باكستان... تحت رحمة الفيضان والمساعدات الدولية

إعداد: احمد عقيل

 

شبكة النبأ: تزداد عدد الضحايا من جراء الفيضانات التي تجتاح مناطق واسعة من باكستان والهند والدول المجاورة، في الوقت الذي تعمل المنظمات العالمية على إنقاذ أرواح الملايين من الأبرياء من أطفال ونساء خلال عمليات الإنقاذ، التي تتم عن طريق الطائرات والسفن.

من جانب آخر يتواصل تدفق المساعدات الإنسانية من مختلف الدول على المناطق المنكوبة، لمساعدة المتضررين عبر جمع التبرعات، فيما تسود مخاوف من انتشار الأمراض، فضلا عن توفير الغذاء والمسكن بدل المنازل التي هدمتها السيول.

يأس باكستاني

فقد استولى اليأس على الباكستانيون الذي يتدافعون على الطائرات الهليكوبتر لنقلهم بعد ان اجتاحت السيول القرى واغرقتها وهم يتذمرون من الحكومة لعدم معالجتها للوضع. وربما يكون الرئيس الباكستاني اصف علي زرداري قد ارتكب أكبر خطأ سياسي في حياته العملية بسفره الى باريس ولندن خلال اسوأ سيول تضرب بلاده في 80 عاما.

وقتل أكثر من 1600 شخص وتضرر 12 مليون جراء السيول التي وجهت ضربة كبرى لاقتصاد باكستان القائم على الزراعة والمعتمد اعتمادا كبيرا على المعونات الخارجية. ومن المتوقع هطول امطار غزيرة خلال الايام القادمة خاصة على المناطق المنكوبة من السيول مما يزيد من فرص جرف المزيد من المنازل وهلاك المحاصيل. وقالت السلطة الوطنية لادارة الكوارث ان أكثر من 29500 منزل تضررت من السيول التي أعاقت أيضا المرور في عدة أجزاء من طريق سريع رئيسي يصل الى الصين. بحسب وكالة رويترز.

وفي مدينة مظفر جاره قرب التقاء انهار ملأتها مياه الامطار وتنبع من اماكن بعيدة مثل الهند وافغانستان  بنهر السند لتتدفق جنوبا نحو البحر اسقطت طائرات الهليكوبتر علب الارز للسكان الذين انتقلوا لمناطق اكثر ارتفاعا. وتشبث بعض الباكستانيين اليائسين بالطائرات الهليكوبتر وهي تقلع. وجاهد مسن حتى دخل احداها. ونظر لاسفل وبكى.وقد قال امجد جمال المتحدث باسم برنامج الاغذية العالمي التابع للامم المتحدة "الاوضاع تزداد سوءا. انها تمطر مرة اخرى. هذا يعرقل عمليات الاغاثة التي نتولاها."

واعلنت مقاطعات في اقليم السند بجنوب باكستان حالة التأهب القصوى بينما دمرت المياه حوض نهر السند.واندفعت السيول من الشمال عبر مناطق الوسط الزراعية في البنجاب الى السند على امتداد مسار يبلغ نحو الف كيلومتر على الاقل. ويوجد باقليم السند مدينة كراتشي كبرى مدن باكستان ومركزها التجاري لكن يتوقع ان تضرب السيول المناطق الريفية. وقال مسؤولو المنظمة الدولية انه جرى اجلاء اكثر من نصف مليون شخص من السند. كما تلحق السيول اضرارا بولاية جامو وكشمير الهندية على الحدود مع باكستان حيث تعرقل الامطار جهود الانقاذ والاغاثة. وقتلت السيول بالفعل ما لا يقل عن 113 شخصا في منطقة لاداخ الواقعة في جبال الهيمالايا.

وفي رده على انتقاد غيابه قال زرداري ان رئيس الوزراء قادر على التعامل مع الازمة. واضاف في برنامج نيوز نايت الذي يبثه تلفزيون هيئة الاذاعة البريطانية (بي.بي.سي) "هناك مسؤول تنفيذي في البلاد... البرلمان منعقد ومجلس الشيوخ منعقد. انها مسؤولية رئيس الوزراء وهو يضطلع بمسؤولياته."

