مقدمات في فقه الدولة

الشيخ فاضل الصفّار

الأول: التعريف بالدولة

 الدولة في اللغة[1] بفتح الدال وضمها، يقال: الدَولة والدُولة وهي بمعنى واحد، يراد بها ما دار وانقلب من حال إلى حال. يقال: دالت له الدولة أي صارت إليه، ومداولة الله الأيام بين الناس بمعنى صرّفها بينهم، فصيّرها لهؤلاء تارة ولهؤلاء أخرى، وتداولت الأيدي أي تعاقبته، بمعنى أخذته هذه مرة وهذه مرة أخرى، ومنه قولهم: تداولوا الشيء بينهم أي تناقلوه وقلّبوه بين أيديهم وتناوبوه، والدولة هنا مصدر وجمعها دِول بكسر الدال وضمها، ويراد ما يتداول، فيكون مرة لهذا ومرة لذاك، وعلى هذا المعنى تطلق على المال والغلبة كما تطلق على البلاد، فيقال: الدول الإسلامية أو الدول العربية والأوروبية، كما تطلق على الهيئة الحاكمة. يقال: لكل زمان دولة ورجال بلحاظ أن الجميع مما يتداول بينه لكونه بحاجة إلى تدبير ونقل وانتقال، أو بلحاظ التقلّب والتصرّف من جماعة إلى أخرى؛ إذ لا استقرار للسلطة ولا ثبات لجهة النقص والحيف والظلم كما في الدول المستبدة أو الشوروية القاصرة, أو لجهة الاختبار والامتحان الإلهي للبشر في تقلّب القدرة, ومنه اشتهر:«الدهر دول» و«لو دامت لك لما وصلت إليك» كناية عن الانتقال من قوم لقوم.

ومن ذلك يظهر أنها ليست حقيقة شرعية ولا متشرعية، وإنما هي مصداق من مصاديق المعنى اللغوي, وعليه فهي عرفية خاصة او عامة وقد أمضاها الشارع بحسب ما تعارف عليه عند العقلاء. نعم ورد استعمال الدولة في القرآن بالمعنى اللغوي، وكذا في كلمات مولانا أمير المؤمنين (عليه السلام)؛ إذ ورد في بعض ما ظاهره المعنى اللغوي، وفي آخر ما ظاهره الحكم والسلطة، وهو لا يثبت حقيقة شرعية بناءً على عدم كون الإمام (عليه السلام) شارعاً؛ لانحصار المشرّع بالخالق تبارك وتعالى، أو لشموله للرسول الأعظم (صلى الله عليه وآله وسلم) فقط دون شموله للإمام (عليه السلام) على الخلاف بين الأصوليين في تحديد الشارع.

وعليه فإن ما ورد من استعمالات في الكتاب والسنّة ليس تأسيساً جديداً حتى يحمل على الحقيقة الشرعية، وإنما يحمل على المعنى اللغوي، وبحسب ما تعارف عليه عند العقلاء من الحقيقة العرفية الخاصة أو العرفية العامة.

 فمما ورد بلفظ الدولة في الكتاب العزيز قوله سبحانه وتعالى: {إن يمسسكم قرح فقد مس القوم قرح مثله وتلك الأيام نداولها بين الناس وليعلم الله الذين آمنوا ويتخذ منكم شهداء والله لا يحب الظالمين}[2].

فإن الدولة هنا وردت بحسب المعنى اللغوي أي تقلّب الأحوال من حال إلى حال.

 وورد في الأحاديث الشريفة ما يحتمل الاثنين و بعضها ظاهر في المعنى اللغوي والآخر ظاهر في المعنى الاصطلاحي، فعن الإمام الصادق (عليه السلام): «إن للحق دولة وللباطل دولة»[3] فإن الدولة هنا تحتمل الاثنين إلا أنها ظاهرة في المعنى اللغوي. وعن مولانا أمير المؤمنين (عليه السلام):«الدولة كما تقبل تدبر»[4] وهو يحتمل المعنيين إلا أن الظهور مع المعنى اللغوي، ويحتمل الاثنين أيضاً قول مولانا أمير المؤمنين (عليه السلام): «دولة الأكابر من أفضل المغانم»[5] و:«دولة اللئام مذلة الكرام»[6] وهنا ظاهر في المعنى اللغوي بقرينة ما بعده وهو قوله (عليه السلام): «دولة الكريم تظهر مناقبه»[7] و:«دولة اللئيم تكشف مساوئه ومعايبه»[8] إلا أن يقال بأن المتبادر من الدولة في مثل هذه الأحاديث هو الحكومة، فحينئذ تحمل على الحقيقة العرفية الخاصة.

ومما ورد ما ظاهره الحكومة حديثا الغرر عن مولانا أمير المؤمنين (عليه السلام):

«زوال الدول باصطناع السفل»[9] و: «يستدل على إدبار الدول بأربع: تضييع الأصول، والتمسك بالفروع، وتقديم الأراذل، وتأخير الأفاضل»[10] أي الحكومات، وفي نهج البلاغة عنه (عليه السلام): «وأعظم ما افترض سبحانه من تلك الحقوق حق الوالي على الرعية، وحق الرعية على الوالي… فإذا أدت الرعية إلى الوالي حقه وأدى الوالي إليها حقها عز الحق بينهم، وقامت مناهج الدين، واعتدلت معالم العدل، وجرت على إذلالها السنن، فصلح بذلك الزمان، وطمع في بقاء الدولة، ويئست مطامع الأعداء»[11] وهو ظاهر بل صريح في الحكومة بقرينتين: قرينة خارجية لكون الإمام (عليه السلام) يتحدث عن الولاة وحقوقهم، وقرينة داخلية هي السياق، ومما ورد بهذا المعنى أيضاً قوله (عليه السلام):

«ما حصّن الدول مثل العدل»[12] وقوله(عليه السلام):«ثبات الدول بإقامة سنن العدل»[13] وقوله (عليه السلام): «من عمل بالعدل حصن الله ملكه»[14] وقوله (عليه السلام): «صيّر الدين حصن دولتك، والشكر حرز نعمتك، فكل دولة يحوطها الدين لا تغلب، وكل نعمة يحرزها الشكر لا تسلب»[15] وقوله (عليه السلام): «من أمارات الدولة التيّقظ لحراسة الأمور»[16] وبذلك يظهر أن إطلاقات الدولة على أنحاء ثلاثة:

الأول: أن يراد بها القوة التنفيذية، أي الحكومة، فيقال: قد صممت الدولة على كذا، أو قررت الدولة كذا، أو كفت الدولة يدها عن كذا، يراد بها الحكومة.

الثاني: أن يراد بها الاجهزة الحكومية الشاملة للقوى السياسية والقضائية والتنفيذية والتشريعية وغيرها، وهذا الإطلاق أعم من الأول.

الثالث: أن يراد بها ما يشمل الأمة أيضاً، وذلك كما يقال إن دولة العراق محددة بإيران وتركيا وسوريا مثلا، و يراد بها مجموع السكان بحدودها الأرضية الخاصة، وهذا الإطلاق أعم من الإطلاقين المتقدمين.

