القاعدة وأزمة التمويل

بقلم صادق حسين الركابي

يبدو أن كلا ً من الحكومة اليمينة والقاعدة في سباق محموم مع الزمن لإيجاد مصادر تمويل بشكل سريع وعاجل. فالحكومة اليمنية التي يعاني (35 %) من مواطنيها من البطالة ويواجه (42%) منهم محنة الفقر تحاول جاهدة الحؤول دون وقوع مزيد من الاضطرابات والأزمات الداخلية خاصة مع ما يسمى بالحراك الجنوبي أوالحوثيين في الشمال.

أما القاعدة فتحاول الاستفادة من هذا المأزق الحكومي اليمني من خلال تجنيد أكبر عدد ممكن من الشباب اليمني الذين تقول عنهم (ايميليا كاسيلا) المتحدثة باسم برنامج الاغذية العالمي بأنه (لم يبقى أمامهم سوى ثلاثة خيارات هي الثورة أو الهجرة أوالموت). وفي ظل هذا الجو المتشائم حول مستقبل اليمن تزدهر آمال أمراء القاعدة في تحويل اليمن إلى مركز إدارة وتخطيط لعملياتهم المقبلة. كما يسعى هؤلاء إلى إعادة ترتيب أوراق التنظيم من جديد بعد سلسلة الضربات التي تلقاها في كل من السعودية والعراق وذلك من خلال اتخاذ اليمن كمركز تجمع القيادة الميدانية الجديدة. خاصة وأن كلا ً من أسامة بن لادن وأيمن الظواهري قد فقدا القدرة على الاتصال والتنسيق مع هذه القيادات مؤخرا ً.

إلا أن هذه المخططات تصطدم بندرة الأموال وصعوبة التحرك. لذا لجأ هؤلاء إلى تكتيك جديد يعتمد على الاعتماد على العنصر النسائي الذي له حساسيته بالنسبة لمناطق كاليمن والسعودية. وما المعتقلة السعودية (هيلة القصير) الملقبة بأم الرباب التي ألقت القوات السعودية القبض عليها في منطقة بريدة إلا نموذج واضح لواحدة من نساء القاعدة التي استخدمت لجمع الأموال ونقل المعلومات وتجنيد الانتحاريات.

وتفيد الأنباء إلى أن هذه السيدة وحدها تمكنت من جمع قرابة (600 ألف ريال سعودي) من خلال الحصول على مجوهرات ومبالغ مالية تارة بحجة بناء المساجد وتارة أخرى كتبرعات لدور الأيتام. إلا أن جميع هذه المبالغ تم إرسالها لاحقا ًإلى اليمن. بالإضافة إلى تحويل مبالغ مالية وصلت إلى مليوني ريال وذلك عبر عمليات غسيل الأموال.

ولعل هذا ما يفسر الصدمة الكبيرة التي أثارها نبأ اعتقال هذه المرأة في صفوف تنظيم القاعدة في جزيرة العرب. فقد دعى هؤلاء على لسان نائب قائد القاعدة في اليمن (سعيد الشهري) إلى عمليات اغتيال واختطاف أمراء ووزراء سعوديين كانتقام لاعتقال المدعوة ام الرباب.

ويضيف محللون بأن استخدام تنظيم القاعدة للعنصر النسائي يأتي لعوامل عدة أهمها صعوبة ملاحقة النساء في مجتمعات إسلامية محافظة كالسعودية واليمن ولقدرة المرأة على جمع الأموال بطريقة يصعب السيطرة عليها أومراقبتها. أضف إلى ذلك قدرة هذه النساء على إيواء المطلوبين وتجنيد نظيراتهن من النساء من خلال إقناعهن بالالتحاق إلى صفوف التنظيم بأساليب تتخفى بالدعوة والإرشاد وتكون عادة في إطار العلاقات العائلية المحكومة بتقاليد وأعراف محددة.

