تطوير عمل الفضائيات مهمة وطنية

محمود الربيعي

الأساليب العملية لتطوير العمل الفني للفضائيات

تمثل الفضائيات واجهات شعبية ثقافية وسياسية مهمة ومن المحزن أن يكون أداء بعضها في حدود المستوى الأدنى من الأداء والمهنية وعدم الكفاءة، وقد تكون بعضها ليس له القدرة على الوقوف أمام أداء فضائيات أخرى إستطاعت أن تدير نفسها وترضي جمهورها وهي تقدم له أفضل الأعمال الفنية بغض النظر عن الأهداف والنوايا أو الإتجاه السياسي الذي تقوم عليه، إذ أننا ننظر الى قدرتها على تحقيق هذه المهام مما يدعو  مختلف الفضائيات إلى  الإرتقاء وتقديم الخدمة الإعلامية الأفضل.

إن على الفضائية أن تقنع جمهورها بما تقدمه من برامج مفيدة ونافعة، وأن تكون قادرة على أن تستوعب الحالة السياسية والفكرية والثقافية للمجتمع والجمهور، وأن تعمل على  إستقطاب أصوات الجماهير بالشكل الذي يحقق النجاح ويحدث نقلة نوعية في العمل الذي تقدمه للجمهور وإلاّ باءت بالفشل.

إن العمل المهني الناجح للفضائية يعتمد على عدة عوامل منها:

أولاً: الاختيارات الموفقة للكوادر الكفوءة

وهنا بودنا أن نشير إلى أن الإختيار الموفق عادة ما يتوقف على حرص المسؤول في البحث عن الشخصية الفنية التي تجمع فن العمل والمهنية التي تعتمد على الدراسة والإختصاص كما تعتمد على المهارات الفردية والتمتع بالثقافة والحس الشعبي الذي يستقطب الجماهير الى غير ذلك من فنون العمل المهني المختص، كما لايفوتنا أن نذكر إن الشخصية الفنية لابد أن يتوازى شكلها ومظهرها مع مضمونها الفعلي الذي يحمل الحالة الأكاديمية والثقافية عندما يواجه الفرد جمهوره بشكل مباشر عندما يتطلب مثل هذا العمل جودة في المظهر الذي يرتاح له الجمهور مضافاً إلى حسن الملبس واللياقة الصوتية والتعبيرية التي تعتمد على تعلم اللغة وحسن الإلقاء والإصغاء والتلاقي مع الجمهور.

ثانياً: تطوير الأجهزة الفنية

إن مما يسهم في نجاح عمل الفضائية أن تمتلك أحدث التقنيات والصناعات الصوتية والصورية ووسائل النقل الفني وتكون قادرة على التنافس في طرح إنتجها الفني والثقافي والسياسي وإلا فإنها ستسقط وسط هذا التنافس إن عاجلاً أو آجلا مالم تسعى لتطوير عوامل نجاحها وتثبيت دعائم وجودها.

ثالثاً: اقامة دورات تطويرية

إن إقامة الدورات التطويرية السنوية والشهرية مهم في خلق الكادر المهني الذي يواكب التطور العلمي والمهني والثقافي ليصبح قادراً على تقديم الأفضل.

رابعاً: تقديم العمل النوعي الملائم  للثقافة الوطنية

لايمكن للعمل النوعي أن يقوم على أيدي الأصدقاء والمقربين إذا لم يستند على الخبرة والكفاءة، فالعمل النوعي يتطلب الشهادة الأكاديمية والتخصص في مجال العمل والى تراكم الخبرة كما يتطلب الكفاءة التي تعتمد على القدرات العقلية والعملية وهي من مقومات الشخصية ذات الطابع الفني، فلا يكفي على سبيل المثال تشغيل أجهزة الصوت والصورة بمعرفة طريقة التشغيل لكن المهندس المختص وحده هو القادر على إستيعاب المحيط الذي يتفاعل معه من خلال جميع المحاور التي يتعامل معها فهو يدرس الزوايا والأركان والظل والظلام والنور والقرب والبعد وكمية الضوء وشدته ولايمكن لكل هذه الأمور أن تقوم على غير أساس.

خامساً: القيام بزيارات فنية تطويرية للأستودوهات الأخرى

إن الأعمال الفنية المبتدئة تتطلب القيام بزيارات فنية تخصصية للمنشئات الفنية هنا وهناك سواء داخل القطر أو خارجه والبحث عن الفكرة والموضوع الذي يُقَوم العمل ويدعمه ويقويه وهو هدف العمل الفني.