وسيوجه الرئيس يوم السبت كلمة الى الجالية الباكستانية في بريطانيا بعد محادثاته مع رئيس الوزراء البريطاني ديفيد كاميرون التي اتفق فيها الزعيمان على بذل مزيد من الجهود لمكافحة التشدد الاسلامي.

وقال انار جول احد ضحايا السيول بشمال غرب باكستان "رئيسنا يزور الدول الاجنبية في حين نغرق نحن هنا. الحكومة لا تفعل شيئا، انظر فحسب الى اوضاعنا. لا نزال نجلس في المطر. ليس لدينا خيام. لا نحصل على اي شيء من اي جهة." وتواجه الحكومة الباكستانية ضغوطا للتصدي لعدد من المشكلات فالمتشددون لا يزالون يشكلون تهديدا امنيا رغم هجمات الجيش كما ينتشر الفقر ويتفشى الفساد.

ورغم ان زرداري نقل كثيرا من صلاحياته الى جيلاني فلا يزال يتمتع بنفوذ وزاد توجهه الى اوروبا في وقت تغمر السيول اجزاء من بلاده من تقويض الثقة في حكومة لا تحظى بالفعل بالشعبية.

وحكم الجيش الذي كان على خلاف مع زرداري باكستان لاكثر من نصف تاريخها. ويقود الجيش حاليا جهود الاغاثة مما يعزز الرأي القائل بان الحكومات المدنية لا يمكنها التعامل مع الازمات الكبرى.

ولا يتوقع محللون ان ينتزع الجيش زمام السلطة بل سيلعب دورا من وراء الكواليس في حين تتحمل الحكومة عبء الانتكاسات التي تتعرض لها البلاد. كما يظل الجيش مشغولا بمحاربة متمردي طالبان لدرجة لا تمكنه من تدبير انقلاب. ولا تريد واشنطن حليفة باكستان ان ترى حليفتها تمر بحالة من زعزعة الاستقرار اذ تعول عليها في مساعدتها في حملتها ضد متشددي طالبان في افغانستان.

ووصف جيلاني الذي وجه خطابا الى الامة للمرة الاولى منذ وقوع الكارثة الخسائر البشرية والمادية بانها "ضخمة" وناشد المجتمع الدولي تقديم معونات لبلاده. وباتت امدادات الغذاء قضية مهمة. كما نضبت المياه من الابار في العديد من المناطق. وقالت رنا عبد الرزاق التي تعمل مهندسة في محطة للطاقة حيث احتمى نحو 100 من ضحايا السيول فوق احد الاسطح "منازلنا غمرتها المياه تماما. ظللت اضع لعب اولادي في اماكن اعلى في منزلي لحمايتها من المياه" لكن فقدت كل شيء. لا استطيع ابلاغكم كم هو سيء ان ترى هذه اللعب تطفو على المياه."

ثلاثة ملايين متضرر

من جانبه قال المتحدث باسم صندوق الامم المتحدة لرعاية الطفولة (يونيسيف) ان أكثر من ثلاثة ملايين شخص تأثروا بأسوأ سيول تعيها الذاكرة في باكستان وان عدد القتلى قفز الي أكثر من 1400 .

وأضاف المتحدث عبد السامي مالك أن 1.3 مليون شخص تضرروا بشدة من السيول التي وقعت في شمال غرب البلاد وتسببت في توجيه انتقادات شديدة الى الحكومة بشأن الاجراءات التي اتخذتها للتعامل مع الكارثة.

وتكافح السلطات الباكستانية لمساعدة ضحايا السيول الذين خسر كثيرون منهم منازلهم وموارد رزقهم واشتكوا من ان السلطات لم تحذرهم مسبقا من مجيء السيول. بحسب رويترز.