وعليه فإنه فيما إذا أطلقت لفظة الدولة يحتمل إرادة الثلاثة، إلاّ أن محل البحث فيما نحن فيه هو الإطلاق الثاني، أي الدولة بمعنى التشكيلات الحكومية وأقسام السلطات التنفيذية والتشريعية والقضائية فيها، كما نتحدث عن سياسات الدولة، وعن مقوماتها وعناصرها ومبادئها إلى غير ذلك من مباحث تتعلق في أصل الحكومة وتركيبة نظام الحكم وسياسة الدولة الشرعية إن شاء الله, وهذا هو المنصرف من استعمالات الناس فيما إذا أطلقوا اللفظ فإنهم اعتادوا أن يعبروا عن الدولة بمجموعة النظم السياسية وغيرها، فمجلس الأمة ومجلس الوزراء والهيئة القضائية وسائر الإدارات والوظائف مسرح أعمال نفوذ الدولة, وكذا مجموع الأمة بما لها من الأرض.

الثاني: الدولة ضرورة إنسانيّة

 الظاهر أن عناية الإسلام بمسألة الحكم ليست بدعاً من الأمر، وإنما هي استجابة للضرورة التي يقتضيها الاجتماع البشري بحد ذاته وبقطع النظر عن وجود شريعة ونظام للحياة ينظم حياة الإنسان من جميع وجوهها ومجالاتها كما هو الشأن في الإسلام، فمنذ أقدم العصور اكتشف العقلاء من بني البشر فضلا عن المفكرين والحكماء هذه الحقيقة، بدءاً من الأسرة والجماعة الصغيرة والقبيلة إلى المجتمعات الكبيرة، ومهما كان الاعتقاد الديني أو النظام الاجتماعي وفلسفة الحياة التي يؤمن بها المجتمع أو الأمة فإن وجود حكومة ضابطة تملك سلطة فوق سلطة الأفراد والجماعات كان ضرورة في جميع الأحوال، وهذه الضرورة ناشئة من الأمور التالية:

الأول: حاجة الجميع إلى الأمن والعيش بسلام.

الثاني: توافر الفرص الكافية للوصول إلى الأهداف والطموحات التي يتطلع إليها الإنسان في كل مراحل حياته.

الثالث: تأمين الضرورات الحيوية التي تتكون بها حياة الإنسان والأخرى الكمالية التي يتوقف عليها كماله.

 وهذه جميعاً لا تتحقق إلا بإيجاد سلطة تمنع من الفوضى واختلال النظام والهرج والمرج وتسلط الأقوياء على الضعفاء وبخسهم لحقوقهم، وهذا لا يتم إلا بحكومة ودولة، فلا يمكن أن تستقيم حياة الإنسان في المجتمع ويؤمن الإنسان على حقوقه ويضمن سلامته كما لا يمكن أن تستقيم حياة المجتمع نفسه من دون نظام يحدد الواجبات والحقوق والمسؤوليات والحدود، ومن دون حكومة ذات سلطة تنفذ بها هذا النظام على الأفراد والجماعات، وتضمن تطبيقه على الجميع بصورة عادلة ومنصفة.

إن كل دولة كبرى وربما بعض الدول الصغرى تدعي لنفسها رسالة تعتبرها مقدسة بغض النظر عن صحة الرسالة أو سقمها أو واقعية الادعاء أو كذبه؛[17]، فمثلاً الليبرالية والنظام الحر في العالم بالنسبة إلى دول أوروبا الغربية والولايات المتحدة تعتبرها هذه الدول أيديولوجيتها ورسالتها المقدسة، كما أن الاشتراكية بالنسبة إلى مثل روسيا والصين يعتبرانها رسالتهما المقدسة، فهذا الأمر لا يختص بالإسلام والدولة الإسلامية، ولكن الفرق واسع بين الرسالة المقدسة ومشروعية الدولة التي يقيمها الإسلام وبين ذلك في الدول الأخرى، فتارة تكون الدولة قائمة استجابة للضرورة الناشئة عن طبيعة الاجتماع البشري بصورة سابقة على الرسالة المقدسة، ثم تتبنى الرسالة أو تغزوها الرسالة وتفرض حجتها عليها، ويمكن أن تتخلى الدولة عن الرسالة المقدسة إلى رسالة أخرى أو إلى لا شيء، وهذا ما ينطبق على جميع صيغ الدولة المعروفة في التاريخ.

 فالدولة الرومانية مثلاً كانت قائمة وتبنت المسيحية رسالة مقدسة، ثم تخلت عنها، ثم تبنتها مرة أخرى، وهذا حال الدول الغربية الحديثة أيضاً، حيث تخلت عن المسيحية إلى العلمانية وإلى الليبرالية، ويمكن أن تتخلى عنها إلى الاشتراكية أو غيرها، وتبقى الدولة قائمة في جميع هذه الحالات، وما يجري الآن في أوروبا الشرقية وروسيا من التخلي عن الرسالة الاشتراكية بدرجة أو أخرى إلى الليبرالية واقتصاد السوق بدرجة أو أخرى شاهد لذلك.

 وتارة أخرى لا تكون الدولة قائمة إطلاقاً، وإنما تتكون على أساس كونها تعبيراً عن الرسالة المقدسة وحاملا لها، ومطبقة لمبادئها وقيمها، بحيث لو لم تكن هذه الرسالة لما كانت هنالك ضرورة للدولة، ولا قامت الدول إطلاقاً، والظاهر ان المجتمع الإسلامي بالنسبة إلى مشروع الدولة الإسلامية من هذا القبيل؛ لأنه ليس المطلوب في المجتمع الإسلامي مجرد إنشاء دولة وحكومة كيفما اتفق، واستجابة لضرورة الاجتماع البشري فقط، وهو أمر مطلوب على كل حال كلما كان ذلك ممكناً، وإنما هو إنشاء دولة وحكومة تحقق رسالة الإسلام – الحضارة الإسلامية – الإنسانية للمسلمين وفي العالم؛ لأن الدولة والحكومة في قانون الإسلام طريق إلى الحق والعدل والكمال البشري والطاعة للخالق تبارك وتعالى، وليست موضوعا يضحى بكل القيم والمبادئ لأجلها.

ونسجل هنا حقيقة هامة جداً وهي أن تشريع الدولة والنظام ليس جزءاً من التشريع الإسلامي انضم إلى أجزاء أخرى، وإنما هو بالإضافة إلى ذلك نتيجة طبيعية وضرورية للعقيدة والشريعة؛ لأنه ينبثق من طبيعة تكوين العقيدة والشريعة، فهو تعبير طبيعي عن الشريعة، ولو ألغيناه أو تجاهلناه للزم أن نلغي أو نتجاهل جانباً كبيراً من الشريعة الإسلامية.

