اسم فاطمة الزهراء تفسير ودلالات

السيد محمود الموسوي

(وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلاَئِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الأَرْضِ خَلِيفَةً قَالُواْ أَتَجْعَلُ فِيهَا مَن يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاء وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لاَ تَعْلَمُونَ. وَعَلَّمَ آدَمَ الأَسْمَاء كُلَّهَا ثُمَّ عَرَضَهُمْ عَلَى الْمَلاَئِكَةِ فَقَالَ أَنبِئُونِي بِأَسْمَاء هَـؤُلاء إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ. قَالُواْ سُبْحَانَكَ لاَ عِلْمَ لَنَا إِلاَّ مَا عَلَّمْتَنَا إِنَّكَ أَنتَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ. قَالَ يَا آدَمُ أَنبِئْهُم بِأَسْمَآئِهِمْ فَلَمَّا أَنبَأَهُمْ بِأَسْمَآئِهِمْ قَالَ أَلَمْ أَقُل لَّكُمْ إِنِّي أَعْلَمُ غَيْبَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَأَعْلَمُ مَا تُبْدُونَ وَمَا كُنتُمْ تَكْتُمُونَ) [البقرة:30- 33]

مقدمات

1/ اسم فاطمة جاء من السماء من الله تعالى، (حتى لو جاء من الرسول (ص) فإنه (وَمَا يَنطِقُ عَنِ الْهَوَى. إنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى) ولكن جاءت الروايات لتؤكد على أن الله أسماها فاطمة.

قال أبو الحسن عليه السلام:... فلما ولدت فاطمة سماها الله تبارك وتعالى فاطمة.

إننا نرى أن الله تعالى يعتني بتسمية العظماء من الأنبياء والصديقين..

كما في قوله تعالى: (إذْ قَالَتِ الْمَلآئِكَةُ يَا مَرْيَمُ إِنَّ اللّهَ يُبَشِّرُكِ بِكَلِمَةٍ مِّنْهُ اسْمُهُ الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ وَجِيهاً فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَمِنَ الْمُقَرَّبِينَ) [آل عمران: 45]

وقوله تعالى: (يَا زَكَرِيَّا إِنَّا نُبَشِّرُكَ بِغُلَامٍ اسْمُهُ يَحْيَى لَمْ نَجْعَل لَّهُ مِن قَبْلُ سَمِيّاً)[مريم: 7]

2/ مجيئ اسم فاطمة (ع) من السماء معناه أن فيه أسراراً، فهذه العناية لها غاياتها ودلالاتها، لأن الله تعالى هو الحكيم العليم.

وهناك فرق بين التسمية التي يطلقها الإنسان على أبنائه، وبين التسمية التي يطلقها الله تعالى، نحن نعلم أن الإسم له أثر ولابد أن يحسن الإنسان التسمية لإبنائه، وقد جعلها الإسلام حق من حقوق الأبناء (أن يحسن اسمه)..

 وإذا افترضنا في المسمي بأنه من أهل العقل، فسيكون الاسم له دلاله خير في جهة من الجهات، مثل أن يكون معناه إيجابيا ومشجعا أو مشابهاً لاسم شخصية عظيمة وما شابه ذلك.. إلا أننا نتوقف على ذلك فقط، ولا نعطي الأمر أكبر من هذه الحدود..

 أما التسمية الإلهية فهي تسمية صالحة للشخص وللآخرين، لما فيها من حكمة في الاختيار، فأثرها يعم.. (وهذا يناسب المسمّى) فإنه ليس كأي أحد، فإنه حجة على الخلق وهو القدوة لسائر الناس..

والتسمية الإلهية تفيد التطابق بين الإسم والمسمّى، وليس كما نرى بعض الأحيان ممن اسمه مخالف لصفته (اسمه شجاع وهو جبان) مثلاً..

فالاسم هو شعار وعلامة تحكي عن المخبر وعن المحتوى والمضمون والمعدن على وجه الحقيقة، لا على وجه التمني..

