سياسة خلق الذرائع

مرتضى بدر

عادةً ما نسمع عن أخبار مُلفّقة، وقرارات مُعلّبة جاهزة، وأحكام مُسبقة، وفبركات إعلامية بغرض التأثير في الرأي العام تمهيداً لتنفيذ خطةٍ قد أُعِدّت سلفاً بغية تحقيق هدفٍ معين. في عالم السياسة يُسمّى هذا النوع من عمليات الكذب والخداع والتضليل بسياسة خلق الذرائع.

في القرن الماضي اشتهر الزعيم النازي (أدولف هتلر) في أسلوب خلق الذرائع بغية تحقيق مآربه، وقد اتبعت العصابات الصهيونية هذه السياسة وأبدعت فيها، مستخدمةً كل الوسائل الدبلوماسية والإعلامية في إبراز (مظلومية) الشعب اليهودي، وضرورة إيجاد دولة لهم في الأرض المقدسة. وتحت ذريعة (أرضٌ بلا شعب لشعبٍ بلا أرض) اجتاحت جحافل الصهاينة من مختلف البلدان الأوروبية إلى فلسطين، فشرّدت أهلها، واحتلت مدنها وقراها.

في القرن الحالي ومع استلام (جورج بوش- الابن) السلطة، أصبحت الولايات المتحدة الرائدة في صناعة الذرائع. لو نرجع إلى الحوادث الواقعة ابتداءً من العام 2000 والى اليوم، لوجدنا كيف مهّدت سياسة خلق الذرائع في إيجاد الحروب والأزمات، وكيف ساهمت في إيجاد أزماتٍ داخليةٍ في بعض البلدان. وبالطبع، وكما أشرنا فإنّ الولايات المتحدة كانت سبّاقةً في تنفيذ هذه السياسة، وقد دخلت إدارة (جورج بوش) التاريخ بسبب اتباعها سياسة الكذب والخداع، وتضليل الرأي العام الأميركي والعالمي.

والأمثلة في ذلك كثيرة، منها تأليب الرأي العام حول امتلاك نظام (صدام حسين) أسلحة الدمار الشامل، وتضخيم خطر الأسلحة الكيماوية. وقد اشتغلت الماكينة الإعلامية الأميركية والإسرائيلية على مدار الساعة في توجيه الرأي العام، حتى قامت الحرب على النظام وجيشه، وأدّت إلى سقوطه، وسببت تدميرًا كليًا للبنية التحتية للعراق من دون أن يجدوا ملليغراماً من تلك الأسلحة!! فدوائر صنع القرار الأميركي التي مهدت للحرب من خلال صنعها للذرائع، وبعد أن فشلت في إقناع الرأي العام الأميركي والعالمي، أخذت ترمي بالمسؤولية على التقارير الاستخباراتية.

ومثالٌ آخر على سياسة خلق الذرائع هو أزمة دارفور... هذه المنطقة التي جذبت اهتمام الأميركيين والبريطانيين والفرنسيين منذ السبعينيات من القرن الماضي؛ وذلك بسبب ما تحتويه أراضيها من معادن ثمينة. فقد سعت الدول الثلاث في خلق أزمةٍ إنسانيةٍ؛ وذلك تمهيداً للتدخل الدولي. وبالفعل، وتحت الضغط النفسي والإعلامي من قبل الدول الثلاث صدر قرار 1769 عام 2007 من مجلس الأمن، وكان هذا أول تدخّلٍ دوليٍ في شأنٍ داخليٍ لدولةٍ مستقلةٍ ذات سيادة تحت ذريعةٍ إنسانيةٍ.

إنّ مطامع الدول الكبرى تذكرنا بالجملة المشهورة لمنظّر السياسة الخارجية الأميركية الأسبق (هنري كيسنجر) حين كشف عن مفهومه للأمن القومي قائلاً: “حدود الأمن القومي الأميركي تحدّده آبار النفط حيثما وجدت”.

اليوم نجد سياسة خلق الذرائع تُطْبَخ في مطابخ تل أبيب وباريس ولندن وواشنطن ضد إيران وسوريا وحزب الله وحماس والجهاد الإسلامي، وأخذ الإعلام المضلّل يمهّد الرأي العام العالمي لمؤامرةٍ جديدةٍ على الدول والقوى المقاومة، فتارةً بتضخيم الملف النووي الإيراني والصواريخ التي تمتلكها هذه الدولة، وتارةً أخرى من خلال التحرش بسوريا واتهامها بتزويد حزب الله بصواريخ (سكود)، وفجأةً نسمع فبركةً إعلاميةً مضحكةً تدعي قدرة إيران على تطوير صاروخٍ عابرٍ للقارات قد يصل مداه إلى الأراضي الأميركية بحلول عام 2015، في حال إذا ما استمرت هذه الدولة في تطوير برامجها الصاروخية. وهكذا تتمّ دوماً تعبئة الرأي العام وتضليله قبل تنفيذ أيّة مؤامرة. إننا لو نقرأ مانشيتات معظم الصحف الغربية، وعناوين أخبار قنواتها الفضائية، نجد معظمها تصب في عملية خلق الذرائع، تمهيداً لحدثٍ ما.

المطبخ الإعلامي الذي يشترك فيه خبراء من أميركا وإسرائيل وفرنسا وبريطانيا يوجّه الرأي العام إلى خطر البرنامج النووي والصاروخي الإيراني دون الحديث عن الترسانة النووية الإسرائيلية، وعن تزويد حزب الله بالصواريخ دون الحديث عن خطة تهجير آلاف الفلسطينيين من الضفة، وتهديد سوريا بإعادتها إلى العصر الحجري حسب زعم وزير خارجية العدو.

إسرائيل تضغط باتجاه توجيه ضرباتٍ عسكريةٍ سريعةٍ لأهدافٍ محددةٍ في إيران وسوريا ولبنان وقطاع غزة، على ألا تتجاوز العمليات ساعات محددة، أما الأمريكان فتراودهم الشكوك عن مدى نجاح هكذا نوع من العمليات الخاطفة، خاصة في أهم بقعة من العالم، والتي تعتبر شريانًا للاقتصاد العالمي. باعتقادي، سياسة خلق الذرائع والحرب النفسية ربما تنجح مع أنظمة غير شعبية، ولكن مصير هذه السياسة سيكون الفشل والخذلان مع الدول والحركات التي تستمد قوتها من الشعب، والتي تكافح من أجل تحرير أراضيها ومقدساتها من براثن الاحتلال والاستكبار العالمي؛ لتعيش في عزةٍ وكرامةٍ.

شبكة النبأ المعلوماتية- السبت 15/أيار/2010 - 30/جمادى الأولى/1431

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1431هـ  /  1999- 2010م