في ضرورة التصدّي لإقامة الدولة العادلة

الشيخ فاضل الصفّار

والبحث فيه يقع في أمور ثلاثة:

الأمر الأول: في منشأ حاكمية الدولة

تحصّل مما تقدم وجوب العمل على قيام الحكومة الشرعية في المجتمع البشري بالمعنى الجامع بين السلطة التشريعية التي تملك حق التشريع في إطار الأدلة الأربعة في الإسلام، والسلطتين التنفيذية والقضائية.

ومن المعلوم أن إعمال الحاكمية في المجتمع لا ينفك عن التصرف في النفوس والأموال وتنظيم الحريات ونحو ذلك من غير فرق بين أن تكون الحكومة فردية أو جماعية، لكن التسلط على الأموال والنفوس وإيجاد أي محدودية مشروعة بين الأمة يحتاج إلى ولاية بالنسبة إلى المسلط عليهم، ولولا ذلك لعدّ التصرف حراماً لكونه عدوانياً، أوتصرفاً في شؤون الغير من دون إذن منه، ولا نعني بالولاية هنا الولاية المحدودة كولاية الولي بالنسبة إلى الأيتام والقصر والغيّب والشؤون الحسبية، بل المقصود هو الولاية التي يحق معها أن يتصرف الولي في شؤون المجتمع نفوساً وأموالاً، وينظم أمورهم، ويعمر بلادهم، ويدبر مجتمعهم بالسلطات الثلاث وما يتفرع عنها من آليات ومؤسسات، ولولا ذلك لصار النظام حاكماً بغير ما أنزل الله عز وجل، والحاكم الذي يحكم بغير ما أنزل الله حرام توليه، وحرام تصرفه، وحرام التعاون معه[1].

ومن هنا وجب على المكلفين معرفة من له الولاية بالأصالة على العباد والبلاد والذي منه تتفرع باقي الولايات والسلطات، وبما أن جميع الناس سواسية أمام الله عز وجل والكل مخلوق ومحتاج إليه فإنه لا يملك شيئاً حتى وجوده وفعله وفكره؛ إذ لا ولاية لأحد على أحد بالذات والأصالة من ناحية المخلوقية، بل الولاية لله الخالق المالك الحقيقي للإنسان والكون، والواهب له وجوده وحياته، كما قال تبارك وتعالى:{هنالك الولاية لله الحق هو خير ثواباً وخير عقبا}[2].

وقد ظهر من هذا أن المقصود من حصر الحاكمية في الله عز وجل هو حصر أصالة الحاكمية وجذورها وعللها المستتبعة لها، وهي الولاية، فبما أن الولاية على العباد منحصرة في خالقهم فالحاكمية بمعنى الولاية والتصرف منحصرة فيه سبحانه،إذاً لا يجوزلأحد أن يتولى الحكومة إلا أن يكون مأذوناً ممن له الولاية الحقيقية، وإلا كانت حكومته حكومة جور وعدوان ومتولية لمقام لا يرضاه الله عز وجل لها، ولا نعني من عنوان انحصار حق الحاكمية في الله حصر الإمرة في الله سبحانه، بمعنى أن يتولى الباري عز وجل الإمرة على العباد والتسلط عليهم تسلطاً حكومياً كما سيتضح ذلك، وإنما المقصود هو الولاية بالواسطة، فإن للأنبياء والأولياء وكل مأذون من قبله سبحانه وتعالى أن يتولى الحكومة من جانب الله عز وجل، وعليه فالولاية وحق الحكومة بالأصالة حق لله، وإنما يتصدى غيره بإذنه عز وجل، أو بأمره لإقامة الدين وبسط العدل وإرساء الأمن وحفظ النواميس والحقوق والأعراض وتطبيق الأحكام الشرعية.

وعلى هذا فالحاكمية خاصة بالله عز وجل، ومنحصرة فيه بالأصالة، وهي إحدى مراتب التوحيد كما أشار القرآن إلى ذلك بصيغة الاستثناء الدال على الحصر في مثل قوله سبحانه: {إن الحكم إلا لله أمر أن لا تعبدوا إلا إياه ذلك الدين القيم ولكن أكثر الناس لا يعلمون}[3] والمراد من الحكم هو الحاكمية القانونية كما لا يخفى، وهي تنبعث من الولاية الحقيقية التي تنشأ من خالقيته ومالكيته عز وجل، لا الحاكمية التكوينية بمعنى التصرف في الكون بالإيجاد والإعدام والإحياء والإماتة ونحوها من شؤون وتصرفات تكوينية على ما ستعرفه في المبحث القادم إن شاء الله تعالى.

نعم، لا مقتضي لحصر لفظة الحكم الظاهرة في الأعم في خصوص القضاء، أو في خصوص التشريع والتقنين، بل الظاهرمن الإطلاق أنه ذو مدلول أوسع يشمل القضاء، ويكون من شؤونه، والمعنى الجامع منه ليس إلا السلطة والإمرة والحاكمية بمفهومها الواسع الذي يشمل السلطات الثلاث.

ولا يخفى أن اختصاص حق الحاكمية بالله عز وجل ليس بمعنى قيامه بإدارة البلاد وإقرار النظام وممارسة الإمرة وفصل الخصومة إلى غير ذلك مما يدور عليه أمر الحكومة، فإن ذلك غير معقول ولا محتمل، بل المراد أن من يمثل مقام الإمرة في المجتمع البشري يجب أن يكون مأذوناً من جانبه عز وجل لإدارة الأمور والتصرف في النفوس والأموال، وأن تكون ولايته مستمدة من ولايته سبحانه، ومنبثقة منها؛ لأن ما بالعرض ينبغي أن يرجع إلى ما بالذات، ولولا ذلك لما كان لتنفيذ حكمه جهة ولا دليل، بل يكون الدليل على خلافه؛ لكونه حكماً بغير ما أنزل الله عز وجل.

وكيف كان، فإنه لا مناص في إعمال الولاية لله سبحانه من تنصيب من يباشر إدارة البلاد؛ لاستحالة الحكم على الممارسة من قبله عزوجل دون وسائط كما حقق في علم الكلام؛ ولأجل ذلك نجد أمة كبيرة من جنس البشر ومنهم أنبياء وأولياء وعلماء وصلحاء تولوا منصب الولاية من جانبه سبحانه، وبإذنه الخاص أو العام أداروا شؤون الحياة الاجتماعية للإنسان، وفي ذلك يخاطب الله عز وجل نبيه داود(عليه السلام) قائلاً:{يا داود إنا جعلناك خليفة في الأرض فاحكم بين الناس بالحق ولا تتبع الهوى فيضلك عن سبيل الله}[4].

ومن الواضح أن الخلافة في الأرض أوسع مفهوماً ودلالة من الحكومة؛ لأن الخليفة ينبغي أن يكون كاشفاً ودالاً ومتبعاً لكل ما أراده من استخلفه، والآية الشريفة وإن كانت واردة في تنصيب داود(عليه السلام) على القضاء إلا أنّ المورد لا يخصص الوارد على ما حقق في الأصول.

ومن المعلوم أيضاً أن نفوذ قضاء داود(عليه السلام) في زمانه كان ناشئاً عن ولايته وحاكميته الواسعة التي تشمل الحكم والإمرة، بحيث يكون نفوذ القضاء من لوازمها وفروعها، فهو عز وجل لم ينصبه للقضاء فحسب، بل أعطى له الحكومة الواسعة بأبعادها، بل جعله خليفته في الأرض، وأمره بالحكم بين الناس، وعليه فإن داود(عليه السلام) نال منصب الحكومة الواسعة بأبعادها؛ لأن نفوذ حكم القضاء غير ممكن من دون أن تكون له سلطة وحاكمية، ولم يكن القضاء في تلكم الأعصار منفصلاً عن بعض شؤون الحكومة كما هو الرائج في عصرنا. وقد كان داود(عليه السلام) يتمتع بسلطة تامة واسعة تشمل التنفيذية والتشريعية والقضائية، حيث يقول سبحانه وتعالى:{وقتل داود جالوت وآتاه الله الملك والحكمة وعلّمه مما يشاء ولولا دفع الله الناس بعضهم ببعض لفسدت الأرض}[5].

ويتحصل من ذلك: أن استخلاف الله سبحانه لداود (عليه السلام) بمعنى إعطائه حق الحاكمية على الناس بمعناها الواسع الشامل لكل شؤون الحكم، وبذلك يتضح الفرق بين قولنا بحصر الحاكمية في الله عز وجل وبين ما كان يردده الخوارج شعاراً ضد مولانا أمير المؤمنين(عليه السلام) عن شبهة حصلت لبعضهم، أو عن عمد عند بعضهم الآخر، حيث كانوا يقولون: لا حكم إلا لله، الحكم لله يا علي لا لك[6]. وهؤلاء كانوا يريدون نفي أية حكومة في الأرض بتاتاً لا من جانب الله ولا من جانب الناس، وبذلك هبوا في وجه حكومة مولانا أمير المؤمنين(عليه السلام)؛ ولذا قال لهم(عليه السلام): «كلمة حق يراد بها باطل، نعم إنه لا حكم إلا لله، ولكن هؤلاء يقولون لا إمرة إلا لله»[7] وهذا أمر ممتنع كما هو واضح، حيث أرادوا منه المباشرة لا الواسطة، بمعنى أنهم ينفون أن يكون في الأرض أمير على الناس من جانب الله سبحانه.

