المدرسة الشيرازية أحد أهم أركان الحركة الإسلامية الشيعية العلمية

السيد محمد رضا الشيرازي خط ناجح في مسيرة الحركة الشيرازية

محمود الربيعي

في الستينيات وبعد قراءتي لبعض إصدارات السيد محمد مهدي الشيرازي قدس سره الشريف شدني الإنتباه الى نشاط الحركة الشيرازية، وأصبحت من المهتمين بقراءة أو إستقراء تلك الحركة ونشاطها الخاص وقد جاء ذلك بفعل التتبع العام للنشاط الإسلامي الحركي على وجه العموم ونشاط الحركة الإسلامية الشيعية على وجه الخصوص لابدوافع طائفية وإنما من منطلقات عقائدية تتفق والمبادئ التي أؤمن بها وقناعاتي بمدرسة أهل البيت التي نشأت وترعرت على أساسها وبحثي المستمر عن الحقيقة الثابتة وهي في نظري الطريق الأثنا عشري والمسمى بالمذهب الجعفري.

ومن النظرة العامة لطبيعة المدرسة الشيرازية فإني وجدت أنها تتميز بالطابع الروحي والشعبي المنفتح على الجماهير ويعمل على نشر الثقافة الإسلامية التي تؤمن بالطابع السلمي وقابلية التعايش والأنفتاح مع الآخرين وكما يهتم بالبيت الشيعي وخصوصياته الخاصة فيما يتعلق بالشعائر الحسينية.

ومن المشهور والمعروف أن العائلة الشيرازية تتمتع بالروحانية والسمات الأخلاقية الرفيعة والتي من مظاهرها التواضع والهدوء والوقار والسماحة التي قل نظيرها كخصال عند كثير من الناس وتلك خصال موروثة من جينات هاشمية محمدية فاطمية علوية حسينية.

وعندما كنت في اليمن التي قضيت فيها ثمان سنوات كنت أقرأ وأطالع الكتب الفكرية والثقافية وصادف أن أطلعت على سيرة حياة المرجع الكبير السيد محمد مهدي الشيرازي وأسماء مؤلفاته العديدة التي قاربت الألف أو الأكثر دلت على الجهد الكبير الذي بذله هذا الرجل المجاهد القائد، وقد وجدت أثر هذا الرجل في قلوب اليمنيين والعراقيين الذين يعيشون في اليمن والذين يعملون كمدرسين أو أطباء متعاقدين بسبب هروبهم من ضغط النظام الدكتاتوري البعثي الظالم الذي قام بعملية قتل وإغتيال الشهيد السيد حسن الشيرازي قدس سره الشريف.

والكلام عن هذه الأسرة لايتسع له المجال ولقد وجدت أن من واجبي تسليط الضوء على ذلك التأريخ المجيد لهذه العائلة الشريفة القائدة، ومايناسبها من الذكر لإحياء نفحاتها وفيوضاتها التي قدمت خدمات جليلة للحركة الإسلامية.

وتعتبر مدينة كربلاء قبلة قلوب المحبين للمدرسة الشيرازية التي كانت تتخذ من مدينة الإمام الحسين عليه السلام مقراً لها للقيام بالنشاط الفكري والثقافي والجهادي وتعبئة الجماهير المؤمنة لفهم الإسلام المتمثل بالعترة الطاهرة من آل الرسول صلى الله عليه وآله وسلم والتركيز على مظلومية فاطمة الزهراء عليها السلام وإبنها الإمام الحسين المظلوم عليه السلام.

ورغم أنني إبتدأت تقليدي بشكل مبكر للسيد محمد محسن الحكيم طاب ثراه والإنتقال بعد وفاته الى تقليد السيد أبو القاسم الموسوي الخوئي ثم السيد عبد الأعلى السبزواري قدس سرهم الشريف جميعاً وأخيراً تقليد السيد علي الحسيني السيستاني إلا أن التأثير العام لبقية المراجع حاضر في النفوس ومنه تأثير السيد محمد مهدي الشيرازي وينبغي هنا أن نقول الى أن هذه العقود الخمسة الأخيرة علمتنا أن التقليد لمرجع لايعني الإنقطاع عن بقية المجتهدين ولربما كان التلاقي الحياتي والميداني مع الخط الشيرازي أكثر من اللقاء مع بقية الخطوط لما يتمتع به هذا الخط من الانفتاح والحلم والعلم والأخلاق والحركة والنشاط الشعبي مما جعل القلوب المؤمنة تهوى إليهم وتسعد بهم وتعمل معهم.