وصرح مالك بأن الوكالات ومسؤولي الحكومة الباكستانية سيجتمعون ليحددوا ما اذا كانت هناك حاجة الى طلب مساعدة دولية عاجلة. وتدخلت مؤسسات خيرية اسلامية يشتبه في صلة بعضها بجماعات متشددة لتوفير المساعدات للباكستانيين المتضررين من السيول مما زاد الضغوط على الحكومة حتى تتولى زمام التعامل مع الازمة. وقد تكسب المؤسسات الخيرية الاسلامية التي يعتقد أن لها صلات بمتشددين تأييدا لو أثمرت جهودهم للاغاثة مثلما فعلوا بعد زلزال عام 2005 في كشمير الذي أسفر عن مقتل 75 الفا.

تطويق الفيضانات

في السياق نفسه تحاول باكستان تطويق الكارثة الانسانية الناجمة عن اسوأ فيضانات شهدتها البلاد منذ 80 عاما، والتي ادت الى سقوط 1500 قتيلا وطالت اكثر من 3 ملايين شخص، وسط مخاوف من انتقالها الى مناطق اخرى.

وفي شمال غرب باكستان، وهي المنطقة الاكثر تضررا، تدفق الناجون الى مراكز الانقاذ وسط توقعات بحصول عواصف رعدية جديدة، مما ضاعف المخاوف من تفاقم الازمة الصحية والغذائية.

وقد جمع رئيس الوزراء يوسف رضا جيلاني حكومته في جلسة طارئة خلال النهار لتقييم الاضرار وزيادة السرعة في عمليات الانقاذ، في وقت اعلنت فيه الامم المتحدة وعدد من الدول ارسال عشرات ملايين الدولارات من المساعدات.

وعين الامين العام للامم المتحدة بان كي مون سفير فرنسا السابق لدى المنظمة الدولية جان موريس ريبر لتقويم الوضع الانساني وحاجات المنكوبين من الفيضانات في باكستان، كما اعلن المتحدث باسمه.

وقال مارتن نيسيركي ان ريبر الذي يشغل حاليا بالشؤون الانسانية من اجل باكستان لدى الامم المتحدة سيتوجه الخميس الى هذا البلد. وقال جيلاني "تلقينا ردا مشجعا من مجمل الاسرة الدولية" مضيفا ان "مساعدات بكميات كافية" نقلت الى المناطق المنكوبة. وادت الامطار القياسية التي انهمرت على باكستان منذ الاسبوع الماضي الى تدمير قرى باكملها وحقول زراعية شمال غرب البلاد، وهي منطقة عانت لسنوات من الحرب الضارية بين متمردي طالبان والجيش الباكستاني. وقال نديم احمد رئيس الهيئة الباكستانية لادارة الكوارث ان نصف المنكوبين موجودون في شمال غرب باكستان اما النصف الاخر فهم في ولاية البنجاب وسط البلاد، التي طاولتها الفيضانات منذ يومين. حسب وكالة الانباء الفرنسية

وتخشى السلطات من اتساع رقعة الفيضانات لتشمل السند في ولاية كشمير الباكستانية وبلوشستان (شمال غرب).وبحسب حكومة ولاية خيبر بختونكوا (شمال غرب)،في حين اشار مسؤول في صندوق الامم المتحدة للطفولة (يونيسيف) عن عدد منكوبين بلغ 3,2 مليون شخص. ومن ناحيته، اعلن احمد جمال، المتحدث باسم برنامج الاغذية العالمي التابع للامم المتحدة "نحن بحاجة ماسة لمساعدة غذائية للتصدي للنقص الغذائي القائم". مضيفا ان "80% من الاحتياطي الغذائي قد دمر بالفيضانات في المناطق الاكثر تضررا بالاضافة الى الحاق اضرار جسيمة في المواشي والاسواق والطرق ومجمل البنى التحتية".

وانتشرت على طول الطريق بين بيشاور وشارسادا مشاهد الدمار وركام المنازل والمناطق المقفرة بالكامل، بما يشبه مناظر مدينة مدمرة بزلزال، وفي قرية شاه علم، اشتكى حوالي الفي منكوب قدموا الى امام منزل مسؤول محلي لطلب الغذاء من عدم تلقيهم اي مساعدات حكومية. وقال فلك ناز (28 عاما) وهو احد المنكوبين، وهو تحت تأثير الصدمة "فقدت كل شيء. المنزل الذي بنيته بيدي دمر، فهل ستساعدنا الحكومة؟".