3/ في التسميات التي يسميها الله تعالى أسرار، وقد لا نفقه منها شيئاً، إلا أن يأتينا خبر عن سر هذه التسمية من الله تعالى على لسان نبيه (ص) أو أهل بيته (ع)، وقد وردت الكثير من الروايات التي تخبر عن تسمية الزهراء وألقابها.. ونجد العناية بمسألة التسمية الإلهية، وهذا دليل أهمية..

4/ وجه الفائدة من مبحث الإسم هو:

أ/ أن ندرك من خلاله مقامات الزهراء (ع) من جهة.باعتبار التطابق بين الإسم والمسمى كما أسلفنا.

ب/ ومن جهة ثانية لكي يكون الإسم نافذة لنا لولوج عالم المعنى والاجتهاد في الحصول على بعض الغايات التي اعتنى بها الحكيم الخبير.

فإن للزهراء سلام الله عليها حسب الروايات تسعة اسماء كما عن الإمام الصادق، وقال بعض عشرون اسماً، والكثير من الألقاب والكنى..

وإننا ننتخب اسم (فاطمة) لنبحثه ونحاول أن نتعرف عليه لنرى ما الذي يفتح أمامنا من بصائر ومعارف..

المعاني والدلالات

أولاً: المعنى العام، فاطمة وفطيم في اللغة ككريم، هو الذي انتهت مدة رضاعه، يقال: فطمت الرضيع، فصلته عن الرضاع. (مجمع البحرين). وفطمه أي فصله، وكما في التنزيل (وفصاله في عامين) فالمولود يفصل تماماً عن الرضاعة من غير رجعة..

ثانياً: اشتقاق الإسم الشريف من اسم الله (الفاطر) كما عن النبي (ص) في حديث: (.. والله الفاطر وهذه فاطمة)..

والإشتقاق الذي ينقسم إلى ثلاثة أقسام، منها الصغير والكبير والأكبر، فهذا هو الإشتقاق الأكبر لأن الحروف مختلفة.. إلا أن هنالك بحث في العلاقة بين اسم الله الفاطر وبين اسم فاطمة..

وهنا بحث... نتركه إلى حينه.

ثالثاً: تفسير اسم فاطمة ودلالاته من خلال الروايات (وهذا هو محور بحثنا)..

1/ فطمت من (الشرك)

قال أبو عبد الله (عليه السلام): لفاطمة (عليها السلام) تسعة أسماء عند الله عز وجل فاطمة، والصديقة والمباركة، والطاهرة، والزكية، والراضية، والمرضية، والمحدثة، والزهراء ثم قال (عليه السلام): أتدري أي شئ تفسير فاطمة ؟ قلت: أخبرني يا سيدي قال: فطمت من الشرك قال: ثم قال: لو لا أن أمير المؤمنين (عليه السلام) تزوجها لما كان لها كفو إلى يوم القيامة على وجه الارض آدم فمن دونه. البحار ج43 ص11

وفي رواية عن الشر.. يحتمل اتحادهما لأن السائل والمسؤول في الروايتين متطابقان..

· الشرك أساس كل شر، لذلك نرى أن الزهراء عندما أرادت إلقاء خطبتها العظيمة التي عالجت فيها أوضاع المسلمين حينها وبينت معالم الدين، ابتدأت خطبتها بالتأصيل للتوحيد بعد الحمد والثناء على الله تعالى: (وأشهد أن لاإله إلا الله وحده لا شريك له، كلمة جعل الإخلاص تأويلها، وضمّن القلوب موصولها، وأنار في التفكر معقولها، الممتنع عن الأبصار رؤيته، ومن الألسن صفته، ومن الأوهام كيفيته، ابتدع الأشياء لا من شيء كان قبلها، وأنشأها بلا احتذاء أمثلة امتثلها، كوّنها بقدرته، وذرأها بمشيئته من غير حاجة منه إلى تكوينها...).

ثم ذكرت مقاصد الشريعة (حول الصلاة والصيام والحج والزكاة) وابتدأتها بالتوحيد لبيان الغاية منه، وقالت: (فجعل الله الإيمان تطهيراً لكم من الشرك).

