المفسدون الكبار

علي حسين عبيد

 

شبكة النبأ: في العالم أجمع يوجد مفسدون كبار وآخرون صغار، وهو أمر مرصود وظاهر للعيان، ومنهم من يسمي هؤلاء االمفسدين الكبار بالحيتان الكبيرة التي تبتلع كل شيء يقف في طريقها عدا أمثالها حيث تتلاقى المصالح فتستلزم التعاون المتبادل بينها للحصول على أفضل النتائج في مجالات الاختلاس والتهريب والنهب وغسيل الامول وما شابه من أعمال الفساد المتنوعة.

وفي محاولة لرصد الاسباب فإننا لا يمكن أن نعزل الامر عن الوضع السياسي القائم، بمعنى أن الفساد الأكبر يبدأ بالفساد السياسي ثم ينتشر في المفاصل والمجالات الاخرى ليصبح حالة معتادة بين الجميع، كما أن الفساد الأصغر الذي ينتشر بين العناصر الاقل نفوذا كالموظفين الصغار وأشباههم ما هو إلا نتيجة حتمية للفساد الأكبر ممثلا بفساد الكبار او الحيتان الكبيرة.

إن المراقب الذكي لن يضطر الى بذل العناء الكبير حين يحاول فرز المفسدين الكبار عن غيرهم ولعل المؤشر الأقوى الذي يشير إليهم هو قدرتهم الكبيرة على صنع الشعارات وترديدها، وهناك من يطلق عليهم (باعة الشعارات) لأنهم غالبا ما يتحلون بموهبة الكلام المعسول الذي يعدّ بمثابة المخدّر للآلام، حيث يُزرق في أجساد المتعبين من بسطاء الناس كي يخفف قليلا من حرمانهم وآلامهم ويهدّئ من جوعهم وعوزهم ويكرّس جهلهم وأمراضهم بكلمات منمقة تضرب على الوتر المطلوب، في وقت يكون الباب مفتوحا على مصراعية لممارسة الفساد الأكبر.

لذا فإن الفاسدين الصغار هم رذاذ لفساد الكبار فنراه ينتشر على نحو كبير في الدوائر الرسمية والمؤسسات الحكومية وما شابه، كونهم نتاجا متوقعا لهم بل هو عنصر داعم لفساد الكبار حتى يكف الناس عن الملاحظة والمراقبة والاحتجاج ويتحول الفساد الى حالة معتادة ومقبولة من لدن الجميع.

كما أننا سنلاحظ بعض الدلائل التي تشير الى ارباب الفساد ومنها على سبيل المثال أنهم أكثر من يتحدث ضد هذه الظاهرة ويرفضها ويؤكد على عدم التعامل معها او السماح بانتشارها، وهذا ما نراه مستشريا في المجتمعات المتخلفة والمتطورة على حد سواء، بيد أن الفرق يكمن في درجة المقارعة التي تحاول ان تقضي أو تحد من هذه الظاهرة، حيث يكون القانون في الدول المتطورة أكثر فاعلية في هذا المجال.

في حين نلاحظ عكس ذلك في الدول غير المتطورة حيث يتسرّب الضعف الى عموم المفاصل الرادعة لمثل هذه الاعمال الخطيرة بسبب هيمنة الاقوياء والمتنفذين على مجريات الامور عموما، ولنا تجارب عديدة يحفظها سجل التأريخ في هذا المجال حيث تنتشر المافيات المنظمة في بعض الدول المتطورة ولكنها في الغالب تكون تحت اليد والقانون معا، وإن معالجة خروقاتها تتواصل على نحو يومي ومباشر وفاعل في آن.

في حين تعجز الدول الضعيفة عن مقارعة الفساد لأسباب عديدة وأهمها أن المفسدين غالبا ما تكون لهم هيمنة ونفوذ يحميهم من العقاب، كما أن ضعف القانون يشكل مثلبة أخرى تمنع من تفكيك شبكات الفساد والحد من خطورتها.

أما في حديثنا عن الاسباب التي تقود الى تنامي ظاهرة الفساد واستفحالها وحماية مرتكبيها الكبار من طائلة القانون، فإن الامر يعود الى أكثر من سبب ولعل الجميع له حصة من هذه الاسباب ابتداء بالجهات المعنية رسميا وليس انتهاء بالجهات ذات الصفة المعنوية كالمؤسسات والمنظمات التي تُعنى بنشر الوعي في هذا المجال بين عموم شرائح المجتمع وعدم التسليم بظاهرة الفساد واعتبارها أمرا معتادا ومقبولا بين الجميع، ثم هناك الاعراف السائدة ودورها الهام في هذا الميدان، ففي الوقت الذي كانت اعمال الفساد بأنواعها تعود بالعار على صاحبها، ربما أصبحت اليوم من علامات (الشطارة) أي أن الانسان الذي يختلس او يتعاطى الرشا وما شابه أشطر من غيره، وهنا تكمن قمة الخطورة، حين يتحول النهج الخاطئ والمعيب الى نهج صحيح ومقبول ومتداول بين المجتمع.

نعم ينبغي على القانون أن يأخذ دوره الحاسم في مقارعة الفساد، ولكن في الدول التي لا تزال في طور النمو يصعب على القانون لوحده أن يقوم بمثل هذا الدور الكبير، ولهذا مطلوب التعاضد بين الجميع من أجل مقارعة هذه الظاهرة، فليس المعني رجل القانون وحده ولا رجل الدين وحده ولا رجل العلم وحده ولا وجهاء المجتمع فحسب إنما الجميع عليه حصة من المسؤولية في هذا المجال.

واذا تم معالجة فساد الحيتان الكبيرة فإن الاسماك الصغيرة ستكف تلقائيا عن الفساد، نعم تكمن الحلول في تفعيل القوانين الرادعة وفضح الرؤوس الكبيرة التي تقف وراء مثل هذه الاعمال، لكننا نبقى بحاجة الى تعاون شامل بين الجميع للقضاء على الفساد وفسح المجال أمام عجلة التطور والازدهار لعموم المجتمع.

شبكة النبأ المعلوماتية- الاثنين 10/أيار/2010 - 25/جمادى الأولى/1431

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1431هـ  /  1999- 2010م