رمضان وتهذيب الروح

قبسات من فكر المرجع الشيرازي

 

شبكة النبأ: من النِعَم الجميلة التي أسبغها الله تعالى على المسلمين أنه سبحانه جعل لهم في شهر رمضان المبارك فسحة زمنية منتظمة ينهلون فيها من النبع الإلهي الروحاني الذي يرتفع بالانسان الى مصاف التعبّد الحقيقي بعد أن يكبح جماح النفس ويحيّد الغرائز ويطفئ الشهوات ويسمو بنفسه عاليا من خلال النقاء والسخاء الروحي الكبير.

ومع هذا التجلي المتواصل والتهذيب المستمر والتقرّب الى الله تعالى بالدعاء وقراءة القرآن الكريم، يصبح الانسان رقيق النفس جميل المشاعر ومرهف الاحاسيس الى أبعد الحدود، فتراه يهفو الى الخير والحق والجمال والحرية، ويترفع عن الصغائر ويحنو على الجميع بمحبته وتعاطفه مع اخوانه وذلك من خلال روحه التي تشبعت بأجواء الايمان والبركات الرمضانية السخية.

فثمة علاقة طردية بين سخاء النفس ونزاهتها وسموها وبين تقربها المضطرد الى الله تعالى في هذا الشهر الكريم، حيث تصبح الروح البشرية أكثر جلاء ووضوحا ونبلا وسخاء من اي وقت مضى وبذلك تدفع بحاملها نحو الخير والسمو والرفعة.

في هذا الصدد يقول سماحة المرجع الديني آية الله العظمى السيد صادق الحسيني الشيرازي (دام ظله) في كتاب (من عبق المرجعية):

(يلطّف شهر رمضان المبارك المشاعر والاحاسيس، بما جعل فيه من البرامج، وخاصة الصيام، التي تجعل الانسان يشعر بآلام الفقر ولو بنسبة، مآسي المحرومين، لذا ينبغي للمؤمنين الكرام الاهتمام اكثر من ذي قبل بالفقراء والمحرومين في كل بلاد العالم، وخاصة في بلدهم، فقد استشرى الحرمان والفقر في كثير من البلاد من جراء المناهج الوضعية الناقصة والابتعاد عن احكام الله تعالى الكاملة والمستوعبة، ويكون ذلك خطوة في سبيل تقليص هذه المعاناة المؤلمة).

من الطبيعي أن الانسان عندما تتهذب روحه وتصفو مشاعره واحاسيسه فإنه سيكون أكثر مواساة وتفاعلا مع الناس الفقراء ويكون اكثر استعدادا للمساهمة في تقليل ما يحزنهم ويؤذيهم، وهذه هي مهمة رمضان المبارك حيث يجعل النفس اكثر ميلا لفعل الخير واكثر تشبثا باحقاق الحق ومساندة الضعفاء المحرومين من ابسط حقوقهم التي اقرها لهم الدين والقانون والعرف والاخلاق وما شابه.

ولابد أن تكون هناك وسائل مساعدة لتهذيب النفس وهي متوافرة، أو يجب توفيرها اذا كانت قليلة او غير موجودة اصلا ولا معمول بها ومن هذه الوسائل، حضور المجالس الدينية والتربوية والتثقيفية على وجه العموم، ناهيك عن تلاوة القرآن الكريم بصورة مستمرة ومنتظمة، حيث تساعد الاجواء الرمضانية على ذلك، فكل هذه الامور تساهم بطريقة او اخرى بتهذيب النفس وتحييد رغباتها والحد من تطلعاتها الذاتية نحو الماديات كجمع المال وتحصيل النفوذ والبحث عن الجاه وما شابه. يقول سماحة المرجع الشيرازي في هذا الصدد بالكتاب نفسه:

(ينبغي علينا في شهر رمضان المبارك تلاوة القرآن الحكيم والتدبر فيه، فهو المقياس الادبي لسعادة الدنيا والاخرة، فمن اتبعه سعد في الدارين ومن تركه شقي في الدين).

وثمة ما يأتي بعد القرآن الكريم حيث الاسهام بتنقية الروح وترويض النفس وقيادتها نحو السبل السليمة التي تلامس سبل الحق وتضيئها بنفحات الايمان، فيضيف سماحة المرجع الشيرازي قائلا ايضا في هذا الأمر:

(ينبغي علينا في هذا شهر رمضان المبارك قراءة الخطبة النبوية الرمضانية الشريفة، التي رواها الامام امير المؤمنين علي عليه السلام، قراءة تأمل وتدبر، ومحاولة تطبيقها على الحياة العملية في ايام وليالي هذا الشهر، كل حسب طاقته وقدرته).

كما أننا لابد أن نتواصل مع المجالس والندوات والحلقات التنويرية التي تسهم بتهذيب النفس وتنقيتها من شوائبها، حيث يكون لها الدور المؤثر في زيادة الوعي لتجنب الاخطاء التي تأخذ من ايمان الانسان وتوازنه واستقراره النفسي وسموه الروحي، لهذا يؤكد سماحة المرجع الشيرازي على هذا الجانب فيقول في الكتاب نفسه:

(ينبغي على المؤمنين والمؤمنات العمل الجاد لتكثير المجالس الدينية، وتعظيم الشعائر الحسينية، وندوات الأدعية الشريفة في ايام شهر رمضان ولياليها، واقامة صلوات الجماعة وتلاوة القرآن الحكيم والتدبر فيه، وتجويده وتفسيره، في كل مسجد، وحسينية، ومعهد، ومدرسة، وسائر الاماكن العامة المناسبة، وجمع اكبر قدر ممكن من المؤمنين فيها، والعمل بما امر النبي الاعظم صلى الله عليه وآله وسلم، من تعميم الاطعام في هذا الشهر الكريم للفقراء والضعفاء).

وهكذا يكون الربط بين تنقية النفس وصقلها وتهذيبها وبين عمل الخير امرا مؤكدا، وهذا ما يسهل الوصول اليه وتحقيقه في شهر رمضان المبارك حيث تكون الاجواء مشجعة على تحقيق هذا الهدف الانساني العظيم، فليس أجمل من الروح الغنية المتعففة المترفعة عن صغائر الدنيا، وليس اجمل ولا افضل من الانسان عندما يكون مؤثرا الآخرين على نفسه ومفضلا لهم على مصالحه الشخصية، وهو امر لا احد يستطيع الوصول اليه ما لم يكن ذا نفس مترفعة وكريمة وبالغة السخاء والكرم، وشهر رمضان الكريم كفيل بتهذيب النفس وصقلها حتى تصبح على هذه الدرجة من الايثار والرقي الانساني.

شبكة النبأ المعلوماتية- الخميس 26/آب/2010 - 15/رمضان/1431

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1431هـ  /  1999- 2010م