· هناك ارتباط بين الشرك وبين الإنحراف فالنظرة للتوحيد هي أساس الإيمان، لذلك جاء في الروايات أن أشرف المعرفة معرفة الله (رواية)..

ولهذا ابتدأت الزهراء (ع) ببيان التوحيد وبيان الشرك الذي هي مفطومة عنه.. وهذه منهجية القرآن الكريم، فهنا آيات تعرض مجموعة من الواجبات والطاعات..

1/ (وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَ بَنِي إِسْرَائِيلَ لاَ تَعْبُدُونَ إِلاَّ اللّهَ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً وَذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَقُولُواْ لِلنَّاسِ حُسْناً وَأَقِيمُواْ الصَّلاَةَ وَآتُواْ الزَّكَاةَ ثُمَّ تَوَلَّيْتُمْ إِلاَّ قَلِيلاً مِّنكُمْ وَأَنتُم مِّعْرِضُونَ )[البقرة: 83]

2/ (وَاعْبُدُواْ اللّهَ وَلاَ تُشْرِكُواْ بِهِ شَيْئاً وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً وَبِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَالْجَارِ ذِي الْقُرْبَى وَالْجَارِ الْجُنُبِ وَالصَّاحِبِ بِالجَنبِ وَابْنِ السَّبِيلِ وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ إِنَّ اللّهَ لاَ يُحِبُّ مَن كَانَ مُخْتَالاً فَخُوراً [النساء: 36]

3/ (قُلْ تَعَالَوْاْ أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ أَلاَّ تُشْرِكُواْ بِهِ شَيْئاً وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً وَلاَ تَقْتُلُواْ أَوْلاَدَكُم مِّنْ إمْلاَقٍ نَّحْنُ نَرْزُقُكُمْ وَإِيَّاهُمْ وَلاَ تَقْرَبُواْ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَلاَ تَقْتُلُواْ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللّهُ إِلاَّ بِالْحَقِّ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ [الأنعام: 151]

4/ (وَقَضَى رَبُّكَ أَلاَّ تَعْبُدُواْ إِلاَّ إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِندَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلاَهُمَا فَلاَ تَقُل لَّهُمَا أُفٍّ وَلاَ تَنْهَرْهُمَا وَقُل لَّهُمَا قَوْلاً كَرِيماً )[الإسراء: 23]

وفي آيات كثيرة منها في سورة الإسراء من الآية 34 إلى 44 تتحدث عن المسؤوليات ثم تتحدث عن الشرك، وقد بين المدرسي في ج4 ص 434 سبب هذا التلازم، وتحدث عن الحتميات التاريخية والطبيعية وغيرها كلها من النفس المشركة التي تبتعد عن المسؤولية..

فالإحتكام للطاغوت والولاء له يعتبر شرك..

(وَمِنَ النَّاسِ مَن يَتَّخِذُ مِن دُونِ اللّهِ أَندَاداً يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللّهِ) البقرة 165

أدنى الشرك

عن أبي العباس قال: سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن أدنى ما يكون به الانسان مشركا، قال: فقال: من ابتدع رأيا فأحب عليه أو أبغض عليه. (الكافي، ج2 ص398)

عدة من أصحابنا، عن سهل بن زياد، عن يحيى بن المبارك، عن عبد الله ابن جبلة، عن سماعة، عن أبي بصير وإسحاق بن عمار، عن أبي عبد الله (عليه السلام) في قول الله عز وجل: (وَمَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللّهِ إِلاَّ وَهُم مُّشْرِكُونَ) " قال: يطيع الشيطان من حيث لا يعلم فيشرك. (الكافي، ج2 ص398). وفي رواية أخرى قال: (قال: شرك طاعة وليس شرك عبادة).

(وهنا نعلم عظمة الزهراء ومعنى فطمها من الشرك).. يعني ليس معنى بسيطاً.. فهو العصمة ومحض الطاعة التي لا يشوبها أدنى شيء.. فحري بنا أن نقتدي بها وننتهج منهجها..

· علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن أحمد بن محمد بن أبي نصر، عن عبد الله بن يحيى الكاهلي قال: قال أبو عبد الله (عليه السلام): لو أن قوما عبدوا الله وحده لا شريك له وأقاموا الصلاة وآتوا الزكاة وحجوا البيت وصاموا شهر رمضان ثم قالوا لشئ صنعه الله أو صنعه النبي (صلى الله عليه وآله): ألا صنع خلاف الذي صنع؟ أو وجدوا ذلك في قلوبهم لكانوا بذلك مشركين، ثم تلا هذه الآية " فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجا مما قضيت ويسلموا تسليما " ثم قال أبو عبد الله (عليه السلام): فعليكم بالتسليم. الكافي ج2 ص 399

· ومن هنا نعرف أن دعاوى من ينادون بالتجديد لتخطي النصوص والأحكام الدينية وقيم الدين، فإنهم إنما يخطون في خطى الشيطان الشركية.. وكذا لا ينبغي أن نعترض على الأحكام في الواجبات والمحرمات، ولا في الكونيات كتقلبات الطقس والزلازل والعوصف.. فإن المطلوب منا أن نحذرها ونتقيها ولكن لا أن نعترض عليها..

2/ فطمت بسبب العلم عن الجهل..

محمد بن يحيى، عن محمد بن الحسين، عن محمد بن إسماعيل، عن صالح بن عقبة، عن عبد الله بن محمد الجعفي، عن أبي جعفر وأبي عبد الله عليهما السلام قالا:

لما ولدت فاطمة عليها السلام أوحى الله إلى ملك فأنطلق به لسان محمد صلى الله عليه وآله فسماها فاطمة، ثم قال: إني فطمتك بالعلم وفطمتك من الطمث، ثم قال أبو جعفر عليه السلام: والله لقد فطمها الله بالعلم وعن الطمث في الميثاق. الكافي ج1 ص 461

قال المجلسي: فطمتك بالعلم أي أرضعتك بالعلم حتى استغنيت وفطمتِ. أو قطعتك عن الجهل بسبب العلم.

فهي العالمة وعلمها من الله تعالى..

· تقول أم سلمة زوجة رسول الله (ص): تزوجني رسول الله وفوّض أمر ابنته إليّ فكنت أوّدبها وأدلّها، وكانت والله أدأب مني وأعرف بالأشياء كلها. الصديقة الطاهرة ص96 عن دلائل الإمامة ص12

· مما قالته فاطمة عن نفسها (.. أودعني الله سبحانه صلب أبي ثم أودعني خديجة بنت خويلد فوضعتني وأنا من ذلك النور، أعلم ما كان وما يكون وما لم يكن..).

· قصة تبين علم فاطمة (ع) وبيان مقام العلماء:

قال أبو محمد العسكري عليه السلام: حضرت امرأة عند الصديقة فاطمة الزهراء عليها السلام فقالت: إن لي والدة ضعيفة وقد لبس عليها في أمر صلاتها شئ، وقد بعثتني إليك أسألك، فأجابتها فاطمة عليها السلام عن ذلك، فثنت فأجابت ثم ثلثت إلى أن عشرت فأجابت ثم خجلت من الكثرة فقالت: لا أشق عليك يا ابنة رسول الله، قالت فاطمة: هاتي وسلي عما بدا لك، أرأيت من اكتري يوما يصعد إلى سطح بحمل ثقيل وكراه مائة ألف دينار يثقل عليه ؟ فقالت: لا. فقالت: اكتريت أنا لكل مسألة بأكثر من ملء ما بين الثرى إلى العرش لؤلؤا فأحرى أن لا يثقل على، سمعت أبي صلى الله عليه وآله يقول: إن علماء شيعتنا يحشرون فيخلع عليهم من خلع الكرامات على قدر كثرة علومهم وجدهم في إرشاد عباد الله حتى يخلع على الواحد منهم ألف ألف حلة من نور ثم ينادي منادي ربنا عز وجل: أيها الكافلون لأيتام آل محمد - صلى الله عليه وآله -، الناعشون لهم عند انقطاعهم عن آبائهم الذين هم أئمتهم، هؤلاء تلامذتكم والأيتام الذين كفلتموهم ونعشتموهم فاخلعوا عليهم خلع العلوم في الدنيا فيخلعون على كل واحد من اولئك الأيتام على قدر ما أخذوا عنهم من العلوم حتى أن فيهم يعني في الأيتام لمن يخلع عليه مائة ألف خلعة وكذلك يخلع هؤلاء الأيتام على من تعلم منهم، ثم إن الله تعالى يقول: أعيدوا على هؤلاء العلماء الكافلين للأيتام حتى تتموا لهم خلعهم، وتضعفوها لهم فيتم لهم ما كان لهم قبل أن يخلعوا عليهم، ويضاعف لهم، وكذلك من يليهم ممن خلع على من يليهم. وقالت فاطمة عليها السلام: يا أمة الله إن سلكة من تلك الخلع لأفضل مما طلعت عليه الشمس ألف ألف مرة وما فضل فإنه مشوب بالتنغيص والكدر. البحار ج2 ص3

