زهد القادة السياسيين... وضرورة فهم الحياة

رؤى من أفكار الإمام الشيرازي

 

شبكة النبأ: في هذه الحلقة الجديدة من قراءتنا للكتاب القيّم الموسوم بـ (السبيل الى إنهاض المسلمين) لمؤلفه الإمام الراحل آية الله العظمى السيد محمد الحسيني الشيرازي (قدس) سنعثر من جديد على رؤى وأفكار غاية في الدقة والسداد، ولو قيّض لقادتنا الكرام أن يأخذوا بها ويتمثّلوا جوهرها وما تهدف إليه من غايات ونتائج لكان المجتمع الاسلامي يقف في صدارة الحضارة الانسانية المعاصرة.

فقد ورد في كتاب الإمام الشيرازي المذكور تأكيدا متواصلا على ضرورة أن يكون القائد لاسيما السياسي في قمة الزهد لكي يتسنى له النجاح في تحقيق الاهداف الانسانية التي يصبو إليها عامة الناس لاسيما ما يتعلق بطبيعة العيش والكرامة الانسانية التي غالبا ما يفتقد لها الانسان في ظل الحكام الذين يبحثون عما يُشبع رغبات النفس قبل أي شيء آخر وبأية وسائل كانت بغض النظر عن كونها لائقة او خلاف ذلك.

كذلك لابد أن تتولد لدى القادة السياسيين ممن يهدفون الى إقامة حكومية اسلامية عادلة وناجحة، نظرة ثاقبة لفهم الحياة ومتطلباتها إذ يقول الامام الشيرازي في كتابه الثمين نفسه بهذا الصدد:

(من الضروري على أفراد الحركة فهم روابط الحياة، فإن الله سبحانه وتعالى جعل الحياة ذات روابط خاصة، وأسباب ومسببات، وعلل ومعاليل).

ويؤكد الامام الشيرازي على أهمية التشاور وتبادل الآراء والافكار والتشارك في صنع القرار الملائم، إذ يقول في هذا الصدد:

(على أي حال فالتفكير، التدبر، الاستشارة، فهم الروابط: العلل والمعلولات والأسباب والمسببات، كل ذلك يعين الحركة في مسيرها وفي مصيرها وفي توسعها كماً وكيفاً).

ولكي يكون القائد أكثر حكمة في التعامل مع مهامه السياسية وغيرها لابد أن تتوضح لديه خفايا الامور ولابد أن يكون قائدا لنفسه وليس العكس، والعامل الأهم الذي يمكنه من قيادة نفسه ليكون أكثر حكمة ونجاحا هو عامل الزهد.

فمن الواضح أن الزهد يقود بالضرورة الى فهم الحياة وروابطها وحيثياتها ويجعل القائد أكثر تبصرا وفهما لها ومن ثم سيحقق تفاعلا وتعاملا جيدا وناجحا معها، فالزهد يعني في أبسط تعاريفه عدم اللهاث وراء مزايا الدنيا ورغبات الذات وهذا ما يعطي الفرصة الكاملة للقادة كي يتعاملوا بنظرة انسانية مع الآخرين من عامة الناس ويحرصوا على تحقيق تطلعاتهم في حياة كريمة خالية من الذل والانتهاك للحقوق الفردية المتعلقة بحرية الرأي والتنوع والمشاركة في صنع القرار وما شابه ذلك.

ويؤكد الإمام الشيرازي على وجود نوعين من الزهد، فهناك زهد يتعلق بالأمور المادة وزهد يتعلق بغيرها، وفي جميع الأحوال يبقى الزهد دافعا مهما لتحجيم النفس وتقييدها والحد من شراهتها ودفعها لصاحبها لسلوك مسالك الشر والرذيلة، فكيف اذا كان ذا نفوذ وسلطة ومال، هنا لابد أن يكون مثل هذا الانسان زاهدا لكي يتمكن من تجنب اندفاعات

النفس نحو الرغبات القاتلة في معظم الأحيان، حيث لا يتوقف الامر عند تحقيق مآرب النفس بل غالبا ما تتبع هذه المآرب إنتكاسات أخلاقية وانسانية تقود الحاكم للسقوط في قلب الحضيض حيث يتحول الى طاغية يزهق أرواح الفقراء ويتجاوز على المال العام ويقضي حياته في اللهاث وراء المال والجنس وما شابه ليجد نفسه في آخر المطاف ساقطا في وحل اللذائذ الزائلة التي دفعته إليها ذاته ونفسه الباحثة أبدا عن الشهوة والمال والسلطة في ظل غياب الزهد والرؤية السليمة لروابط الحياة كافة.

ولعل الجانب الاهم في زهد الحاكم انه غالبا ما يكون محط ثقة الجميع لاسيما عامة الناس الذين ينظرون الى الحاكم الزاهد بإخلاص وإعجاب وثقة تامة، لذا لابد لمن يهدف الى النجاح في قيادة المجتمع الاسلامي أن يكون زاهدا حقيقيا لكي

حيث يقول الإمام الشيرازي في هذا المجال:

(الواجب على القائمين بالحركة أن يتزهدوا في الدنيا، فإن الزهد يوجب أولاً كثرة العمل وثانياً التفاف الناس، فإن الناس جبلوا على الالتفاف حول من لا يرغب في المادة، وبالعكس من ذلك الذين يرغبون في الماديات فإن الناس ينفضون من حولهم).

وهكذا يكون الابتعاد عن الزهد سببا من الاسباب المهمة في الفشل السياسي لمعظم الدول الاسلامية التي لاتزال تعيش متأخرة عن الركب العالمي في العصر الراهن، الامر الذي يدل على وجوب العودة الى الجذور الاولى لعظمة الدولة الاسلامية وقادتها العظام في تأريخها المشرق، ولنا نماذج خالدة وعظيمة في هذا المجال حيث كان الزهد وساما يتحلى به هؤلاء القادة شكلا وجوهرا وينتصرون به على النفس التي لا يحد من رغباتها ونزعتها الاستحواذية سوى الزهد والإيمان والحكمة.

حيث يؤكد الإمام الشيرازي (قدس) في كتابه نفسه قائلا:

(وهكذا يجب أن يتخذ القائمون بالحركة الإسلامية العالمية ـ التي تصل بإذن الله تعالى إلى الهدف وهو إقامة حكومة ألف مليون مسلم ـ الزهد من أصول حركتهم، وأن يتركوا الدنيا، إلا بالقدر الواجب، نسأل الله أن يوفقنا لذلك).

شبكة النبأ المعلوماتية- الأربعاء 11/آب/2010 - 30/شعبان/1431

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1431هـ  /  1999- 2010م