المناخ السياسي المتأزم وتصاعد العنف

علي الطالقاني

في الوقت الذي يعاني فيه العراق من معادلات صعبة تسببت بأزمة سياسية معقدة حول تشكيل الحكومة، لازالت التنظيمات الإرهابية تكابر وتضاعف جهودها من أجل البقاء مؤثرة في الساحة العراقية بعد ان باتت تشكو من نقص كبير في الإمدادات البشرية والمادية في محاولة مستميتة لاستغلال الفجوة السياسية الكبيرة بين الفرقاء السياسيين.

ولاشك أن دور هذه التنظيمات أخذ بالضمور والتناقص بعد جهود حثيثة بذلتها لكي تضع بصمتها في تعويق التجربة الديمقراطية بالعراق، ولو أننا عدنا الى عام 2007 سنرى أن عدد الضحايا أكثر من 5480 وفي عام 2009 انخفض العدد الى 2058. أما في عام 2010 ولغاية تاريخ 30/3/2010 فقد أعلن مقتل 346 فقط.

وقد كشفت التحقيقات الأمنية مع أعضاء هذه التنظيمات والرسائل التي عثرت عليها القوات الأمنية عن حجم النقص الحاصل بين صفوف هذه التنظيمات من الانتحاريين ومنفذي الهجمات الانتحارية التي غالبا ما تستهدف الحلقات الضعف كالاسواق المفتوحة وما شابه. وقد عزى الخبراء بشؤون الإرهاب أسباب التراجع في حركة هذه التنظيمات الى إنسحاب القوات الامريكية من العراق أو شل حركتها داخل المدن.

كذلك ثمة تأزم بالأوضاع السياسية في اليمن وافغانستان وباكستان حيث تطلب ذلك إشغال هذه التنظيمات الإرهابية التابعة لتنظيم القاعدة عن توجهاتها وتركيزها على اهدافها في العراق وهذا ما توضح من خلال الهدوء النسبي في التصريحات التي غالبا ما يطلقها قادة القاعدة تجاه العراق. ولا ننسى دور القوات الأمنية العراقية في معرفة تكتيكات هذا التنظيم ودور المداهمات الاستباقية التي باتت تنفذها هذه القوات التي اصبحت مدربة بصورة جيدة على مثل هذه العمليات ذات الطابع التكتيكي المؤثر.

لكن الانقسامات الداخلية بين قادة الكتل السياسية والاحزاب مع بعضها والاخطاء التي تُرتكب من قبل هؤلاء المرتكبة من قبل قد تساهم في إستعادة التنظيمات الإرهابية لأنفاسها واتاحة الفرصة لها من أجل تنفيذ هجماتها بشكل واسع في العراق.

فالمشاحنات السياسية الحالية لا تزال تلعب دوراً كبيراً في إستقطاب العنف، لاسيما في ظل المناخ السياسي المتأزم راهنا، مما يُخشى ان تتطور هذه التقاطعات فتسهم في تحويل البلاد الى أشلاء مبعثرة خصوصا بعد مرور أكثر من ثلاثة أشهر على انتهاء الانتخابات التشريعية الاخيرة وفشل السياسيين في تشكيل الحكومة حتى الآن.

ان هذه الانقسامات تزعج العراقيين أكثر من العنف نفسه وان ضعف القيادات السياسية ساهم ايضا في تدهور الأوضاع بسبب تعامل السياسيين المخطئ مع نتائج الإنتخابات ومع ما قدمه الشعب من تضحيات مهمة في هذا المجال.

ويمكننا القول بأن قدرة السياسيين على إدارة العملية السياسية قد أُستنفذت وفقا للأطر الديمقراطية ضمن نطاق ما يسمى بالنخبة، لأن الإنقسامات الداخلية معقدة وعميقة، والمعارضة بقيادة رئيس القائمة العراقي أياد علاوي تسعى الى تغيير سياسي، أما رجال السلطة فهم من جهتهم يتخذون نهجاً سياسياً كلاسيكياً، وكلاهما (دولة القانون والقائمة العراقية) متشبثان كليا بتشكيل الحكومة من دون ترك هامش حقيقي للتنازلات التي تسهم في التسريع بتشكيل الحكومة الذي أصبح أمرا مقلقا للجميع.

ويتخوف الأثنان من أن حصول أي حزب من الأحزاب القوية على منصب رئيس الوزراء، يمكن أن يؤدي الى سيناريوهات مخيفة تتضمن ملاحقات قانونية أو عمليات اعتقال لأسباب عديدة تقع في المقدمة منها توقعات التحقيق في عمليات الفساد الاداري والعنف التي جرت في غضون السنوات الماضية..

في الوقت نفسه، تؤمن نخب معتدلة نسبياً بأن كلا الطرفين المعارضة والحكومة لم يكونا مؤهلين في إدارتهما للعملية السياسية، وإن أية تسوية يجب أن تتضمن استراتيجية لاحتواء الطرفين. ونظراً لطبيعة السياسة العراقية الفضفاضة، وعدم وجود أحزاب منظمة، ليست هناك عملية يمكن من خلالها التفاوض بين الاطراف المعنية للوصول إلى حل رسمي في وقت قريب ينطوي على توافقات يقبل بها الجميع.

لهذا فإن الأحداث في العراق تبدو وكأنها مرهونة بأمرين، أولهما ان تطمئن القوى السياسية بعضها الى البعض الآخر، وثانيهما، أن تنضّج نفسها وتجاربها سياسياً، مبتعدة عن انتهاك العملية الديمقراطية.

ويتوقف استقرار العراق على النخبة السياسية التي فازت بالانتخابات وإن تزايد الانقسامات الداخلية تجعل المهمة عسيرة أمام أي تقدم يمكن أن يحدث في هذا المجال. ويبدو من المرجّح في الوقت الحاضر أن تكون التنظيمات الإرهابية قادرة على استغلال الوضع المتأزم لتعزيز نفوذها واستعادة بعضا من قدراتها لمواصلة جهدها التعويقي للتجربة العراقية.

ولكن في حالة قدرة الحكومة على تحييد الانقسامات وإيصالها الى المستوى الادنى، فإن مسألة تحقق التقدم واردة في رسم الخارطة السياسية التي سيتم من خلالها دحر الإرهاب.

لذا ينبغي ان تكون هناك استراتيجية واضحة المعالم والخطوط تتضمن حربا مستمرة وبلا هوادة على التنظيمات الإرهابية وحلفائها، وتوجيه إنذار جدي للدول المصدرة للإرهاب عبر توفير المعلومات والوثائق الدامغة للدول المؤثرة عالميا -لاسيما الولايات المتحدة والغرب على وجه الخصوص- كون هذه الجهات تعمل على مكافحة الإرهاب، وذلك من أجل إدانتها دوليا، والسعي الجاد من أجل تحقيق السلام والتفاهم والوئام بين القادة العراقيين أنفسهم وبين العراق وجواره من الدول والحكومات الاقليمية المؤثرة في الوضع السياسي العراقي الجديد.

شبكة النبأ المعلوماتية- الأحد 6/حزيران/2010 - 21/جمادى الآخرة/1431

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1431هـ  /  1999- 2010م