هذا مقام الزهراء العلمي، أي أن علمها من الله تعالى، وقد فطمها وفصلها عن الجهل بالعلم، وقد تسامت بالعلم، وعلمها من الله يعني أن تعلم ما كان وما يكون وما لم يكن كما قالت عن نفسها (ع)..

العلم ميزان التفاضل

(قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ).

(يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ).

الإمام علي يقول (رأس الفضائل العلم). و (لا شرف كالعلم).

قال رسول الله (ص): (أكثر الناس قيمة أكثرهم علماً، وأقلّ الناس قيمة أقلّهم علماً).

العلم والخشية من الله

(وَمِنَ النَّاسِ وَالدَّوَابِّ وَالْأَنْعَامِ مُخْتَلِفٌ أَلْوَانُهُ كَذَلِكَ إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاء إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ غَفُورٌ) [فاطر: 28]

أطلبوا العلم

قال رسول الله (ص) (اطلبوا العلم ولو بالصين، فإن العلم فريضة على كل مسلم).

وقال الصادق (ع): (اطلبوا العلم ولو بخوض اللجج وشقّ المهج).

فعلينا أن لا نجعل العلم مرحلة من مراحل حياتنا، بل هو من المهد إلى اللحد، وعلينا أن نبذل كل ما في وسعنا لكي نواصل التعلم ونهتدي بهدى أهل البيت (ع)..

العمل في الميدان العلمي

لذلك فإننا ينبغي أن ننطلق في رحاب العلم ونتعلم، وأيضاً نعمل في سبيل إحياء العلم، فإن إحياء أمر أهل البيت (ع) الذين دعا الإمام الصادق (ع) لهم وقال (رحم الله من أحيى أمرنا) هم أولئك الذين ينشرون علوم أهل البيت (ع) في كافة ميادين الحياة، حيث قال (أن تتعلمون علومنا وتعلمونها الناس)..

· وهنا ملاحظة سائدة في المجتمع، نرى أن الخدمة في ميدان التنظيف في الحسينيات مثلاً يقبل عليها كل الناس لأنها مرتبطة بالإمام الحسين (ع) ولاشك أن لها قيمة كبيرة، إلا أننا نجد في المقابل البعض يستنكف عن العمل في نشر العلم في إحياء أمر أهل البيت (ع)، فلا يريد أن يوزع النشرات والكتب وماشابه من مواد ثقافية.. فتترك لصغار السن، بينما الكبار يتكدسون في حملات التنظيف.. كل ذلك لأن قيمة المعرفة والعلم تراجعت لدينا..

بينما المقامات التي حصل عليها أهل البيت (ع) هي من العلم، فهم معدنه.. وعندما نعمل في هذا السبيل فإننا ننشر ذلك العلم..