هذا وقد ورد التعبير عن فكرة الدولة والحكومة باعتبارها من الضرورات والمسلمات التي لا يسأل عنها في السنة الشريفة، وكذا ورد عن أصل تشريعها، وإنما يقع السؤال عن تفاصيلها، فلم يرد في السنة بحسب التتبع الناقص سؤال من المسلمين لرسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)عن أصل فكرة الدولة والحكومة وضرورة إقامتها، مع أن هذا الموضوع من أعظم الأمور التي تختلف عليها حياة الإنسان والمجتمع من جميع وجوهها، والملحوظ أن المسلمين سألوا عن جملة من الأشياء بتفاصيلها كما تحدث عن ذلك القرآن الكريم، فهم سألوا عن الأهلة،[18] وعما ينفقون،[19] وعن القتال في الشهر الحرام،[20] وعن الخمر والميسر،[21] وعن المحيض،[22] وعن اليتامى وأحوالهم،[23] وعما أحل لهم وحرم عليهم،[24] وعن الساعة،[25] وعن الروح،[26] وعن الأنفال،[27] وعن الجبال،[28] وغير ذلك مما ورد ذكره في القرآن الكريم، وقد حفلت السنة الشريفة بآلاف الأسئلة عن كل ما يتصل بحياة الإنسان وأنشطته المختلفة مع غيره من الناس وفي الطبيعة، ولكنهم لم يسألوا عن أصل تشريع الدولة والحكومة. والظاهر أنه لا تفسير لذلك إلا كونهم يعون ضرورتها وبديهيتها من إدراكهم بطبيعة كونهم مجتمعاً سياسياً لا بد له بحكم الفطرة من دولة وحكومة؛ ولأنهم عرفوا شرعيتها من طبيعة الشريعة الإسلامية ومن ممارسة النبي الأعظم (صلى الله عليه وآله وسلم)لشؤون الحكم وتدبير شؤون المسلمين، بل قد ذكر القرآن الكريم خبر بعض أنبياء الله سبحانه وتعالى، وتعرض إلى حكومتهم، وأخبر عن تكوينهم للدول وتوليهم لرئاستها، أو لرئاسة الحكم فيها، كما في قصة يوسف وداود وسليمان عليهم السلام ورسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) بل إن بعضهم سأل الله سبحانه ذلك لأجل تحقيق الغرض، مما يكشف عن أن الدولة الشرعية لها جنبة طريقية لا موضوعية؛ وذلك لأجل إقامة العدل وإماتة الجور، وهو المستفاد من السنة الشريفة.

 كما تعرض القرآن الكريم أيضاً إلى بعض دول الظلم والضلالة كدولة فرعون وأصحاب الكهف والرقيم والملك الذي تحدث عنه الخضر وموسى عليهما السلام وغير ذلك مما يجد المتتبع تفاصيلها في كتب التفسير ونحوها، ومن باب النموذج فقد صرح القرآن الكريم في موارد عدة أن الله عز وجل أعطى الحكم والملك لطائفة من أوليائه. قال سبحانه وتعالى في سورة النساء: {فقد آتينا آل إبراهيم الكتاب والحكمة وآتيناهم ملكاً عظيماً}[29] وفي قصة يوسف بعد أن سأل ربه سبحانه أن يجعله على خزائن الأرض لكونه القوي الأمين وأعطاه الله ذلك شكر الله على هذه النعمة، وقال عنه القرآن الكريم: {ربي قد آتيتني من الملك وعلمتني من تأويل الأحاديث}[30]، وفي سليمان قال تبارك وتعالى: { قال ربي اغفر لي وهب لي ملكاً لا ينبغي لأحد من بعدي}[31] إلى غير ذلك من الآيات الشريفة.

 كما قد وردت بعض الأحاديث في السنة الشريفة تؤكد ان فكرة الدولة والحكومة من المسلمات في الشريعة الإسلامية. نذكر هنا بعض الشواهد الأخرى.

منها: ما رواه الشريف الرضي عن أمير المؤمنين (عليه السلام) في رده على الخوارج لما سمع قولهم: لا حكم إلا لله قال (عليه السلام): «كلمة حق يراد بها باطل. نعم إنه لا حكم إلا لله، ولكن هؤلاء يقولون: لا إمرة إلا لله، وإنه لا بد للناس من أمير بر أو فاجر يعمل في إمرته المؤمن، ويستمتع فيها الكافر، ويبلغ الله فيها الأجل، ويجمع به الفيء، ويقاتل به العدو، وتأمن به السبل، ويؤخذ به للضعيف من القوي حتى يستريح بر، ويستراح من فاجر»[32] وستعرف بعض الشرح لما ورد في هذا الحديث الشريف في التمهيدات الأخرى.

 ومنها: ما رواه سليم بن قيس عن مولانا أمير المؤمنين (عليه السلام) قال:

«والواجب في حكم الله وحكم الإسلام على المسلمين بعدما يموت إمامهم أو يقتل ضالاً كان أو مهتدياً مظلوماً كان أو ظالماً حلال الدم أو حرام الدم أن لا يعملوا عملاً، ولا يحدثوا حدثاً، ولا يقدموا يداً ولا رجلاً، ولا يبدؤوا بشيء قبل أن يختاروا لأنفسهم إماماً عفيفاً ورعاً عارفاً بالقضاء والسنة يجمع أمرهم، ويحكم بينهم، ويأخذ للمظلوم من الظالم حقه، ويحفظ أطرافهم»[33] والمستفاد من هذا الحديث الشريف أهمية الدولة والأهداف التي ينبغي أن تقوم عليها.

 وكذا روى الآمدي عن مولانا أمير المؤمنين (عليه السلام) قال: «وال ظلوم غشوم خير من فتنة تدوم»[34] لأن الفتنة فيها الهرج والمرج واختلال النظام.

 ومنها: ما رواه الفضل بن شاذان عن مولانا الرضا (عليه السلام) في شأن مسألة الحكم والدولة والحكومة في الإسلام، حيث يقول: «فإن قال قائل: ولم جعل أولي الأمر وأمر بطاعتهم؟ قيل: لعلل كثيرة منها أن الخلق لما وقفوا على حد محدود وأمروا أن لا يتعدوا تلك الحدود لما فيه من فسادهم لم يكن يثبت ذلك، ولا يقوم إلا بأن يجعل عليهم فيها أميناً يأخذهم بالوقت عندما أبيح لهم، ويمنعهم من التعدي على ما حظر عليهم؛ لأنه لو لم يكن ذلك لكان أحد لا يترك لذته ومنفعته لفساد غيره، فجعل عليهم قيّم يمنعهم من الفساد، ويقيم فيهم الحدود والأحكام. ومنها أنا لا نجد فرقة من الفرق ولا ملة من الملل بقوا وعاشوا إلا بقيّم ورئيس لما لا بد لهم منه في أمر الدين والدنيا، فلم يجز في حكمة الحكيم أن يترك الخلق مما يعلم أنه لا بد لهم منه، ولا قوام لهم إلا به، فيقاتلون به عدوهم، ويقسمون به فيئهم، ويقيمون به جمعتهم وجماعتهم، ويمنع ظالمهم من مظلومهم. ومنها إنه لو لم يجعل لهم إماماً قيّماً أميناً حافظاً مستودعاً لدرست الملة، وذهب الدين، وغيّرت السنن والأحكام، ولزاد فيه المبتدعون، ونقّص منه الملحدون، وشبّهوا ذلك على المسلمين؛ إذ قد وجدنا الخلق منقوصين محتاجين غير كاملين مع اختلافهم واختلاف أهوائهم وتشتت حالاتهم، فلو لم يجعل فيها قيّماً حافظاً لما جاء به الرسول الأول لفسدوا على نحو ما بيّناه، وغيّرت الشرائع والسنن والأحكام والإيمان، وكان في ذلك فساد الخلق أجمعين»[35].