سادساً: تشكيل لجان فنية تقويمية

ولابد لأية فضائية من أن تمارس مع نفسها النقد الذاتي داخل مؤسستها الفنية، ولابد لها من تشيكل لجان تتدارس بإستمرار تقييم الأداء وتقويمه ويقتضي ذلك أن يتخصص كل فريق عمل ضمن حدود عمله وخطته الفنية ولابد أن يستمر هذا التقييم والتقويم من حين لآخر.

سابعاً: عمل بحوث ودراسات مفيدة

ويجب على إدارة العمل تشجيع الفنيين على الإنخراط في الدورات الفنية وتشجيعهم على عمل بحوث لتغذية الخطط والبرامج الفنية ومحاولة تقديم أعمال جيدة.

ثامناً: الحث على الإستعدادات السنوية

كما أن على إدارة الفضائية السعي إلى تكوين فرق عمل بين فترة وأخرى تقوم على أساس الحاجة ومبتنية على البحث والدراسة لتلائم ذوق الجمهور الذي يبحث عن الإنتاج الجيد في عصر تتسابق فيه الفضائيات على إستقطاب الجمهور.

تقييم العمل والإداء الفني للفضائيات العربية والعراقية

إن إنطلاقة الفضائيات العراقية جاء متأخراً بعد النشاط الذي كانت عليه الفضائيات العربية الرسمية وغير الرسمية، لذلك فإن العمل الفني في الفضائيات العراقية يتطلب جهداً خاصاً ومتسارعاً يواكب الحالة العامة المتقدمة للحوق بتلك الفضائيات أوالتفوق عليها.

نظرة سريعة لأداء بعض الفضائيات

أولاً: الجزيرة والعربية

لقد نشطت قناة الجزيرة الفضائية مع عملية غزو أفغانستان والعراق وروجت بشكل جيد لحركة طالبان وقائدها بن لادن وسوقت لفتوحات الغزو الخارجي والطابع البطولي لشخصيات تنظيم القاعدة، ثم عكفت على نقل تفاصيل غزو العراق وتمجيد مقاومة الإحتلال وكره الذين جاؤا معه وحركت النزعة الطائفية بشكل غير مسبوق، ثم ظهرت قناة العربية الفضائية لتلحق زميلتها الجزيرة وتشاركها في مهمتها الدولية والإعلامية وبالفعل سجلت هاتين الفضائيتين نجاحاً كبيراً في إظهار الصراع الطائفي في العراق وبشكل فريد.

ثانياً: الشرقية والبغدادية والسومرية

وقد إنتقلت خبرات قناتي الجزيرة والعربية الى قناة الشرقية الفضائية على وجه الخصوص ولحقتها قناة البغدادية كما لعبت قناة السومرية الفضائية دوراً مهماً في إستقطاب الجمهور لصالحها لما تقدمه هذه القنوات من برامج ناجحة ومؤثرة في نفس الجمهور بسبب الدعم المادي والإعتماد على الكفاءات والخطط الإعلامية البناءة على ضوء التخصصات المهنية.

ثالثاً: الفيحاء والفرات

وهناك فضائيات عراقية أخرى كان لها دور مهم في حركة الإعلام ولكن دورها كان محدوداً لأسباب منها إفتقارها الى الدعم المادي وحاجتها الى الدعم الفني.

رابعاً: الأنوار والزهراء

كما ظهرت فضائيات دينية متخصصة في المنبر الحسيني ولاعلاقة لها بالسياسة أستطاعت أن تستقطب جمهور معين من الناس في العراق وبعض الدول العربية وكرست نشاطاتها في مجال واحد أقتصرت فيه على نقل صورة التشيع في البيت الداخلي للشيعة.

إن هناك مجالاً واسعاً لتطوير عمل هاتين القناتين وتغذيتهما بالبرامج الفكرية والثقافية والسينمائية والمسرحية الناجحة غضافة الى المسلسلات الدينية التي تتعلق بالأنبياء والشخصيات الإنسانية الرائدة.

علام يعتمد النجاح الفني للفضائية

 إن نجاح العمل الفني يعتمد على جملة من العوامل يمكن أن تسهم في تحقيق إنجازات مهمة وهي وأن  تستقطب الجمهور وهو غاية مايهدف إليه العمل:

أولاً: الدعم المادي: لايمكن أن يكون هناك عمل مالم يتلقى دعماً مادياً كافياً، مع أن عمل الفضائية عموماً يحتاج الى المال لتغطية التكاليف أولاً وليؤسس لعمل إداري ومهني له إستحقاقاته.