3/ فطمت وشيعتها ومحبيها عن النار

روى الطبري عن علي (ع) قال: (قال رسول الله (ص) لفاطمة: يافاطمة تدرين لم سميتِ فاطمة؟ قال علي (ع): يارسول الله لم سميت فاطمة؟ قال: لأن الله عز وجلّ قد فطمها وذريتها عن النار يوم القيامة).

وروي عن علي عن رسول الله (ص) قال: (إنما سميت ابنتي فاطمة لأن الله عز وجل فطمها ومن أحبها من النار).

وفي رواية (وفطمت أعداءها عن حبها) ـ حياة الصديقة فاطمة، ص 18 عن الكوكب الدري، ص127

شفاعة فاطمة

من الحقائق المهمة التي تنفتح لنا من فيض الإسم الشريف هي حقيقة الشفاعة ورفع درجات الأمل بالفوز بالجنة بفضلها سلام الله عليها، وهنا لابد أن نعي بعض النقاط:

1/ أن دخولنا الجنة ليس بسبب عملنا، لأن عمل المرء مهما يكن من كثرة فإنه يعتبر مقصّر في جنب الله تعالى، ولهذا لا ينبغي أن يصيبنا الغرور بأعمالنا، لكي لا تحبط..

2/ الشفاعة ليس معناها أن تترك العمل وتتواكل عليها، بل لابد أن تعقلها وتتوكل، فـ (ليس للإنسان إلا ما سعى)، ولكن معناها أننا نستطيع أن نتعافى ونصلح ما فات ونرمم الخطأ ونمسح الذنب دائماً بفضل وبركات أهل البيت (ع).. فإذا صار الإنسان مجداً وقاصدا الصلاح فإن الله يوفقه..

جاء في الحديث (إن شفاعتنا تنفع إلا أنكم تحجبونها بذنوبكم)..

قال تعالى: (سَوَاء عَلَيْهِمْ أَسْتَغْفَرْتَ لَهُمْ أَمْ لَمْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ لَن يَغْفِرَ اللَّهُ لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ) [المنافقون

فهناك مرحلة لا تنفع معها الشفاعة.. ونعوذ بالله منها، لهذا ينبغي أن يعيش الإنسان دائماً بين الخوف والرجاء..

لذلك ورد أنها (فطمت أعداءها عن حبها).. وهذه مسألة مهمة ودقيقة..

وهناك قصة تروى أن أحد المخالفين لأهل البيت (ع) رؤي يتناول وجبة الغداء في نهار شهر رمضان وعندما سئل عن السبب، قال بأنه لن يجيع نفسه ويعرف أنه من أهل النار، وهو غير مستعد للإيمان بالولاية لأن قلبه لا يقبل حب أهل البيت (ع) البتة..

وقد أرسل لي شخص رسالة، وهو موالي لأهل البيت (ع)، حيث قال أن ذنوبي ابعدتني عن مجالس إحياء أهل البيت حتى بت لا أشعر برغبة للحضور، وقد وصلت في نهاية المطاف إلى أن قلبي لا يقبل على ذكر أهل البيت (ع).. وقد علل ذلك بأنه قد يكون جان تلبسه.. ولكن الحقيقة أن الذنوب تفعل فعلها.. نعوذ بالله من ذلك..

(وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنفُسُهُمْ ظُلْماً وَعُلُوّاً فَانظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُفْسِدِينَ) [النمل: 14]

من خلال التدبر في هذه الآية الشريفة نعي أن هناك من يؤمن عقلاً بالحق، إلا أنه يكون جاحداً ومخالفاً، لأنه انتقل من مرحلة الفساد إلى مرحلة الإفساد، أي انتقلت ذنوبه من الطور الفردي إلى المجتمعي، فأصبح يظلم الناس ويشيع الفاحشة ويهدم المجتمع ويتجسس وما شابه ذلك..

معرفة فاطمة بالشفاعة

بعض يعرف السيدة فاطمة في الدنيا، فيتولاها وينال شفاعتها، وبعض يحرم هذه المعرفة، فلا يعرفها إلا في يوم القيامة، لأنها تقف على باب جهنم وتلتقط محبيها..

