العائلي البسيط" هو لمواجهة "المصلحة التي اصبحت تتقدم على المحبة والعادات، والتجارة التي باتت عنوان رمضان اليوم". وتضيف "الاجتماعات المنزلية ضرورية، بل هي امر حلال".

ويقول الأستاذ والباحث في الاقتصاد الاجتماعي في جامعة القديس يوسف ميشال عبس "هناك مظاهر بذخ في رمضان بالتأكيد. البساطة لم تعد موجودة، والناس يميلون الى التكلف". ويرى ان ذلك "يعبر عن طابع لبناني وليس رمضاني بحت، اذ ان اللبناني لديه ميل للبذخ في كل شيء". ولا تقتصر "المنافسة" بين العائلات والشخصيات الميسورة على الدعوة الى الافطارات، بل تتوسع لتشمل المكان ونوعية الأطباق المقدمة التي تبدأ بالتمر ولا تنتهي بالسوشي الياباني مثلا... بالإضافة الى نوعية المدعوين وعرض الملابس والمجوهرات. ويقول الضابط المتقاعد خليل الرشيد (82 عاما) "رمضان اصبح في جانب منه منبرا للتباهي بعدما كان رمزا للبساطة". بحسب وكالة فرانس برس .

ويشدد الشيخ عبد الله على ان "الافطارات خارج المنزل لا يجب ان تكون ممرا لتثبيت هالة معينة او ليؤكد الداعي اليها وجاهته وسمعته، انما هي لدعوة المحتاجين فقط". وتتراوح اسعار الافطار للشخص الواحد في المطاعم بين 20 دولارا و60 دولارا، وتصل في المطاعم الفاخرة الى 180 دولارا، وتشمل في بعض الأماكن برنامجا فنيا يتخلله غناء ورقص. وتؤكد جوان خرما، المسؤولة في قسم العلاقات العامة في فندق خمس نجوم في بيروت، ان الحجوزات في مطعم الفندق "تزداد يوما بعد يوم، وفي نهاية الأسبوع تكون الطاولات محجوزة بالكامل". وتشير الى "دعوات خاصة يتم بموجبها حجز المكان بكامله عند الافطار نزولا عند رغبة الزبون"، مضيفة ان دعوة مماثلة تكلف حوالى ثمانية آلاف دولار. الا انها اكدت ان الفندق يقدم "عروضا خاصة اذا كانت المناسبة إنسانية، مثل إقامة حفل إفطار لأيتام".

ويقبل اللبنانيون في شهر رمضان على شراء الهدايا. حيث تقول مسئولة في محل فاخر لبيع الشوكولا في وسط بيروت ان سعر الهدية العادية يبدأ باربعين دولارا وقد يصل الى ثلاثة آلاف دولار "او اكثر"، في حال اختار الزبون وضع الشوكولا "في اوان من الكريستال المستورد من ايطاليا مثلا". ويستغل أصحاب بعض الاعمال شهر رمضان لاغراض ترويجية، فيقدم صالون تجميل مثلا "عروضا خاصة" تتمثل في "ازالة شعر ب300 دولار وتكبير شفاه ب250 دولارا!". كما تنتشر على بعض طرق العاصمة لافتات إعلانية تروج لعمليات تجميل في عيادة متخصصة مع عبارة "رمضان أجمل".

ويقول سيزار (31 عاما) في "خيمة" الفندق الفاخر ان "التجارة هي دوما الهدف الاساسي، في رمضان وغير رمضان، والمال هو المركز". ويتزايد مصروف العائلات في رمضان بشكل كبير، حتى تلك التي تختار تناول الافطار في المنزل. ويؤكد محمد عفيف (30 عاما) وهو متزوج حديثا ويعمل محاسبا ان "وجبة الغداء تكلفني عادة حوالى 20 دولارا، لكن في رمضان ترتفع الى 30، واحيانا الى 40 دولارا". ويضيف "السلطة والحساء والطبق الرئيسي والعصير والحلويات يجب ان تكون على طاولتي كل يوم، انه امر محسوم واجباري"، في وقت ترتفع فيه اسعار الخضار بشكل جنوني في لبنان منذ بدء شهر الصوم وحتى انتهائه. الا ان البعض ينظر الى الوجه الايجابي للموضوع في بلد متعدد الطوائف.