وكان من ضمن الشخصيات التي تعرفنا عليها سماحة السيد مرتضى الشيرازي الذي وجدت فيه النسخة الفاضلة بين نسخ الشخصيات الشيرازية الشريفة التي تتمتع بالعلم والحلم والهيبة والأخلاق وروح الإدارة والقيادة والعمل في أوساط العلماء والجماهير الشعبية وإمكانيات الخطابة والحركة والتنقل لخدمة الإسلام والمسلمين ومايتمتع به من النظرة الواقعية والميدانية المتفردة التي قل نظيرها عند الكثير من الناشطين.

وفي لندن كان لنا شرف اللقاء بالمدرسة الشيرازية من خلال نشاطها الكبير في حسينية الرسول الأعظم وفي الحسينية الكربلائية واللقاء بالشخصيات الشيرازية كشخصية السيد مرتضى الشيرازي حفظه الله الذي كان أثناء تواجده في بريطانيا يعمل على إحياء النشاط الديني حيث كان نشاطه يتركز في الدعوة الى الإسلام إعتماداً على ثقافة الحوار والتعايش السلمي ونبذ العنف، وقد أسس بنفسه رابطة علماء المسلمين ضد الإرهاب التي أشرفت على عقد المؤتمر الإسلامي في لندن وحضره جمع غفير من العلماء والمثقفين والأدباء والجالية العراقية المسلمة في بريطانيا كما شاركت شخصيات أخرى من عدة دول إسلامية وعربية وأوروبية، وكان لي شرف المشاركة في إدارة ندوة المؤتمر مع سماحة الشيخ الربيعي البصري وأستغرق المؤتمر يوماً كاملاً بفترتيه الصباحية والمسائية.

وأما الحديث عن الحاضر فهناك قمة شامخة متمثلة بالقيادة المرجعية متمثلة بروح المرجع الكبير السيد محمد صادق الشيرازي أدام ظله الشريف الذي أطلعت على كتاب فتاواه واعتمدته ضمن ما اعتمدت عليه من الكتب والمصادر في بحثي الخاص عن توحيد آراء المسلمين في "رؤية الهلال ووحدة المسلمين" والإستئناس برأيه الرشيد، ولقد رأيت من خلال مايقدم له من محاضرات على شاشة التلفزيون في قناتي الأنوار والزهراء والأقراص المدمجة التي تحكي علمه وتعطيك صورة حقيقية عن دماثة خلقه ورقي معارفه.

كما ليس من المغالاة إذا قلت أن النظر الى وجوه هذه الشخصيات العلمية الشيرازية هو وجه من وجوه العبادة وهو نظر الى وجه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم الذي يمثلونه في حركاتهم وسكناتهم ونشاطهم الديني والحركي.

ومن الجدير بالذكر أن نسلط الضوء على شخصية مهمة تركت بصماتها الروحية في نفوس المؤمنين قبل رحيلها عن دار الدنيا وهي شخصية السيد محمد رضا الشيرازي الذي ظهر فجأة ومات فجأة.. ظهر ليلتقي بالجماهير من خلال الفضائيات الدينية المشهورة ويتحدث معها وينورها بفكره.. وكم كان الناس سعداء كل يوم وهم يلقونه ويستمدون من علمه ومعارفه وأخلاقه فلقد بذل جهده المتميز لنشر العلوم الربانية المتعلقة بالفكر والثقافة والعلوم والفقه والأخلاق وغير ها من الأبواب، ولقد تفوجئنا بخبر وفاته رضوان الله تعالى عليه في ظروف غامضة لم تتضح تماماً فكان ظهوره فجأة ووفاته مفاجئة مما جعل الكثير يتسائلون عن حقيقة النبأ وأسراره الخفية إذ أنه لم يكن طاعناً في السن ولامريضاً ولم يكن يشكو من أية علّة تذكر، ولقد رحل هذا العالم الجليل بعد أن ترك ورائه الملايين من المحبين وذكرى لاتنسى وأذكر كيف أن تلك الملايين شيعته في أثر حزين وعلى كل حال فلقد لبى هذا الرجل نداء ربه، ونفسه مطمئنة راضية مرضية.

شبكة النبأ المعلوماتية- السبت 22/أيار/2010 - 6/جمادى الآخرة/1431

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1431هـ  /  1999- 2010م