والحاصل مما تقدم أمران:

أحدهما: أن الحكومة ضرورة يتوقف عليها نظام الحياة، وبما أنها تلازم التصرف في الأموال والأنفس وتحديد الحريات فلابدّ وأن تكون ناشئة من ولاية حقيقية واقعية تملك حق التصرف في شؤون الناس، وتحدد من سلطاتهم على أنفسهم أو حرياتهم، وقد ثبت أنها أولاً وبالذات ليست إلا الله سبحانه عز وجل.

ثانيهما: أنه لما تنزه الباري عز وجل من مباشرة هذه الحكومة كان لابد من أن يتصدى لها من ينصبه الله تعالى لذلك مباشرة أو بواسطة، فرداً كان أو جماعة، وهذا ما ينبغي التعرض اليه في البحوث الآتية إن شاء الله تعالى.

الأمر الثاني: في وجوب إقامة الدولة

يجب إقامة الدولة الإسلامية الشرعية وجوباً عينياً ضرورياً، ويدل على ذلك جملة من الأدلة:

الدليل الأول: وجوب التأسي بالمعصوم

إذ اللازم العمل على طبق أعمال الرسول(صلى الله عليه وآله وسلم) والاقتداء بسيرته. قال سبحانه:{لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة لمن كان يرجوا الله واليوم الآخر}[8] وحيث إنها في مقام الإنشاء دلت على وجوب التأسي والاقتداء كما حقق في الأصول، وقد قال مولانا أمير المؤمنين(عليه السلام): «فتأسى متأس بنبيه، واقتص أثره، وولج مولجه وإلا فلا يأمن الهلكة»[9] بناء على أن المراد من الهلكة الأخروية أو الأعم لا مطلق المفسدة وإلا كانت قرينة على الإرشاد، فتأمل.

والرسول الأعظم(صلى الله عليه وآله وسلم) قد عمل من أجل الدولة، وأرسى الحكم في المدينة المنورة بعد أن جاهد في مكة طيلة ثلاث عشرة سنة بتربية الرجال الذين يمكن الاعتماد عليهم في إقامة الدولة وإرساء نظام الحكم، فقد شكّل (صلى الله عليه وآله وسلم) في المدينة المنورة الجيش، وجبى المال، وجعل موازين القضاء، وبين القوانين المرتبطة بإدارة البلاد، وبعث السفراء والرسل، أي إنّه(صلى الله عليه وآله وسلم) جعل السلطات الثلاث وإن لم تكن منفصلة عن بعضها لضمانة العصمة[10].

وكيف كان، فحيث إنّ الرسول الأعظم(صلى الله عليه وآله وسلم) عمل من أجل الدولة ومارس التصرفات في شؤون الحكم فإنّه يجب الاقتداء والتأسي به في ذلك.

الدليل الثاني: النصوص الخاصة في التعيين

حيث عين رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم) من بعده خلفاءه بالنص تارة، وبالإجمال أخرى، كقوله(صلى الله عليه وآله وسلم): «الخلفاء بعدي اثنا عشر»[11] وقوله(صلى الله عليه وآله وسلم): «الأئمة من قريش»[12]وبالعموم ثالثاً، كقوله(صلى الله عليه وآله وسلم): «اللهم ارحم خلفائي» قيل: يا رسول الله، ومن خلفاؤك؟ قال: «الذين يأتون من بعدي، ويروون أحاديثي وسنتي»[13] والمقصود بهم الأئمة الاثنا عشر(عليهم السلام) كما دلت على ذلك النصوص الخاصة التي وردت بأسمائهم(عليهم السلام)، وخصوصاً في مولانا أميرالمؤمنين والحسن والحسين(عليهم السلام)، على ما فصله علماء الكلام في كتبهم الخاصة.

ومن الواضح أن نصب الخلفاء دليل على إرساء الحكم والدولة، وإلا كان النصب لغوياً، وقد قام الأئمة(عليهم السلام) بعد رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم) بدور الحكم إما مباشرة حيثما أمكنهم ذلك كما فعله مولانا أمير المؤمنين والحسنان(عليهم السلام) عند تمكنهم، وإمّا تسبيباً كالنهضات التي أقاموها(عليهم السلام) بواسطة أولادهم ومواليهم وأصحابهم، فقد كانوا(عليهم السلام) يقودون الثورات ضد الحكومات الظالمة الجائرة كحكومة الأمويين والعباسيين من وراء الستار بعد أن كانوا يربون الثائرين في بيوتهم وحجورهم ومجالس دروسهم، ثم كانوا يمدونهم بالدعاء، وينعونهم بعد مقتلهم، ويدفعون الأموال إلى من بقي منهم، ويتكفلون بعوائلهم، وإنما لم يكن الإمام(عليه السلام) هو الذي يقوم بالثورة الظاهرة لحكمة وهدف أهم، وذلك من أجل تكميل المسيرة الفكرية عقيدة وشريعة على تفصيل لا يسعنا المجال بيانه هنا.

وحينما يظهر أمرهم(عليهم السلام) في معارضة السلطة كان الجائرون يسجنونهم، وينهبون أموالهم، ويحرقون دورهم، ثم يقتلونهم بواسطة السيف أو السم؛ بداهة أن السلطات الجائرة لاتفعل مثل ذلك إلا للمعارضين المقوضين لها؛ ومن هنا نجد أن عصور الأئمة(عليهم السلام) ضاجة بالثورات التي كان يتزعمها أولاد الأئمة(عليهم السلام) وأقرباؤهم وتلاميذهم وأتباعهم، فمثلاً في عهد السجاد(عليه السلام) ثار التوابون والمختار، وثار أهل المدينة. وفي عهد الإمام الباقر(عليه السلام) قام بالثورة أخوه الإمام زيد بن علي بن الحسين(عليه السلام)، وبعد مقتله ثار ولده يحيى بن زيد. وفي عهد الإمام الصادق(عليه السلام) حدثت ثورة عبد الله بن معاوية بن جعفر بن أبي طالب، وبعده تفجرت ثورة محمد بن عبد الله ذي النفس الزكية من أحفاد الإمام الحسن(عليه السلام)، وكذلك ثار أخوه إبراهيم بن عبد الله. وفي عهد الإمام الكاظم(عليه السلام) ثار الحسين بن علي شهيد فخ بجمع كبير من بني هاشم، كما ثار يحيى وإدريس. وفي عهد الإمام الرضا(عليه السلام) ثار أخو الإمام زيد، وثار محمد بن إبراهيم أبو السرايا، ومحمد الديباج بن الإمام الصادق(عليه السلام)، وإبراهيم بن الإمام الكاظم(عليه السلام). وفي عهد الإمام الجواد(عليه السلام) ظهرت ثورة عبد الرحمن بن أحمد من أبناء عم الإمام الجواد(عليه السلام)، ومحمد بن القاسم من أحفاد الإمام أمير المؤمنين(عليه السلام)، إلى غيرها مما يجدها المتتبع في ثنايا التأريخ[14].

فإن التواريخ تدل على أن أهل البيت(عليهم السلام) قاموا لأجل إرساء دعائم العدل ورفع الظلم وإقامة الدولة العادلة وإن كانوا في الغالب يتعرضون إلى القتل والسجن والأذى، ولو لم يكن هدفهم ذلك لكان النهوض لغوياً كما هو واضح، ولا يخفى أن انتقاد بعض الأئمة(عليهم السلام) بعض الثورات المذكورة كان من باب التقية الإيجابية، كما كانوا أحياناً يظهرون التبري عن أخص أصحابهم كما فصله علماء الرجال في كتبهم[15]. وذلك من باب الأهم والمهم على تفصيل لا يسعنا بيانه هنا؛ ولذا كانوا يقولون لمن تبروا عنهم في خفاء أنّ مثلهم مثل السفينة، حيث خرقها العالم حفظاً لها حينما كان وراءهم ملك يأخذ كل سفينة غصباً[16].

آثار نهوض الأئمة(عليهم السلام) ضد الجور

وقد خلّفت تلك الثورات وما رافقها من معارضة الأئمة(عليهم السلام) لحكّام الجور أموراً:

الأول: تهييج الرأي العام ضد الحكومات الجائرة؛ ولذا قامت ثورات أخر ضدهم.

الثاني: إسقاط بعضهم، كما أسقطوا الأمويين دولة وسمعة.

الثالث: إسقاط شرعيتهم وإظهار أنهم غصبة مستبدون لا يمتون إلى الإسلام بصلة وإن ادعوا ما ادعوا في ذلك في نسبتهم إلى الإسلام، وبهذا قد بينوا إلى الأمة طريق الهدى، وأخرجوهم من الظلمات إلى النور.

الرابع: الحد من استبدادهم وإنقاذ المستضعفين من براثنهم وجعلهم يرتدعون بسبب الرأي العام الإسلامي، ولعله لولا قيام الأئمة(عليهم السلام) وتحريض المؤمنين على المواجهة والمعارضة لفعل الحكام المستبدون ما هو أشنع وأفظع.

الخامس: أسست حكومات في عرض حكوماتهم، مما ذهبت بشوكتهم، أمثال: حكومة المختار وطباطبا في الكوفة في حوالي عام 200 للهجرة[17]، وحكومة الأدارسة في عهد الإمام الصادق(عليه السلام) في المغرب[18]، إلى غير ذلك مما يجده المتأمل في حكمة الأئمة(عليهم السلام) في مواجهة الظلم والدول المستبدة الجائرة.