ويقول عبس ان لقاءات الافطار "حولت الصوم الرمضاني من مناسبة دينية مغلقة الى مناسبة مفتوحة". ويوضح ان "المسيحيين كانوا منغلقين على رمضان، والمسلمون لم يكونوا فتحوا رمضان للآخر، اليوم اصبحت المناسبة مفتوحة من الجهتين". في هذا الاطار، يقول الاميركي كريستوفر، وهو استاذ جامعي مقيم في بيروت، خلال تناوله الافطار مع زملاء مسيحيين في الخيمة الرمضانية قرب مسبح الفندق الفاخر، انه لا يهتم بتغير العادات والاحوال. ويضيف "الاكل لذيذ في رمضان، وبيروت اقل ازدحاما".

عالم النسيان 

ومن المعروف ان شهر رمضان يتميز بمذاق يختلف من زمن لآخر ومن مكان الى اخر ولا يدرك هذه الحقيقة الا من عاش طويلا وشهد التغير الذي طرأ في المجتمع . وبالرغم من ان شهر رمضان المبارك يشهد تغيرا عن النمط التقليدي للحياة حيث يجتمع الناس على توقيت واحد لتناول طعام الإفطار والأسواق تأخذ طابعها الرمضاني الخاص وتتزين الشوارع والبيوت خلال هذا الشهر فان مظاهر رمضان اختلفت على مر الوقت .

وتعددت الاراء حول رمضان قديما ورمضان اليوم وكان الاتفاق على ان مظاهر رمضان اختلفت على مر الوقت حيث كان لرمضان قديما سمات وعادات ومظاهر خاصة به القليل منها استمر وحافظ على طابعه ومنها ما اندثر وأصبح في طي النسيان خاصة في ظل الظروف الصعبة التي تزامنت مع حلول الشهر الفضيل هذا العام كالحر الشديد والوضع الاقتصادي ما وضع المواطن ضمن حالة اصعب من رمضان السابق ليقول حال لسان المواطن (الله يرحم ايام زمان).

وتركت الظروف الاقتصادية والمناخية التي تمر بها سوريا تأثيرا كبيرا على معيشة المواطنين حيث قال المواطن نافع الديري الذي عاصر رمضان قديما وحديثا يحرص الصائمون على اتمام فريضة الصيام على اكمل وجه على الرغم من حالة الطقس السيئة وغلاء الاسعار الذي بدا قبل حلول رمضان وقد كان من المفترض من التجار مراعاة الناس في هذا الشهر لانه شهر الخير والبركة وليس شهر الاستغلال. وأضاف الديري بالرغم من الاجراءات الرقابية التي اتخذتها وزارة الاقتصاد والتجارة ولجنة حماية المستهلك للحد من الغلاء واستغلال بعض التجار وتامين المواد التموينية من خلال منافذ مؤسسة الخزن والتسويق الحكومية المنتشرة في كافة أحياء دمشق وبأسعار تقل عن سعر السوق بنسب تتراوح من 10 بالمئة الى 30 بالمئة فان ظاهرة غلاء الأسعار اشتدت خلال شهر رمضان المبارك حيث يصل سعر كيلو لحم الغنم الى 800 ليرة سورية للكيلو الغرام الواحد ما يعادل 17 دولار وكذلك الدجاج حيث يباع الكيلو غرام الواحد بحولي 170 ليرة سورية بالرغم من ان تسعيرة الدولة 120 ليرة للكيلو.

