شفافية الإنتخابات البريطانية أمام عقد ومشاكل الإنتخابات في العراق

تشابه في تركيبة الشعبين وفي نتائج الإنتخابات الحزبية

محمود الربيعي

على الرغم من تشابه إفرازات الحالة الإنتخابية لكل من بريطانيا والعراق إلاّ أن الحالة البريطانية وبسبب تمتعها بالثقافة الديمقراطية والإنتخابية تمكنت وبفضل حسن تصرف مثقفيها المشاركين في الأحزاب المتنافسة من القيام بالواجبات والمسؤوليات الوطنية والدستورية من أجل خدمة البلد وسد الفراغ السياسي مع فسح المجال للبرامج الإنتخابية التي تخدم المجتمع البريطاني حيث يسعى كل فريق سياسي الى هدف تشجيع البرنامج الناجح ومن ثم يشارك في الحكم والسلطة بشكل غير مباشر من خلال البرنامج لامن خلال السلطة وترك السلطة لمن يمكنه تحقيق البرنامج المطلوب.

وبودنا أن نشير الى أنَّ كلا الشعبين البريطاني والعراقي يحملان نفس الخصائص والمكونات إن لم يكن الشعب البريطاني أكثر تعقيداً، فالشعب البريطاني ذو تركيبة دينية وطائفية وعنصرية معقدة جداً ففيه اليهود والنصارى والمسلمين والبوذييين وفيه البروتستانتي والكاثوليكي والأرثودوكس وسائر الطوائف اليهودية والإسلامية والمسيحية الأخرى، وفيه الهنود والعرب والأفغان والإيرانيين والباكستانيين والأتراك والصينيين واليابانيين والأفارقة، وفيهم الأبيض والأسود والأسمر بل وكافة الأعراق والأديان والطوائف والقوميات وهم يحملون الجنسية البريطانية ورغم كل هذا الإختلاف والتنوع إلا أن الثقافة الديمقراطية وحرية الإنتخابات ونزاهتها على أعلى وأرقى المستويات إذ أن البرنامج الحزبي الذي يخدم البلد هو الذي يحكم الحالة وليس الأفراد.

فقد أفرزت نتائج الإنتخابات حصول الأحزاب الثلاثة الرئيسية وهي كل من حزب المحافظين وحزب العمال على نسب متقاربة في حين حصل الحزب الديمقراطي الليبرالي على عدد أصوات بشكل أقل ولم يفز أحد من هذه الأحزاب بالأغلبية المطلقة، وبحسب هذه النتائج ينبغي أن يتفق الحزب الفائز مع أحد الحزبين الآخرين ليشكل الحكومة، وعلى إعتبار أن أحد الحزبين رفض رئيس الوزراء السابق إنسحب الأخير من الترشيح للرئاسة لأجل فسح المجال أمام حزبه المشارك وإعطائه فرصة تنفيذ البرنامج السياسي، وأتجه حزب المحافظين للإتفاق مع الحزب الديمقراطي الليبرالي نحو تكوين حكومة جديدية إنتهت بتسليم الملف الى حزب المحافظين لغرض تشكيل تلك الحكومة .

إن الديمقراطية في بريطانيا ديمقراطية حقيقية تتماشى مع روح الحضارة لأنها تتعامل مع المشروع الديمقراطي ولأجل تحقيق طموحات الشعب البريطاني وحل مشاكله العالقة دون تهديد أو نسف للعملية الديمقراطية وماأفرزته الإنتخابات من نتائج هي في الحقيقة تعبر عن أصوات الناخبين والتي ينبغي إحترامها ورعايتها.

ومن المفاجآت المهمة التي أفرزتها الإنتخابات البريطانية نجاح أربع أو خمس نواب عرب منهم إثنين عراقيين وآخرين لبنانيين وهي حالة تكاد تنعدم في أغلب شعوب منطقة الشرق الأوسط إن لم يكن فيها كلها.

لقد أجريت الإنتخابات البريطانية في اليوم السادس من مايو ( مايس ) وأعلنت النتائج في اليوم الثاني مباشرة، وأما إستقالة رئيس الوزراء فقد تمت خلال فترة قياسية لأجل فسح المجال أمام حزب المحافظين للتحالف وتنفيذ البرنامج الحزبي الوطني، وتقبل الخسارة بروح رياضية ولأجل تنفيذ عملية التبادل السلمي للسلطة بينما أختار حزب العمال لأن يكون في المعارضة وفق خيارات العملية الديمقراطية والإنتخابية.

إن عملية تبادل الحكومة القديمة بالجديدة يمكن أن يتم خلال فترة وجيزة من بعد إعلان النتائج، وإن أمر تشكيل الحكومة يعتمد على تقريب الآراء ووجهات النظر لاعلى أساس إطلاق التهديدات والتحريض على العنف والتدخل الخارجي.

إن الحزب الصغير في الديمقراطية الحقة لايطلب دوراً قيادياً لحكومة مفروضة وإنما يطالب بتنفيذ مشروعه السياسي وعلى هذا الأساس يُؤْثِر السياسي الناجح التنازل عن طموحاته الشخصية أو الحزبية، ويفضل الإستقالة لأجل فسح مجال لتفاوض الأحزاب التي حصلت على نتائج متقدمة في مقابل تنازلات تقدم مصلحة البلد وتعتبر هذا السلوك فوق مصلحة تلك الأحزاب.

لقد خلت الساحة السياسية البريطانية من أي نوع من التهديد في الوقت الذي أطلقت فيه بعض الكتل في العراق تهديداتها ولَوَّحَتْ بعِصيِّ العنف والعصيان بينما أحترمت أخرى ماأفرزته الإنتخابات دون أن يصدر منها تهديد أو وعيد.

إن المؤسسات الحزبية في بريطانيا تعمل من أجل البرنامج السياسي للبلد ولاتعمل من أجل السلطة وعلى هذا الأساس فنحن ندعو إخواننا السياسيين العراقيين إلى مايلي:

أولاً: ترك التنافس على السلطة مع تركيز العمل بالإتجاه الذي يؤدي الى إنجاح البرنامج السياسي بالإتجاه الذي يؤدي إلى حل مشاكل البلد.

ثانياً: أن يكون البرنامج السياسي والمشروع الوطني فوق مصلحة الأشخاص والأحزاب.

ثالثاً: أن نتعلم الدرس الديمقراطي والإنتخابي الذي جرى في بريطانيا مؤخراً بشكل حضاري والعمل من أجل تعزيز الثقافة الديمقراطية والإنتخابية لدى السياسيين وتمكينها في نفوسهم فضلاً عن الأحزاب السياسية.

رابعاً: تعزيز ثقافة الإستقالة وتغليب المصالح العليا للبلد وإيثارها على المصالح الشخصية والحزبية.

خامساً: العمل على إنجاز عملية الإنتخابات بأسرع وقت ممكن، والسعي لحوارات سريعة وحثيثة وبناءة.

سادساً: أن نتعلم إحترام الأصوات الصغيرة.

سابعاً: أن تتنازل الأحزاب الكبيرة عن مصالحها الضيقة لأجل مصلحة البلد العليا.

نتمنى للعراق والعراقيين أياماً مشرقة بالأمل والتفائل بالخير، وفق الله المخلصين ودعاة الإصلاح لما فيه مصلحة البلد.

شبكة النبأ المعلوماتية- الأربعاء 19/أيار/2010 - 4/جمادى الآخرة/1431

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1431هـ  /  1999- 2010م