ولا يخفى عليك أنه بعد الأئمة(عليهم السلام) قام العلماء الذين هم خلفاؤهم بهذا الدور، وتشكّلت لنا سيرة متشرّعيّة متصلة بزمان المعصومين(عليهم السلام)، أو كاشفة عن ارتكازات المتشرعة عن الشريعة وفهم ملاكاتها عن ذلك والذي هو وحده يصلح دليلا شرعيا لذلك؛ إذ تصدّى العلماء لرفع الظلم وإقامة الدولة العادلة، فحاربوا السلطات الجائرة، وأسسوا الحكومات بقدر إمكانهم، ووقفوا بوجه الطغاة، وتعرضوا في هذا السبيل للنفي والسجن والقتل والحرق لأنفسهم أو لمكتباتهم أو لأعوانهم وإلى غير ذلك، كما تمكنوا كثيراً ما من تسديد بعض الحكومات ولو بقدر للمصالح الأهم كما لا يخفى ذلك لمن راجع تواريخ مثل الرضي والمرتضى والمفيد والطوسي ونصير الدين الطوسي وأبناء طاووس والشهيدين والعلامة وابن فهد والمجلسيين والبهائي والكركي والشيرازيين وكاشف الغطاء والمجاهد والآخوند والخالصي والشفتي والسيد نور الدين صاحب التفسير والقمي والأصفهاني والحبوبي والسيد شرف الدين وغيرهم قدس الله أسرارهم مما ذكرت أحوالهم كتب الرجال والتراجم.

ومن الجدير أن تتصدى لجنة من العلماء الواعين لكتابة تفاصيل هذه الأمور، ولعلها تبلغ مجلدات ضخام تنير الطريق للمجتمع المسلم، وتهديه الى الدولة الإسلامية العادلة.

الدليل الثالث: الدلالة العقلية الالتزامية

فإن من الواضح أن قوانين الإسلام شاملة لقوانين الحكم، فلو لم يرد الإسلام الحكم ويرتض بالدولة العادلة الشرعية لم يكن وجه لجعل هذه القوانين وتشريعها، بل جعلها يصبح لغوياً يتنزّه الشارع الحكيم عنه، والقوانين التي تتضمن الإشارة إلى الحكم والدولة أو تتوقف على وجود حكم أو دولة عديدة.

منها: قوانين الحرب المذكورة في كتاب الجهاد الذي ينقسم إلى الجهاد الابتدائي ويهدف إنقاذ الناس من الخرافة وإنقاذهم من المستكبرين الذين يظلمونهم كما قال عز وجل: {وما لكم لا تقاتلون في سبيل الله والمستضعفين}[19] وقال عز وجل: {يا أيها الذين آمنوا اصبروا وصابروا ورابطوا}[20] ومن الواضح أن الرباط هو الكون في الثغر الإسلامي لمراقبة تحركات العدو. والجهاد الثاني هو الجهاد الدفاعي الذي شرع لحماية النفس أو العرض أو البلد الإسلامي من الأخطار الخارجية ونحو ذلك، وإلى الجهاد ضد البغاة أيضاً، وفي كلمات الرسول الأعظم والأئمة(عليهم السلام) ثروة كبيرة من هذا الجانب كما فصله الفقهاء في كتاب فقه الجهاد.

ومنها: قوانين الأموال من الخمس والزكاة والخراج والجزية، ومن الواضح أن الخراج والجزية من شؤون الدولة. أما الخمس والزكاة فأحكامهما المتعددة تدل على أنهما أيضاً في الجملة من شؤون الدولة، اما الخمس فكتعلقه بالفلزات والمعادن والغنائم بارض الذمي التي اشتراها من المسلم مثلاً. وهذا ما لا يمكن تحقيقه إلا بواسطة دولة وحكومة غالبا؛ إذ من الواضح أنّ الذمي لا يعتقد بالخمس فكيف يدفعه بدون قوة وسلطة، ولو دفعه ينبغي أن يذهب إلى المصارف في الشؤون العامة للمجتمع، واما الزكاة فكإرسال الجباة لأجل جمعها، وكون الزائد منها للإمام والمعوز عليه، ومثلهما أحكام بيت المال وغير ذلك مما ذكره الفقهاء في الشؤون المالية.

ومنها: الأحكام المرتبطة بالمرافعات والحدود والقصاص والديات، فإن القضاء والشهادات ومعاقبة المجرمين حداً وقصاصاً ودية وتعزيراً من شؤون الدولة؛ إذ بعض هذه الأمور وإن كان بالإمكان إجراؤها بدون الدولة إلا أن المجموع من حيث المجموع مما لا يمكن أن تقوم به إلا دولة، بحيث لولاها كان تشريع هذا المجموع من دون فائدة بل كان لغوا.

ومنها: الأحكام الفرعية المنتشرة في مختلف الأبواب، مثل: بعض أحكام الحج وصلاة الجمعة وأحكام السجون والمعاهدات والمصالحات والمرافعات إلى غير ذلك من الأحكام التي يتوقف تطبيقها على وجود إمام ودولة.

والحاصل: أنّ الدلالة العقلية الالتزامية المستفادة من تشريع الإسلام لجملة من القوانين والأحكام التي يتوقف العمل بها وتطبيقها على وجود دولة تقضي بلزوم التصدي لإقامة الدولة الشرعية صيانة لتشريع الحكيم من اللغوية.

الدليل الرابع: اللابديّة العقليّة

فاننا إذا لم نقل بوجوب إقامة دولة وحكومة فإن الأمر لا يخلو من احتمالات ثلاثة:

الأول: أن نقول بأن المجتمع الإنساني يقوم بدون حكومة.

الثاني: أن نقول بأنه يقوم بحكومة لكن جائرة.

الثالث: أن نقول بأنه يقوم بحكومة ولكن عادلة.

وحيث إنّ الاحتمال الأول والثاني باطلان يتعين الثالث بحكم العقل. أما بطلان الأول فبديهي؛ وذلك لاستلزام عدم وجود الحكومة هدر الدماء وسفكها، وهدر الأموال وسلبها، وانتهاك الحرمات، واستلزام الهرج والفوضى واختلال النظام، وهذا مما يأباه كل عقل وعاقل.

وأما بطلان الاحتمال الثاني فلأن الله سبحانه وتعالى نهى عن الجور، وأمر بالعدل، وحرض على إزالة العدوان ؛ بل الظلم مما يستقل العقل بقبحه فكيف يجيزه الشارع؛ فيتعين وجوب إقامة حكومة عادلة، حماية للإنسانية وإقامة للعدل، وهذا ما نص عليه الشرع في الآيات والروايات.

 منها: قوله سبحانه وتعالى: {إنما وليكم الله ورسوله والذين آمنوا الذين يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة وهم راكعون}[21] ومن الواضح أن الآية نصت على أن ولي الأمر ينبغي أن يتصف بإقامة الصلاة وإتيان الزكاة.

وحيث إنّ ولاية سائر الأئمة والعلماء امتداد لولاية من ذكر في الآية الكريمة، فكذا أيضاً في مثل هذه الأزمنة، إذاً ينبغي أن يتصدى العدول لإقامة الدولة. ولا يخفى أن معنى ولايته هو حقه في التصرف في شؤونهم كما بيّناه، فإنّ مقتضى كون الناس مسلطين على أموالهم وأنفسهم[22] أن لا يحق لأحد التصرف في أمور الناس، خرج من هذا الاصل تصرّف الولي لدلالة الآية على استثنائه، فلا يقال: إن الحكم مستلزم للتصرف والناس مسلطون يمنع كل تصرف.

ومنها: قوله سبحانه وتعالى: {أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم}[23] ومن الواضح أن أولي الأمر هم خلفاء الرسول(صلى الله عليه وآله وسلم) سواء عينهم بالاسم أو عينهم بالصفة كما تقدم في قوله: «اللهم ارحم خلفائي» وفي الوارد عن مولانا أمير المؤمنين(عليه السلام) في نهج البلاغة: «أما والذي فلق الحبة وبرأ النسمة، لولا حضور الحاضر، وقيام الحجة بوجود الناصر، وما أخذ الله على العلماء ألاّ يقارّوا على كظة ظالم، ولا سغب مظلوم، لألقيت حبلها على غاربها، ولسقيت آخرها بكأس أولها» [24].

فالله عز وجل أخذ على العلماء تولي الحكم؛ لأن الإمام كان في صدد وجه تقبله للإمارة بعد عثمان، فقرينة الحال والمقال تدلان على أن الكلام في مقام السلطة والحكومة. ومما ورد في الروايات أيضاً عنهم(عليهم السلام): «لابد للناس من أمير بر أو فاجر يعمل في إمرته المؤمن، ويستمتع فيها الكافر»[25] إلى غير ذلك مما بيناه سابقاً.

فتحت خيمة النظم والاستقرار يعمل المؤمن لدنياه وآخرته والكافر يتمتع في دنياه، وقد قال عز وجل: {والذين كفروا يتمتعون ويأكلون كما تأكل الأنعام والنار مثوى لهم}[26] فإذاً المؤمن والكافر كلاهما يعيشان تحت حكم الدولة، فيصل الكافر إلى أجله المقرر كما يصل المؤمن إلى أهدافه العليا والدنيا، فلا فوضى حتى يخترم القتل الناس قبل آجالهم الطبيعية، وبواسطة الحاكم يجمع المال لأجل المصالح، وينفق لأجل تحقيقها، ويروع به المعتدون، ولا يتسلط قطاع الطرق فيسلبوا امن الناس وقرارهم، أو يأكل القوي الضعيف؛ ولذا وصف الإمام بقوله: «فاجر» ولم يقل ظالم؛ إذ الظالم تجب إزالته لقباحة الظلم ووجوب ردعه. أما الفاجر الذي هو عاص في نفسه لكنه يلتزم بالنظام فيترتب عليه ما ذكره(عليه السلام) من الفوائد وإن لم يكن حاكماً شرعياً، فتأمل.

