كيف نتعامل مع التفجيرات والإرهاب؟

خليل الفائزي

مشاعر اي إنسان له ذرة من الحس البشري والفطرة الإنسانية تهتز حزناً وتتأثر ألما على إسالة دماء اي من البشر خاصة اذا كانوا من الأبرياء والعزل في اي بقعة من العالم.

 بالأمس حصدت تفجيرات وقعت في شرق ايران وبالتحديد في مكان للعبادة راح ضحيتها العشرات من المصلين ، وقبلها حصلت انفجارات في مدينة السليمانية وفي بغداد والبصرة وسائر المدن العراقية التي باتت ساحة مفتوحة للتنافس الإرهابي والمزايدة على قتل المواطنين.

 وكل يوم نسمع عن انفجارات وعمليات قتل وإرهاب في أفغانستان وباكستان وفلسطين المحتلة وغيرها من بقاع الأرض، والبعض يدين والآخر يندد ومنهم من يؤيد وهناك من يرى التفجيرات في بعض مناطق العالم بانها عمليات "استشهادية" و"فدائية" و"مقاومة في سبيل الدين والوطن"!.

 اننا اليوم بصدد تحليل ظاهرة التفجيرات وحقيقة الإرهاب وهل يمكن تجزئة التفجيرات والتفريق بين ما تسمى "المقاومة" او العمل الإرهابي، ويا ترى هل يجوز قتل الأنفس وإرعاب الناس للوصول إلى هدف سياسي اوإعلامي؟.

 قطعاً ان الشرائع السماوية جميعها حرمت بالكامل قتل النفس البريئة مهما كانت الذرائع ودلالة ذلك الحديث القدسي القائل "عرش الله يهتز غضبا إذا سالت قطرة دم دون حق"

 هذا الحديث يكم أفواه جميع المتذرعين بقتل الأبرياء والعزل ولا يجيز لهم إزهاق اي نفس بدون حق ويبطل الزعم القائل للبعض من انه يجوز تدمير وحرق مدينة كاملة يسكن فيها مليون شخص اذا كان بينهم 10 مجرمين او إرهابيين!.

 وبمعنى آخر لا يجوز شرعاً ولا قانوناً قتل العزل والمدنيين والأبرياء لا في دول المنطقة ولا في أمريكا ولا في اي دولة أوروبية اوغير أوروبية، وكل من يريد مقاتلة المحتلين وان يقوم بأي مقاومة واقعية لتحرير بلده واسترداد حقوقه فعليه ان يواجه المحتلين العسكريين او القادة المنافسين او حتى رجال الأمن والضباط والجنود والجواسيس مباشرة اي ان المواجهة تكون بحدود الند المنافس وليس البحث عن الضعفاء لانزال العقاب بهم والانتقام منهم! .

 يا ترى اين هي الرجولة والمقاومة والفخر وتحقيق الأهداف مهما كانت في تفجير مسجد او قتل مواطنين في منتزه او مطعم او مدرسة أطفال او هدم دور للعبادة لجميع اتباع الأديان او ذبح الناس على الهوية والأسماء والأسوأ من ذلك إعدام الأشخاص لمجرد ان لديهم أفكار سياسية او مذهبية او لهم مواقف اعتراضية، وهذه هي أسوء الأحكام وافدح القرارات التي من المؤكد إنها تولد العنف وتزرع المزيد من بذور الانتقام وتنشر الإرهاب والتطرف في المجتمعات.

 لنكن واقعيين ونتصور ان التفجيرات او الإرهاب او حتى المنافسة والاعتراضات السياسية هي مرض سرطان أو أسوء منه خبثاً وانتشاراً في جسد المريض، فهل يا ترى ان علاج المريض يتم عبر إزهاق نفس المريض او إعدامه أم اننا ـ اذا كنا على مستوى طبيب والمسئوليةـ نبادر بكل جدية لمعالجة المريض بروية وبطرق علمية وإزالة الغدة السرطانية منه بالجراحة وليس بالتفجير أو الإعدام!.

 يخلط الكثير من البسطاء او المسيئين للمجتمع المدني بين المعارضة والإرهاب ويقولون: ان الإرهابيين والمعارضين 100% على خطأ ولابد من قمعهم وقتلهم وإعدامهم جميعاً دون رأفة ولا رحمة. نعم ،ان جزاء القاتل القتل والنفس بالنفس ولكن المعارضة الفكرية والسياسية والمذهبية تختلف وتتباين عن الإرهاب حتى وان كانت تتأطر او تتهم بالإرهاب ولابد من التعامل معها بشكل يقلص نشاطها العنيف والمتطرف ويدعوها الى العمل السياسي او التحاور السلمي والمشاركة في اللعبة السياسية لان المعارضة ان وجدت ونشطت بأفعالها فهي لم تولد من فراغ بل قطعاً تمثل جانباً من سياسة او ثقافة او فكر المجتمع حتى وان كانت سيئة الفكر والطباع.