 وهذا الحديث الشريف يشرح الحاجة الفطرية إلى الدولة والحكومة كما يشرح الحاجة الرسالية للإسلام والمجتمع الإسلامي لذلك كما بيناه فيما تقدم.

 والحاصل: فإن ما يمكن أن يستظهر من خلال الروايات الكثيرة لزوم وجود دولة تقوم بالأعمال الكثيرة الاجتماعية والسياسية والحقوقية التي لم يكلف بها في الإسلام مسؤول خاص من عامة الناس، بل جعل أمر إجرائها والقيام بها على عاتق الإمام أو الحاكم، وذلك يدل على لزوم وجود جهاز تنفيذي يقوم بهذه المسؤوليات والأعمال، ويدل على أن الحكومة قد كانت مفروضة الوجود في نظر أصحاب الشريعة، وإليك بعض النماذج الأخرى من الروايات التي توكل بعض الأعمال إلى الإمام والحاكم اللذين يعدان رمزاً للحكومة.

 ومنها: ما ورد عن مولانا الصادق (عليه السلام) في الأنفال «وما أخذ بالسيف فذلك إلى الإمام يقبله بالذي يراه كما صنع رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) بخيبر»[36].

ومنها: في تقسيم الزكاة عن مولانا الصادق (عليه السلام): «والغارمين يجب على الإمام أن يقضي عنهم، ويفكهم من مال الصدقات»[37] «وفي سبيل الله قوم يخرجون في الجهاد ليس عندهم ما يتقون به، أو قوم من المؤمنين ليس عندهم ما يحجون به، أو في جميع سبل الخير، فعلى الإمام أن يعطيهم من مال الصدقات حتى يقووا على الحج والجهاد، وابن السبيل أبناء الطريق يكونون في الأسفار في طاعة الله فيقطع عليهم، ويذهب مالهم، فعلى الإمام أن يردهم إلى أوطانهم من مال الصدقات»[38]

ومنها: وفي رؤية الهلال قال الإمام الباقر(عليه السلام): « إذا شهد عند الإمام شاهدان أنهما رأيا الهلال منذ ثلاثين يوماً أمر الإمام بإفطار ذلك اليوم إذا كانا شاهدا قبل زوال الشمس، وإن شهدا بعد زوال الشمس أمر الإمام بإفطار ذلك اليوم وأخّر الصلاة -أي صلاة العيد -إلى الغد فصلى بهم»[39]

ومنها: في أمر إقامة الحج عن مولانا الصادق (عليه السلام): «لو عطل الناس الحج لوجب على الإمام أن يجبرهم على الحج إن شاؤوا وإن أبوا، فإن هذا البيت إنما وضع للحج»[40]

ومنها: عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)في أداء دين الغريم: «ما من غريم ذهب بغريمه إلى وال من ولاة المسلمين واستبان للوالي عسرته إلا برأ هذا المعسر من دينه، وصار دينه على والي المسلمين فيما يديه من أموال المسلمين»[41]

ومنها: عن مولانا الصادق (عليه السلام) في ذلك أيضاً: «إن الإمام يقضي عن المؤمنين الديون ما خلا مهور النساء»[42]

ومنها: في مسؤولية الحاكم تجاه ثقافة الأمة عن مولانا أمير المؤمنين (عليه السلام): «على الإمام أن يعلم أهل ولايته حدود الإسلام والإيمان»[43]

ومنها: في مسؤولية الحاكم تجاه أصحاب الفكر والمهن عن مولانا أمير المؤمنين(عليه السلام): «يجب على الإمام أن يحبس فسّاق العلماء وجهال الأطباء ومفاليس الأكرياء»[44].

ومنها: في مسؤولية الحاكم تجاه الأسر والعوائل عن مولانا الباقر (عليه السلام): «من كانت عنده امرأة فلم يكسها ما يراعي عورتها ويطعمها ما يقيم صلبها كان حقاً على الإمام أن يفرّق بينهما»[45].

ومنها: في مسؤولية الحاكم في أمر المساجين ورد عن مولانا الصادق (عليه السلام): «على الإمام أن يخرج المحبسين في الدين يوم الجمعة إلى الجمعة، ويوم العيد إلى العيد، ويرسل معهم، فإذا قضوا الصلاة والعيد ردهم إلى السجن»[46]

والظاهر أن خصوصية الحبس في الدين هنا من باب قلة موارد الحبس والسجن في الشريعة، وإلا فلا خصوصية لذلك.

ومنها: ما ورد عن مولانا الباقر (عليه السلام): «من قتله القصاص بأمر الإمام فلا دية له في قتل ولا جراحة»[47]

والملحوظ أن بعض الروايات كان ظاهراً في الإمام المعصوم، إلا أن كثيرا منها ظاهر في مطلق القائم بالأعمال المذكورة، سواء أكان معصوما أم غير معصوم، ويدل على ذلك ما ورد في أمير الحج والوالي من التعبير بالإمام، مما يدل على أن المقصود من الامام في هذه الروايات واشباهها هو مطلق الحاكم الإسلامي، وليس الإمام المعصوم المصطلح في علم الكلام، ويؤيد هذا الاتجاه ما حكي عن صاحب الوسائل رضوان الله عليه في تعليقه على إحدى الروايات المشتملة على لفظ الإمام كالروايات المتقدمة هنا. قال: لأن الإمام العدل أعم من المعصوم [48].

وصفوة القول أن الناظر في مثل هذه الروايات وغيرها يجد أن هناك أحكاما اجتماعية اقتصادية أخلاقية سياسية إدارية وغيرها جعلها الإسلام على عاتق الإمام أو الوالي أو من شابههما، وذلك يدل على أهمية هذه الأحكام الخاصة بحيث يتوقف تحقيقها في الخارج على وجود سلطة وجهاز يجريها في المجتمع، وقد عبر في هذه الروايات عن تلك السلطة والجهاز بالإمام والوالي أو السلطان، وذلك يدل بالدلالة الالتزامية على أن هذه أحكام سلطانية وواجبات حكومية لا تنفك عن وجود السلطة والدولة، وقد فرضها الأئمة عليهم السلام مسلمة الوجود في الواقع الخارجي، وإنما أدرجنا هذه من باب النماذج لإثبات أمر واحد هو أن الحكومة الإسلامية أمر مسلم الوجود، وإيجادها فريضة يتوقف عليها الكثير من الأحكام الدينية وتطبيق العدل والحق في المجتمع، ومع ذلك كيف يسمح البعض لأنفسهم أن يقولوا: إن الإسلام يمكن أن يطبق في المجتمع دون حاجة إلى حكومة قوية وسلطة سياسية قادرة.