هذا وقد روى الفضل بن شاذان عن مولانا الرضا(عليه السلام) أنه قال: «إنا لا نجد فرقة من الفرق ولا ملة من الملل بقوا وعاشوا إلا بقيم ورئيس لما لا بد لهم منه في أمر الدين والدنيا، فلم يجز في حكمة الحكيم أن يترك الخلق مما يعلم أنه لابد لهم منه ولا قوام لهم إلا به، فيقاتلون به عدوهم، ويقسمون به فيئهم، ويقيمون به جمعتهم وجماعتهم، ويمنع ظالمهم من مظلومهم» [27] وقد ورد عن الصادق(عليه السلام): «اتقوا الحكومة فإن الحكومة إنما هي للإمام العالم بالقضاء، العادل في المسلمين» [28] فإن الظاهر منه أن العادل العالم جعل حاكماً من قبل الله سبحانه وتعالى، كما يفيده الحديث الذي هو في مقام الإنشاء وصيغته بلسان الحصر.

وفي خبر عمر بن حنظلة المروي في كتب المشايخ الثلاثة والذي يعطيه قوة الاعتبار عن الصادق(عليه السلام): «ينظر إلى من كان منكم ممن قد روى حديثنا، ونظر في حلالنا وحرامنا، وعرف أحكامنا، فليرضوا به حكماً، فإني قد جعلته عليكم حاكماً، فإذا حكم بحكمنا فلم يقبله منه فإنما استخف بحكم الله، وعلينا ردّ، والراد علينا الراد على الله، وهو على حد الشرك بالله» [29].

ومن الواضح أن الإمام(عليه السلام) في مقام التنصيب والجعل الإنشائي، وهذا ما يستفاد من جملة «جعلته عليكم حاكماً» وهذه وإن كانت واردة في باب الرواية إلا أنها تشمل الحكومة والسلطة إما بالإطلاق وإما بالمناط؛ لعدم فهم الخصوصية في الرواية، أو فهم عدم الخصوصية، أو ربما يقال باستفادة الأولوية، فإنه إذا كان ذلك بالنسبة إلى الرواية فإن إقامة الدولة من بعض جوانبها أهم لأهمية حفظ النفوس والأعراض والدماء والفروج. هذا مضافاً إلى اعتضاد مضمونها بطائفة أخرى من الروايات، فقد روي في تحف العقول عن مولانا الحسين(عليه السلام) أنّه قال: «بأن مجاري الأمور والأحكام على أيدي العلماء بالله الأمناء على حلاله وحرامه»[30] وفي الكافي عن مولانا الباقر(عليه السلام): «لا تصلح الإمامة إلا لرجل فيه ثلاث خصال: ورع يحجزه عن معاصي الله، وحلم يملك به غضبه، وحسن الولاية على من يلي حتّى يكون لهم كالوالد الرحيم» [31] ومن الواضح أن حسن الولاية مطلق فيشمل الحكومة وهو أجلى مصاديقها.

وفي الحديث عن الإمام الحسن(عليه السلام) أنه قال:«إنما الخليفة لمن سار بكتاب الله وسنة نبيه(صلى الله عليه وآله وسلم)» [32] ومن الواضح أن من سنن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) الحكم والحكومة.

وفي نهج البلاغة عن مولانا أمير المؤمنين: «إن أحق الناس بهذا الأمر أقواهم عليه» [33] إلى غير ذلك من النصوص الخاصة أو العامة الدالة على لزوم إقامة الحكومة والدولة والتصدي لهما.خو الإمام زيد بن علي ابن الحسين عليهما السلام وبعد مقتله ثار ولده يحيى بن زيد وفي عهد الإمام الصادق حدثت ثورة عبد ا

الدليل الخامس: الروايات المتواترة

وقد دلّت على فضل الإمام العادل وفضل المعيشة في ظل حكمه ورجحانها، فتدل بالملازمة على رجحان العمل لأجل السلطة العادلة، هذا من حيث الأصل، وإذا انطبق عليه عنوان إقامة الحق ودفع الباطل كان واجباً، كما ورد في الروايات الواردة عن مولانا أمير المؤمنين(عليه السلام) أنه تصدى لإقامة الدولة والحكم لأجل إقامة الحق ودفع الباطل.

ففي نهج البلاغة: «اللهم إنّك تعلم أنه لم يكن الذي كان منا منافسة في سلطان، ولا التماس شيء من فضول الحطام، ولكن لنرد المعالم من دينك، ونظهر الإصلاح في بلادك، فيأمن المظلومون من عبادك، وتقام المعطّلة من حدودك»[34].

وفيه أيضاً قال عبد الله بن عباس: دخلت على أمير المؤمنين(عليه السلام) بذي قار وهو يخصف نعله، فقال لي: «ما قيمة هذه النعل» فقلت: لا قيمة لها !! فقال(عليه السلام): «والله لهي أحب إليّ من إمرتكم، إلا أن أقيم حقاً أو أدفع باطلاً»[35].

وفيه فيما رده(عليه السلام) على المسلمين من قطائع عثمان. قال: «والله لو وجدته قد تزوج به النساء وملك به الإماء لرددته، فإن في العدل سعةً، ومن ضاق عليه العدل فالجور عليه أضيق»[36] ويفهم من الحديث أن من وظائف الحاكم الإسلامي رد الأموال العامة المغصوبة المتعلقة بالمجتمع إلى أهلها.

وورد في خطابه(عليه السلام) لعثمان: «فاعلم أنّ أفضل عباد الله عند الله إمام عادل هدي وهدى، فأقام سنة معلومة، وأمات بدعة مجهولة»[37].

وفيه: «أيها الناس، إنّ لي عليكم حقاً، ولكم عليّ حق، فأما حقكم عليّ فالنصيحة لكم، وتوفير فيئكم عليكم، وتعليمكم كيلا تجهلوا، وتأديبكم كيما تعلموا، وأما حقي عليكم فالوفاء بالبيعة، والنصيحة في المشهد والمغيب، والإجابة حين أدعوكم، والطاعة حين آمركم»[38] ومفاد الحديث فيما نحن فيه ظاهر.

مضافاً إلى الأدلة الخاصة الدالة على لزوم الأخذ بالعدل وتولي ولاة العدل والتخلي عن ولاة الجور التي منها ما ورد عن رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم): «ساعة إمام عادل أفضل من عبادة سبعين سنة، وحد يقام لله في الأرض أفضل من مطر أربعين صباحاً»[39].

وعن أمير المؤمنين(عليه السلام) في الغرر والدرر: «أفضل ما منّ الله سبحانه به على عباده علم وعقل وملك وعدل»[40] وعنه(عليه السلام): «إمام عادل خير من مطر وابل»[41] وعنه(عليه السلام): «ليس من ثواب عند الله سبحانه أعظم من ثواب السلطان العادل والرجل المحسن»[42] وغير ذلك مما يدلل على محبوبية تولي الولايات والحكومة من قبل العدول، فيدل أيضاً على رجحان التصدي لذلك، بل وجوبه إذا توقف عليه إقامة الحق ودفع الباطل، كما أن طاعته والالتزام بأوامره ونواهيه وقوانينه ومقرراته يعد من الطاعة.

فعن أمالي المفيد بسنده عن ابن عباس قال: قال رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم): «اسمعوا وأطيعوا لمن ولاّه الله الأمر، فإنه نظام الإسلام»[43].

وفي نهج البلاغة: «فرض الله الإيمان تطهيراً من الشرك ـ إلى أن قال ـ والأمانة نظاماً للأمة، والطاعة تعظيماً للإمامة»[44].

ومن الواضح أن إقامة نظام الإسلام ودفع الهرج والمرج عن الأمة من الملاكات الواجبة، وعن مولانا أمير المؤمنين(عليه السلام) قال: «ومكان القيم بالأمر مكان النظام من الخرز يجمعه ويضمه، فإن انقطع النظام تفرّق الخرز وذهب، ثم لم يجتمع بحذافيره أبداً»[45] وفيه دلالة ظاهرة على أهمية الحاكم والسلطة الحاكمة.

وورد عنه(عليه السلام): «وأعظم ما افترض ـ سبحانه ـ من تلك الحقوق حق الوالي على الرعية، وحق الرعية على الوالي، فريضة فرضها الله سبحانه لكل على كل، فجعلها نظاماً لألفتهم، وعزاً لدينهم، فليست تصلح الرعية إلا بصلاح الولاة، ولا تصلح الولاة إلا باستقامة الرعية، فإذا أدت الرعية إلى الوالي حقه وأدى الوالي إليها حقها عز الحق بينهم، وقامت مناهج الدين، واعتدلت معالم العدل، وجرت على أذلالها السنن، فصلح بذلك الزمان، وطمع في بقاء الدولة، ويئست مطامع الأعداء. وإذا غلبت الرعية واليها أو أجحف الوالي برعيته اختلفت هنالك الكلمة، وظهرت معالم الجور، وكثر الإدغال في الدين، وتركت محاج السنن، فعمل بالهوى، وعطّلت الأحكام، وكثرت علل النفوس، فلا يستوحش لعظيم حق عطل، ولا لعظيم باطل فعل !! فهنالك تذل الأبرار، وتعز الأشرار، وتعظم تبعات الله سبحانه عند العباد»[46] هذا ويمكن قراءة فقرات الحديث على نحو المبني للمعلوم أيضاً.

