من الرابح ومن الخاسر في الحرب الإيرانية العراقية؟

خليل الفائزي

من العبث الغور في ماضي كتبت صفحاته بلون دماء الأبرياء، ومن المخجل تقليب تاريخ ملأت أيامه بنكسات الأمة الإسلامية وما تعرضت لها المجتمعات البشرية من حروب واقتتال ودمار لاسيما ان النزعة الفردية والتعنت الذاتي والمصلحة الشخصية كانت دوما الباعث الأساسي والركيزة البغيضة لخوض حروب دامت أعوام وعقود في التاريخ دون ان تحقق اي طموحات إنسانية او خدمة للبشرية ولا أهداف دينية ولا رؤى قومية.

ومن المخزي لنا نحن المدنيون ودعاة إرساء المجتمعات المسالمة التطرق في الظروف المأساوية والمهنية التي تعيشها الأمة الإسلامية في الوقت الراهن خاصة وان العراق أضحى ومنذ عدة أعوام بلداً محتلاً رسمياً من جانب أمريكا وحلفائها وتتعرض فيه إيران لتهديدات مستمرة بإسقاط نظامها وربما التخطيط لاحتلالها او على الأقل فرض العقوبات الاقتصادية الصارمة عليها من قبل أمريكا وحلفائها أيضا.

من وجهة نظرنا نحن المدافعون عن المجتمعات المدنية نرى ان الحرب الإيرانية العراقية ومهما كانت دوافعها وأهدافها وما نجم عنها من مآسي وقتل وتخريب وتجارب مرضية او قاسية لم ولن تكن صفحة بيضاء في تاريخ الأمة الإسلامية والمجتمعات الإنسانية، مع التأكيد هنا ان من حق كل طرف بيان وجهة نظره والتحدث بكل حرية عما يطيب له من سرد عبارات النصر وإحياء ذكراها وتشبيه الحرب بفتوحات صدر الإسلام او اعتبارها حرباً مقدسة.

الأمر الذي لا يختلف فيه اثنان منصفان وعاقلان، ان المستفيد من الحرب كانت ولا تزال القوى الأجنبية والدول الطامعة لنهب المزيد من خيرات الأمة الإسلامية ومشاغلة دول المنطقة ببعضها لانهاك قدراتها والحد من طموحاتها ورقيها وتقدمها وبيع الغرب والشرق لمزيد من الأسلحة والمعدات العسكرية بمئات وربما بآلاف مليارات دولار حتى للدول المحيطة في دائرة الحرب وتبرير وتكريس تواجد القوات الأجنبية في منطقة الشرق الأوسط ليس دفاعاً عن الدول الحليفة للقوى الأجنبية بل دفاعاً عن إسرائيل ومصالح الغرب أولا وأخيرا.

النظام السابق في العراق قطعاً انه اخطأ باحتلاله دولة الكويت ودفع قواته نحو الجنوب تصوراً منه انه قادر على احتلال دول في المنطقة وفرض شروطه عليها وتسوية الحسابات السياسية والمالية والجغرافية معها، والنتيجة كانت ولازالت حتى الآن قطع 90% من لقمة عيش الشعب العراقي وموارده المادية وتقديمها "تعويضات مالية" للدول المتضررة او الجهات المشتكية على طبق من ذهب بواسطة أمريكا راعية المجتمع الدولي وحقوق الأمم المتحدة!.

واخطأ وبفداحة أيضا هذا النظام عندما دفع القوات المسلحة وأبناء الشعب العراقي قسراً لاحتلال مناطق شاسعة من غرب إيران وهي المناطق التي تحولت فيما بعد لساحة حرب ولمقابر تحوي في باطنها أجساد وجثامين أبناء البلدين الجارين والمسلمين ، وحتى يومنا هذا نشهد العثور على مقابر فردية وجماعية لجنود او مدنيين تحللت أجسادهم وذابت ثيابهم ولا يعرف هل انهم إيرانيون ام عراقيون نظرا لاختلاط دمائهم وأجسادهم معا على تراب الحرب الطاحنة والمدمرة.

سقوط نظام صدام حسين ما رافقه من أحداث وتطورات متسارعة أوجد لإيران ولغيرها من دول المنطقة فرصة لا تقدر بثمن لاعادة ترتيب موقفها وتقييم مصالحها في العراق من خلال التعاون مع أحزاب وجماعات وشخصيات سياسية وحكومية ودينية بشكل فاق تعاون إيران مع اي دولة أخرى حيث تنامت مصالحها وتعاظم وجودها المباشر وغير المباشر من جنوب العراق حتى شماله وانتقلت مئات من الشركات الإيرانية الكبرى للعمل في ساحة العراق المفتوحة وارتفع مستوى الاستثمارات المشتركة والتجارة الرسمية والتهريب بين ايران والعراق إلى مستوى اكثر من تجارة الإمارات مع إيران البالغة 18 مليار دولار سنوياً.