وتعمل نساء القاعدة عادة على اختراق العوائل من الداخل والتعرف على أسرار البيوت كعمل الزوج وأعداد الشباب في الأسرة ومصادر دخلهم. وتكون الخطورة في قمتها إذا كان أحد أفراد العائلة فردا ً عاملا ً في صفوف الجيش أوالدوائر الحكومية والأمنية. حيث يتم تجنيد هؤلاء لاستغلال مواقعهم أوصلاتهم العائلية بشخصيات حكومية للحصول على معلومات حساسة كمواعيد دخولهم وخروجهم ومن ثم اغتيال هذه الشخصيات المهمة. وقد حصل هذا مع اللواء السعودي (ناصر عثمان) الذي تم اغتياله في مزرعته في مدينة (البريدة) في نيسان من العام 2007 من قبل أحد أقربائه العاملين في القضاء السعودي.

وبما أن الأموال مصدر رئيسي في استمرار القاعدة في عملياتها وتوسيع أنشطتها فإن عددا ً من المراقبين يتوقع أن تقوم القاعدة في اليمن بعمليات سطوعلى عدد من البنوك والمصارف ومحاولات للهجوم على محلات الصياغة وذلك على غرار ما حصل مؤخرا ً في العراق.

كما تقوم القاعدة بالتعاون مع حركة الشباب المجاهدين في الصومال للقيام بأعمال مشتركة تستهدف السفن المحملة بالنفط والبضائع التجارية لاختطافها والاستفادة من حمولاتها أومبادلتها بفديات مالية كبيرة. ويذكر أن (سعيد الشهري) الملقب بأبوسفيان الأزدي كان قد أشار إلى ذلك في إحدى خطاباته حيث دعى فيها حركة الشباب المجاهدين للبقاء في (ثغورهم) في باب المندب.

وتعتبر مشكلة فقدان السيطرة الحكومية في كل من اليمن والصومال على بعض المناطق معضلة أساسية تساهم في إطالة عمر القاعدة هناك. فقد حرصت القاعدة مؤخرا ً على التمركز جغرافيا ً في مناطق الثروة والمنافذ الاستراتيجية . تماما ً كالذي يحدث اليوم في اليمن حيث حيث يحرص التنظيم على التواجد في في مأرب وشبوة وحضرموت وهي مناطق معروفة بالثروة والنفط والطاقة، وأيضا في المناطق الساحلية كأبين وعدن والحديدة، وهذه المناطق يوجد بها شركات أمريكية وبريطانية تستثمر في النفط والغاز.

كما تعمل القاعدة على اتباع أساليب جديدة في المناطق التي تتواجد فيها القبائل والعشائر العربية. حيث يحاول أمراؤها استمالة شيوخها والعيش معهم بنفس البساطة واتباع نفس القوانين القبلية وذلك تفاديا ً للأخطاء التي حصلت ما أمراء القاعدة في العراق حيث تم استعداء العشائر هناك.

وتحتاج القاعدة إلى العنصر المادي لشراء الأسلحة والقيام بعمليات تفجير هنا وهناك. بالإضافة إلى الدفع لعناصر التنظيم ورعاية عوائل الانتحاريين والدفع لبعض القبائل ورجالاتها من الموظفين في بعض الوزارات المهمة والوظائف الحساسة لتسهيل بعض المهام كجمع معلومات أو تشكيل خلايا جديدة. فكلفة تهريب ستة أشخاص من إيران إلى باكستان مثلا ً تكلف تنظيم القاعدة حوالي (2000 دولار أمريكي) بالإضافة إلى (400 دولار) لتدريبهم وقرابة (الألف دولار) لتجهيزهم.

وتعتمد القاعدة بشكل أساسي على التبرعات المقدمة لها من قبل منظمات تتستر بالغطاء الخيري والإنساني. فقد وصلت هذه التبرعات خلال السنوات الماضية إلى 700مليون ريال أو حوالي 200 مليون دولار في المملكة العربية السعودية فقط.

ويزداد هذا الرقم أهمية إذا ما علمنا أن سوق التبرعات الخيرية في السعودية فقط يبلغ مليار ريال أو ما يعادل 270 مليون دولار سنوياً. الأمر الذي دعى إلى تشديد إجراءات الرقابة المصرفية على هذه الجمعيات وإصدار أنظمة جديدة لمكافحة غسيل الأموال لا سيما في الولايات المتحدة الأمريكية. حيث تمت مراجعة حسابات عدد كبير من المؤسسات الخيرية وإغلاق مكاتبها الخارجية.