وفي اختصاص المفيد أنه قد روي عن أحدهم(عليهم السلام) أنه قال: «الدين والسلطان أخوان توأمان لابد لكل واحد منهما من صاحبه، والدين أسّ، والسلطان حارس، وما لا أسّ له منهدم، وما لا حارس له ضائع»[47].

وفي تحف العقول عن مولانا الصادق(عليه السلام) في بيان سلسلة نظام الحكم قال: «فوجه الحلال من الولاية ولاية الوالي العادل الذي أمر الله بمعرفته وولايته والعمل له في ولايته وولاية ولاته وولاة ولاته، بجهة ما أمر الله به الوالي العادل بلا زيادة فيما أنزل الله به، ولا نقصان منه، ولا تحريف لقوله، ولا تعد لأمره إلى غيره. فإذا صار الوالي والي عدل بهذه الجهة فالولاية له، والعمل معه ومعونته في ولايته وتقويته حلال محلل، وحلال الكسب معهم، وذلك أن في ولاية والي العدل وولاته إحياء كل حق وكل عدل، وإماتة كل ظلم وجور وفساد، فلذلك كان الساعي في تقوية سلطانه والمعين له على ولايته ساعياً [48] إلى طاعة الله مقوياً لدينه»[49] ومن مضامين هذه الروايات الشريفة نستفيد رجحان التصدي لإقامة الدولة العادلة، بل اذا توقف عليها إقامة الحق ودفع الباطل ونصرة المظلوم تصبح من الواجبات، ويؤيد ذلك جملة من المؤيدات نذكر اثنين منها:

الأول: أن ذلك مقتضى التأسي بالأنبياء السابقين%، فإنهم قد تولوا مناصب السلطة، وأقاموا الدول، وبعضهم ادعاها، وطالب بها أيضاً. ومن الواضح أن سيرة الأنبياء الصالحين حجة علينا؛ لدليلي الاشتراك مع عدم المخصص واستصحاب حجية الشرائع السابقة.

إن من قدر من الأنبياء السابقين على إقامة دين الله سبحانه والأخذ بالحكم فعل ذلك بكل ما أوتي من قوة، وقد دل على ذلك الكتاب العزيز في قوله عز وجل:{ وإذ قال موسى لِقومه يا قوم اذكُروا نعمت الله عليكم إذ جعل فِيكم أَنبياء وجعلكم ملوكاً}[50] وفي قضية داود(عليه السلام) يقول عز وجل:{ وشددنا ملكه وآتيناه الحكمة وفصل الخطاب}[51] وفي سليمان(عليه السلام) يقول تبارك وتعالى:{ رب اغفر لِي وهب لِي ملكاً لا ينبغي لأَحدٍ مِن بعدي}[52] ولولا رجحان التصدي وتولي الولاية من قبل الأولياء وإقامة الدولة والحكومة بين الناس لما طلبها سليمان(عليه السلام) لنفسه. وفي قضية يوسف(عليه السلام) يقول تبارك وتعالى: {رب قَد آتيتني من الملْك وعلمتني من تأويل الأَحاديث}[53] ومن قبل ذلك طلبها يوسف(عليه السلام) إذ خاطب عزيز مصر كما في قوله عز وجل: {اجعلني على خزائن الأَرض}[54] إلى غير ذلك من الأدلة.

الثاني: ما ورد في الآيات الشريفة من أن الإسلام نهج دين ودنيا، وأنه حسنة، ولا إشكال في أن الدولة الإسلامية العادلة من مصاديق الحسنات، بل من أظهر مصاديقها. قال عز وجل: {ومنهم من يقول ربّنا آتنا في الدّنيا حسنةً وفي الآخرة حسنةً وقنا عذاب النّار أولئك لهم نصيب ممّا كسَبوا}[55] وإطلاق الآية الشريفة يشمل الحكومة الشرعية؛ لكونها من أهم الحسنات؛ إذ بدونها لا تطبق الأحكام، ولا يقام الدين، ويعطل الكثير من شرائع الإسلام كما هو واضح.

وفي الحديث الشريف: «ليس منا من ترك دنياه لآخرته ولا آخرته لدنياه»[56] وكيف كان، فإن الآية المتقدمة جعلت الإتيان بالحسنة نصيباً أخروياً، مما يكشف لنا أن التصدي لإقامة الدولة مضمون الرضا والقبول الإلهي، فتكون من مصاديق الطاعة أيضاً.

وبضميمة مثل قوله سبحانه وتعالى: { فاتّقوا الله ما استطعتم}[57] يصبح عنوانها من الواجبات أيضاً.

الأمر الثالث: في بعض المسائل الفرعية

المسألة الأولى: في وجوب إزاحة الظلمة عن الحكم

يجب تولي العلماء العدول وتصديهم لإزاحة الظلم والفساد ليسيروا بالأمة كما أراد الله سبحانه وتعالى، وهذا ما قامت عليه سيرة العلماء قديماً وحديثاً من أمثال السيد المجاهد، والميرزا الشيرازي الكبير، والآخوند الخراساني، والميرزا الشيخ محمد تقي الشيرازي، والسيد آغا حسين القمي، والميرزا مهدي الشيرازي، والسيد الصدر، والسيد الشيرازي وغيرهم من الأعلام المتقدمين والمعاصرين قدّست أسرارهم، فإن في ترك الأمر بيد الحكام الظلمة هدماً للإسلام وإحياء للكفر والفسق، كما قال مولانا أمير المؤمنين(عليه السلام): «لولا حضور الحاضر، وقيام الحجة بوجود الناصر، وما أخذ الله على العلماء ألاّ يقاروا على كظّة ظالم، ولا سغب مظلوم، لألقيت حبلها على غاربها»[58] وعن النبي الأعظم(صلى الله عليه وآله وسلم): «إذا ظهرت البدع في أمتي فليظهر العالم علمه، فمن لم يفعل فعليه لعنة الله»[59].

ويجب على العالم الديني الاطلاع على العلوم السياسية، بل ذلك وظيفة كل متدين على نحو الكفاية؛ وذلك لتوقّف إدارة أمور المسلمين على هذه العلوم، بل إنقاذ المستضعفين من براثن المستكبرين،ونشر الإسلام، وهداية الناس من الظلمات إلى النور على هذه العلوم. قال سبحانه وتعالى:{ وما لكم لا تقاتلون في سبيل الله والمستضعفين}[60] وكونها في مقام الاستفهام الاستنكاري يدل على الوجوب، إلى غير ذلك من الأدلة الأربعة الدالة نصاً أو بالمناط على وجوب الإنقاذ والهداية.

ولا يخفى أن معرفة العلوم السياسية لا تكون إلا بمعرفة أمور ستة على الأقل، هي: الدين والاقتصاد والحقوق والاجتماع والنفس والتأريخ؛ وذلك لأن معرفة السياسة لا يمكن إلا بهذه المعارف الستة على تفصيل لا يسعنا بيانه هنا.

وعليه فإنه كما يجب التصدي لإقامة الدولة يجب التصدي لمعرفة العلوم الإسلامية السياسية والتدبيرية؛ لتوقف الواجب عليه، وما يتوقف عليه الواجب واجب كما حقق في محله.

المسألة الثانية: في ولاية الفقهاء

من المعلوم أن الفقهاء العدول هم ولاة من قبل الولي المنصوب من الله سبحانه بالنص، وهو الرسول الأعظم(صلى الله عليه وآله وسلم) والأئمة الطاهرون(عليهم السلام)، كما حقق في محله، والفقهاء العدول الجامعون للشرائط منصوبون من قبلهم، كما ستعرفه في المبحث الثاني والثالث إن شاء الله تعالى.

وقد ورد عن مولانا الصادق(عليه السلام): «الملوك حكام على الناس، والعلماء حكام على الملوك»[61] وعن عبد الله بن سنان قال: قلت لأبي عبد الله(عليه السلام): {يوم ندعو كل أناس بإمامهم} قال: «إمامهم الذي بين أظهرهم وهو قائم أهل زمانه»[62].

بناءً على شمول الإمام للفقيه الجامع للشرائط.

وعن الشحام،عن الصادق(عليه السلام) قال: «من تولى أمراً من أمور الناس فعدل وفتح بابه ورفع ستره ونظر في أمور الناس كان حقاً على الله عز وجل أن يؤمن روعته يوم القيامة، ويدخله الجنة»[63] وأظهر مصاديقة بل أكملها الفقيه الجامع.

وعن مولانا أمير المؤمنين(عليه السلام): «إذا بني الملك على قواعد العدل ودعم بدعائم العقل نصر الله مواليه، وخذل معاديه»[64].

 وعنه(عليه السلام): «دولة العادل من الواجبات»[65].

 وعنه(عليه السلام): «ليس من ثواب عند الله سبحانه أعظم من ثواب السلطان العادل والرجل المحسن«[66] وعنه(عليه السلام): «من حسنت سياسته وجبت طاعته»[67].

 وعنه(عليه السلام): «خير الملوك من أمات الجور، وأحيا العدل»[68].

 وعنه(عليه السلام): «أفضل الملوك من حسن فعله ونيته، وعدل في جنده ورعيته»[69].

