شناشيل البصرة.. موروثٌ عريق مهددٌ بالاندثار

تحقيق: نهلة جابر

 

شبكة النبأ: البصرة، التي بنيت عام 14 هجرية في عهد احد الخلفاء، عرفت عمارة الشناشيل في أيام الاحتلال العثماني في القرن الـ17 م، مع ظهور عدد من الفنون الأخرى ظهرت في ذلك الوقت أهمها "القشل، السرايات، المساجد.

وهذا يوفر علينا قدر كبير من التفاصيل حول أصول العمارة التي أطال الباحثون والدارسون المعنيون الوقوف على وقت نشأتها وأصولها هل هي تركية المنحدر أم هندية أم إسلامية.

نعم هناك ميلا للمعطيات إن يكون التأثير هنديا، ولكن لايمكن تناسي الدور المعماري البصري وتعديلاته على الشناشيل لتكون بتلك الهيئة والترتيب.

"الشناشيل" اثر معماري فولكلوري بصري ل ايختلف إبداعا عن فن النحت والرسم والفوتو غراف وغيرها من الفنون. وأيا كان الأمر فقد قام معماريو البصرة بأغناء الشناشيل، سواء بالمعمار أو مواد البناء. ويصفها العديد من المهندسين بأنها عبارة عن نتوات خارجية مكونة من الطابوق والخشب والجص والحديد.

حاولنا إسقاط الضوء على ذلك الموروث الحضاري في البصرة فكان هذا اللقاء مع الاستاذ حسين عبد اللطيف حيث قال، "كلمة شناشيل تعني موضع جلوس الملك"، وكان البصريون كثيري الاهتمام ببنائها مما زاد من انتشارها في السنوات السابقة".

ويضيف عبد اللطيف لـ شبكة النبأ المعلوماتية "عمارة المدن محط اهتمام المهندسين من حيث المواد المستخدمة في البناء بما يتلائم مع طبيعة المناخ خصوصا في أزمنة عدم وجود الطاقة الكهربائية، وعدم وجود أجهزة التبريد والتدفئة خصوصا في مدينة البصرة القديمة، والتي تمتاز بالجو الحار الرطب في الصيف مما تصل درجات الحرارة إلى درجات عالية جدا".

لافتا خلال حديثه إلى أن " التربة في البصرة تمتاز بكونها تربة مستنقعات ممتدة من محافظة العمارة، ومحافظة ذي قار المحاذيتان لها، حيث نلحظ ان مركز مدينة قضاء القرنة الأكثر تأثرا في هذا الطابع الطبوغرافي".

فيما يرى الفنان التشكيلي هاشم تايه "الكثير من المدن العراقية عرفت الشناشيل منها النجف، والموصل، والاعظمية القديمة، وإحياء أخرى متفرقة من العاصمة بغداد"

ويضيف خلال حديثه مع شبكة النبأ المعلوماتية "يؤكد المعماريون إلى إن جنس الشناشيل العراقية تنتمي إلى جنس معماري واحد، لكن النظرة التفصيلية تكشف عن فروقات قليلة آو بسيطة". ويستشهد التشكيلي تايه، "فمثلا في البصرة تعنى بالأعمدة الخشبية وبتشييد القناطر الحجرية او الخشبية، مع عناية واضحة بالزخارف البنائية عبر التشكيل الخشبي، إما في بغداد نلمس عناية كبيرة في القضبان الحديدية ووجود السراديب "التختبوش".

منوها، "إلى إن الشناشيل لاتبني بصور ة منفصلة عن البناء الأساسي بل تتلبس بها الشناشيل بما يمثل واجهة البيت الخارجية والجانبية والسقوف والأعمدة الساندة ويعتبر هذا الفرق الوحيد بين الشناشيل في البصرة وبغداد".

من جانبه أشار الدكتور طارق العذارى تدريسي في كلية الفنون لـ شبكة النبأ المعلوماتية "إن الشناشيل في البصرة تأتي متماشية مع الوضع والقيم الاجتماعية في المدينة، وخصوصا في تلك المرحلة التي شاع فيها بناء شبابيك الشناشيل ذات المشبكات الخشبية البارزة على صورة مسننة، ذلك لان شكلها يسمح لساكني أهل الدار ان يشاهدوا المارة من الخارج في حين المار من الخارج لا يرى ساكني الدار، وتلك خاصية مهمة للنساء اللواتي يتواجدان في الداخل".

مبينا، "ان أبنية الشناشيل في الطابق العلوي تكون متقاربة جدا بين كل منزلين متقاربين، إلى حد يسمح بتبادل الأحاديث وقيام علاقات اجتماعية  متينة".