اما المواطن خليل الجاسم ( 60) عاما قال للأسف هناك مظاهر رمضانية تلاشت وان الشعور بخصوصية هذا الشهر الكريم بدا يتقلص شيئا فشيئا لأسباب عديدة حيث بات الجميع ينتظرون شهر رمضان للترفيه عن أنفسهم من خلال الخيمات الرمضانية والبرامج التلفزيونية المنوعة التي باتت وسيلة لتضييع الوقت حتى يحين موعد الإفطار بدلا من الصلاة وقراءة القران والسهرات العائلية بالإضافة الى عدم الإحساس بالفقير ومعاناته التي بدت غير ظاهرة لان الفقير هو الآخر بات يتشارك مع الغني في المظاهر والبهرجة لموائد الطعام التي أصبحت الهم الأكبر من حيث النوع والكم. بحسب وكالة الأنباء الكويتية.

ويتابع بقوله ان معظم عادات الناس في استقبال شهر رمضان دخلت دائرة النسيان حيث كانوا يتلهفون لقدوم شهر رمضان من خلال الاستيقاظ صباح كل يوم على صوت مدفع السحور ونغمات المسحراتي المسمى شعبيا (ابو طبلة) الذي بات تجواله مقتصرا على عدد قليل من الأحياء الشعبية وهو مشهد رمضاني بدا يندثر لاسيما ان الناس باتوا يلتفتون الى المطاعم حيث السهر الى ان ينتهي موعد السحور. وكان من أهم معالم رمضان الرئيسية ان ترى الأسواق تزدان على طريقتها الخاصة بقدوم الشهر الفضيل حيث كان الناس يقصدون تلك الاسواق الخاصة بحاجيات السوق ليأخذوا ما تعمر به مائدتهم على الافطار من شراب عرق السوس والتمر هندي والناعم والتمر وغيرها لنجد ان هذه الاسواق اليوم اندثرت واعتمدت على بسطات منتشرة في أماكن مختلفة واندثرت معها ثقة الناس فيها. وقد تكون ساعة الافطار الميزة الوحيدة التي احتفظت برونقها وسحرها وجاذبيتها على مر الأزمنة ولم تمتد إليها أيادي التغيير لذلك يعد شهر رمضان المبارك فرصة اجتماعية كبيرة يجب اغتنامها. وفي المقابل يلاحظ حدوث تغيرات بسيطة من حيث الحركة حيث كان هناك في السابق انعدام الحركة بشكل تام لكن اليوم الشوارع تضج بالمارة والحياة موجودة في كل ركن وزاوية وعندما يحين موعد الإفطار كانت العائلات تجتمع على موائد الطعام ولكن اليوم دخلت المطاعم والمتنزهات الشعبية على الخط فأضفت الى هذا الشهر الفضيل نكهة أخرى.

وتعد الجمعيات الخيرية عنصرا فعالا في المجتمع لما لها من فائدة تعود على الفقراء والمحتاجين وفاقدي الإعالة ويكبر هذا الدور في شهر رمضان حيث تقوم العديد من هذه الجمعيات بتقديم وجبات مطبوخة للمحتاجين. ومن المظاهر التي بدأت بالانقراض هي الحكواتي الذي كانت تقدمه مقاهي دمشق طيلة شهر رمضان المبارك الا ان الشاشات الفضية وماتقدمه من مسلسلات متنوعة جعلت افراد العائلة يتسمرون امامها. ومن الظواهر الرمضانية التي مازالت قائمة هي بيع الخبز الناعم وتصنيعه على أرصفة دمشق فمنذ اليوم الأول من رمضان ينتشر بائعو (الناعم) في أحياء وشوارع دمشق الحديثة والقديمة وهم يرددون الأهزوجة الشعبية "يلي رماك الهوى يا ناعم" والتي تعتبر فولكلورا دمشقيا رمضانيا أصيلا وكأنهم يدعون الناس للاحتفاء معهم بقدوم رمضان فتراهم يفترشون الأرصفة وهم يصنعون هذا الرغيف العجيب الذي يشبه قطعة شيبس كبيرة مزينة بخطوط متقاطعة من دبس العنب. كما يزداد الإقبال في هذا الشهر الفضيل على محلات الحلويات بشكل لافت وترى الناس في غدوهم ورواحهم يحملون كل ما لذ وطاب من المأكولات الشامية العريقة كالبرازق والغريبة والقطايف والنمورة والهريسة والبقلاوة والبلورية والعصملية والشعيبيات والمعروك وغيرها كثير بالإضافة الى اطباق الطعام العادية فان مائدة الافطار تتسع لأصناف كثيرة من الحلويات فهي ضرورية للصائمين كي يعوضوا ما فقدوه من سكريات وابرز حلويات رمضان الناعم فهو يرتبط ارتباطا وثيقا بهذا الشهر الكريم ولا يصنع الا فيه فيسمى خبز رمضان وقد اعتاد عليه الناس منذ زمن طويل حتى ان طقوس رمضان لا تكتمل ولا تحلو سهراته في اي بيت دونه. ويصنع الناعم من الطحين والماء بطريقة خاصة حيث يوضع العجين على مرايا نحاسية وخشب ويعرض لأشعة الشمس لعدة أيام كي تتخمر العجينة دون ان تضاف إليها اية مواد صناعية او كيميائية ثم يقوم بائعو الناعم بقليه بالزيت في حلة كبيرة أمام المشترين ويضع عليه القليل من دبس العنب وتغليفه بأكياس النايلون البيضاء.