ويحتاج مثل هذا الجهد الى المجتمع والدولة ليحاكى العالم الخارجي، ومن الطبيعي أن يكون لهذه المؤسسة صندوقها المالي الخاص الذي يستطيع العمل دون توقف أو إبطاء في أداء المهام اليومية.

ثانياً: جهاز العمل والهيكل الإداري والفني: إن تشكيل الجهاز الإداري والفني للعمل لابد أن يتوازى مع حجم المهمة والهدف والغاية التي أسس من أجلها، وإن من أولى مهمات التأسيس إختيار مجموعة الهيكل الهرمي للإدارة بحيث يسد كل فراغات العمل في الخطة العملية التي تعتمدها الإدارة في عملية إنجازات المهمات.

فرئيس المؤسسة ومجلس الإدارة ومدراء الأقسام لابد أن يمتلكوا مقومات العمل المهني والإداري الذي يعتمد على الكفاءة والخبرة والعمل الميداني الذكي الذي يتفاعل مع فرق العمل الفني المتوزعة على مجموعة البرنامج داخل الخطة الفنية والإعلامية التي تسعى لتحقيق أهداف العمل في جميع محاوره المختلفة ومنها الثقافية والسياسية. 

ثالثاً: عملية التطوير والتحديث: إن بقاء الفضائية على مستوى ثابت دون أن تحرز تقدماً ملحوظاً سيؤثر كثيراً على جماهيريتها لذلك فليس من مصلحتها أن تضع نفسها في الموضع الذي سيؤدي حتماً إلى فشلها وعليه لابد لها أن تبذل أقصى جهودها لكي تحقق النماء والنجاح المستمر الذي يحفظ قيمتها وجمهورها، وإنطلاقاً من هذه الفكرة فإن الإدارة مسؤولة عن متابعة وتقييم برامجها بما يؤمن تعديل وتطوير وتحديث منجزاتها.

علاقة السينما والمسرح بالفضائية

ولكل من دائرتي السينما والمسرح دورهما الفاعل في تحقيق بعض الأهداف الإنسانية والإجتماعية، وهناك الكثير من المنجزات الفنية في عالمي السينما والمسرح  يمكن إستثمارها بين حين وآخر كما تفعل بعض الفضائيات التي تختار بعض الأعمال النوعية لتغذية برامجها النوعية.

طبيعة البرامج المناسبة لروح العصر والملائمة للحالة العراقية

أولاً: البرامج الثقافية: لابد للمؤسسة الفنية الإعلامية أن تدرس بعناية حاجة الجمهور الى التنمية الثقافية ولابد في هذه الحالة من تلبية تلك الإحتياجات وبالشكل الإيجابي الذي يعزز القيم الإنسانية والأخلاقية والقيمية التي تساهم في عملية بناء الإنسان والمجتمع.

ثانياً: البرامج السياسية: من الضروري أن يقوم عمل الفضائية في هذا المحور على الصدق والأمانة والحيادية.

ثالثاً: مقابلات مع الكفاءات: ومن المهم جداً تبني مشروع إجراء مقابلات وحوارات جادة لاتعتمد على الإثارات المفتعلة بقدر ماتعتمد على جودة الموضوع وقيمته.

رابعاً: الصناعة والزراعة والسياحة: إن الإهتمام بشؤون الصناعة والزراعة والسياحة يسهم في إحداث الكثير من الحوافز المشجعة للمشاركة في عملية التوعية والبناء حيث يمكن الإستفادة من التقارير النوعية التي تعنى بمثل هذه الشؤون والمدعمة بالمعلومة المفيدة والصور الحسية التي تنقل لنا بعض المنجزات أو تلقي ضوءاً على بعض الأهداف لغرض الإصلاح أو المساهمة في عملية التنمية الوطنية.

خامساً: البرامج الفنية للسينما والمسرح والإهتمام بالفنانين: إن البرامج الفنية التي تتعلق بالسينما والمسرح لها قيمتها في المجتمع ولذلك لابد من إستيعاب الأعمال والمنجزات الفنية للفنانين الوطنيين وإتاحة الفرص لعرض هذه الأعمال بما يحفظ لهم حقوقهم الفنية ويشجعهم على تقديم العمل النوعي الذي يخدم عملية التنمية والبناء.

