كل شيء عن مفاعل بوشهر والتوقعات المحتملة

خليل الفائزي

وأخيرا بعد 3 عقود من التأخير أعلنت كل من طهران وموسكو البدء بضخ الوقود النووي في محطة بوشهر الواقعة في أقصى جنوب ايران وهذا يعني قرب تشغيل هذه المحطة عمليا ودخول إيران رسمياً فيما يسمى النادي النووي الدولي مما سيمكن طهران من التفاوض مع الغرب اومجموعة (5+1) من موقف قوي، حسب قول العديد من المسئولين الإيرانيين. وستحصل إيران لاول مرة في تاريخها على طاقة كهرباء من مفاعل نووي بقدرة الف ميغاواط في وقت لا تزال فيه الأنباء تتناقض بشأن قطع الكهرباء المكرر عن مدن إيرانية بشكل يومي وبين ادعاء الحكومة الإيرانية عن تصدير وبيع الكهرباء للعراق ولدول في آسيا الوسطى.

في عام 1975 بدأ العمل بدأ العمل لتأسيس أول مفاعل لإيران في بوشهر في عهد الشاه السابق وقامت شركة زيمنس الألمانية بوضع المباني والأجهزة النووية لانتاج طاقة كهرباء تصل في مراحل لاحقة الى 2000 ميغاواط، وفي العام 1979 كانت زيمنس قد أتمت تأسيس 75% من هذا المفاعل لكنها خرجت من إيران بعد بدء انتفاضة الشعب الإيراني ضد نظام الشاه وتدمير جزء من المباني والأجهزة في المفاعل جراء الهجمات الجوية للنظام العراقي السابق.

 وتوقف إكمال والعمل هذا المفاعل طيلة الحرب الإيرانية العراقية وفي عام 1992 وبعد زيارة قام بها الرئيس الإيراني الأسبق الشيخ رفسنجاني الى موسكو وقعت إيران مع روسيا اتفاقية لاعادة بناء وتشغيل مفاعل بوشهر، وتم في العام 1996 التوقيع على اتفاقية اخرى لرفع طاقة المفاعل الى اكثر من الفي ميغاواط ليكون مفاعل بوشهر جاهزاً للعمل في عام 2000 وذكر في تلك الفترة ان قيمة العقد بين ايران وروسيا تخطت رقم مليار و500 مليون دولار.

ومنذ تلك الفترة أشرفت الوكالة الدولية للطاقة النووية على هذه الاتفاقية وتقرر ان تمد روسيا إيران بالوقود النووي وان تعاد النفايات النووية مجدداً الى روسيا منعاً للاستفادة منها لأغراض غير سلمية. ونظراً لاطالة انجاز مفاعل بوشهر فان روسيا كانت تضيف بين فترة واخرى10% من قيمة العقد وتحاول فرض شروطها السياسية والمالية للحصول على اموال طائلة بالإضافة الى مئات ملايين دولار قيمة الوقود النووي لاعوام مقبلة.

وبالرغم من ان روسيا كانت قد حصلت على اكثر من مليار دولار من إيران لإنجاز المفاعل في موعده المقرر الا إنها نقضت وعودها وأخرّت الإنجاز لاكثر من عقد من الزمن بذريعة ضغوط أمريكية عليها وعدم موافقة إسرائيل حصول إيران على اي مفاعل نووي قد يدفعها اويحرضها لانتاج أسلحة دمار شامل سوف تستخدم لدمار إسرائيل خاصة وان قادة في إيران أكدوا على عزمهم إزالة إسرائيل من الوجود ومحوها من خريطة الشرق الأوسط. وترفض طهران الإفصاح عن قيمة الأموال التي تم تسديدها لروسيا لاكمال وتشغيل مفاعل بوشهر بعد كل سنوات التأخير وانعتاق روسيا من القيود الإسرائيلية والضغوط الأمريكية الا ان تقرير الوكالة الطاقة الذرية الإيرانية أشار في وقت سابق لدفع إيران 30 مليون دولار شهرياً لحوالي الفي خبير ومستشار ومهندس من الروس الذين ساهموا ببناء مفاعل بوشهر النووي، وقبل عامين هددت طهران من انها سوف تكمل بناء هذا المفاعل بنفسها اذا رفضت روسيا إنجازه بالكامل وحتى انها كشفت عن قدرتها لانتاج الوقود النووي اللازم لمفاعل بوشهر من خلال تنشيط عمل 5 آلاف جهاز طرد مركزي في منشأة "نطنز" ورفع نسبة التخصيب الى 20%، ولهذا السبب تم إجبار روسيا لاتمام المراحل النهائية لتشغيل المفاعل ووافقت الوكالة الدولية الإشراف الكامل على عمل ونشاط المفاعل الذي ترفض إسرائيل تشغيله وتطالب واشنطن بدورها طهران بوقف كافة نشاطها النووي في المنشآت الأخرى بعد زعمها انها أعطت لموسكو الضوء الأخضر وموافقتها لإرسال الوقود النووي لإيران.