خصوصية لا تتكرر 

وتعتبر ليالي شهر رمضان المبارك في سلطنة عمان ذات خصوصية جميلة ومتميزة عن باقي الليالي، فروحانياتها لا تتكرر حيث يقضيها الصائم كل حسب ما تعود ان يقوم به في هذا الشهر الفضيل وتجد ان الحياة لها طعم آخر بنكهة فريدة.

فهناك من يقضي هذه الليالي الفضيلة في وصل الأرحام والتواصل مع الناس والبعض يقضيه في زيارة الأسواق وشراء مستلزمات العيد فيما يحبذ البعض الآخر ممارسة الرياضات المختلفة ومن أبرزها المشي على الطرق البحرية. وقال سالم الزدجالي من محافظة (مسقط) "للأسواق في شهر رمضان المبارك متعة خاصة للمتسوقين فبعد ان يتناول الصائمون الإفطار تكتظ هذه الأسواق بالعائلات بشكل خاص". وأضاف "نذكر منها (سوق مطرح) الذي يعد واحدا من اهم الاسواق التي تجذب المتسوقين من مختلف مناطق السلطنة طوال العام الا انه في شهر رمضان يكون هذا السوق في اوج نشاطه خاصة وانه يوفر جميع المستلزمات التي تحتاجها الاسرة سواء للمناسبات او للاحتياجات اليومية". واشار الزدجالي الى ان "اهتمامات المتسوقين تتنوع كل حسب رغبته واحتياجه فتجد النساء يتجولن بين محلات الملابس والأحذية والعباءات والإكسسوارات والذهب والعطور والبخور الذي يعبق في أرجاء السوق فيما يجد الأطفال مجموعة كبيرة ومختلفة من الألعاب في هذا السوق الشعبي الكبير". وأوضح "ان ما يميز ليالي شهر رمضان المبارك هي الحميمة الرائعة التي ترتسم على الجميع فترى الأصدقاء والأقارب يتسامرون في جلسات طويلة حتى وقت متأخر من المساء وقد تصل الى وقت السحور في تبادل الاحاديث والقصص وممارسة الالعاب المختلفة". بحسب وكالة الأنباء الكويتية.

من جهته قال محمد العريمي في تصريح له "ان هذا التجمع الجميل لا يقتصر على الشباب فقط ولكن حتى كبار السن فهم يجلسون في (سوق مطرح) لتناول القهوة التي يمر بها عليهم المقهوي في السوق لتعيدهم الى الزمان الذي مضى وما مر به من ايام وأحداث لم تنسهم المدنية اياها فتسمع قصصهم القديمة ونوادرهم وضحكاتهم تملأ المكان بهجة وانت تمر بمحاذاتهم وتلقي السلام عليهم فيردون عليك بأفضل منها". واضاف "دائما ما يمتعض الجميع من الازدحام المروري في الطرق فتجد انك تحاول ايجاد منفذ للخروج منه بأي طريقة ولكن في ليالي شهر رمضان تجد العكس فرغم الازدحام الشديد بخاصة في المواقع الحيوية كالأسواق والطرق البحرية الا ان هذا الازدحام لا يكون مزعجا بالشكل المعروف فالحركة المرورية رغم بطؤها في أحيان كثيرة ترسم لوحة جميلة من الحركة والحياة في هذه الليالي".