 تحصّل من جميع ما سبق أن فكرة الدولة والحكومة في الإسلام هي ضرورة تنبثق من طبيعة الشريعة الإسلامية وليست مجرد تشريع منفصل من جملة تشريعاتها، بل هي استجابة للفطرة والضرورة التي يقتضيها الاجتماع البشري الذي لا يعقل تحققه من دونها، والمجتمع الإسلامي ليس خارجاً عن هذه الفطرة وعن هذه الضرورة، فهي ضرورة يفرضها كون الإنسان جزءا من الكون المحكوم بالنظام الكوني الثابت والشامل لجميع الموجودات في عوالم الجماد والحياة النباتية والحيوانية.

هذه العوالم التي يقف الإنسان في قمتها كائناً واعياً عاقلاً مريداً مختاراً حراً بل سخّر الله له سائر هذه العوالم، وزوّده بالوسائل والقدرات المادية والعقلية والنفسية للانتفاع بها، وبمقتضى استخلافه لايمكنه الاستغناء عن الدولة لأنه لايتفق مع كمال الدين وشمول تشريعاته لكل جوانب الحياة الانسانية، ولعل من هنا نجد ورود النصوص المختلفة الدالة بالمطابقة او التضمن او الالتزام على الدولة والنظام والحكومة، وهذا امر يقتضيه الغرض من التشريع والحكمة من التكوين أيضا بعد أن اراد الاسلام للانسان ان يكون كاملا متكاملا، وذا مبدأ انساني عام، والمجتمع الاسلامي ذا رسالة عالمية.

 إن هذه الحقيقة النظرية في الواقع التكويني والاجتماعي والتشريعي الإسلامي قد وجدت بالفعل بالإسلام كما هو الملحوظ في سيرة رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وأمير المؤمنين (عليه السلام) كما ستعرف ان شاء الله تعالى.

الثالث: الدولة ضرورة حضارية

 لا توجد الدولة إلاّ بوجود نظام يستهدف الوصول إلى السعادة التي تعمل من أجلها المجموعة البشرية، وهذا النوع من النظام يشكّل أرقى أنواع المجتمعات، والذي يعبر عنه بالمجتمع السياسي، والذي تديره وتدبره الدولة، ولا بد من تكاتف أفراد المجتمع حول مثل أعلى مشترك يوحد بينهم، غير أن هذا المجتمع لا يمكنه العيش ولا أن يصبح حقيقة تاريخية إلا إذا كانت هناك قوة دافعة تحرك وتراقب التحركات التي بموجبها يتم تنظيم الجهاز الاجتماعي وهذه القوة يعبر عنها بالسلطة السياسية والتي تعمل على تنظيم الوظائف وتوزيعها في المجتمع، ولا سيما فيما يختص بالتفريق بين الطبقة الحاكمة والطبقة المحكومة.

 فالسلطة والمجتمع يولدان معاً؛ إذ لا يمكن أن نقيم الخلاف بينهما كأحد مظاهر التناقض بين الحرية والسلطة، فإن السلطة هي شرط للنظام، والحرية لا توجد إلاّ في النظام، فالسلطة إذاً هي القوة الاجتماعية المثلى؛ اذ لا يمكن تخيل السلطة خارج المجتمع. هذا من جهة، ومن جهة أخرى فإن المجتمع بدون السلطة جسم ضعيف لا يتمكن من إنجاز شيء، أو تحقيق غاية، أو الوصول إلى هدف، أو الضمان للحقوق.

 وعليه تظهر الدولة على أنها الشكل الأهم والأكمل للحياة الجماعية، وهي من صنع إرادة الإنسان وعقله، فالمجتمع يركز جهوده وأفكاره وطاقاته في قناة التنظيم السياسي، وينجح في تأمين ديمومة هذا، وهي مؤسسة المؤسسات حسب تعبير بعضهم، فالدولة حسب الرأي المشهور هي مجموع الأفراد المنتظمة في وسط اجتماعي تسيطر عليه سلطة سياسية منبثقة عن هذا المجتمع، تتميز بقدرة إصدار القوانين واتخاذ القرارات التي من شأنها تنظيم حياة الجميع، وتنظيم القواعد القانونية واحترامها، وحتى يومنا هذا كانت الدولة ظاهرة إنسانية محصورة جغرافياً، فالخريطة السياسية لم تنطبق مطلقاً على الخريطة المادية للعالم، ومن الثابت ملازمة الأنظمة السياسية المجتمعات البشرية؛ لعدم انفكاك السلطة عن المجتمع.

 وتصنيف هذه المجتمعات يختلف باختلاف درجة التطور السياسي والاجتماعي الذي وصل إليه المجتمع، فبعض الحدود الأرضية كانت تشكل عوائق طبيعية لانفتاح الدولة، مضافاً إلى ذلك فإن الجغرافية البشرية ترينا أنه كان من الصعب نشوء الدولة في بعض المناطق واستمرارها في المناطق الأخرى وفي المناطق التي يمكن وصف بعضها بالمناطق السياسية العاملة لتفريقها عن المناطق السياسية الخاملة التي كانت تجهد عملية تكوين الدولة الحقيقية، أو عملية تطورها التام.

 فهذا التقسيم للمناطق كان متنوعاً، ففي العصور القديمة لم يكن هناك سوى القليل من الدول نظراً لبدائية المجتمعات القديمة. أما الجماعات البشرية الأخرى فكانت تنتظم في العشيرة والقبيلة ونحو ذلك التي لم يكن لها طابع محدد ودائم، ولا أرض معينة، غير أنه كان يوجد بين هذه الجماعات البشرية نوع من التضامن، فتجمعها الروح الواحدة، أو النسب المشترك، أو المصالح المشتركة، أو دفع الأضرار المشتركة.

إن ضرورة قيام الدولة ووجودها في الحياة البشرية ليست أمراً تقتضيه الحياة المعاصرة التي اشتدت فيها الحاجة إلى الحكومة فحسب، بل كانت موضع تأكيد كبار الفلاسفة والمفكرين في التاريخ القديم أيضاً، وفي الحضارات القديمة، فأرسطو كبير الفلاسفة القدامى وزعيمهم يقول: إن الدولة من عمل الطبع، وإن الإنسان بالطبع كائن اجتماعي، وإن الذي يبقى متوحشاً بحكم النظام لا بحكم المصادفة هو على التحقيق إنسان ساقط، أو إنسان أسمى من النوع الإنساني[49].

فإذاً تعتبر الدولة بحسب رأي أرسطو حاجة طبيعية تقتضيها الفطرة الإنسانية، بحيث يعد الخارج على الدولة ونظامها وتدبيرها إما متوحشاً ساقطاً أو موجوداً يفوق النوع الإنساني ويخلو عن الطبيعة البشرية حتى يستغني عن الحاجة إلى الدولة، وأفلاطون يرى أن أفضل حياة للفرد لا يمكن الحصول عليها إلا بوجود الدولة؛ لأن طبيعة الإنسان مآلها إلى الحياة السياسية، فإذاً فهي من الأمور الطبيعية التي لا غنى للناس عنها كما حكي ذلك في جمهورية أفلاطون ببعض التلخيص[50].