وجاء في رواية عن الرسول (ص): (أنها تقود مؤمنات أمتي إلى الجنة، فأيما امرأة صلت في اليوم والليلة خمس صلوات، وصامت شهر رمضان، وحجت بيت الله الحرام، وزكت مالها، وأطاعت زوجها، ووالت علياً بعدي، دخلت الجنة بشفاعة ابنتي فاطمة، وإنها لسيدة نساء العالمين).

لذلك فإن الإسم الشريف لفاطمة يفتح أمامنا باب الحصول على هذا الشرف العظيم.

ولابد أن نتعرف على الحب والمودة التي تكلم عنها القرآن الكريم (ذَلِكَ الَّذِي يُبَشِّرُ اللَّهُ عِبَادَهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ قُل لَّا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى وَمَن يَقْتَرِفْ حَسَنَةً نَّزِدْ لَهُ فِيهَا حُسْناً إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ شَكُورٌ [الشورى: 23]

4/ لأن الخلق فطموا عن معرفتها

عن أبي عبد الله (عليه السلام) أنه قال: (إنا أنزلناه في ليلة القدر) الليلة فاطمة والقدر الله فمن عرف فاطمة حق معرفتها فقد أدرك ليلة القدر، وإنما سميت فاطمة لان الخلق فطموا عن معرفتها. البحار ج43 ص65

روي عن الإمام الصادق (ع): (وهي الصديقة الكبرى، وعلى معرفتها دارت القرون الأولى.)

يبدو أن المقصود هو المعرفة الكاملة ومعرفة كنهها وحقيقتها، لأن عقولنا لا تبلغ إلى الكمالات التي وصلت إليها السيدة فاطمة.. نحن نعرفها كإنسية لها مواصفات ظهرت للعيان كما روى التاريخ بعضها، إلا أننا لا نعرف حقيقة كونها (حوراء) ولا حقيقة (النورانية). فهذه المواصفات تشير إلى أصل الخلق وإلى مقام سامق.. هذه غاية ما نعرفه.. لذلك جاء التشبيه بليلة القدر..

ولكن من جهة أخرى نحن يجب علينا أن نعرف الزهراء (ع) من جهة عرفان حقها ومستلزماته، ومعرفتنا بشخصها على قدر عقولنا على قدرها هي..

· وهنا لا ينبغي أن نستنقص من مقام الزهراء سلام الله عليها، كمن يقول أنها امرأة عادية، ونالت ما نالت لأنها بنت رسول الله (ص)..

· وكذا أهل السنة الذين فضلوا عليها بعض النساء، وهذا البخاري يروي عن النبي (أن فاطمة سيدة نساء أهل الجنة)، وهو الكتاب المقدس عندهم بعد القرآن. ويروي مسلم أنها سيدة نساء المؤمنات).. فهذا يعني أنها سيدة كل النساء من دون استثناء..

· إلا أنهم ظلموها لأنهم لم يذكروا لها من الفضائل كما يذكرون لغيرها، ولم ينقلوا عنها روايات عن أبيها وهي التي عاشت وجاهدت مع أبيها سنين عديدة وهي أقرب الناس إليه.. يذكر البخاري روايتين في فضلها، ويذكر مسلم ثمان روايات أغلبها مختلق.. (فالزيادة لأنها تطعن في علي وتأتي بروايات ادعاء خطبة الإمام علي لبنت أبي جهل والعياذ بالله)..

وفي نهاية المطاف.. إن اسم فاطمة يفيض علينا (التأسيس الصحيح (بالتوحيد).. والهداية في الحياة (بالعلم).. والفوز في الآخرة (بالحب والشفاعة).

* محاضرة القيت بمناسبة مولد فاطمة الزهراء (ع) في مأتم مدينة عيسى الكبير، وذلك ليلة السبت يوم المولد الشريف

www.mosawy.org

شبكة النبأ المعلوماتية- السبت 12/حزيران/2010 - 27/جمادى الآخرة/1431

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1431هـ  /  1999- 2010م