إلى ذلك يشير الأستاذ المهندس صباح زغير إلى كون معماريو البصرة في تلك الحقبة استطاعوا تحقيق قفزة نوعية في ذلك المضمار، سيما التعامل الفني مع طبيعة الأرض البصراوية الهشة، في تشييد أبنية متعددة الطوابق.

حيث قال زغير لـ شبكة النبأ "تجاوب المعماري مع الأرض الطينية باستخدام الخشب الخفيف لبناء طابق ثان يوفر مظلة كبيرة بين الأزقة لحماية المارة من الشمس, إضافة الى مرور التيارات الهوائية الباردة".

احد المهتمين في في الشأن الثقافي رفض ذكر اسمه عبر عن استياءه الشديد لما اعتبره تدهورا مستمرا لتراث مدينة البصرة حيث قال "هناك موت معلن لكل تراث البصرة منذ النظام ألبعثي حتى وصول الكثير من المخربين إلى السلطة، أصبح بلدنا يمر بمقولة تكاد تكون متطابقة تماما مع وضعنا اليوم خطأ اليوم ثقافة غدا قانون بعد غد"الخراب لم يشمل البشر بل تعداه إلى الحجر والدواب، يجب ان نضع حد للتدهور والخراب الثقافي المرعب، هنالك تهشيم للوضع العراقي داخليا، من خلال العبث المقنن للتاريخ ومحاولة طمس ملامحه وذلك بزرع هستيريا النهب والسلب والتخريب، فهم يتسابقون على موائد السلب والنهب.

مشير إلى أن وتحديدا الجنوب العراقي وقع عليه ظلم تاريخي من خلال الحروب المتتالية التي جعلتها مسرح للحروب مما ساعد في دمار البنى التحتية والآثار.

فيما استدرك عدد من ساكني الشناشيل الوضع الذي يعيشون في تلك الأبنية التي كما أشاروا إلى أن الدولة لا تعني بتراث البصرة وتركت تلك الأبنية تتعرض للدمار، المفترض من الدولة إيواء ساكنيها والاهتمام بها باعتبارها تاريخ وتراث للعراق يجب الحفاظ عليه.

فيما ذكر سعيد حاشوش القاص والروائي البصري لـ شبكة النبأ المعلوماتية "الشناشيل يعود انتشارها في حواضر الدولة العربية الإسلامية إلى العصر الفاطمي حيث طور العمارة العربية الفاطميون، وأضفوا الكثير من الزخرفة الخشبية المكونة بتعريشه نباتية للميسرين والتجار لانها تلائم وضع المرأة المسلمة، وبالتأكيد اخذ الفاطميون بعض تقنية الشناشيل من الدول التي تاجروا معها وخاصة الهند واسطنبول.

هذا ويذكر المؤرخون بان خشب "الجاوي" كان يستخدم وهو النوع المفضل في العمائر البصرية، وكان سكان البصرة القدامى المتمكنين يعمدون إلى طلاء شبابيكهم بالدهان العطري،  ويلاحظ أن شريطا "ابزيما" يربط أجزاء الشناشيل بعضها ببعض لكي تكون ذات متانة قوية تستمر عقود من الدهر.

إضافة إلى أنها تعتمد على أعمدة صقيلة ملساء ومضلعة وتعلوها تيجان مقرنصة، في حين عمد الفنانين إلى تزويدها بفصوص مدببة أو مسننة وأحيانا ثلاثية الفصوص وهذه الأشكال تتباين حسب الإمكانية المادية والذوق لصاحب البناء وقد تأخذ نقوش شبكية، ويلاحظ أن الفتحات العليا للأقواس أوسع من الفتحات السفلى وذلك لأنها تحتضن أنواع الزجاج المشجر والملون، ويلاحظ في بعض الشناشيل أن السقوف والسلالم تشمل بالزخرفة والتلوين.

ويشدد الكثير من المهتمين بالشأن الثقافي أن الدولة يجب أن تعنى بهذا الإرث المعماري والفولكلوري البديع الذي يؤلف جزء مهم من تاريخ البصرة والعراق وإعادة تأهيلها  واعتبارها معلم سياحي بارز في هذه المدينة التاريخية التي شهدت العديد من الحوادث والأحداث المطبوعة في ذاكرة التاريخ منذ القدم.

شبكة النبأ المعلوماتية- الثلاثاء 12/تموز/2010 - 30/رجب/1431

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1431هـ  /  1999- 2010م