الحرب في المنطقة بين الواقع والتهويل

 خليل الفائزي

 عادة طبول الحرب يقرعها المخططون والبادئون بها والمستفيدون منها، ودعاة الحرب على الأرجح لا يبقون صامتين الا اللهم تكمن نيتهم القيام بحرب خاطفة وسريعة يهدفون من ورائها تغيير خريطة الشرق الأوسط وتصدير الأزمات وبيع الأسلحة ونهب الثروات وإخضاع وإذلال المزيد من أنظمة المنطقة.

 الرئيس الإيراني احمدي نجاد الذي من المحتمل ان تتعرض بلاده لهجوم شامل من أمريكا وإسرائيل كشف النقاب في حديث للتلفزة الإيرانية عما اسماها معلومات مؤكدة تشير إلى ان الأمريكيين والإسرائيليين اعدوا لمؤامرة خبيثة تكمن بمهاجمة دولتين على الأقل في المنطقة خلال الأشهر الثلاثة المقبلة، وأضاف: ان إيران ستجري مفاوضات مباشرة مع الغرب (مجموعة 5+1) حول البرنامج النووي الإيراني وانها قد أعدت نفسها عسكريا ولوجستيا لمواجهة اي احتمالات او عقوبات اقتصادية.

 مع ان الرئيس الإيراني لم يحدد هوية واسم الدولتين اللتين من المقرر تعرضهما لهجوم عسكري من جانب أمريكا وإسرائيل، الا ان الكثير من المراقبين وضعوا علامات استفهام بشأن هاتين الدولتين وتساءلوا يا ترى من أين استقى احمدي نجاد هذه المعلومات الدقيقة، هل من روسيا او من دول أمريكا اللاتينية أم من المخابرات الإيرانية او بواسطة من المدعو شهرام اميري الذي عاد من أمريكا لإيران مؤخراً وزعم انه حمل معه معلومات استخباراتية هامة شملت الكشف عن رقم لوحة لسيارة تابعة لجهاز المخابرات الأمريكية!.

 وفقاً للتجارب التي خضناها واختبرناها في العقود الماضية فان إسرائيل هي الجهة الوحيدة التي كانت تشن حروباً خاطفة وغير معلن عنها مسبقا وان جميع الدول الأخرى شنت الحروب ودخلت في مواجهات مع تحذيرات مسبقة وممهدة لعدة اشهر او أعوام، مثل الحرب بين الهند وباكستان والهجوم الأمريكي على أفغانستان واحتلال العراق من جانب حلف الناتو.

 وباستثناء الحروب التي قامت إسرائيل، فان الحروب الأخرى سبقتها تحذيرات إعلامية وإنذارات سياسية وتم قبل اشهر او على الأقل أسابيع استدعاء البعثات الدبلوماسية وإخراج معظم الأجانب لاسيما مواطني وشركات الدول الغربية، والأهم من هذا وذاك ظلت حكومات في المنطقة تقوم بوساطات وتنقل التحذيرات لمسئولي الدولة التي تعرضت لاحقاً لهجوم عسكري شامل.

 على سبيل المثال، أمهلت أمريكا جماعة طالبان في أفغانستان عدة أسابيع لتحويل او طرد اسامة بن لادن وعناصر تنظيم القاعدة بعد أحداث 11 سبتمبر ، وتم تحذير النظام العراقي السابق قبل عدة اشهر من مهاجمة واحتلال العراق، وكذلك بعثت أمريكا برسالة تحذيرية لنظام القذافي في ليبيا بضرورة دفع تعويضات مالية كبيرة جداً لضحايا حادث لوكربي الإرهابي والا فان أمريكا عازمة على إسقاط هذا النظام الذي سارع بتقديم مليارات دولار لأمريكا وأوروبا تجنبا لاي هجوم عسكري على ليبيا وإنهاء العقوبات الدولية المفروضة عليها.

 وعودة لموضوع احتمال "مهاجمة دولتين على الأقل في منطقة الشرق الأوسط"، حسب قول احمدي نجاد، يا ترى هل هما إيران وسوريا ام إيران ولبنان ام سوريا ولبنان او تركيا وباكستان، ام دول أخرى؟.

 من البديهي استبعاد تركيا وباكستان لانهما قاعدتان أساسيتان لأمريكا وركيزتان استراتيجيتان لحلف الناتو ولهما افصل العلاقات السياسية وأوسع التعاون الأمني والعسكري مع أمريكا ودول حلف الناتو وإسرائيل ايضاً في السر والعلن.

 ومن غير المحتمل جداً شن اي هجوم عسكري على سوريا في الظروف الراهنة لانها لا تشكل اي تهديد واقعي لا لأمريكا ولا لإسرائيل ولا تطالب حاليا باستعادة الجولان ولا تخطط لاي مواجهة في هذا السياق، وحتى ان افترضنا إدانة النظام السوري مسبقا في قرار المحكمة الدولية فيما يخص ملف اغتيال رفيق الحريري، فان هذا القرار قد تحول الآن لتوجيه الاتهام مباشرة الى حزب الله لبنان اي للطرف المؤيد والمدافع عن النظام الإيراني في المنطقة، وهذا يعني ان الغرب (أمريكا) قد يستغل قرار المحكمة الدولية لمهاجمة حزب الله لبنان بذريعة انه يشكل خطراً على السلام العالمي ويدعم الإرهاب، وكذلك مهاجمة إيران بحجة انها الداعم الأساسي لهذا الحزب وبالتالي هي المسئولة المباشرة عن أفعاله،كما حدث مع جماعة طالبان التي كانت قد احتضنت تنظيم القاعدة في أفغانستان.