سادساً: البرامج العلمية: لم تبدي الفضائيات إهتماماً بالبرامج العلمية لذلك فقد أثر ذلك على الثقافة العلمية للمواطن، لذلك لابد من الأخذ بنظر الإعتبار الإهتمام بتنمية الإتجاهات العلمية لدى المواطن لما لها أهمية في عملية التنمية والبناء.

سابعاً: البرامج الرياضية: إن الإهتمام برعاية الشباب هو جزء مهم من مشروع الأهتمام بالمواطن وتكتسب الرياضة أهمية خاصة بالنسبة للشباب خاصة ومختلف الأعمار عموماً فالإهتمام بالطفل والكبير مطلوب أيضاً وهو مشروع مهم للقضاء على الفراغ ومساعدة المواطن في عملية بناء تكوينه النفسي والجسدي المتوازن.

ثامناً: البرامج التعليمية: تعد البرامج التعليمية الأكثر أهمية بحدود ماتقدمه من برامج الغاية منها رفع المستوى التعليمي والثقافي سواء كان ذلك متعلقاً بالمجال العلمي وغيره من بقية المجالات التي تختص بالتوعية والتوجيه أو فيما يتعلق بإهتمامات المواطنين بما يعزز الحفاظ على الهوية الوطنية والثقافة والعلوم والتربية.

تاسعاً: برامج المرور: إن الإهتمامات المختلفة للجمهور تقتضي أحياناً التوسع في البرامج بحيث تشمل بعض الأمور التي تخدم المجتمع وسلامته ومن ضمن هذه البرامج مايتعلق بالمرور ومشاكله الكثيرة، وهذا يتطلب توعية مستمرة بالعلامات المرورية ومعرفة القوانين المرتبطة بها، ومتابعة الحوادث المرورية وكيفية تحاشيها مما يسهم في تقليل هذه المشاكل.

عاشراً: البرامج الطبية: إن من أفضل البرامج التي تشد الناس الى المتابعة هي البرامج الصحية إذ أنها توفر فرصاً لرعاية صحتهم ومتابعة المعلومات الجديدة التي تتعلق بالعلاج والدواء والتشجيع على إتباع القواعد الصحية والتعلميات التي تجنبهم الإصابة بالأمراض.

أحد عشر: البرامج الدينية: لايمكن أن يُستغنى عن البرامج الدينية لما لها من أهمية في بناء سلوك الإنسان وتقويمه وهي جزء مهم من عناصر وعوامل التربية النفسية للإنسان.

إن البرامج الدينية يجب أن ترتبط بالإنسان والمجتمع وفق رؤى عصرية تتناسب وتطور الحياة وينبغي أن لاتكون هذه البرامج مدعاة للفرقة والإختلاف، وعلى القائمين عليها صياغة أسلوب حضاري يخدم ولايهدم، ينمي ويبني ويحقق الوحدة والإنسجام، ويرسم منهجاً وطريقاً للناس في المشاركة والمساهمة من أجل البناء والإعمار وتحقيق أجواء من المحبة والسلم والعدل في صفوف المجتمع.

إثنا عشر: شؤون المحافظات: ومن الضروري أن يكون عمل الفضائية شاملاً لكل الشعب وأن لايقتصر الإهتمام على محافظة  دون بقية المحافظات.

ثلاثة عشر: البرامج الترفيهية: ونقصد بذلك البرامج التي تهتم بإجراء مسابقات بين الفرق الشعبية، أو القيام بجولات في صفوف المواطنين، وتحقق التواصل مع الجمهور.

خاتمة

لقد أوردنا ذكر بعض الفضائيات كنماذج على سبيل المثال، وهذا لايعني بالضرورة الإنتقاص من بقية الفضائيات، وقد حاولنا معالجة المواضيع على أساس مهني وثقافي دون أن نهتم كثيراً ببقية الجوانب، ولم نسعى لأن ندخل في جوانب نقدية بقدر ماكان بودنا الإشارة الى مهمة التطوير.

نأمل من إدارات الفضائيات تحقيق قدر أكبر من المهنية والإعتدال والمشاركة في عملية التنمية والبناء والتنافس ورعاية حقوق الإنسان.

شبكة النبأ المعلوماتية- الاثنين 3/أيار/2010 - 18/جمادى الأولى/1431

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1431هـ  /  1999- 2010م