والملك مصدر بمعنى اسم المفعول، والملك من يملك الأمر، وهو هنا أعم من الاصطلاحي، وإن كان يمكن الجمع بينهما شرعاً، كما بعث الله سبحانه طالوت ملكاً مع وجود النبي(عليه السلام)؛ إذ قال سبحانه وتعالى: { وإذ قال موسى لقومه يا قوم اذكروا نعمت الله عليكم إِذ جعل فيكم أنبياء وجعلكم ملوكاً}[70]وظاهرهالتفريق بين الأنبياء والملوك؛إذ يمكن أن يكون في زمان واحد ملك عادل ونبي أيضاً.

وفي روايات كثيرة وردت في باب القضاء والشهادات والحدود والديات والقصاص وغيرها جاء لفظ الإمام على ما عرفته مما تقدم، والذي يظهر من بعض القرائن الداخلية والخارجية أن المراد من الإمام الأعم من الإمام المنصوص عليه ونوابه في حال الحضور والغيبة، فإن الرسول الأعظم(صلى الله عليه وآله وسلم) ومولانا أمير المؤمنين(عليه السلام) والحسن(عليه السلام) في زمان قيامهم كان لهم نواب في البلاد البعيدة، ونصبوا الولاة والأئمة، فكان حكمهم في إجراء الأحكام تابعاً لهم(عليهم السلام)، وأي فرق بين زمان الحضور وزمان الغيبة في ذلك، خصوصاً وأن مسألة التصدي للحكومة العادلة هو مقتضى سيرة العقلاء وبنائهم في مختلف الشؤون.

وكيف كان، فإنه في زمن الغيبة يجب على الفقهاء الذين جمعوا الشرائط الدينية والدنيوية التصدي لتولي شؤون الدول العادلة وإقامتها بين الناس، ويؤيد ذلك مضافاً إلى الأدلة التي تقدمت سابقاً مؤيدات.

منها: ما ذكروه في روايات الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر مما هو فوق حد التواتر، وعلى سبيل النموذج نذكر عدة روايات.

إحداها: ما رواه جابر عن أبي جعفر(عليه السلام) في حديث قال فيه:«فأنكروا بقلوبكم، والفظوا بألسنتكم، وصكوا بها جباههم، ولا تخافوا في الله لومة لائم، فإن اتّعظوا وإلى الحق رجعوا فلا سبيل عليهم،{إنما السبيل على الذين يظلمون الناس ويبغون في الأرض بغير الحق، أولئك لهم عذاب أليم}[71] هنالك فجاهدوهم بأبدانكم، وابغضوهم بقلوبكم، غير طالبين سلطاناً، ولا باغين مالاً، ولا مريدين بالظلم ظفراً، حتى يفيئوا إلى أمر الله، ويمضوا على طاعته»[72].

ثانيها: ما عن مولانا أمير المؤمنين(عليه السلام) أنه قال لأصحابه: «أيها المؤمنون، إنّه من رأى عدواناً يعمل به ومنكراً يدعى إليه فأنكره بقلبه فقد سلم وبرىء، ومن أنكره بلسانه فقد أجر، وهو أفضل من صاحبه، ومن أنكره بالسيف لتكون كلمة الله العليا وكلمة الظالمين السفلى فذلك الذي أصاب سبيل الهدى، وقام على الطريق، ونوّر في قلبه اليقين»[73].

ومنها: ما دل على وجوب مقاومة الجائر والقيام عليه وإزالة الجور من بين حياة الناس، وهنا لسائل أن يسأل هل المراد من تغيير الجائر الإتيان بجائر آخر مكانه أم الإتيان بعادل؟ فإن كان الأول كان خلاف العقل؛ لأنه يستلزم اللغو إن كان بلا هدف، وإن كان لهدف كان تناقضاَ ونقضاً للغرض إن كان صالحاً، وإن كان طالحاً فبطلانه أوضح، وإن كان الثاني كان هو المطلوب.

ومنها: ما دل على وجوب تولي أمور الحسبة قولاً وعملاً، حيث تعرض الفقهاء رضوان الله تعالى عليهم لذكر تلك الأمور في كتبهم الفقهية كما لا يخفى على من راجع مثل: الجواهر والحدائق والمستند والمعارج والرياض والمناهل والمسالك وجامع المقاصد وجامع الشتات والفقه ومهذب الأحكام ومستمسك العروة وغيرها من كتب الأعلام، وقد ذكروها في مختلف أبواب الفقه.

أما من حيث عملهم فإن جملة كبيرة منهم تمكنوا من إجراء الأحكام في مختلف بقاع الأرض كالعراق وإيران والخليج وغيرها كما لا يخفى على من راجع التواريخ، والإنكار عليهم من البعض إما لم يكن من جهة الإطلاق أو كان من بعض بدون حجة ظاهرة، وأي فرق بين تلك الأمور وبين ما ذكرناه من الإطلاق، فهذا إن لم يكن دليلاً بنفسه للسيرة قولاً وعملاً فلا يكون أقل من المؤيد الذي يطمأن إليه.

ومنها: ما دل على تصديق الأئمة(عليهم السلام) لنهضة بعض أصحابهم وأوليائهم كنهضة المختار وزيد الشهيد والحسين شهيد فخ، فإن عدداً من الأئمة(عليهم السلام) ترحموا على المختار، وصدقوا فعله، وهو صريح في التأييد والتصديق كما هو مذكور في كتب الرجال. أما تصديقهم(عليهم السلام) لزيد والحسين صاحب فخ فكثير، وأما الروايات الطاعنة فيهم أو المخالفة لهم محمولة على التقية، كما تدل على ذلك القرائن الداخلية والخارجية.

ومن الروايات الواردة لتأييدهم صحيحة عيسى بن القاسم. قال: سمعت أبا عبد الله(عليه السلام) يقول: «عليكم بتقوى الله وحده لا شريك له، وانظروا لأنفسكم، فوالله إن الرجل ليكون له الغنم فيها الراعي، فإذا وجد رجلاً هو أعلم بغنمه من الذي هو فيها يخرجه، ويجيء بذلك الرجل الذي هو أعلم بغنمه من الذي كان فيها، والله لو كانت لأحدكم نفسان يقاتل بواحدة يجرّب بها ثم كانت الأخرى باقية فعمل على ما قد استبان لها، ولكن له نفس واحدة إذا ذهبت فقد والله ذهبت التوبة، فأنتم أحق أن تختاروا لأنفسكم. إن أتاكم آت منّا فانظروا على أيّ شيء تخرجون، ولا تقولوا: خرج زيد، فإن زيداً كان عالماً، وكان صدوقاً، ولم يدعكم إلى نفسه، وإنما دعاكم إلى الرضا من آل محمد(عليهم السلام)، ولو ظهر لوفى بما دعاكم إليه، إنما خرج إلى سلطان مجتمع لينقضه، فالخارج منا اليوم إلى أيّ شيء يدعوكم إلى الرضا من آل محمد(عليهم السلام) فنحن نشهدكم أنّا لسنا نرضى به، وهو يعصينا اليوم، وليس معه أحد، وهو إذا كانت الرايات والألوية أجدر أن لا يسمع منا إلا من اجتمعت بنو فاطمة معه، فوالله ما صاحبكم إلا من اجتمعوا عليه، إذا كان رجب فأقبلوا على اسم الله عزوجل، وإن أحببتم أن تتأخروا إلى شعبان فلا ضير»[74].

ولا يخفى أن زيداً كان يدعو لهم(عليهم السلام)، وفي هذه الرواية كلمات تدل على صحة القيام من قبل الفقيه العادل الجامع للشرائط إذا كان يدعو إلى الحجة منهم، وقد قال زيد بن علي بن الحسين(عليهم السلام) كما روي عنه ما لفظه: في كل زمان رجل منا أهل البيت يحتجّ الله به على خلقه، وحجة زماننا ابن أخي جعفر بن محمد، لا يضل من تبعه، ولا يهتدي من خالفه [75]، وعن الصادق(عليه السلام): «إن عمي كان رجلاً لدنيانا وآخرتنا، مضى والله عمي شهيداً كشهداء استشهدوا مع رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم) وعلي والحسن والحسين(عليهم السلام)»[76] إلى غير ذلك مما ورد في زيد من الروايات وأقوال العلماء.

وأما بالنسبة إلى الحسين بن علي شهيد فخ فقد روي عن زيد بن علي أنه قال: انتهى رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم) إلى موضع فخ فصلّى بأصحابه صلاة الجنازة، ثم قال: «يقتل هاهنا رجل من أهل بيتي في عصابة من المؤمنين، ينزل لهم بأكفان وحنوط من الجنة، تسبق أرواحهم أجسادهم إلى الجنة»[77].

وفي هذا قال السيد الشيرازي رضوان الله عليه في كتابه الفقه الدولة الإسلامية: لعل المراد بصلاة الجنازة الصلاة على الحسين ندباً بإهداء الثواب له، وقد كان الحسين شهيد فخ أيضاً يدعو إلى الرضا من آل محمد، فقد روي عن أرطأة قال: لما كانت بيعة الحسين بن علي صاحب فخ قال: أبايعكم على كتاب الله، وسنّة رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم)، وعلى أن يطاع الله ولا يعصى، وأدعوكم إلى الرّضا من آل محمد، وعلى أن نعمل فيكم بكتاب الله وسنّة نبيه(صلى الله عليه وآله وسلم)، والعدل في الرعية، والقسم بالسوية[78].