 وبعبارة أخرى ان إيران ستكون الهدف الأساسي لاي هجوم أمريكي او إسرائيلي في المرحلة المقبلة ، وحتى وان أعلنت إيران انها ستجري مفاوضات مع مجموعة (5+1) في سبتمبر المقبل فان تراجعها في الملف النووي (وهذا امر غير وارد حاليا) لن يردع أمريكا او إسرائيل من تنفيذ مخططاتهما الرامية لإسقاط النظام الإيراني او على الأقل فرض شروطهما على طهران في المجال النووي وموضوع دعم إيران لما تسميها واشنطن بالجماعات الإرهابية.

 ويعتقد بعض المراقبين ان إشارة الرئيس الإيراني للدولتين المستهدفتين للهجوم العسكري الأمريكي، ربما تكون إحداها كوريا الشمالية، وهذا امر متوقع في الحسابات العسكرية ولكن قطعاً ان الإدارة الأمريكية ليست بهذا المستوى من الغباء لتفتح المواجهة العسكرية مع دولتين إحداهما في غرب آسيا وأخرى في شرقها خاصة وان الأخيرة لديها ـ كما تدعي ـ أسلحة ردع تشمل الصواريخ النووية القادرة على ضرب كوريا الجنوبية واليابان بدلاً من الأراضي الأمريكية!.

 وإيران بدورها ايضاً هددت من انها ستلجأ للاستفادة من جميع أنواع الأسلحة للدفاع عن نفسها وان اي هجوم عسكري عليها سيعطيها المبرر الكافي للتعجيل ربما في إنتاج أسلحة دمار شامل، وانها (إيران) ستبادر بضرب إسرائيل وإزالتها من الوجود، حسب ما جاء نصاً على لسان قادة الحرس الثوري الإيراني.

 ويقول إعلاميون إيرانيون ان زيارة الملك عبد الله (ملك السعودية) لمصر وسوريا والأردن ولبنان تدخل في نطاق اتخاذ موقف عربي موحد من التطورات الخطيرة التي ستشهدها منطقة الشرق الأوسط وليس لحل الأزمة السياسية في لبنان كما يشاع، فيما اتهم بدوره رئيس مجلس صيانة الدستور في إيران الشيخ جنتي النظام السعودي بالتآمر على إيران والعمل على الإطاحة بنظامها وبمشاركة من دول أخرى في المنطقة تحت إشراف أمريكي وإسرائيلي إشارة منه الى الزيارة السرية التي قام بها مسئول الاستخبارات الإسرائيلية الى الرياض في الأسبوع الماضي,.

 وظل مسئولون في دول مجلس التعاون يترددون في السابق على طهران لتحذيرها من ممارسة أمريكا لضغوط شاملة على إيران اونقل رسائل تهديد للحكومة الإيرانية من ان أمريكا عازمة على تنفيذ العقوبات واتخاذ إجراءات اخرى ضدها في حالة عدم تراجعها، الا ان اي من هؤلاء المسئولين ـ الى هذه الساعة ـ لم يبادر بنقل اي رسائل تهديد او تحذير للحكومة الإيرانية هذه المرة، الأمر الذي لا يخرج عن نطاق احتمالين، الأول ان الأوضاع الراهنة هي أوضاع عادية ولا وجود لاي أزمات حادة في المستقبل المنظور ولا لاي مخططات حرب او مواجهة بين أمريكا وإيران على الأقل في الأشهر الستة القادمة.

 والاحتمال الثاني هوان أمريكا تخطط لحرب مباغتة وسريعة او تشرف وتدعم مباشرة الهجوم الإسرائيلي الجوي على مواقع إيران النووية خاصة وان موسكو أعلنت تشغيل مفاعل بوشهر النووي في جنوب إيران قريباً وان الأمر خرج هذه المرة عن نطاق إرسال رسائل تحذيرية الى إيران مسبقا بواسطة مبعوثي الدول الصديقة لإيران.

 على اي حال، ان كل طرف يخطط للحرب والدمار في المنطقة والعالم وينوي تصدير أزماته الداخلية من خلال افتعال الحرب والمواجهة العسكرية مع الخارج او يعمل لبسط نفوذه على مناطق أخرى ونهب خيرات وموارد شعوب المنطقة عليه ان يعلم ان للحرب نار شعواء ستحرق كافة الأطراف وستكون مدمرة للجميع وان الشعوب التي عانت ويلات الحروب وأنواع القتال المفروض عليها، تقف ضد الفكر السلطوي وترفض مواقف وتبريرات دعاة الحرب والدمار مهما كانت ولن تؤيد اي مواجهة عسكرية خارجة عن نطاق تحرير الأرض المحتلة او الدفاع عن السيادة والكرامة لأي بلد أو أمة.

* كاتب وإعلامي مستقل

[email protected]

شبكة النبأ المعلوماتية- الإثنين 2/آب/2010 - 21/شعبان/1431

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1431هـ  /  1999- 2010م