في البحرين.. لاءات مجلس الشورى

مرتضى بدر

قيل أن البرلمان بغرفتيه - المنتخب والمعين- صمام أمان، وقيل كذلك إن الغرفتين بمثابة جناحي عملية التشريع في البلاد، وإنه لا يمكن لطائر التشريع أن يطير بجناح واحد. لهذا الحد تعتبر المقولات جميلة، وربما مقنعة نوعاً ما، ولكن ما لا يمكن فهمه هو تدخّل المعينين في الأمور الداخلية للمنتخَبين، بحيث إذا ارتأت الغرفة المنتخبة إجراء تعديلات على نظامها الداخلي، فيجب عليها أخذ موافقة من جارتها وشريكتها في التشريع (الغرفة المعيّنة). حسب فهمي القاصر، لا يوجد نص دستوري يعطي حق الوصاية لمجلس الشورى على المجلس المنتخب، فأين إذًا يكمن الخلل أو النقص؟ ومن الذي ينبغي أن يبادر لإصلاح هذا الخلل أو النقص؟

 لا نشك مطلقاً في وطنية أعضاء مجلس الشورى، وفي ولائهم لوطنهم وقيادتهم السياسية، بل نعتقد أنهم محكومون بحكم الدستور والقانون، إلا أن الفرق بينهم وبين زملائهم المنتخبين يكمن في أنهم غير محاسبين أو مراقبين من قبل الشعب، ولذلك فهم يُنعَتون دوماً بوقوفهم في صف الحكومة ورغباتها، أو إنهم يسعون لفرملة مشاريع المنتخبين، وإجراء تعديلات عليها حسب توجّهات الحكومة، وأحياناً يردّون تلك المشاريع على أعقابها بكلمة اللا الصريحة والجريئة. وعلى سبيل المثال مشروع تعديل اللائحة الداخلية لمجلس النواب، ومشروع وجوب استعمال اللغة العربية في المكاتبات الرسمية، ومشروع حظر الخمور.

ورغم أن مجلس الشورى لم يقل كلمته النهائية في المشروع الأخير، إلا أن تصريحات بعض أعضاء الشورى من جهة، وتعمّد عدم مناقشة المشروع بحجة عدم وصول ردّ من المجلس الأعلى للشؤون الإسلامية تدل على نية مبيتة لإسقاط المشروع في المدة القليلة المتبقية من عمر البرلمان. وحسب الخبر المنشور في جريدة البلاد (الخميس الماضي) فقد وافقت لجنة الشؤون الخارجية بمجلس الشورى على توصية المجلس الأعلى للشؤون الإسلامية بمنع الخمور على المسلمين في كل البحرين.. والسؤال: هل يصوت المجلس بالموافقة على توصية اللجنة غداً الاثنين؟

شهر أبريل الماضي كان شهر اللاءات المشهورة لمجلس الشورى بامتياز، والتاريخ قد يسجل هذه اللاءات بكثيرٍ من الأسف وخيبة الأمل. فكان من المفترض إعطاء الجمهور شحنة من الثقة حول مصداقية البرلمان بغرفتيه، خاصة ونحن على مشارف الدورة الأخيرة للبرلمان، والاستعداد للعملية الانتخابية الجديدة بعد أشهر. اللاءات الثلاث لم تكن خطوة سياسية موفّقة من قبل الحكومة والغرفة المعيّنة، فقد استطاع المنتخَبون رمي الكرة في ملعبهم بذكاء دون أن يرفعوا الراية البيضاء، وهكذا يستطيعون تبرير مواقفهم أمام جمهورهم من الناخبين.

النائب (عبد الحليم مراد) أشار إلى أن أعضاء مجلس الشورى مأثومون إذا لم يمرروا قانون (منع الخمور)؛ بذريعة عدم كفاية الوقت لمناقشته. والنائب (خليل مرزوق) هاجم بشدة (الشورى) بتفريغ تعديلات مجلس النواب على لائحته الداخلية من فعاليتها بذرائع واهية بحسب وصفه. وفي بيان صريح قال المرزوق: "على مجلس الشورى أن يعيد حساباته في قراراته التي يأخذها في شلّ الإرادة التشريعية للشعب في مكافحة الفساد وأن يساند ما يقوم به النواب لا أن يعوقهم".

 يأتي هذا الاحتدام بين الغرفتين في الوقت الذي يترقب فيه المواطنون والنواب نتائج اللجنة الوزارية بخصوص ثلاثة أهم ملفاتٍ في تاريخ البحرين الحديث .. الأول ملف التعدي على أملاك الدولة، والذي أثبت أن الكثير من الأملاك التي خُصّصت للنفع العام قد تحولت إلى أملاك خاصة، وملف الدفان الجائر، وحرمان المواطنين من الاستنفاع بسواحل عامة، وأخيراً، ملف السياحة غير النظيفة، وانتشار الرذيلة في المنشآت السياحية. هذه الملفات الثلاث أرّقت شعب البحرين بمختلف انتماءاته السياسية والمذهبية والعرقية، وقد آن الأوان لوضع حدٍ لهذه التجاوزات.

 أتفق مع الزميلة (سوسن الشاعر) في دعوتها لإيجاد صيغة توافق سياسي تغلق باب الماضي وتنتقل بنا إلى عتبات المستقبل وتجعلنا نتفرغ للتحديات المستقبلية. وباعتقادي، الخطوة الأولى يجب أن تبادر بها الحكومة، ويجب أن تكون الخطوة نوعية وليست شكلية، تثبت من خلالها بأنها مع سيادة القانون، وأنها متمسكة بمبدأ الشفافية والمحاسبة. الخطوات السياسية التي يتوقعها ويترقبها الجميع من القيادة السياسية قد تعزز المواطنة، وسيادة القانون، وتغيّر سلوك الحكومة ومجلس الشورى مع المجلس المنتخب. وسنظل نعيش على أمل بزوغ فجرٍ جديدٍ للحياة السياسية مُفعمة بالحيوية والنشاط وخالية من التوترات والتوجسات.

شبكة النبأ المعلوماتية- الأربعاء 5/أيار/2010 - 20/جمادى الأولى/1431

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1431هـ  /  1999- 2010م