دبلوماسية السجادة النووية

مرتضى بدر

السياسة بتشعباتها أصبحت علمًا بذاته تدرس اليوم في معظم الجامعات في العالم. الفلاسفة والمفكرون الغربيون هم أول من وضعوا نظريات وأسس ومبادئ علم السياسة. الدبلوماسية تعتبر فرعًا من فروع السياسة، وهي في الأساس نوع من اللباقة الرسمية التي كانت سائدة في بلاط ملوك الغرب، وعادة ما تستخدم في الحوار والتفاوض بين الممثلين والمفوضين الرسميين من قبل دولتين صديقتين أو متخاصمتين.

للدبلوماسية لغة وفن وأداة، وقد اصطبغت بمصطلحات عديدة، منها على سبيل المثال: دبلوماسية العصا والجزرة، والدبلوماسية الناعمة، ودبلوماسية القوة، والدبلوماسية المباشرة، ودبلوماسية الكواليس، ولكن هناك مصطلح جديد دخل اليوم قاموس السياسة بعد سنوات من الشدّ والجذب بين الغرب وجمهورية إيران الإسلامية حول ملفها النووي، هذا المصطلح الجديد يعُرف اليوم (بدبلوماسية السجادة النووية).

هذا النوع من الدبلوماسية تعتبر أداة من أدوات الصراع السياسي بين الغرب، الذي يسعى للهيمنة على مصادر الطاقة والعلوم والتقنية الحديثة، وبين الدول التي تسعى إلى كسر طوق الحصار، والخروج من التبعية السياسية والاقتصادية للغرب.

 ومن المعروف أن الحراك الدبلوماسي تدخل في مفاصله الكثير من عمليات المكر والخديعة والمراوغة، وأساليب القوة، والحرب النفسية، والأنشطة الاستخباراتية، والدعاية الإعلامية، والحوارات الهادئة، وأحياناً الصاخبة والمليئة بالضوضاء، وطبعاً المنتصر هو من يتقن فن اللعبة.

ومن إحدى فنون المعركة الدبلوماسية هو كيف تحشر خصمك في زاويةٍ حرجةٍ، وتلتفّ عليه كما يلتف ثعبان (الكوبرا) حول عنق فريسته، من دون حاجة لإطلاق رصاصةٍ واحدةٍ أو إسالة قطرة دم.

الدول الغربية استطاعت تسييس الملف النووي الإيراني وإخراجه من الوكالة الدولية للطاقة الذرية، وعرضه على مجلس الأمن، وتمكنت من إصدار ثلاثة قرارات جٌلّها عقوبات؛ بغرض إجبار إيران على وقف التخصيب. ومنذ ذلك الحين بدأت المعركة الدبلوماسية، والمفاوضات الماراثونية بين وفود إيران والوفد الغربي برئاسة (خافيير سولانا) المنسق الأعلى للسياسة الخارجية للاتحاد الأوروبي، ومن ثم تحولت المفاوضات بينها والدول (5+1) في جنيف في أكتوبر من العام الماضي.

تلك الزيارات المكوكية والمحادثات الشاقة لم تلبِّ رغبات الغربيين، فهدد بطرح الملف على مجلس الأمن مجدداً إذا لم توقف إيران برنامجها النووي. وقبل طرح الملف على مجلس الأمن، نشطت دبلوماسية الساعة الأخيرة التي أتقنها الإيرانيون بدقة، وأسفرت عن اتفاق بينها وبين تركيا والبرازيل، والذي ينص على إرسال طهران 1200 كيلوغرام من اليورانيوم منخفض التخصيب إلى أنقرة مقابل حصولها على وقود نووي لاستخدامه في مفاعل الأبحاث في طهران. هذا الاتفاق أحرج الغرب وحيرّ الكثيرين، وأثار غضب الكيان الصهيوني.

عبد الرحمن الراشد الكاتب بصحيفة (الشرق الأوسط) كتب مقالاً بعنوان (إيران التي دوّخت أوباما) يقول فيه: “لقد جاءت الحيلة الإيرانية في وقتها الذكي تمامًا، فأربكت الأميركيين الذين حاولوا تطويقها بالاستعجال في رفضها، والتأكيد على استمرارهم في مشروع العقوبات الدولي الذي تنفيذه أصعب اليوم وأبعد من الأسبوع الماضي”.

 أما رئيس الوزراء التركي (رجب طيب أردوغان) الذي شكك في مصداقية الدول الدائمة العضوية في مجلس الأمن فقد خاطبها قائلاً: “أين مصداقيتكم؟ فإذا كان لديكم أسلحة نووية فلماذا تطالبون الدول الأخرى بألا يكون لديها هذه الأسلحة؟ “، ودعا المجتمع الدولي إلى دعم الاتفاق الأخير باسم السلام العالمي، وأضاف: “علينا الكف عن التحدث عن عقوبات”.

وفي يوم إعلان الاتفاق قال الرئيس البرازيلي (لولا داسيلفا): “إن الاتفاق يعتبر انتصارًا للدبلوماسية”، وأما (عمرو موسى) الأمين العام للجامعة العربية فقال: “إن اتفاق تبادل اليورانيوم هام جداً، ويعتبر اختراق دبلوماسي مهم”. فبين الانتصار للدبلوماسية والاختراق الدبلوماسي تتجلى قوة المناورة الدبلوماسية، خاصة في اللحظة الأخيرة.

باعتقادي، وإن نجحت الدول الغربية في إصدار قرارٍ جديدٍ، فلن يكون للقرار أي طعم أو رائحة. وإذا كانت هذه الدول تطالب اليوم بضرورة العودة إلى الوكالة الذرية، فهذا يعتبر إنجازاً آخراً للدبلوماسية الإيرانية التي كانت تطالب أصلاً برفع الدول الغربية يدها عن هذا الملف، وضرورة التوافق بينها وبين الوكالة من دون أية إملاءات من الآخرين.

حسب تقديري، إن دبلوماسية التفاوض على الطريقة الإيرانية التي اتسمت بالنفس الطويل قد تفتح شهية طلاب العلوم السياسية في مختلف الجامعات؛ فالباحثون الأكاديميون سيجدون كيف كان المفاوض الإيراني يتعامل مع المفاوض الغربي على طريقة تعامل الأنامل الناعمة الإيرانية أثناء حياكتها للسجاد.

شبكة النبأ المعلوماتية- الأربعاء 26/أيار/2010 - 12/جمادى الآخرة/1431

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1431هـ  /  1999- 2010م