إشكالات... عند المفكر محمد جابر الأنصاري

مرتضى بدر

في محاضرةٍ أعدتها اللجنة الثقافية في كلية الآداب بجامعة البحرين (الشهر الماضي) بعنوان إشكالات الفكر العربي المعاصر، طرح المفكر البحريني الدكتور محمد جابر الأنصاري أربعة إشكالات يعاني منها الفكر العربي، وهي: العقل والإيمان، الدين والدولة، النظرة إلى الغرب، والقومية واللاقومية.

المحاضر في الإشكالية الأولى، وصف العلاقة بين العقل والإيمان بالأزلية. في الواقع، هذه الإشكالية ترجعنا إلى الجدلية القديمة الجديدة حول حجية العقل والنقل في الفكر الإسلامي، وقد أدت هذه الجدلية إلى بروز مدارس فقهية، كالسلفية والعقلية (الاجتهاد والقياس) عند السنة، والأصولية والإخبارية عند الشيعة، فضلا عن المدارس الصوفية التي لا ترى في حجية العقل والنقل وسيلةً كافيةً للوصول إلى حقيقة النور الإلهي، بل ترى في (الكشف، والذوق، والإلهام) حجية أقوى من العقل والنقل.

الفكر الإسلامي تأثر بمدارس فلسفية عديدة، وأدى ذلك إلى بروز اتجاهات فكرية كالحداثية والإصلاحية اللتين ترجّحان كفة العقل على النقل، من دون أن تسقطا حجية النقل بصورة تامة.

الدكتور الأنصاري في معرض حديثه عن إشكالية العقل والإيمان يقول: “إن لكل واحد منهما حدوده، ويقف عاجزاً عند نقطة معينة تحول دون الوصل”. وأضاف: “فلا العقل يستطيع مجاراة الإيمان في كل شيء، والعكس بالعكس”. وذكر في معرض حديثه عن الفيلسوف الألماني (كانت) الذي كتب كتابين في العقل، والذي استنتج أن العقل الحديث بقى محايدًا.. فلا يستطيع أن يحسم أمره بين الإيمان وعدم الإيمان، وقال (كانت): “لابد من وجود عقل أخلاقي، أي وجود عقلٍ يستند إلى مبررات أخلاقية”، لكن الأنصاري يعلق على استنتاج (كانت) فيقول: “إنه ليس عقلاً، بل هو قيم إيمانية ووجدان صوفي”. الأنصاري تطرق إلى مفهومين للإسلام انطلاقاً من مفهومي الشريعة والفقه، وهو الإسلام الإلهي والإسلام التاريخي، كأحد المداخل للوقوف على المسألة المطروحة. وقال في هذا الصدد: “الإسلام التاريخي هو نتاج فقهاء كانت لهم اجتهاداتهم، وهي مجرد اجتهادات لا أكثر ولا أقل، وإن الشريعة من عند الله، والفقه بشري، فيه مادة صحيحة وأخرى تعكس بيئة العصر وضرورة العصر، وهذا دليل واضح على أن هناك تمييزاً بين الإسلام الإلهي، والإسلام التاريخي”، وقد اعتبر الأنصاري هذا الفارق إشكاليةً.

الحديث عن الإشكالية حول العقل والإيمان قد يجرنا إلى البحث حول التراث والحداثة في الإسلام، وهو الباب الذي تطرق إليه، وتعمّق فيه العديد من المفكرين المعاصرين. هناك من يعترض على وصف التمايز بين العقل والإيمان، وينتقد إعطاء تسميات متعددة للإسلام، كما ذهب إليه الأنصاري وغيره من المفكرين والكتّاب الحداثويين في ترديدهم لتسمياتٍ عديدة كالإسلام السياسي، والإسلام الوسطي، والإسلام الثوري والأصولي والحداثي.. وغيرها من التسميات، ويؤكدون أن الإسلام واحد، فلا يوجد إسلامان، حتى وإن اختلف الفقهاء والمجتهدون وأتباع المذاهب الإسلامية.

نعم، هناك من يرى في التاريخ أنه الدين، وهذا بالطبع يُعْتَبر إشكالية وقعت فيها شريحة كبيرة من أبناء الأمة. وهذا ما دعا العديد من العلماء والفقهاء والفلاسفة والمفكرين إلى وضع التاريخ الإسلامي على طاولة المشرحة بهدف التنقيح والتصحيح ورفع الالتباس.

وهناك من المفكرين العرب من قدم أطروحات قيمة في نقد العقل العربي، كالمفكر المغربي محمد عابد الجابري، ومفكرنا البحريني محمد جابر الأنصاري. علماء المنطق والكلام وعلم اللاهوت ذهبوا للبحث في قضايا ومفاهيم فكرية ومعرفية أكثر عمقاً، فظهرت نظريات عديدة كنظرية القبض والبسط، والنظرية التفكيكية، وغيرها من النظريات والمفاهيم الفلسفية.

وتبقى الساحة الإسلامية زاخرة بالأفكار والنظريات والآراء، إلا أن الجديد في الساحة اليوم هو وجود قلّةٍ قليلةٍ ترى في نفسها أنّها - وحدها - من تملك الحق المطلق، على عكس العصور السالفة، التي كانت بسببها تُقطَّع الرقاب وتُسال الدماء.. فقط لمجرد رأيٍ أبداه عالم أو مفكر أو ناقد.

شبكة النبأ المعلوماتية- الاثنين 31/أيار/2010 - 15/جمادى الآخرة/1431

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1431هـ  /  1999- 2010م