فلسطين قضية تتجدد

مرتضى بدر

سفن مسالمة تحمل على متنها أناسًا من مختلف الجنسيات والأديان والمذاهب والقوميات، جمعتهم المحبة والأخوة الإنسانية، فقرروا فعل الخير، وتقديم يد العون والمساعدة لإخوانهم المحاصرين في قطاع غزة. على متن سفن (أسطول الحرية) كانت هناك مشاهد إنسانية نبيلة وجميلة، القلوب كانت متجهة نحو الخالق المعبود، فئة كانت تصلي، وأخرى تدعو، وفئة كانت ترتل القرآن، وأخرى تقرأ الإنجيل، والجميع يبتهل إلى الله ليوفقهم للوصول إلى ساحل العزة والكرامة، فيلتقوا بأحبتهم الذين يتلهفون بشوقٍ لوصول أخوتهم في الدين والإنسانية، ويكسروا بذلك الحصار الجائر والظالم الذي طال أمده.

سفن الخير انطلقت من إسطنبول وقبرص، وأبحرت بعزم وثبات، ولكن في ظلمة الليل وفي عرض المياه الدولية باغتتها سفن الشرّ التابعة للقراصنة اليهود، فقتلت مجموعة وجرحت وأسرت مجموعة أخرى، وصادرت محتويات السفن من الأغذية والأدوية. معظم الدول استنكرت الجريمة الوحشية والقتل المتعمد لدعاة السلام والناشطين في المنظمات الإنسانية، الذين نذروا أنفسهم لإيصال المساعدات للمحاصرين في غزة.

وقد أرادوا من خلال تحريك أسطول الحرية إيصال رسالة واضحة للضمير العالمي بأن فلسطين قضية حية، وأنها تتجدد مهما طال العدوان والحصار والقمع والقرصنة، ورسالة أخرى إلى من يتشبّث بالمفاوضات مع العصابة المجرمة بقيادة (نتنياهو) مفادها: أن تمسككم بما يسمى “بعملية السلام” ما هي إلا محاولة بائسة لطمس القضية الفلسطينية، وأن هذه القضية ستبقى مشتعلة في الضمير الإنساني حتى وإن تخلى عنها بعض الأقربين، ويئس منها بعض اليائسين في النظام العربي الرسمي.

لقد شاءت الأقدار أن يسقط عدد من الأتراك شهداء في العملية الإجرامية الأخيرة لتختلط دماؤهم بدماء إخوانهم الفلسطينيين، ويزيد من غضب المسلمين الأتراك على الصهاينة المغتصبين. إن الدماء التي أُريقت ظلماً وعدوانًا على متن سفينة (مرمره) التركية سلطت الأضواء مجدداً على معاناة أهالي غزة بصفة خاصة، والقضية الفلسطينية بصفة عامة، وكشفت للرأي العام العالمي مدى وحشية هذا الكيان الغاصب. الإدانات العالمية ومسيرات التنديد والاستنكار التي جابت معظم مدن العالم فضحت “إسرائيل” سياسياً وإعلامياً، وأسقطت عنها قناع المظلومية التي كانت تتشدق بها منذ  قتل اليهود في أفران الغاز في عهد (هتلر). واتضح جليًا للعالم أن هذا الكيان ومنذ قيامه قد مارس إرهاب الدولة بشكل مفضوح، ونفذ أبشع أنواع الجرائم بحق الشعب الفلسطيني والتي لا تقل عن مذابح الـ “هولوكوست”.

عام 2010 يعتبر عامًا لفضائح الكيان الصهيوني، وعامًا للنكسات بامتياز، فقد سقط القناع عن وجه هذا الكيان وكشف مدى قبحه ووحشيته، فبعد فضح جريمته الإرهابية في قتل المبحوح في دبي، ومروراً بمطالبة الوكالة الدولية للطاقة الذرية ولأول مرة بفتح ملفها النووي، وانتهاءً بجريمته ضد أسطول الحرية، ناهيك عن الفضائح الأخلاقية والفساد لعدد من قياداته. كل هذه المشاهد والحقائق كشفت مدى ضعف وعجز هذا الكيان وتراجع دوره من ناحية، وتنامي وهج القضية الفلسطينية على الساحة الدولية من ناحية أخرى.

لقد خاب ظن الذين حاولوا ولا زالوا يحاولون طمس هذه القضية العادلة تحت شعار (سلام الشُجعان) أو (عملية السلام في الشرق الأوسط) وغيرها من المسميات. ويا ليت (عرب السلام) يعيدون النظر قليلاً في حساباتهم، ويقتدون بالموقف الشجاع للحكومة التركية التي وقفت في وجه العجرفة الصهيونية في المحافل الدولية، والتي تقف اليوم متضامنةً مع شعبها في دفاعه عن الشعب الفلسطيني. هذا التناغم الرسمي والشعبي في تركيا حول القضية الفلسطينية قليل ما نجد مثيلاً له في العالم العربي. فلماذا لا تثار الحكومات العربية غضباً كما تثار شعوبها؟ ولماذا تستمر الحكومات في العيش في وهم السلام، وشعوبها تعاني من وخز الضمير؟ ننتهز هذه الفرصة لنحيي موقف الحكومة الكويتية لموافقتها ضمنياً على توصية مجلس الأمة الداعية إلى الانسحاب من مبادرة السلام العربية.

القضية الفلسطينية، لأنها عادلة وإنسانية ستبقى حية ومشتعلة في الضمير الإنساني. باعتقادي، إن أصحاب الضمائر الحية من مختلف الأديان والقوميات والتوجّهات السياسية ستضع هذه القضية في صلب أولوياتها، وستعتبرها قضيتها الأولى، وستسعى لجعل شعلتها وهّاجة حتى إرجاع الحق إلى أصحابه.

شبكة النبأ المعلوماتية- الثلاثاء 8/حزيران/2010 - 23/جمادى الآخرة/1431

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1431هـ  /  1999- 2010م