وفر عدد من المنكوبين من مناطق الفيضانات، ناقلين ما تبقى لهم من اغراض داخل شاحنات او سيارات او على الحمير. ولجأ اخرون الى المساجد بحثا عن مأوى. واشار وزير الاعلام في خيبر بختونكوا ميان افتخار حسين الى "اننا نعاني نقصا خطيرا في الادوية والغذاء، ونخشى ان يموت البعض من الجوع اذا لم تصل المساعدات في الوقت المناسب". وقال مارتن موغوانجا منسق العمليات الانسانية للامم المتحدة في باكستان "نحن امام ازمة انسانية خطيرة".

واعلن برنامج الاغذية العالمي التابع للامم المتحدة انه قدم مساعدات لحوالي 250 الف شخص ، الا ان اكثر من 1,8 مليون شخص كانوا بحاجة للغذاء.

وتم تسجيل اصابات بالكوليرا من جانب السلطات التي تخشى تفشي الاوبئة. وشددت الامم المتحدة على ضرورة ايصال مياه الشفة باسرع وقت ممكن تفاديا لهذا السيناريو الكارثي. وتكثفت الجهود الدولية لمساعدة المنكوبين.

وقد قررت كل من الامم المتحدة والولايات المتحدة ارسال 10 ملايين دولار من المساعدات، فيما تعهدت بريطانيا بتقديم 8 ملايين دولار، استراليا 4,4 مليون، كندا 2 مليون والصين 1,5 مليون دولار.

ووعدت وزيرة الخارجية الاميركية هيلاري كلينتون بان واشنطن ستساعد باكستان، حليفتها الرئيسية في محاربة الارهاب، على مواجهة عواقب الفيضانات التي ضربت البلاد، "في الايام والاسابيع المقبلة".

واوضح جيلاني ان اعضاء حكومته سيتبرعون بشهر من رواتبهم لمساعدة المنكوبين كما سيتبرع كل فرد من الجيش الباكستاني براتب يوم من معاشه.

انتشار الأوبئة

وذكرت منظمة الصحة العالمية، إن هذه الفيضانات تهدد صحة مئات الآلاف من الأشخاص، إذ "يزداد خطر تفشي الأمراض المنقولة بالمياه ووقوع أضرار جسيمة في المرافق الصحية."

وقال البيان الذي نشرته المنظمة على موقعها الإلكتروني "من الشواغل الصحية الكبرى في الوقت الراهن مكافحة الأمراض المنقولة بالمياه، وخاصة أمراض الإسهال وعدوى الجهاز التنفسي، وعلاج المصابين، والمساعدة على ضمان جودة مياه الشرب النقية." وبحسب تقديرات المنظمة الدولية، فق نكبت بالفيضانات نحو 46 منطقة من أصل 135 منطقة في باكستان. ودمرت الفيضانات ما لا يقل عن 39 مرفقاً صحياً، الأمر الذي أدى إلى فقدان أطنان من الأدوية. بحسب السي ان ان .

واضاف البيان "أرسلت منظمة الصحة العالمية شحنات كبيرة من الأدوية والإمدادات لعلاج الناس من الإسهال وعدوى الجهاز التنفسي والجروح وغير ذلك من الاعتلالات الصحية. ولضمان حصول الناس على إمدادات نقية ومأمونة من مياه الشرب، قدمت منظمة الصحة العالمية 102 ألف قرص من أقراص تنقية المياه." وتوقعت المنظمة أن تزداد الحاجة إلى الإمدادات الطبية، وقالت "مع ذلك فإن نطاق الطوارئ يعني أن الحاجة إلى الإمدادات الطبية سوف تزداد. وتشمل الاحتياجات الطارئة الأخرى التي حددتها الوكالات التابعة للأمم المتحدة في تقدير أولي على تقديم خدمات الدعم النفسي إلى المنكوبين، وتنفيذ التدخلات الرامية إلى تعزيز الصحة."

شبكة النبأ المعلوماتية- الاثنين 9/آب/2010 - 28/شعبان/1431

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1431هـ  /  1999- 2010م