 ولمواجهة المعترضين على مثل وجهة النظر هذه نطرح عليهم الأمور التالية للمناقشة وإبداء الرأي: من البديهي القول هنا، إذا كانت المعارضة مذهبية او طائفية او سياسية او قومية فيجب احترام فكرها وعقيدتها والسماح لها بامتلاك دور العبادة الخاصة بها ومن حقها امتلاك الصحف والمجلات وأجهزة إعلام التي تمثل رأيها والتنفيس عن نفسها والتقليل من احتقانها السياسي والطائفي وتمكنها من طرح أفكارها ومواقفها وفقاً لقانون الصحف والمطبوعات وليس تطبيقاً لقانون الطوارئ العسكري الذي يتذرع به الكثير من المسئولين السياسيين والعسكريين لقمع المعارضين وتكميم أفواههم.

 اما إذا كانت المعارضة إرهابية وتصر بشكل عشوائي وأعمى على مزاولة القتل والتفجير والإرعاب وهذا الأمر تقرره غالبية الشعب وليس الفئة العسكرية في اي بلد وذلك عبر الاستفتاء النزيه والواقعي ويجب التعامل مع هذا النوع من المعارضة ليس بالوسائل الانفعالية او ردود فعل انتقامية وقمعية تشمل الجميع وبشكل عشوائي بل بالطرق المثلى والعملية، ومنها ان نعمل معاً على توعية الرأي العام للحد من نشاطها السياسي والإعلامي والطائفي وان نحصن المجتمع بالطرق الأمنية العصرية والمتطورة، وان نصون حدود البلدان المتضررة من الإرهاب اولاً ونقطع ثانياً وصول الأسلحة والمتفجرات التي تأتي قطعاً من دول مجاورة او معادية وثالثاً اعتقال الرؤوس المدبرة للإرهاب وقطع تمويلها المالي وتحسين عمل أجهزة الاستخبارات وإيجاد دوائر أمنية فاعلة على الأرض لمنع وصول الإرهابيين الى أهدافهم وكذلك تقديم مزايا وحوافز مادية كبرى للذين يساهمون بإدلاء المعلومات القيمة او في القبض على الرؤوس المخططة والناشطة في مجال الإرهاب وليس الاكتفاء فقط بإلقاء مسئولية ضعف وهو ان قادة الأجهزة العسكرية والأمنية والسياسية على أطراف خارجية اولا وجود لها دون التمكن من إثبات ذلك او تقديم اي دليل ملموس وواقعي عن التدخلات المزعومة للرأي العام اوحتى لمحكمة دولية.

 اننا وفي إطار دعوة الجميع لإرساء المجتمعات المدنية والمسالمة نقترح على كل الأطراف الحكومية والمعارضة والمناوئة مهما كانت أفكارها ومواقفها السياسية والطائفية طرح مطالبها وبيان أهدافها وإيضاح آرائها بشكل إنساني متحضر ووفي أطر عصرية والدخول في هدنة تحدد من 6 اشهر الى عام على الأقل في البلدان التي تشهد أعمال عنف وقتل وإرهاب بهدف حقن الدماء وغربلة دعاة الإرهاب من دعاة الحوار والمنافسة السياسية والطائفية، على ان يتم السماح لكافة الأطرف بيان مواقفها والتعبير عن مطالبها في أجهزة إعلام مستقلة وواقعية أو عبر أوساط دولية ومنظمات ناشطة في مجال حقوق الإنسان وليس الاتكاء فقط على مواقف وتصريحات المنافقين والمتملقين والمهرولين وراء المزايا والمادية والمطبلين لكل الحكام والمسئولين من هذه الجهة او تلك الطائفة، وغير ذلك فليتحمل كل طرف مصر على العنف والإرعاب او مزاولة التطرف والإرهاب مسئولية قتل الأبرياء وإزهاق المزيد من الأرواح الى مرحلة قد تدوم عدة عقود قادمة في بلداننا.

* كاتب وإعلامي مستقل

[email protected]

شبكة النبأ المعلوماتية- الأربعاء 21/تموز/2010 - 8/شعبان/1431

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1431هـ  /  1999- 2010م