وفي رواية جاء الجند بالرؤوس إلى موسى والعباس وعندهم جماعة من ولد الحسن والحسين، فلم يتكلم أحد منهم بشيء إلا موسى بن جعفر(عليه السلام)، فقال له: هذا رأس الحسين ؟ قال: «نعم، إنا لله وإنا إليه راجعون، مضى والله مسلماً صالحاً صوّاماً قوّاماً آمراً بالمعروف، ناهياً عن المنكر، ما كان في أهل بيته مثله»، فلم يجيبوه بشيء[79]. إلى غير ذلك من الأخبار الدالة على مشروعية نهضة زيد والحسين وغيرهم من أعلام آل البيت عليهم السلامالذين نهضوا ضد الجور لإقامة دولة العدل.

ومنها: إطلاق الآيات والروايات المتضافرة الواردة في باب الجهاد والدفاع ومحاربة المعتدي والحدود والقصاص، مما يكون أغلبها من شأن الحكومة، فإنها بين دليل ومؤيد، وقد ذكر الكثير في مختلف أبواب الفقه، ولعل منها قوله سبحانه وتعالى: {إنما جزاء الذين يحارِبون الله ورسوله ويسعون في الأرض فساداً أن يقتلوا أو يصلبوا أو تقطع أيديهم وأرجلهم من خلاف أَو ينفوا من الأرض ذلك لهم خزي في الدّنيا ولهم في الآخرة عذابٌ عظيمٌ إلاّ الذين تابوا من قبل أَن تقدروا عليهم}[80] ومنها قوله عز وجل: { وإِن طائفتان من المؤمنين اقتتلوا فأصلحوا بينهما فإن بغت إحداهما على الأخرى فقاتلوا الّتي تبغي حتى تفي‏ء إِلى أمر الله فإن فاءت فأصلحوا بينهما بالعدل وأَقسطوا إنّ الله يحبّ المقسطين}[81].

ومنها: حكم العقل؛ وذلك لأن الأمر دائر بين أن يكون الرسول والأئمة(عليهم السلام) بينوا حكم السلطان في زمن الغيبة أو تركوه ولم يبينوه، والثاني لا مجال للالتزام به؛ لأنه مخالف للضرورة والنصوص الصريحة، حيث ورد أنهم بينوا كل شيء.

 وفي موثقة أبي حمزة الثمالي عن أبي جعفر(عليه السلام) قال: خطب رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم) في حجة الوداع فقال: «يا أيها الناس، ما من شيء يقربكم من الجنة ويباعدكم من النار إلاّ وقد أمرتكم به، وما من شيء يقربكم من النار ويباعدكم من الجنة إلاّ وقد نهيتكم عنه»[82] وفي الرواية دلالتان:

الأولى: أن الدولة وشؤون الحكم قد أمر بهما الرسول الأعظم(صلى الله عليه وآله وسلم)؛ لأن دولة العدل تقرب إلى الجنة ودولة الجور تقرب إلى النار.

والثانية: أن النبي الأعظم(صلى الله عليه وآله وسلم) قد بين شؤون الحكم والدولة؛ لأنه ما من شيء يقرب إلى الجنة ويبعد من النار إلا وقد بينه، ولا إشكال في أن الدولة والحكم من أجلى مصاديقه، وعن محمد بن مسلم عن أبي عبد الله(عليه السلام) قال: «قال أمير المؤمنين(عليه السلام): الحمد لله الذي لم يخرجني من الدنيا حتى بيّنت للأمة جميع ما تحتاج إليه»[83].

 وفي رواية مرازم عن أبي عبد الله(عليه السلام) قال: «إن الله تبارك وتعالى أنزل في القرآن تبيان كل شيء، حتى والله ما ترك الله شيئاً يحتاج إليه العباد حتى لا يستطيع عبد يقول: لو كان هذا أنزل في القرآن إلا وقد أنزله الله فيه»[84].

وعن عمر بن قيس، عن أبي جعفر(عليه السلام) قال: سمعته يقول: «إن الله تبارك وتعالى لم يدع شيئاً تحتاج إليه الأمة إلى يوم القيامة إلا أنزله في كتابه، وبينه لرسوله(صلى الله عليه وآله وسلم)، وجعل لكل شيء حداً، وجعل عليه دليلاً يدل عليه، وجعل على من تعدى ذلك الحد حداً»[85] إلى غير ذلك من الروايات المستفيضة التي يجدها المتتبع في المجامع الروائية. وعلى هذا تدور المسالة بين احتمالات ثلاثة عقلا لأنهم(عليهم السلام) إما أن يكونوا قد قرروا إمامة الجائرين وبينوها، أو قرروا إمامة العادلين وبينوها، أو لم يقرروا شيئاً أصلاً. الثالث من هذه الاحتمالات واضح البطلان، والأول لا يمكن الالتزام به، فلا بد وأن يكون الثاني، والكلام في هذا طويل ندعه إلى مجاله إن شاء الله.

المسألة الثالثة: في وجوب التصدي لإقامة الدولة العادلة

التصدي لإقامة الدولة العادلة أو تولي الحكومة من قبل الفقيه الجامع للشرائط واجب كفائي إذا كان هناك فقهاء متعددون صالحون للقيام بهذا الشأن، وإذا لم يكن إلا فقيه واحد ـ ولو على سبيل الفرض ـ وجب عليه عيناً وإن كان يجب عليه الأخذ بضوابط الشورى في الحكم وإقامة الدولة في كلا الفرضين؛ وذلك للأدلة العامة التي عرفت بعضها مما تقدم، كما أنه يجب على الأمة تعيين الحاكم، فإذا كان واحداً وجب عينا، وتعيين أحدهم إذا كانوا متعددين.

 كما يجب على الناس معاداة أئمة الجور، والتنقيص منهم، والاستمرار في مقاومتهم حتى سقوطهم ورجوع الأمر إلى من عينه الباري عز وجل، كل ذلك للأدلة العامة في باب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والأدلة الخاصة الدالة على وجوب إظهار كلمة الحق عند السلطان الجائر، مضافاً إلى سيرة الأنبياء والأئمة(عليهم السلام) في مقاومة الظلم وكفاحه. وقد روى الشيخ المفيد رضوان الله عليه في قصة إخراج أبي ذر من الشام ما يدل على ذلك. قال: إن الناس خرجوا معه إلى دير المرّان، فودعهم ووصاهم، الى أن قال: أيها الناس، أجمعوا مع صلاتكم وصومكم غضباً لله عز وجل إذا عصي في الأرض، ولا ترضوا أئمتّكم بسخط الله، وإن أحدثوا ما لا تعرفون فجانبوهم، وازروا عليهم، وإن عذبتم وحرمتم وسيرتم حتى يرضى الله عز وجل، فإن الله أعلى وأجل، لا ينبغي أن يسخط المخلوقين[86].

ولا يخفى أن ذلك إنما هو إذا لم يكن هناك أمر أهم يقتضي المراودة وتقبل الوظيفة كما ذكره الفقهاء في باب معونة الظالم على تفصيل لا يسعنا بيانه؛ ولذا قبل يوسف(عليه السلام) وزارة ملك مصر[87]، وكان في بلاط فرعون عمران أبو موسى الكليم(عليه السلام) [88] ومؤمن آل فرعون[89]، وكان أبو ذر رضوان الله عليه يحارب في جيش معاوية مع الروم[90] وسلمان وحذيفة وعمار وأضرابهم في أمارتي البصرة والمدائن[91]، وقد ورد في الأحاديث جهاد الإمام الحسن(عليه السلام) في فتح إيران، وجهاد الإمام الحسين(عليه السلام) في فتح أفريقيا، إلى غير ذلك[92].

وربما كان من هذا الباب بمصداق آخر وشكل آخر المحاربة للظلم وهو ما أظهره الإمام الحسن(عليه السلام) من الصلح مع معاوية،مع أنه كان في الحقيقة لأجل تربية المجاهدين لتوفير مدة الصلح فترة من السعة للإمام(عليه السلام) للقيام بهذا الشأن،ثم هؤلاء المجاهدون يفجرونها ثورة عارمة بقيادة الإمام الحسين(عليه السلام) ليس في وجه يزيد وبني أمية فحسب،بل في وجه كل ظالم إلى يوم القيامة؛ ولذا تمكنت هذه الثورة السماوية العظيمة التي قام بها الإمام الحسين(عليه السلام) من قلع جذور الاستبداد والظلم على الناس،من قطع الرؤوس والطواف بها،وإحراق البيوت،وما أشبه ذلك من سياسات الظلمة،وسوف تستمر ثورة الإمامين ô التربوية حتى يأتي يوم لا نجد فيه ظلم الحاكم على المحكوم إن شاء الله، وكل ذلك ببركة سيد الشهداء والإمام الحسن(عليه السلام) [93].

المسألة الرابعة: في جواز تنافس الفقهاء في التصدي للدولة

لا إشكال في جواز تنافس الفقيهين أو أكثر لنيل مرتبة الرئاسة للدولة الإسلامية؛ للأصل بعد عدم الدليل على المنع وإن كان للحكم بالشورى مجال هنا، وما دل على أنه حكم بحكمهم(عليهم السلام) ولا يجوز ردّه، والمنطبق على الاثنين فالظاهر أنه لا يشمل شؤون الرئاسة، فحال ذلك حال تشاح الإمامين على إمامة الجماعة، كما أنه لا دليل على لزوم تعيين الناس لأحدهما، بل ظاهر الأدلة جواز إرادة أحد الخصمين قاضياً والخصم الآخر قاضياً آخر، وجواز ذلك بالفحوى.

