الطريقة الأمثل لحل الأزمة السياسية في العراق

خليل الفائزي

لا بوادر انفراج للازمة السياسية في العراق تلوح في الأفق القريب بالرغم من إجراء الانتخابات البرلمانية وانتهاء فترة حكومة السيد نوري المالكي وتحولها قانونيا الى حكومة تصريف أعمال وإصرارها البقاء في السلطة التنفيذية بقوة التحالفات الطائفية دون تقديمها للأسف لأي حلول أساسية ومقبولة لأزمات الأمن والكهرباء والماء والبطالة والغلاء والمحسوبية والأهم من كل ذلك عدم تمكنها حتى الان من قطع او تجفيف جذور الإرهاب او التصدي بجدية لعمليات التفجيرات الوحشية والاغتيالات السياسية والطائفية التي تقوم بها الجماعات الإرهابية والمعادية للدين والإنسانية التي لا هدف لها سوى قتل المزيد من المواطنين وإرعابهم كل يوم.

 ولسنا هنا بصدد انتقاد حكومة المالكي عشوائيا او نشر مساؤها وإخفاء محاسن سلوك الشرفاء من المسئولين المدنيين والأمنيين والعسكريين ولا ننوي بتاتا الدفاع عن زعماء الكتل السياسية الأخرى من الذين هم بالتأكيد ولا نستثنى أحدا ـ جميعا في الهوى سوى ـ ذلك ان 90 بالمئة من هؤلاء بكل صراحة ودون مجاملة يدافعون عن مصالح الدول التي تدعمهم الان او تلك الدول التي احتوتهم في السابق ومنحتهم مزايا وهويات وجوازات سفر دبلوماسية، لكننا وإياهم نريد التحاور إعلاميا والبحث معا عن مخرج واقعي وعملي لإنهاء هذه الأزمة السياسية وجعل البلاد خاضعة لبنود الدستور وان يكون القانون فوق الجميع وليس العكس.

والحقيقة ان العراق اليوم وبسبب وضع العهد الجديد الذي نشهده بعد سقوط النظام السابق وما رافق هذا الوضع من احتلال رسمي ومكرس وشامل وحصول المواطنين في الوقت ذاته على حريات شبه واقعية للتعبير عما يجول في أنفسهم بعد حقبة من الكبت والقمع والاستبداد امتدت لعدة عقود. وكما يقال فان لكل حرية ثمن نركز هنا على موضوع الأزمة السياسية الراهنة ونتساءل يا ترى ما هي الطرق والسبل الأمثل لحلها واحتوائها خاصة وان هناك الكثير من الأمور والحقائق التي لابد من الإشارة إليها قبل كل شئ وهي:

ـ ان زعماء القوى السياسية والفائزين في الانتخابات النيابية الأخيرة سمحوا عن قصد وعمد تدويل الوضع السياسي في العراق وجعلوا مصير الأوضاع السياسية يتقرر ليس في داخل العراق بل في عواصم دول المنطقة والعالم ويفتخر الكثير من السياسيين العراقيين بارتباطهم بهذه الدولة او تبعيتهم الى ذلك البلد وانهم يتحدثون بلغة تلك البلدان افضل من تحدثهم حتى باللهجة العراقية التي نحن نعتز بها، وقطعا اننا لا نطالب هؤلاء بقطع (تبعية) او(ارتباط) المسئولين والسياسيين بالدول والأطراف المعنية والمتدخلة قسرا وبهتانا في شئون العراق لكننا نؤكد ضرورة عدم ترجيح مصالح وسياسات تلك الدول على مصلحة العراق والعراقيين ويجب ان تكون علاقات المسئولين والسياسيين مع الدول الأخرى بحدود بنود الدستور وفي إطار الحس الوطني والدفاع عن مصالح الجماهير أولا وأخيرا.

 ومن البديهي التذكير هنا انه لا توجد دولة في لعالم ترجح مصالح العراق على مصالحها مهما كانت هذه الدولة تطرح مزاعم وادعاءات جوفاء بالدفاع عن العراقيين سياسيا او قوميا او طائفيا.

