المبادرة العربية للسلام

مرتضى بدر

نتفهم جيداً الدور التي تقوم به مصر في مطبخ عملية السلام؛ لذا لا نستغرب أبداً ما يقوم أو يصرح به وزير خارجيتها (أحمد أبو الغيط) في دفاعه الشرس عن المبادرة العربية للسلام، فمهمة كل وزير خارجية هي الترويج لسياسات حكومته.

ومن دون استغرابٍ تابعتُ حديث الوزير مع التلفزيون المصري الأحد الماضي، وما نشرتها بعض الصحف المصرية والعربية من تعليقاتٍ في اليوم التالي. صحيفة (الشرق الأوسط) عنونت الخبر على لسان أبو الغيط كالتالي: “سحب المبادرة العربية للسلام كالتخلي عن إقامة الدولة الفلسطينية”!! كنت أتمنى من القائمين على البرنامج التلفزيوني فتح المجال للمشاهدين لتوجيه أسئلة للوزير، أو طرح وجهة نظرهم على ما أدلى به من آراءٍ حول الملف الفلسطيني، وهذا للأسف ما لم يحدث في تلك الأمسية.

 في الواقع، كان بودّي توجيه عدة أسئلة لسعادة الوزير، من بينها: هل بقى في جسد المبادرة العربية للسلام من رمقٍ رغم وجودها فترة طويلة في غرفة الإنعاش؟ أما زلتم تتشبثون بنعش المبادرة رغم ما حلت بالعرب والفلسطينيين تحديداً من ويلات وخسائر وتوسع استيطاني وغيرها؟ عن أية مبادرة تتحدثون والدولة الصهيوني قد تجاوزتها واعتبرتها من الماضي وتطالبكم اليوم بتقديم مبادرة جديدة تتماشى مع المستجدات على الأرض بعد أن قضمت أراضٍ شاسعة وما زالت تتوغل في أراضي السلطة الفلسطينية؟ إسرائيل تعربد، وتتعجرف، وتضرب بالقوانين الدولية عرض الحائط، وتدخل الأراضي الإماراتية وتغتال الشهيد المبحوح، وتعتدي على سفن مدنية في المياه الدولية وتقتل الأبرياء من ناشطي السلام ومتطوعي الإغاثة.

 ليتكم أيها الغارقون في وهم السلام تتخذون العبرة - ولو قليلاً - من الحكومة التركية بعد الحادثة الإجرامية ضد أسطول الحرية، التي أدت إلى مقتل عدد من مواطنيها على ظهر سفينة (مرمره) المتجهة إلى غزة!! فقد قررت خفض علاقاتها السياسية مع إسرائيل، واشترطت رفع الحصار عن غزة، كما ألغت الاتفاقيات العسكرية، ووعدت شعبها بملاحقة الحكومة الصهيونية دولياً.

هذه الحكومة بمواقفها الشجاعة أوجدت توازنًا سياسيًا في الشرق الأوسط، وأعطت زخماً للقضية الفلسطينية بعد أن شاب الاعتقاد في عقول بعض أصحاب القضية ومن يدور في فلكهم في النظام العربي الرسمي أن العرب والفلسطينيين هم الطرف الأضعف، والطرف الأقوى هو إسرائيل، والضعيف حسب اعتقادهم يجب أن يرضخ لشروط القوي، ويقدم التنازلات تلو التنازلات، أملاً في إرضائه واستمالته، والتي ربما تفضي إلى منح الفلسطينيين دويلة منزوعة السلاح تكون محاصرة براً وبحراً وجواً، وتعيش تحت رحمة الكيان الصهيوني حتى اليوم الموعود.

يقول الوزير المصري في مقابلته: “إن هؤلاء الذين يروّجون لمناهج أخرى لا يرون حقيقة معادلات القوة بين الإسرائيليين والفلسطينيين”.

وفي نفس الوقت يقول الوزير: “أية دولةٍ تسعى لمناصرة القضية الفلسطينية نرحّب بها؛ لأنها تساعد في إقامة التوازن، سواءً كانت تركيا أم غيرها”. أبو الغيط يدرك جيداً أن أية دولة إذا ما قررت تقديم الدعم للقضية الفلسطينية، فإنها بالطبع لن تستأذن من مصر أو غيرها من الدول العربية الغارقة في وهم عملية السلام المزعومة. وقد كان الأجدر بالوزير أبو الغيط أن يعلن فتح معبر رفح بصورة دائمة لإيصال البضائع التموينية للمحاصرين في غزة بدل الترويج لبضاعةٍ ميتة اسمها (المبادرة العربية للسلام).

شبكة النبأ المعلوماتية- السبت 19/حزيران/2010 - 6/رجب/1431

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1431هـ  /  1999- 2010م