ويقدر بأن ميزانية القاعدة قبل هجمات سبتمبر 2001 بلغت نحو30 مليون دولار. إلا أنها ارتفعت بعد ذلك إلى أضعاف هذا الرقم وتناقصت مجددا ً بسبب الأزمة المالية العالمية وتدهور بعض الأسواق والإجراءات المتخذة من قبل بعض الحكومات لتجفيف مصادر التمويل. وكانت القاعدة قد نجحت في السنوات السابقة ومن خلال حسابات مصرفية بأسماء وسطاء في استثمار ما يعادل 300 مليون دولار في موريشيوس وسنغافورة وماليزيا والفلبين وبنما. إلا أن هذه المكاسب كانت قد تقلصت في فترات لاحقة بسبب الملاحقات الدولية لهؤلاء الوسطاء وأزمة المال العالمية.

وقد عبّر عدد من زعماء القاعدة عن هذه الضائقة المالية التي يمر بها التنظيم. فقد ظهر مؤخرا ً عدد من التسجيلات بصوت الظواهري والمدعو أبو يحيى الليبي يحثون فيها أنصارهم على الإنفاق لدعم (المجاهدين) بحسب تعبيرهم. وقد أدت هذه الضائقة المالية وأزمة التمويل التي تمر بها القاعدة إلى اعتماد تكتيكات جديدة تضمن تواصل التدفقات النقدية لرجال هذا التنظيم. كالاستثمار بالأحجار النفيسة وتحويل اموالها عبر شبكة نقل اموال غير رسمية معروفة باسم الحوالات من الصعب جدا ًملاحقتها. أومن خلال بعض العصابات المتخصصة بتزوير بطاقات الإئتمان وحتى بطاقات الهواتف النقالة والاستفادة من أرصدتها للحصول على الأموال اللازمة.

ومع أن هذه الأساليب تتعارض مع الشرع الإسلامي إلا أن منظري القاعدة يبررون هذا بأنه وفق الشرع لا سيما وأنه يتم في بلاد يُكفّر أهلها ويُحلّل أخذ الغنائم منهم. حتى أن بعضهم أقر التعامل مع عصابات المخدرات كالذي حدث مع تنظيم "القاعدة في المغرب الإسلامي ومافيا المخدرات الكولومبية لتأمين وحماية قوافل تجارة المخدرات في جنوب أوروبا وشمال أفريقيا وصولا للصحراء الكبرى وما خلفها مقابل تقاسم الأرباح.

إلا أن الوسيلة الأنجع التي يعتمدها تنظيم القاعدة في عمليات التمويل هي اختطاف السياح الأجانب وطلب فدية لإطلاق سراحهم. فقد حصل تنظيم القاعدة بالمغرب الاسلامي على ما يقارب من ( 14 مليون دولار أمريكي) كفدى مقابل مختطفين بالمنطقة. وهوذات الأمر الذي يتبعه تنظيم القاعدة في اليمن وأشار إليه عدد من قادة هذا التنظيم في خطاباتهم الأخيرة.

إلا أن اللافت للنظر قيام هذا التنظيم بالتعاون مع عصابات التسول وحتى مع شبكات الدعارة وإجبار بعض الفتيات على ممارسة البغاء مقابل المال. كما حدث في الشارقة في العام 2007 حيث ألقي القبض على أمريكي عمل على إقناع بعض الفتيات بممارسة الجنس مقابل أموال كان قد قرر إرسالها لاحقا ً إلى تنظيم القاعدة.

وبحسب عدد من المراقبين فقد ساهمت هذه التناقضات الفكرية الكبيرة بين الأحكام الشرعية التي يسير وفقها أنصار فكر القاعدة وما يقوم به هؤلاء على أرض الواقع إلى امتناع عدد كبير منهم عن الاستمرار في هذا العمل وتسليم أنفسهم إلى السلطات الحاكمة في عدد من الدول في المنطقة. وعلى الرغم من أن إعلام القاعدة يحاول بين الحين والآخر تجميل صورة هذا التنظيم من خلال بعض الإصدارات الدينية لقادته أو بعض الخطب الحماسية لأمرائه، إلا أن الحقيقة تقول بأن هذا التنظيم يعاني من مأزق حقيقي بات يرسم ملامح نهاية قريبة ووشيكة.

[email protected]

شبكة النبأ المعلوماتية- الاثنين 14/حزيران/2010 - 29/جمادى الآخرة/1431

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1431هـ  /  1999- 2010م