نزاهة الحكومات الناجحة

رؤى من افكار الامام الشيرازي

 

شبكة النبأ: التعاون ميزة الأمم والشعوب الناجحة، فمن خلال هذا المقوّم الهام لنجاح الحكومات وشعوبها تمكن الانسان أن يصل الى بناء منظومة فكرية عملية متجانسة تتفاعل فيما بينها لتصل بالنتيجة إلى تحقيق أهدافها المتوخاة.

والتعاون لايقتصر على مجال محدد من الحياة، بل لابد أن يكون تعاونا شاملا كما يقول الامام الراحل آية الله العظمى السيد محمد الحسيني الشيرازي (قدس) وقد وصف التعاون في كتابه الثمين (السبيل الى إنهاض المسلمين) قائلا بأن:

(التعاون يعني نبذ كل التفرقات، والتنسيق بين كافة المنظمات والأحزاب والجمعيات والمكتبات ودور النشر والمؤلفين ووسائل الإعلام وما أشبه. يجب علينا أن نفكر في التعاون تفكيراً جدياً وأن نجعله تطبيقاً خارجياً).

وهذا يحتّم على الجميع أن يضعوا التعاون قاسما مشتركا لجميع الانشطة التي يقومون بها الرسمية منها والأهلية، فلا يمكن للحكومة الاسلامية أن تنجح وتحقق أهدافها وترضي شعبها ما لم تجعل من التعاون هدفا قائما بين الجميع، إذ يؤكد الامام الشيرازي في هذا المجال على أهمية التعاون الشامل وعد استثناء أحد، فيقول في كتابه نفسه:

(فلنجعل التعاون بين كافة المسلمين على اختلاف مذاهبهم ومشاربهم واجتهاداتهم وبلادهم وقومياتهم وجنسياتهم وألوانهم وسائر المميزات بينهم، لنجعل توحيد الكلمة والتعاون هو الأصل العام الذي يرجع إليه الكل قبل الحركة ومع الحركة وبعد الحركة حين الوصول إلى الدولة الإسلامية).

وينبّه الامام الشيرازي الى قضية مهمة تتعلق بطبيعة التعاون كمقوّم داعم للحكومة الاسلامية الناجحة، إذ يؤكد على أن التأكيد على أهمية التعاون لا تعني فرض الرأي او الفكر بالقسر على الآخرين حتى لو كانوا تحت سلطتنا او لدينا القوة الكافية للاكراه، بل لابد أن يكون الاتفاق على التعاون طوعيا بدافع الاقتناع أولا، بمعنى أننا لا نستطيع أن نطلق صفة التعاون على عملية فرض الرأي او الفكر او العمل إلا بحدود الضوابط المتفق عليها، لذلك يؤكد الامام الشيرازي قائلا:

(إن الكل له الحق في إبداء الرأي والمناقشة وتحري الحقيقة، لكن هذا شيء، والمحاربة وتبادل الاتهامات، والتفرقة، والتشتت، وابتعاد البعض عن البعض حتى ينتفع من ذلك المستعمر الكافر شيء آخر).

وهكذا يمكن أن تتحول حالة التضاد والافتراق الى عامل مساعد لمن لايرغب الخير للمسلمين او الانسانية، لهذا لا مناص من التقارب والتوحد من اجل توحيد الطاقات الفكرية والعملية لكي تتمكن الحكومة الاسلامية من اداء ما يلزم، إذ يبقى عامل الاتفاق والتعاون من اهم عناصر النجاح التي لايصح التخلي عنها او تجاوزها، حيث يقول الامام الشيرازي في هذا الصدد:

(إننا إذا أردنا إعادة حكم الله سبحانه وتعالى يجب أن نوحد صفوفنا أمام الأعداء الواقعيين، وأن نجعل من مختلف القوميات والطوائف والألوان والقبليات وحدة واحدة حتى نتمكن من تحقيق هذا العمل الكبير بإذن الله سبحانه وتعالى).

وقد يسأل أحدهم هل التعاون بين المسلمين يفرض علينا توحيد المذاهب والقبول بالمذاهب الاخرى وما شاب؟

هنا يستدرك الامام الشيرازي لتوضيح الامر قائلا:

(إن معنى ما ذكرناه ليس أن تبدل طائفة مذهبها بمذهب طائفة أخرى، أو يصافح بعضهم بعضاً مصافحةً خلاف عقيدته، فإن ذلك لا يزيد الأمر إلا إعضالاً، بل لكل أن يعمل حسب مذهبه وقناعاته الأصولية والفقهية، وإنما يكونون صفاً واحداً في صيانة سيادة البلد الإسلامي الواسع والأمة الإسلامية الواحدة).

أما ما يخص النزاهة، فهي المقوّم الذي لايمكن تجاوزه فيما لو أرادت الحركة الاسلامة او الحكومة أن تنجح في مساعيها وتحقيق مشاريعها الآنية والمستقبلية، إذ لابد لمن يتصدر دفة القيادة أن يتحلى بالنزاهة التامة في التعاطي مع الامور كافة، من ادارة شؤون الناس السياسية والاقتصادية والعلمية وغيرها، لهذا أكد الامام الشيرازي في كتابه نفسه قائلا:

(يجب أن يكون القائمون بالحركة نزيهين لساناً، قلباً، أذناً، عيناً، يداً، رجلاً، جنساً، مالاً، أهلاً، وغير ذلك، لأن الإسلام بناء متكامل).

وهذا يؤكد على أن النزاهة ليست قولا فحسب إنما هي فعل قائم وايمان راسخ في النفس تدعمه القرارات التي تُدار من خلالها شؤون الناس.

وهكذا تستطيع الحكومة الاسلامية النجاح في أعمالها كافة فيما لو جعلت من التعاون والنزاهة عاملان داعمان لأنشطتها في ادارة الدولة، إذ يقول الامام الشيرازي بهذا الصدد، في كتابه الثمين نفسه:

(فلنوحّد صفوفنا ونجعل من التعاون شعاراً عملياً لنا في الحركة، وقبل الحركة وبعد الحركة. وبذلك نتمكن من إقامة حكومة ألف مليون مسلم).

شبكة النبأ المعلوماتية- الثلاثاء 3/آب/2010 - 22/شعبان/1431

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1431هـ  /  1999- 2010م