نعم، إذا أشغل المنصب أحدهم لم يجز لفقيه آخر مزاحمته ونقض حكمه ما دام عاملاً بالشرائط؛ كما أفتى بذلك غير واحد، لأنه بانتصابه يكون من مصاديق أولي الأمر، فيشمله دليل {أطيعوا الله وأطيعوا الرّسول وأولي الأمر منكم}[94] وما تقدم في كتاب مولانا أمير المؤمنين(عليه السلام) إلى معاوية؛ ولأنه يوجب النزاع والخصام الذي نهى عنه الشارع، بل يستلزم نقض الغرض من الحكومة وإقامة الدولة.

وقد قال سبحانه: { وإذا تولّى سعى في الأرض ليفسد فيها}[95] وذلك شامل للفساد الموجب لمعارضة ولي الأمر، وإن كان يجب على ولي الأمر أن يأخذ بالشورى في تطبيقه وتنفيذه وتشريعه، كما أن الانتخابات الحرة تكون هي الفيصل في تعيين أحد الفقهاء، أو تعيين الجماعة منهم فيما إذا تنافس أكثر من فقيه واحد على الرئاسة، فتأمل.

* فصل من كتاب فقه الدولة

وهو بحث مقارن في الدولة ونظام الحكم على ضوء الكتاب والسنة والأنظمة الوضعية

** استاذ البحث الخارج في حوزة كربلاء المقدسة

*** للاطلاع على فصول الكتاب الاخرى

http://www.annabaa.org/news/maqalat/writeres/fadelalsafar.htm

...............................................

[1] قال تعالى: {ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون} سورة المائدة: الآية 44؛ وقال سبحانه: {ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الظالمون} سورة المائدة: الآية 45؛ وقال عز من قائل:{ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الفاسقون} سورة المائدة: الآية 47.

[2] سورة الكهف: الآية 44.

[3] سورة يوسف: الآية 40.

[4] سورة ص: الآية 26.

[5] سورة البقرة: الآية 251.

[6] شرح نهج البلاغة: ج2 ص238.

[7] نهج البلاغة: ص82 الخطبة 40.

[8] سورة الأحزاب: الآية 21.

[9] نهج البلاغة: ص229 الخطبة 160.

[10] في غير وجود العصمة فإنه ينبغي فصل السلطات على ما ستعرفه.

[11] ينابيع المودة: ج2 ص315.

[12] كشف الخفاء: ج1 ص271؛ تاريخ دمشق: ج20 ص205.

[13] عيون اخبار الرضا: ج2 ص37 ح94.

[14] انظر كتاب جهاد الشيعة: ص229 ـ 389؛ الانتفاضات الشيعية: ص431 ـ 518؛ مقاتل الطالبين: ص86 ـ 393.

[15] رجال الكشي: ص349 رقم221؛ رجال العلامة: ص76 رقم 2.

[16] إشارة إلى الآية القرآنية:{أما السفينة فكانت لمساكين يعملون في البحر فأردت أن أعيبها وكان وراءهم ملك يأخذ كل سفينة غصباً} سورة الكهف: الآية 79؛ انظر رجال الكشي: ص349 رقم221 وص358 رقم232 ورقم233؛ تفسير نور الثقلين: ج3 ص285 ح163 باب تفسير سورة الكهف.

[17] الانتفاضات الشيعية: ص40 ـ 451؛ مقاتل الطالبين: ص347 ـ 352؛ جهاد الشيعة: ص320 ـ 328.

[18] جهاد الشيعة: ص294 ـ 296.

[19] سورة النساء: الآية 75.

[20] سورة آل عمران: الآية 200.

[21] سورة المائدة: الآية 55.

[22] القضاء: ج1 ص239؛ عوالي اللآلي: ج1 ص222ح99.

[23] سورة النساء: الآية 59.

[24] نهج البلاغة: ص50 الخطبة 3.

[25] نهج البلاغة: ص82 الخطبة 40؛ عوالي اللآلي: ج4 ص127 ح217.

[26] سورة محمد: الآية 12.

[27] علل الشرائع: ج1 ص295 ـ 296.

[28]الفقيه: ج3 ص4 ح1؛ الكافي: ج7 ص406 ح1.

[29] الكافي: ج1 ص67 ح10؛ التهذيب: ج6 ص218 ح514.

[30] تحف العقول: ص172.

[31]الكافي: ج1 ص407 ح8.

[32] شرح نهج البلاغة: ج16 ص49.

[33] نهج البلاغة: ص247 الخطبة 173.

[34] نهج البلاغة: ص189 الخطبة 131.

[35] نهج البلاغة: ص76 الخطبة 33.

[36] نهج البلاغة: ص57 الخطبة 15.

[37] نهج البلاغة: ص234-235 الخطبة 164.

[38] نهج البلاغة: ص79 الخطبة 34.

[39] الوسائل: ج28 ص12 ـ 13 ح34096 باب 1 من أبواب مقدمات الحدود.

[40] غرر الحكم: ص115 رقم389.

[41] عيون الحكم والمواعظ: ص122.

[42] غرر الحكم: ص316 رقم73.

[43] راجع الأمالي للشيخ المفيد: ص13 ح2.

[44] نهج البلاغة: ص512 رقم 252 من قصار الحكم.

[45] نهج البلاغة: ص203 الخطبة 146.

[46] نهج البلاغة: ص333 ـ 334 الخطبة 216.

[47] راجع الاختصاص: ص263.

[48] في المصدر: ساعية.

[49] تحف العقول: ص244.

[50] سورة المائدة: الآية 20.

[51] سورة ص: الآية 20.

[52] سورة ص: الآية 35.

[53] سورة يوسف: الآية 101.

[54] سورة يوسف: الآية 55.

[55] سورة البقرة: الآية 201و202.

[56] الوسائل: ج17 ص76ح22025باب 28 من أبواب مقدمات التجارة.

[57] سورة التغابن: الآية 16.

[58] نهج البلاغة: ص50 الخطبة 3.

[59] عوالي اللآلي: ج4 ص70 ح39.

[60] سورة النساء: الآية 75.

[61] مستدرك الوسائل: ج17 ص31 ح21455 باب 11 من أبواب كتاب القضاء.

[62] تفسير نور الثقلين: ج3 ص192 ح330 الآية 71 من سورة الإسراء.

[63] الوسائل: ج17 ص193 ح22332 باب 46 من أبواب ما يكتسب به؛ البحار: ج72 ص340 ح18 وفيه: شرهبدلاً من ستره.

[64] غرر الحكم: ص157 رقم 68.

[65] غرر الحكم: ص205 رقم 55.

[66] غرر الحكم: ص316 رقم 73.

[67] غرر الحكم: ص341 رقم 618.

[68] غرر الحكم: ص197 رقم 78.

[69] غرر الحكم: ص115 رقم 404.

[70] سورة المائدة: الآية 20.

[71] سورة الشورى: الآية 42.

[72] التهذيب: ج6 ص181 ح372؛ الوسائل: ج16 ص131 ح21162 باب 3 من أبواب الأمر والنهي؛ عوالي اللآلي: ج3 ص189 ح25.

[73] روضة الواعظين: ص399؛ البحار: ج32 ص609 ح480؛ الوسائل: ج16 ص133 ح21169 باب 3 من أبواب الأمر والنهي.

[74] الكافي: ج8 ص264 ح381.

[75] الأمالي للشيخ الصدوق: ص436 ح6؛ البحار: ج46 ص173ح24.

[76] البحار: ج46 ص175 ح28.

[77] مقاتل الطالبيين: ص366.

[78] الفقه كتاب الدولة الإسلامية: ج101 ص44.

[79] مقاتل الطالبيين: ص380.

[80] سورة المائدة: الآية 33 و 34.

[81] سورة الحجرات: الآية 9.

[82] الكافي: ج2 ص74 ح2؛ الوسائل: ج17 ص45 ح21939 باب 12 من أبواب مقدمات التجارة؛ مستدرك الوسائل: ج13 ص27 ح14643 باب 10 من ابواب كتاب التجارة، باختلاف يسير.

[83] الوسائل: ج27 ص302 ح33799 باب 33 من أبواب كيفية الحكم؛ عوالي اللآلي: ج3 ص522 ح21.

[84] اصول الكافي: ج1 ص59 ح1؛ تفسير القمي: ج2 ص450 في ذيل سورة الناس؛ المحاسن: ج1 ص267 ح 352.

[85] بصائر الدرجات: ص26 ح3؛ تفسير نور الثقلين: ج3 ص74 ح177.

[86] راجع الأمالي للشيخ المفيد: ص163 ؛ مستدرك الوسائل: ج12 ص199ح13875 باب 7 من أبواب كتاب الأمر بالمعروف.

[87] انظر مجمع البيان: ج5 ص243 الآية55 من سورة يوسف.

[88] انظر مجمع البيان: ج1 ص108 الآية 51 من سورة التوبة.

[89] انظر تفسير الصافي: ج4 ص85 الآية 20 من سورة القصص.

[90] الكامل: ج3 ص77 وص 95.

[91] انظر الكامل: ج2 ص508 ـ 514 ؛ الاصابة: ج1 ص318 رقم 1648.

[92] انظر الفقه كتاب الحكم في الإسلام: ج99 ص242.

[93] انظر تفاصيل ذلك في كتاب صلح الإمام الحسن للشيخ مرتضى آل ياسين.

[94] سورة النساء: الآية 59.

[95] سورة البقرة: الآية 205.

شبكة النبأ المعلوماتية- السبت 9/تموز/2010 - 27/رجب/1431

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1431هـ  /  1999- 2010م