وبالرغم من ان العراق بلد محتل وخاضع لإشراف الإدارة الأمريكية الا ان تعاون وتنسيق إيران مع الأحزاب والجماعات والمؤسسات العراقية الرسمية والدينية وصل إلى حد إثارة مخاوف وقلق بعض دول المنطقة من احتمال ما وصفوه تشكيل الهلال الشيعي في الشرق الأوسط الذي يضم إيران والعراق وسوريا وجزء من لبنان حسب ما قيل عنه ووصف آنذاك بالجبهة الشيعية الجديدة وحتى ان مئات وربما آلاف من المراجع والمعممين ورجال الدين والمدنيين انتقلوا تدريجياً من إيران ـ بشكل رسمي وغير رسمي ـ الى العراق لمساندة الفكر الشيعي والسيطرة على منابر الخطابة وقيادة المراكز الدينية مثل الحوزات والحسينيات والمؤسسات المذهبية والخيرية لمنافسة نشاط مماثل قامت وتقوم به دول عربية خاصة الخليجية منها في مناطق عديدة من العراق بهدف دعم جماعات وطوائف أخرى ولمواجهة المد الشيعي،حسب قولها.

اليوم وبدلاً من ان يشكر بعض العسكريين الإيرانيين السابقين رب الأرض والسماء لما فعلته وقدمته أمريكا من خدمات جليلة وقيمة لدول الجوار! بإسقاط وتغيير النظام السابق في العراق وإتاحة اكبر فرصة لإيران بالانتقام من نظام صدام حسين الذي خاض الحرب ضد إيران، وبدلا من فتح صفحة جديدة من التعاون مع العراق الجديد (الجريح والمحتل!) من خلال العقود التجارية والمشاريع المشتركة وتبادل السلع والبضائع والاستفادة من العراق كمنفذ أساسي لكسر العقوبات المفروضة على إيران وإحباط الضغوط الاقتصادية الدولية لاسيما تهريب مشتقات النفط من العراق الى إيران بالرغم من السيطرة الأمريكية على العراق!، فان هؤلاء العسكريين لازالوا غارقون في أحلام الحروب والانتصارات ويتفاخرون علانية باحتلال الدولة المسلمة لجارتها المسلمة واستمرار قتل شباب البلدين ويتحسرون على وقف الحرب وإيقاف نزيف الدم بين الشعبين ويزعمون ان الحرب (الإيرانية العراقية) لو استمرت لعدة سنوات او عقود أطول مما كانت (8 أعوام) لكان افضل لنا بكثير!

قائد الحرس الإيراني ـ في وقت الحرب مع العراق ـ محسن رضائي صرح قبل أيام: كنا قادرين على فتح بغداد (أي احتلال العراق) في العام الخامس من الحرب اذا طالت واستمرت لفترة أخرى!. ويقول زميله وزير الحرس ـ في وقت الحرب مع العراق ـ محسن رفيق دوست بدوره : لقد اعترضنا نحن (قادة الحرس) بشدة على قبول القرار الدولي رقم 598 الداعي لوقف الحرب بين إيران والعراق ، وكنا نطالب باستمرارها حتى النهاية من اجل تحقيق الأهداف المرجوة!.

وكما أسلفنا في السابق ، ان من حق مسئولي كل دولة او القادة العسكريين والأشخاص العاديين الإدلاء بما يحلو لهم ويجول في خاطرهم من أفكار ومواقف بكل حرية ودون قيود، فهذا هو رأيهم الشخصي ونحترمه قطعاً، لكن نحن دعاة المجتمعات المدنية علينا الرد عليه ومناقشته معهم او غيرهم بشكل واقعي في إطار حوار سلمي ومقبول للرأي العام او حتى قانونا وشرعيا لبيان الحقيقة ومعرفة أين يقع الصواب وأين الخطأ.

لنفترض ان الأمور سارت كما فكر به وخطط له هؤلاء و بالشكل الذي يطرحونه الان وتحقق ما رغبوا به ويصبون إليه واستمرت الحرب لعدة عقود أو لازالت قائمة حتى يومنا ونسألهم: هل أحصيتم الخسائر المادية والبشرية المتوقعة والتي كانت تلحق بالبلدين جراء استمرار هذه الحرب لعدة عقود ويا ترى من أين كنتم تأتون بوقود نار الحرب المشتعلة والمدمرة لكل هذه الفترة هل من موارد النفط الذي كان سيحرق في البلدين ام من لقمة عيش المواطنين المحرومين؟!.