وبين انه "بالرغم من ان شهر رمضان المبارك تكثر فيه أصناف المأكولات بأنواعها الا ان المقاهي والمطاعم تجد هي الأخرى نصيبا من حضور الصائمين حيث تعتبر هذه المواقع نقاط تجمع للأصدقاء الذين يجلسون لتبادل الأحاديث لأن روتين الحياة والعمل يمنع الكثير من الأصحاب من التجمع بصورة مستمرة ولكن في ليالي رمضان تكون فرصة للتلاقي". واختتم حديثه بالقول "ان هذه هي خصوصية ليالي الشهر الفضيل بطابعها الخاص والمتشابه في مختلف مناطق السلطنة حيث التواصل والتقارب والزيارات وممارسة مناحي الحياة بجماليات وروحانيات في هذا الشهر الذي يقترب من الوجدان ويترك الفرحة والابتسامة ويضفي المحبة والتسامح على الجميع".

نزوح جماعي

بينما شهدت العاصمة الماليزية كوالالمبور عملية نزوح كبيرة خلال عطلة نهاية الأسبوع باتجاه القرى حرصا من سكان العاصمة على التمتع بالأجواء الرمضانية مع أهاليهم وأقاربهم بعيدا عن صخب المدينة. ويعود السبب الرئيسي في عملية "الهروب الجماعي" هذه من العاصمة الى غياب المظاهر الرمضانية وأجواء الاحتفال بقدوم الشهر الكريم وذلك على خلاف الأعوام الماضية فغابت الزينة والأضواء عن الشوارع واقتصرت على بعض الإحياء السكنية. ويبدو جليا ان نمط حياة المدينة السريع والصاخب اثر بشكل لافت على الماليزيين المسلمين الذين يقطنون العاصمة كوالالمبور فساعات العمل الطويلة وزحمة المواصلات شغلتهم عن التمتع بالمظاهر الرمضانية التي تقام في المدن والقرى الأخرى. ومع انقضاء معظم الأيام من شهر رمضان المبارك لم تشهد العاصمة الماليزية مظاهر الاستقبال والاحتفاء بالشهر الفضيل كما درجت العادة في السنوات السابقة فغابت الزينة الرمضانية عن الشوارع الرئيسية في وقت حافظت فيه القرى على الأجواء الرمضانية الخاصة الذي ينتظرها المسلم بشغف كبير ما سبب عاملا رئيسيا لسكان العاصمة للتوجه الى قراهم خلال عطلة نهاية الأسبوع للتمتع مع أهلهم بهذه الأيام المباركة. وتستقبل القرى الماليزية الشهر الفضيل بحملات النظافة الشاملة وتعليق الزينة واللافتات الملونة والمصابيح الرمضانية والتحضير للأسواق الرمضانية او (بازار رمضان) كما يسميه الماليزيون الذي تنظمه سنويا وزارة السياحة وبلديات المدن الكبيرة وتتواجد فيه المأكولات الرمضانية المتنوعة. بحسب وكالة الأنباء الكويتية.

ومع دخول وقت الإفطار تلتقي الأسرة على مائدة الإفطار ومع آذان العشاء يتوجه المصلون الى المساجد لأداء الصلاة والاستماع الى المواعظ الدينية حيث تقام خلال شهر رمضان سلسلة من الدروس والمحاضرات الدينية وحلقات تدريس وحفظ القرآن الكريم في المساجد.