ـ من المؤسف ان ليس هناك اي مسئول او سياسي عراقي قد أخذ الدروس والعبر من وزراء ومسئولي دول أوروبية من الذين نسمع عنهم انهم قدموا استقالاتهم فور حدوث انفجار مفرقعات صوتية في مكان عام او قطع عدة أشجار في منتزه او غابة بشكل غير قانوني أساء للبيئة او خنق بطة او كسر جناح طير في البرية على يد تلميذ مدرسة او عابر سبيل. فجميع المسئولين السابقين والحاليين والمرشحين لاحقا لمناصب حكومية لم ولا تهتز مشاعرهم الانفجارات الدموية الهائلة ولا يذرفون دمعة حزن واقعية على الأبرياء الذين يتم اغتيالهم بالمئات يوميا ولا يتأثرون قيد أنملة بسبب الانفلات الأمني والانقطاع المستمر للكهرباء والماء وتلوث البيئة والأغذية المسمومة والأطعمة الفاسدة والمستوردات المنتهية صلاحيتها وعدم التوزيع العادل للموارد والعائدات وضياع حقوق معظم المواطنين وتفشي البطالة والرشوة والمحسوبية وتدني حالات الإنسانية والمسئولية والخدماتية والمشاعر الوطنية والدينية الى ما دون الصفر، ولذلك من المستبعد جدا إقناع اي من مسئولي الجهات الرسمية والأحزاب السياسية إخلاء الساحة للطرف المقابل حتى وان كان مؤهلا وجديرا بثقة المواطنين، وحتى الذين أصيبوا بالانتفاخ والتخمة من الرشوة والسمسرة المالية لا يريدون التنحي جانبا عن اللعبة السياسية ذات الأرباح والمزايا الهائلة بل سيقولون وبكل صلافة: هل من مزيد!.

ـ إضافة الى ذلك، فاننا لوكنا نعيش في ظروف كما كانت سائدة قبل 4 او5 عقود خلت، لرضينا بوضع هياكل مسئولي الأحزاب السياسية او صورهم في (فرارة الحظ يا نصيب التي كنا نراها في الأعياد) والتي كانت رائجة في السابق ولطلبنا من صاحب (الفرارة) ان يفرها بيده سريعا ليقف بعدها السهم ذات الخيط المتدلي على صورة هذا المسئول او ذاك ليعلنه رابحا في اللعبة السياسية المزعومة وتنتهي الأزمة السياسية الراهنة بهذه بساطة!.

ـ طبعا ان الوضع السياسي في العراق الآن ليس كما الوضع السياسي في بلدان عربية نفطية ليتم اختيار كافة المسئولين والحاكمين أسريا وكل عائلة من الطفل الرضيع وحتى الطاعن في السن والممدد في القبر يتحكم بمصير عباد الله كيفما يشاء. وليس العراق كالبلدان التي يتم فيها تزوير الانتخابات ويتم استبدال مكان الرابح بمكان المنهزم في الانتخابات علانية ودون خجل من رأي الشعب!.وليس العراق كبلدان في شمال أفريقيا حيث يحكم رئيس الجمهورية نعم الجمهورية! ما دام العمر ودون انتخابات نزيهة ويجعل مصير بلده بتصرف أولاد أولاده وأحفاد أحفاده!. وليس العراق ايضا كبلد مثل سويسرا ليتغير فيها جميع المسئولين خلال عام واحد ولا يحق لهم البقاء طويلا في سدة الحكم خشية من استغلال المال العام والاستبداد في الحكم.