وابن خلدون يستدل على ضرورة وجود الدولة والحكومة لضرورة الاجتماع الانساني التي يعبر عنها في اصطلاح الحكماء بعبارة أن الإنسان مدني بالطبع، ثم يستدل على ذلك حتى ينتهي إلى إثبات ضرورة إيجاد الحكومة والدولة كما ورد ذلك في مقدمته[51].

ومن المفكرين المعاصرين ما كتبه بعضهم يقول: إن أول مقومات النظام السياسي هو وجود الدولة، بل إن كل تنظيم سياسي للجماعة يفترض وجود الدولة، حتى إن البعض يربط بين مدلول السياسة وفكرة الدولة، ولا يعترف بصفة الجماعة السياسية بغير الدولة[52].

هذا وما جاء في الإسلام من نصوص وسيرة أكثر دلالة وأقوى برهنة على لزوم إيجاد الدولة في الحياة البشرية من أي دليل آخر، وقد استدل غير واحد من أصحابناعلى لزوم الحكومة بالعقل والنقل.

بتقريب:أن بقاء الخلق يتوقف على أمور منها الأمر والنهي. قال الله تعالى:{يا أيها الذين آمنوا استجيبوا لله وللرسول إذا دعاكم لما يحييكم}[53] وفسر ما يحيي الناس بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ولقوله سبحانه:{ولكم في القصاص حياة يا أولي الألباب}[54] فصار الأمر بالمعروف هنا المتمثل في الاقتصاص من القاتل مبدأ للحياة، فإذا كان الأمر والنهي كما توحي هذه الآيات الشريفة مبدأ للحياة وجب أن يكون للناس إمام يقوم بأمرهم ونهيهم، ويقيم فيهم الحدود، ويجاهد فيهم العدو، ويقسم الغنائم، ويفرض الفرائض، ويعرفهم أبواب ما فيه صلاحهم، ويحذرهم عما فيه مضارهم؛ ولهذا كان الأمر بالمعروف أحد أسباب بقاء الخلق فوجب، وإلا سقطت الرغبة والرهبة ولم يرتدع أحد، ولفسد التدبير، وكان ذلك سبباً لهلاك العباد[55].

كما استدل السيد الشيرازي (رحمه الله) على ضرورة قيام الدولة والحكومة بحكم العقل بلزوم الإدارة لبسط العدل، ففي الفقه السياسة قال: إن الإنسان لما اختلفت مواهبه وأهوائه واستجاباته وقع في أفراده وجماعاته التقدم والتأخر والظلم والاستغلال والاحتكاك والثورات والحروب، وكلها تحتاج إلى ضوابط وقوانين لإدارة دفة العدل ولإعطاء كل ذي حق حقه، بحيث {لا تظلمون ولا تظلمون}[56] والإدارة لا تكون إلا بسبب الحكومة؛ ولذا احتاج البشر إلى القوانين أولاً وإلى الحكومة المديرة لها في الاجتماع[57] ثانياً.

ومن الواضح أنه كلما اتسع المجتمع اتسعت مؤسسات الحكومة وكثرت وارتقت أيضاً بارتقاء المجتمع، وتعقدت بتشعب المجتمع وكثرة احتياجاته، فالمؤسسات الحكومية إنما توجد في الجماعات الكبيرة، وكلما كانت الجماعة أكبر تكون الحكومة أوسع وأكثر وأعمق، وتكون صعوبتها أكبر، كما أنه كلما تقدم العلم والصناعة تكون صعوبات الحكومة ودوائرها أكثر.

وعليه فإن المجتمعات البدائية تقل حاجتها إلى الحكومة إلا بصورة بدائية أحياناً، وتكون في الجماعات الكبيرة والأمم المتمدنة بعكس ذلك، فلا غنى للمجتمع عن الحكومة كما لا غنى للحكومة عن الدولة التي بها تدبر أمور الناس، وتبسط العدل بينهم، وتوصل الحقوق إلى أهلها، وفي سيرة رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) مايثبت هذه الحقيقة، فمن تتبع تلك السيرة الشريفة وجد أن الرسول الأعظم (صلى الله عليه وآله وسلم)أقدم على تأسيس الدولة بمجرد ان توطن المدينة، ومارس كل ما هو من شأن الحاكم السياسي القيام به من تشكيل جيش منظم، وعقد المعاهدات والمواثيق مع الطوائف الأخرى، وتنظيم الشؤون الاقتصادية، وإقامة العلاقات الاجتماعية وغير ذلك مما يتطلبه أي مجتمع منظم ذي طابع قانوني وصفة رسمية وصيغة سياسية، حتى اتخذ مركزاً للقضاء والإدارة، وكان في ذلك الوقت هو المسجد، ووضع الرواتب، وعيّن المسؤوليات الادارية، ووجه الرسائل إلى الملوك والأمراء في الجزيرة العربية وخارجها، وسيّر الجيوش والسرايا، وبذلك يكون الرسول الأعظم(صلى الله عليه وآله وسلم)أوّل مؤسس للدولة الإسلامية التي استمرت من بعده واتسعت وتطورت وتبلورت واتخذت صوراً أكثر تكاملاً في الاجهزة والمؤسسات

 الرابع: تاسيس دولة الرسول الاعظم (صلى الله عليه وآله وسلم)

إن من يراجع تاريخ النبي الأعظم (صلى الله عليه وآله وسلم) يلاحظ بوضوح أن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) كان منذ بداية بعثته الشريفة بصدد تأسيس الحكومة وإقامة الدولة، وقد تم ذلك في مرحلتين، كانت المرحلة الأولى في مكة والأخرى في المدينة، ففي مكة يوم لم يكن مأموراً بالظهور والإعلان عن دعوته الشريفة قام في إعداد وبناء الأفراد الصالحين، وتوفير الكوادرالمؤمنة عن طريق الاتصالات الخاصة واللقاءات السرية احيانا، والتربية والتهذيب، أو الإعلان بين الأهل والعشيرة، كما جاء في سيرته الشريفة حديث الدارالذي رواه الطبري في تاريخه بسنده عن ابن عباس[58]، ورواه غيره أيضاً.

ففي السنة الثالثة من مبعث النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)حين نزل قوله تعالى:وأنذر عشيرتك الأقربين[59] أمر رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) علياً أن يصنع طعاماً، ويجمع بني عبد المطلب في حديث طويل جاء فيه: ثم تكلم رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)فقال:«يا بني عبد المطلب، إني والله ما أعلم شاباً في العرب جاء قومه بأفضل مما قد جئتكم به، إني جئتكم بخير الدنيا والآخرة، وقد أمرني الله تبارك وتعالى أن أدعوكم إليه، فأيكم يؤازرني على هذا الأمر على أن يكون أخي ووصيي وخليفتي فيكم؟ فقال علي بن أبي طالب: فأحجم القوم جميعاً وقلت: وإني لأحدثهم سناً، وأرمضهم عيناً، وأعظمهم بطناً، وأحمشهم ساقاً، أنا يا نبي الله أكون وزيرك عليه، فأخذ برقبتي ثم قال:إن هذا أخي ووصيي وخليفتي فيكم، فاسمعوا له وأطيعوا[60].