وتؤكد الثقافة الإسلامية الماليزية ولاسيما خلال شهر رمضان الفضيل على مكارم الأخلاق وتحرص على تعزيز أواصر المحبة والعدل والتسامح والتآلف بين أفراد المجتمع. كما تجسد الصدقة التي تكثر في ماليزيا خلال الشهر الكريم مبدأ التكافل الاجتماعي وإحساس الغني بالفقير وواجبه نحوه في حين يمثل الوقوف بصلاة الجماعة صفا واحدا تماسك المسلمين وتآزرهم وعدم التعالي. ولشهر رمضان الكريم في ماليزيا أجواء فريدة خاصة بهذا البلد والمحافظة عليها وإقامتها أمر لابد منه وهو مسؤولية كبيرة يحرص الجميع على الاهتمام بها وإحيائها بقدر ما يحتفي بالأعياد الأخرى في هذا البلد المتعدد الأعراق والديانات.

المنافسة الصينية

وكعادتها مع حلول شهر رمضان الكريم وطيلة أيامه الكريمة تشهد الأسواق حركة نشطة وكثيفة طلبا للبضائع الشعبية التي توسم بأنها احد مظاهر الترحاب والفرح بالشهر الفضيل ولاسيما الفوانيس المرتبطة بالتراث الشعبي عند معظم الدول الإسلامية.

وفوانيس رمضان تعلق وتزين بها شوارع وحارات مدن وعواصم عريقة من القاهرة الى تونس الى دمشق والقائمة تطول بحيث يكتب عليه بعض عبارات الترحيب بالشهر الكريم.

وعن فوانيس رمضان يقول محمد العربي تاجر تحف وفوانيس في منطقة الري "انه عادة "ما نستورد الفوانيس من الدول العربية مثل مصر وسوريا وحاليا وبكميات كبيرة من الصين ولكل مميزاته وزبائنه". ويضيف العربي ان الفوانيس الصينية أصبحت تنافس الفوانيس العربية وذلك بسبب رخص ثمنها كما انها تصنع بأشكال وأحجام متعددة ومتباينة أشهرها الفانوس المضلع والهرمي ومصباح علاء الدين والسندباد أو على شكل دمى مصنوعة من البلاستيك وتحتوي على شمعات الإضاءة والليزر وأسطوانة الأصوات وقرص مدمج صغير يصدر أصواتا لأغنيات بعضها ما يمت للفلكلور الشعبي وأخرى أغان حديثة. وبالنسبة لأسعار الفوانيس الصينية يوضح العربي انها منخفضة مقارنة مع باقي الفوانيس فيشتريها الآباء لاطفالهم الصغار للعب والتسلية رغم انها لا تدوم اكثر من عدة ايام كونها استهلاكية لا تعمر.

ويشير الى ان الفانوس الصيني في شكله أقرب الى شكل اللعبة كأن يكون على شكل دمية وينجذب اليه الصغار لا سيما أنه يحمل الأغاني الرمضانية في حين يقدم الأطفال الأكبر عمرا على اختيار الفانوس التقليدي "أبو شمعة".

ويتابع "ان الطلب لايزال نشيطا على الفانوس البلدي (الصاج) الذي تقوم بشرائه المطاعم وكبرى المحلات للإعلان عن قدوم الشهر الكريم" موضحا أسعار الفوانيس ارتفعت كثيرا حيث وصل بعضها الى عشر دنانير هذا العام. ولم ينس العربي الإشارة الى فوانيس على هيئة لاعب كرة قدم قريبة الشبه الى حد كبير من لاعبي كرة القدم ومن مطربين ونجوم السينما وبينها ما هو متباين الأشكال والأحجام ومنها ما هو مصنوع من الخشب. وعن الاشكال يقول انها قد تأخذ أشكال الكعبة المشرفة او المسجد الأقصى والهلال وعلاء الدين وسندباد وقباب المساجد وتدخل في تصنيعها خامات كالنحاس والقصدير والزجاج الملون ويصل متوسط سعر الواحد من 1ر5 الى 10 دنانير كويتية وكل حسب حجمه. من جانبه قال خليل شحادة بائع في محل ألعاب للأطفال في منطقة شرق انه تباع عدة أشكال وأحجام وأنواع من الفانوس بينها الكبير والمتوسط والصغير جدا وأيضا تختلف المواد المصنعة منه وكما تختلف أسعاره تبعا لذلك.