 قطعاً ستكون نتائجها الأولية وبالتأكيد ملايين القتلى وعشرات ملايين الجرحى والمشوهين جسديا والمنهارين نفسيا ودمار مئات المدن وضياع آلاف مليارات دولار من العادات وكم هائل من الخسائر المادية والمالية وتأخر البلدين عن الركب العلمي والتقدم العالمي مائة عام على الأقل، فهل هذا هو هدف إنساني ومطلب قومي وغاية دينية أم انه يكشف عن فكر ضيق ووجهة نظر غير صائبة ومواقف تتعارض بالتأكيد مع تطلعات الأمة الإسلامية وتتباين بالكامل مع الشرع والمنطق والدين؟.

ولنفترض ان قوات الحرس بقيادة العميد رضائي احتلت العراق وأسقطت النظام في بغداد، حسب قوله وتصوره، فإلى متى تستطيع هذه القوات البقاء في العراق؟ عام عامان أو عقد وعقدان من الزمن ويا ترى ماذا سيكون هدفها التالي هل احتلال المزيد من دول المنطقة ، كما كان قد خطط له ونفذها بعض قادة دول سابقة تكاتفت على إسقاط أنظمتهم دول وملل أخرى، كما حدث خلال الحرب العالميتين الأولى والثانية وحروب امتدت طيلة التاريخ وآخرها احتلال الكويت.

ان أمريكا جربت احتلال العراق في أهم اختبار واقعي وملموس للجميع، فما كانت النتيجة بعد تذرعها بمقارعة الإرهاب ومواجهة الخطر النووي ورفع شعار القضاء على بؤر البغي والتهديد؟.هل ان أمريكا حققت أهدافها وتوصلت الى نواياها وتربعت على عرش النصر وكسر شوكة أعدائها وخصومها او انهم تضاعفوا عدة وعددا وتزايدوا قدرة وصمودا وإصرارا اكثر من أي وقت مضى؟

وفقاً لتقرير رسمي للكونغرس الأمريكي فقد تضاعفت حالات الإرهاب بأنواعها وتصاعدت عمليات مقاومة الاحتلال ومشاعر العداء لأمريكا ألف مرة اكثر مما كانت عليه قبل سقوط نظام صدام حسين ، وان سمعة القادة الأمريكيين المحتلين من الحاكم المدني الأمريكي (بول بريمر) الى قائد القوات الأمريكية في العراق الجنرال (راي اوديرنو) بين الشعب العراقي وبين أبناء الأمتين العربية والإسلامية وفي الأوساط الدولية المستقلة أسوء من سمعة هولاكو وهتلر في التاريخ وان العراق أضحى للمحتلين أشبه بمستنقع الوحل كلما بقت به او تحركت فيه القوات الأمريكية كلما غاصت اكثر في وحل المستنقع وانها تبحث الآن وبجدية عن مخرج يحفظ ماء وجهها للهروب السريع من العراق.

نعم هذه هي صورة العراق الآن وهذا هو حال المحتلين لدول الغير والساعين لإذلال الشعوب، فاعتبروا يا أولي الألباب!

لنكن واقعيين، فبدلاً من ان نخطط لمزيد من القتل والدمار والحروب ونتحسر عن أيام سوداء شهدتها البشرية وندعو لشق الوحدة والتعاضد بين دول المنطقة وأضعاف التكاتف بين الدول العربية و الإسلامية ونسحق أسس المجتمعات الإنسانية ونشتت القدرة الذاتية لبلداننا ، تعالوا لنمد يد العون والآخاء والصداقة لبعضنا البعض ونتحد على أسس إنسانية أوإطار ديني اوأهداف متعالية لمواجهة المحتلين والغاصبين لأجزاء من بلداننا ونعمل سوية من منطلقات دينية وإنسانية وأخلاقية على إحباط المخططات الهائلة والخبيثة التي يتعرض لها حاليا العراق وإيران ودول عربية وإسلامية أخرى، وهومطلب محبب لا محالة لدى الله تعالى ومشرع إنسانيا ودينيا ومقبول لدى الشعوب والطوائف كافة ومدعوم كذلك من الأحرار والأخيار في المنطقة والعالم.

* كاتب وإعلامي مستقل

[email protected]

شبكة النبأ المعلوماتية- الأربعاء 4/آب/2010 - 23/شعبان/1431

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1431هـ  /  1999- 2010م