وثمة نصوص أخرى في العهد المكي تشير إلى هذه، فإن هذه الروايات تدل على أن مسألة الدولة والسلطة السياسية كانت أموراً يتضمنها الإسلام في مرحلته المكية، ولم يعبر عنها بصراحة؛ لأن تلك المرحلة لم تكن مرحلة مناسبة لذلك، بلحاظ ان شروط تكوين المجتمع السياسي والسلطة السياسية لم تكن قد توفرت لدى المسلمين في ذلك الحين؛ ولذا اكتفى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بالتلميح والإشارة تمهيداً للعقول وللنفوس وللأجواء لحين ما تحل الفترة العلنية وإقامة الدولة.

ومن هنا نرى أنه(صلى الله عليه وآله وسلم) بعد أن أمر بإعلان رسالته بعد أن نزل عليه قوله سبحانه:{ فاصدع بما تأمر وأعرض عن المشركين إنا كفيناك المستهزئين}[61] راح رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) يلتقي بقادة القبائل ورؤساء الوفود الآتية إلى مكة يدعوهم إلى دينه والانضمام إلى المسلمين، وكان من أبرز ما فعله على صعيد التهيئة العامة لإقامة الحكومة المرتقبة عقد البيعة مع بعض الوفود القادمة من أنحاء الجزيرة إلى مكة، وأخذ العهد منهم على نصرته ودعم ما ينشد إقامته في ظرفه المناسب، كما تم ذلك في بيعتي العقبة الأولى والثانية على ما رواه في السيرة النبوية[62] وأعلام الورى[63].

وعندما هاجر إلى المدينة وسنح له الظرف باشر بتأسيس أول حكومة إسلامية، وبذل في ذلك أكبر مجهود بعد أن مهد لها بعهد ميثاق الأخوة بين الأصحاب والأنصار والمهاجرين، وأقام مسجداً جعله مركزاً لتجمع المسلمين، وموضعاً لتخطيطه ونشاطاته الاجتماعية والسياسية والتربوية، وقد تجلى العمل السياسي الذي قام به رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، والذي يدل على أنه كان أول من أقام حكومة إسلامية وبنى قواعدها أنه كان يباشر أموراً تعد من صميم الغرض السياسي والنشاط الإداري الحكومي، وهي عديدة، ولعل من اهمها على سيبل المثال لا الحصر أموراً:

الأول:أنه عقد بين أصحابه وبين الطوائف والقبائل الأخرى المتواجدة في المدينة كاليهود وغيرهم اتفاقية وميثاقاً يعتبر في الحقيقة أول دستور للحكومة الإسلامية كما ذكروا في بنوده، ولعلنا نتعرض إليه في المستقبل إن شاء الله.

الثاني:أنه جهز الجيوش وبعث البعثات العسكرية والسرايا إلى مختلف المناطق في الجزيرة، وقاتل المشركين، وقاتل الروم، وقام بمناورات عسكرية دفاعاً عن الإسلام والمسلمين، وقد ذكر المؤرخون انه صلى الله عليه وآله وسلم خاض خلال عشرة أعوام من حياته في المدنية خمسة وثمانين حرباً من الحروب الدفاعية نصرة للإسلام وإنقاذاً للمستضعفين.

الثالث:أنه راسل الملوك والأمراء ودعاهم إلى الانضواء تحت راية الإسلام، والدخول تحت ظل دولته، والقبول بحكومته الإلهية، فراسل قيصر ملك الروم، وكسرى ملك إيران وإمبراطورها، والمقوقس عظيم القبط في مصر، والنجاشي ملك الحبشة، وكبار قادة الشام واليمن وغيرهم من الأمراء والملوك ورؤساء القبائل الكبيرة، وربما وقع مع بعضهم المعاهدات، وأقام بعض التحالفات العسكرية والسياسية والمعاهدات والاقتصادية على ما رواه جملة من المؤرخين كما في تاريخ اليعقوبي وغيره[64]، وقد جمعت أكثر هذه الرسائل والمواثيق في كتب خاصة أمثال الوثائق السياسية تأليف البروفيسور محمد حميد الله الأستاذ بجامعة باريس، ومكاتيب الرسول، ومن هذه النماذج للرسائل والمكاتيب السياسية نورد كتابه إلى ملك عمان والأسد جيفر وعبد ابني الجلندي.

ورد في هذا الكتاب مانصه:

بسم الله الرحمن الرحيم

من محمد بن عبد الله الى جيفر وعبد ابني الجلندي سلام على من اتبع الهدى، أما بعد فإني أدعوكما بدعاية الإسلام أسلما تسلما، فإني رسول الله إلى الناس كافة لأنذر من كان حياً، ويحق القول على الكافرين. وإنكما إن أقررتما بالإسلام وليتكما، وإن أبيتما أن تقرا بالإسلام فإن ملككما زائل عنكما، وخيلي تحل بساحتكما، وتظهر نبوتي على ملككما كما ورد ذلك في جملة من المصادر[65].

وورد في رسالته الى أسقف نجران:

بسم إله إبراهيم وإسحق ويعقوب، من محمد النبي رسول الله إلى أسقف نجران أسلم- أي أنتم سالمون إذا أسلمتم- فإني أحمد إليكم إله إبراهيم وإسحق ويعقوب، أما بعد فإني أدعوكم إلى عبادة الله من عبادة العباد وأدعوكم إلى ولاية الله من ولاية العباد، فإن أبيتم فالجزية، وإن أبيتم آذنتكم بحرب والسلام[66].

إلى غير ذلك من الرسائل التي تدل على أنه (صلى الله عليه وآله وسلم)كان يمارس الاعمال السياسية ويعمل كل ما يتعلق بشؤون صاحب الدولة.

الرابع:أنه بعث السفراء والمندوبين السياسيين إلى الملوك والزعماء، وكانت هذه البعثات والكتب النبوية عملاً بديعاً من أعمال الدبلوماسية، بل كانت أول تواصل سياسي إداري قام به الإسلام في هذا الميدان. إن هذه الدبلوماسية الفطنة التي لجأ إليها النبي(صلى الله عليه وآله وسلم) في مخاطبة الملوك في عصره لم تذهب كلها عبثاً كما رأينا.

الخامس:أنه نصب القضاة وعين الولاة، وأعطاهم برامج للإدارة والسياسة، فأوصاهم فيما أوصاهم بتعليم الإسلام، ونشر الأحكام والآداب التي جاء بها الإسلام، وتعليم القرآن، وجباية الضرائب الإسلامية كالزكاة وإنفاقها على الفقراء والمعوزين وما شابه ذلك من المصالح العامة، وفصل الخصومات بين الناس وحل مشاكلهم، والقضاء على الظلم والطغيان، وغير ذلك من المهام الإدارية والاجتماعية.

 وبالجملة لقد كان النبي الأعظم صلى الله عليه وآله وسلم يعمل ما يعمله الساسة وأصحاب السلطات اليوم من الناحية الإدارية، ولكن يفعل كل ذلك وفق منهج السماء، فكان يقوم بالعزل والنصب والمراسلة وعقد الأحلاف وتوقيع الوثائق السياسية والعسكرية والاقتصادية حسبما تقتضيها المصلحة الإسلامية والاجتماعية في عصره، وضمن آليات مدروسة.