وأشار شحادة الى انه في السابق كان يحرص البعض شراء فانوس كبير الحجم ملون بألوان كثيرة من الخارج وتكون داخله شمعة لكن هذه الأيام الإقبال الكبير أصبح على التي تصدر أصواتا موسيقية ولم تعد الشمعة مرغوبة كما الماضي. وأوضح انه يعرض الفوانيس بنوعيها الصيني والمصري متمنيا أن تعود الصدارة الى الفانوس التقليدي بأشكاله الإسلامية وزجاجه ذي النقوش العربية المعروفة لكنه لا يفعل حسب قوله أكثر من مجاراة السوق والامتثال لرغبات الزبائن. وأضاف ان فوانيس رمضان تحولت الى أشبه ما يكون بالطقس الشعبي الممتع خلال هذا الشهر الفضيل والمحبب لدى الجميع "فقد أصبحنا نراها معلقة في البيوت والمحلات والخيام الرمضانية وداخل المؤسسات والشركات وفي بعض محلات الهدايا وأسواق التحف الشرقية وفي بعض المكتبات والمطاعم وهذا الطقس الرمضاني المفرح والمبهج أخذ بالانتشار سنة بعد سنة". بحسب لوكالة الأنباء الكويتية.

ولفت الى ان وظيفة الفانوس الذي كان يوضع قديما في البيوت والمساجد لإضاءتها في الليل تحول الى وسيلة من وسائل الفرح بحلول شهر رمضان المبارك وبالذات لدى الأطفال الصغار. وروى كيف انه وإقرانه كانوا يقومون بشراء الفانوس الملون والمزركش حيث كانوا يحملون تلك الفوانيس في ليالي رمضان ويدورون بها فرحين في الحارات ينشدون ويغنون الأناشيد الدينية والشعبية الجميلة وكذلك يرافقون المسحراتي ليلا أثناء قرعه الطبل مع فوانيسهم ويرددون وراءه ما يقوله من عبارات. وأشار الى عبارات كان ينشدها الأطفال بعد الإفطار في الحارات علهم يكسبون بعض الحلوى والمكسرات من البيوت. اما الباحث في التراث الشعبي احمد البرجس فقال ان الفانوس ولد في مصر وهناك علاقة وطيدة تربط المصريين بالفانوس خلال شهر رمضان المبارك تعود الى مئات السنين وتحديدا مع قدوم الخليفة الفاطمي المعز لدين الله الى مصر وذلك في الليلة الخامسة من شهر رمضان من عام 358 هجرية الموافق 972 ميلادية. واضاف البرجس ان سكان القاهرة خرجوا آنذاك عن بكرة أبيهم لاستقبال الخليفة المعز بالمشاعل والشموع الا أنها كانت تنطفئ لقوة الرياح في تلك الليلة فاهتدى بعض الحدادين إلى طريقة لإدخال الشموع داخل أقفاص مصنوعة من الزجاج والمعدن لتمنع الهواء من إطفائها وأطلقوا عليها اسم الفانوس وأعجبت تلك الفكرة الخليفة فأمر أن تزين شوارع القاهرة وتضاء لياليها طوال الشهر الكريم بالفوانيس. وعن تطور الفانوس منذ القدم - وفانوس كلمة رومانية معناها مشعل - ذكر انه كان يضاء قبل آلاف السنين بسائل الزيت قبل اختراع الشموع ثم تطور الى ان يضاء بسائل الكاز ثم أخيرا بالكهرباء والبطاريات الجافة. وأوضح انه مع مرور الوقت صنعت فوانيس أصغر حجما من أجل الأطفال يحملونها أثناء ذهابهم برفقة السيدات ليلا حيث كان تمنع المرأة من الخروج بمفردها وكان الأطفال يجدونها فرصة للهو بعد ذلك بتلك الفوانيس والسير بها أيضا خلف المسحراتي واستمرت تلك العادة التي حافظ المصريون عليها جيلا بعد جيل كما أخذتها عنهم بعض الشعوب الإسلامية كظاهرة محببة تصاحب الشهر الكريم.

شبكة النبأ المعلوماتية- الأحد 29/آب/2010 - 18/رمضان/1431

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1431هـ  /  1999- 2010م