ونظرا للوضع الاستثنائي للعراق حاليا فاننا نطرح مجبرون هذا الاقتراح الوحيد والمتبقي لإنقاذ العراق وحل ولو جزء من معضلاته وأزماته السياسية والاجتماعية والاقتصادية والأمنية والعسكرية، وهوان ينزل العراقيون من شماله الى جنوبه ومن شرقه الى غربه وبصوت واحد وفي مسيرات سلمية حاشدة يرفعون فيها شعارات تطالب المجتمع الدولي (الأمم المتحدة) باعتبارها الجهة الوحيدة المتبقية والمقبولة حاليا بين العراقيين لابطال كافة الاتفاقات الطائفية والتقسيمات السياسية السابقة والإشراف في غضون شهر او اثنين على انتخابات عامة ونزيهة لاختيار رئيس جمهورية ورئيس وزراء وأعضاء البرلمان العراقي دون قيود طائفية ودون انتماءات سياسية خاصة لإنهاء المهزلة السياسية والطائفية والقومية التي فرضتها أمريكا وحلفاؤها المحتلون على ان يكون منصب رئاسة الجمهورية حكرا على الأكراد ومنصب رئاسة الوزراء للشيعة ورئاسة البرلمان للسنة وان تنهب الأحزاب والطوائف النفط وخيرات البلاد كيفما تأمر وتشاء.

صدقوا ان مهزلة تقاسم المناصب حسب قدرة الطوائف والقوميات والمذاهب هي أسوء من وجود الاحتلال الأمريكي وتدخلات دول الجوار وهي أساس كافة الأزمات الراهنة في العراق. وعليه لابد ان يطالب العراقيون الشرفاء كافة المسئولين والحزبيين الذين سيتم اختارهم او تعيينهم للمناصب الحكومية مستقبلا بضرورة حل أزمة الأمن الداخلي ومعضلة الكهرباء والبطالة والماء والغلاء والمعيشة وسائر الأزمات الأخرى حتى البسيطة والهامشية منها في فترة لا تتجاوز عام واحد كحد أقصى من استلام المنصب والمسئولية والا فان الشعب وعبر البرلمان المنتخب له الحق الكامل بإقالة كافة المسئولين غير الأكفاء وغير الجديرين بالثقة ومطالبتهم بالكشف عن مصير مليارات دولار من عائدات النفط دون إنفاقها بشكل مقبول على حل الأزمات المعيشية والإنمائية.

وان يتعهد المسئولون الجدد بالجهر علانية بعدم ارتباطهم او تبعيتهم او حتى تنسيقهم وتعاطفهم السياسي مع اي دولة في المنطقة والعالم لانه وكما أكدنا في السابق ان العراق كان وسيظل دوما بلدا حرا ومستقلا وذات سيادة وطنية ولا وصاية لاي دولة على العراق مهما كانت الظروف والمبررات.

قطعا ان ناهبي أموال وحقوق العراقيين وحدهم سوف سيتمسكون بنظام التقسيم الطائفي للسلطات الثلاث ونظام التبعية للدول الاخرى لانهم يرون فيهما مبررا سياسيا وإعلاميا لحجب فشلهم والتغطية على عدم جدارتهم بالمسئولية من خلال إلقاء الذرائع والأخطاء على هذه الجهة السياسية اوتلك الجماعة الطائفية في اطار الحرب الإعلامية الغوغائية بين الأحزاب السياسية والجماعات الطائفية. ومن المؤكد ان التمسك بالسلطة والإصرار على المضي بالسلوك الخاطئ من جانب اي مسئول او حزب سياسي او جهة طائفية دون القبول برأي أكثرية الشعب سيعني استمرار الأزمات الراهنة وسيكشف للجميع ان هذه الجهات والأحزاب ترجح مصالحها الشخصية والطائفية والفئوية والمادية على المصالح العامة للوطن والمواطنين وانها كانت وستظل شريكة مباشرة في تأزيم الأوضاع السياسية وإذلال الشعب أمنيا واجتماعيا وتبرير استمرار المعضلات المعيشية وتكريس الاحتلال ودعم نشاط الإرهابيين قتلة الشعب بشكل غير مباشر.

* كاتب وإعلامي مستقل

[email protected]

شبكة النبأ المعلوماتية- السبت 17/تموز/2010 - 4/شعبان/1431

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1431هـ  /  1999- 2010م