هذا مضافاً إلى أن من راجع سورة الأنفال والتوبة ومحمد يلاحظ كيف يرسم القرآن الخطوط العريضة لسياسة الحكومة الإسلامية وبرامجها ووظائفها، فمجموع هذه السور تشير إلى مقومات الحكومة الإسلامية المالية، وأسس التعامل مع الجماعات غير الإسلامية كالمنافقين والكفار، ومبادئ الجهاد والدفاع وبرامجها، وتعاليم في الوحدة الإسلامية التي تعتبر أقوى دعامة للحكومة الإسلامية، وكذا غيرها من السور والآيات القرآنية. وهذا يكشف عن أن النبي الأعظم (صلى الله عليه وآله وسلم)كان أول مؤسس للحكومة الإسلامية، وأن أول حكومة إسلامية هي التي أقامها وأوجدها النبي(صلى الله عليه وآله وسلم) في المدينة المنورة بعد أن مهد لها في مكة، على أن هذه الحكومة وإن لم تكن من حيث الآليات والتنظيمات الإدارية على النحو المعهود والمتعارف عليه الآن، إلاّ أنها كانت على كل حال تمثل حكومة كاملة الأركان، ودولة كاملة السمات والملامح؛ لأننا ذكرنا بأن سعة الحكومة وتكاملها يرجع إلى سعة المجتمع وكماله أيضاً.

وهذا يعني أنه لابد أن تكون للحكومة الإسلامية أركان ومؤسسات ونظم للقيام بمثل ما كان يقوم به النبي الأعظم (صلى الله عليه وآله وسلم)حسبما تقتضيه طبيعة عصرنا الحاضر ومجتمعنا المعاصر.

* فصل من كتاب فقه الدولة

وهو بحث مقارن في الدولة ونظام الحكم على ضوء الكتاب والسنة والأنظمة الوضعية

** استاذ البحث الخارج في حوزة كربلاء المقدسة

*** للاطلاع على فصول الكتاب الاخرى

http://www.annabaa.org/news/maqalat/writeres/fadelalsafar.htm

..................................................

[1] مفردات ألفاظ القرآن الكريم: ص 322 دول ؛ لسان العرب: ج11 ص 252 دول ؛ مجمع البحرين: ج 5 ص 373- 377 دول.

[2] سورة آل عمران: الآية 140.

 [3] الكافي: ج2 ص 447 ح12.

[4] غرر الحكم: ص 33 رقم 802.

[5] غرر الحكم: ص 205 رقم 51.

[6] غرر الحكم: ص 205 رقم 59.

[7] غرر الحكم: ص 205 رقم 58.

[8] غرر الحكم: ص 205 رقم 61.

[9] غرر الحكم: ص 222 رقم 40.

[10] غرر الحكم: ص441 رقم 2.

[11] نهج البلاغة:ص 333 الخطبة 216.

[12] غرر الحكم: ص 382 رقم 153.

[13] غرر الحكم: ص 183 رقم 6.

[14] غرر الحكم: ص 353 رقم 1062.

[15] غرر الحكم: ص 241 رقم 82.

[16]غرر الحكم: ص 372 رقم 59.

[17] لاننا نناقش الامر من الناحية الجوهرية ولا نخوض في التفاصيل هنا.

[18] انظر سورة البقرة: الآية 189.

[19] انظر سورة البقرة: الآية 215.

[20] انظر سورة البقرة: الآية 217.

[21] انظر سورة البقرة: الآية 219.

[22] انظر سورة البقرة: الآية 222.

[23] انظر سورة البقرة: الآية 220.

[24] انظر سورة المائدة: الآية 4.

[25] انظر سورة الاعراف: الآية 187.

[26] انظر سورة الاسراء: الآية 85.

[27] انظر سورة الانفال: الآية 1.

[28] انظر سورة طه: الآية 105.

[29] سورة النساء: الآية 54.

[30] سورة يوسف: الآية 101.

[31] سورة ص: الآية 35.

[32] نهج البلاغة: ص82 الخطبة 40

[33] سليم بن قيس: ج2 ص 752

[34] غرر الحكم: ص406 رقم 11.

[35] علل الشرائع: ج1 ص295 – 296.

[36] البحار: ج19 ص180 ح 29.

[37] فقه الصادق: ج7 ص244.

[38] المصدر نفسه: ج7 ص 251.

[39] الوسائل: ج7 ص433 ح 9779 باب 9 من ابواب صلاة العيد.

[40] الوسائل: ج11 ص23 – 24 ح 1 باب 5 من ابواب وجوب الحج وشرائطه.

[41] البحار: ج103ص148 ح 1.

[42]مستند الشيعة: ج17 ص 190.

[43] عيون الحكم والمواعظ: ص 328.

[44] الدروس: ج2 ص114.

[45] الحدائق الناضرة: ج23 ص 123.

[46] الوسائل: ج7 ص 340 ح 9523 باب 21 من ابواب صلاة الجمعة وآدابها.

[47] الوسائل: ج29 ص 65 ح 35164 باب 24 من ابواب القصاص في النفس.

[48] الوسائل: ج10 ص 541.

[49] انظر تاريخ الفكر السياسي: ص62-63

[50] انظر تاريخ الفكر السياسي: ص28 وص47-49.

[51] مقدمة ابن خلدون: الباب الاول من الكتاب الاول ص54.

[52] القانون الدستوري والانظمة السياسية: ص18 -22.

[53] سورة الانفال: الآية 24.

[54] سورة البقرة: الآية 179.

[55] انظر الشافي في الامامة: ج1 ص47 وص113 ؛ البحار: ج90 ص41.

[56] سورة البقرة: الآية 279.

[57] الفقه كتاب السياسة: ج105 ص15، بتصرف.

[58] تاريخ الطبري: ج2 ص319-320 بتصرف ؛ وراجع الهداية الكبرى: ص47 -48 ؛ الارشاد: ج1 ص49 ؛ مناقب آل ابي طالب: ج2 ص25 باختلاف يسير.

[59] سورة الشعراء: الآية 214.

[60] البحار: ج38 ص224 ح24، رمضت عينه: حميت عينه حتى كادت أن تحترق، وفي شرح نهج البلاغةلابن ابي الحديد: ج13 ص211، الرمص في العين كالعمص، وهو قذى. تلفظ به كناية عن صغر سنه.

[61] سورة الحجر: الآية 94-95.

[62] السيرة النبوية لابن كثير: ج2 ص178-192.

[63] اعلام الورى: ج2 ص143.

[64] راجع تاريخ اليعقوبي: ج2 ص77-78 و ص80-83.

[65] مكاتيب الرسول: ج2 ص361 ؛ نصب الراية: ج6 ص565 ؛ وراجع ايضا تاريخ ابن خلدون: ج2 ص449 ؛ الكامل: ج2 ص232 وص274.

[66] سبل الهدى والرشاد: ج6 ص415 ؛ تاريخ اليعقوبي: ج2 ص81.

شبكة النبأ المعلوماتية- الأحد 2/أيار/2010 - 17/جمادى الأولى/1431

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1431هـ  /  1999- 2010م