ويختلف السياسيون في إيران بشأن مبررات وأهداف بناء هذا المفاعل حيث جرت مساع في عهد حكومة خاتمي السابقة لإلغاء صفقة مفاعل بوشهر ومطالبة روسيا بدفع تعويضات مالية لانه حتى وان تم إنتاج الف او الفين ميغاواط من طاقة الكهرباء بواسطة مفاعل بوشهر فان هذه النسبة تشكل 5% فقط من حاجة البلاد للطاقة وان الأموال التي أنفقت لبناء مفاعل بوشهر كان من الممكن من خلالها بناء 10 محطات لانتاج طاقة الكهرباء وبأضعاف مضاعفة بطرق غير المفاعل النووية.

لكن حكومة احمدي نجاد وخلافاً لحكومة خاتمي أصرت ولاسباب سياسية ربما على إكمال مفاعل بوشهر بل وأعلنت ان لديها النية لبناء 10 مفاعل نووية أخرى تم تحديد مواقعها ورصد ميزانية هائلة لإنجازها وتشغيلها خلال الخطة الخمسية الإنمائية القادمة. وقدمت إيران الكثير من التطمينات لدول المنطقة ومجموعة (5+1) من انها لن تستفيد من مفاعلها النووي لأغراض عسكرية واعتبرت اي هجوم عسكري عليه بهدف تدميره سيكون بمثابة إعلان حرب على إيران وانها سوف تستفيد من كافة أسلحتها للرد على العدوان حتى وان تطلب الامر إطلاق صواريخ باتجاه إسرائيل وجعل القواعد العسكرية الأمريكية في دول المنطقة اهدافاً حتمية لها.

ومع ان روسيا هي المشرف الأساسي على مفاعل بوشهر النووي الا ان مسئولين روس ومنهم الرئيس ديميتري مدوديف ادعوا قبل اشهر من ان لدى إيران القدرة على إنتاج القنبلة النووية وانها ماضية في هذا المسير بسرعة قصوى!.

إسرائيل وأمريكا ودول أوروبية لديها هذا الموقف ايضاً وعلى هذا الأساس تحاول مجموعة (5+1) التفاوض مع ايران للاطمئنان انها لن تقدم على إنتاج أسلحة دمار شامل وعلى هذا الأساس تحاول هذه المجموعة الإمساك بملف إيران النووي والإشراف الكامل على مواقعها بالرغم من ان القيادة الإيرانية أكدت "حرمة" إنتاج الأسلحة النووية وأعلنت استعدادها لتقديم كافة الإثباتات للعالم من انها لا تخطط لانتاج أسلحة دمار شامل وليس لديها اي مواقع سرية تعمل في الخفاء لغرض إنتاج القنبلة النووية.

قطعاً ان مفاعل بوشهر النووي لن يكون مكاناً لانتاج اسلحة دمار شامل كما تزعم إسرائيل وأمريكا في حالته ونشاطه الراهن ولكن تدمير هذا المفاعل دون مبرر قانوني او قرارا دولي سيدفع إيران لانتاج أسلحة دفاعية لا حدود لها تمكن إيران كما هو الحال لكوريا الشمالية للدفاع عن نفسها في حالة بقاء حادثة تدمير مفاعل بوشهر في حدودها ونطاقها الجغرافي وعدم اندلاع حرب واسعة النطاق بين إيران والأطراف المعادية والمشاركة في العدوان.

 والحقيقة ان أمريكا وإسرائيل ودول غربية هي الان في مأزق سياسي شديد فهي من جهة تدرك مخاطر تدمير مفاعل بوشهر وما ينجم عنه من اتساع رقعة الحرب وتهديد مصالح الغرب في المنطقة، ومن جهة أخرى لا يريد الغرب ان يرى إيران تتحول الى دولة نووية وربما تبادر ـ حسب الادعاء الغرب ـ بإنتاج أسلحة دمار شامل تهدد أمن إسرائيل وتجبر أمريكا سحب قواتها العسكرية من دول المنطقة.  

ويرى مراقبون مستقلون ان افضل أسلوب للتعامل مع التطورات الراهنة هو سماح كافة أطراف هذه الأزمة للوكالة الدولية باعتبارها موقع ومحل ثقة ومكان دولي قانوني للتفاوض وإبداء الآراء من جانب إيران والغرب بالإشراف الكامل على نشاط مفاعل بوشهر النووي وكذلك الإشراف على المواقف النووية الأخرى في إيران بهدف نزع فتيل ذرائع إسرائيل وأمريكا الزاعمة من ان إيران تنوي إنتاج أسلحة دمار شامل بدلا من طاقة الكهرباء، وكذلك إعطاء إيران فرصة كافية لاثبات صحة أقوالها من انها تستفيد من الطاقة النووية لانتاج الكهرباء فقط وان ليس لديها نية او خطة لانتاج أسلحة دمار شامل سرا او علانية، الأمر الذي سيجنب المنطقة قطعاً كوارث الحرب ودمارها ويدفع دولها وشعوبها للتعاون والتآخي والتواصل من اجل ازدهار المنطقة ورقيها بدلاً من فرض الحرب والقتال وتحميل الدمار والمآسي والتخلف على شعوب المنطقة.

* كاتب وإعلامي مستقل

[email protected]

شبكة النبأ المعلوماتية- السبت 28/آب/2010 - 17/رمضان/1431

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1431هـ  /  1999- 2010م