نشوء اللغات وعظمة الخالق

في الثقافة الإسلامية

محمود الربيعي

المقدمة الموضوعية

هناك الكثير من التساؤلات يطرحها الإنسان، ومنها قضية الخلق وأسرار الوجود، وقد بحث الأولون والآخرون في هذه المواضيع، وهناك أمور أخرى هي ليست بتلك الضرورة التي تتعلق بنشوء الخلق وإنما تتعلق بأمور هي أقل شأناً من ذلك كأصل اللغة التي تتكلم بها الأحياء ومنها الإنسان، ولقد تحدث عن ذلك العلماء والمفسرين معتمدين على الأدلة العقلية والنقلية، ولقد سؤلنا عن هذا الأمر وأحببنا أن نعمم هذه الإجابة لعل في ذلك فائدة لمن يرجو الإطلاع على هذه المسألة ولو للحصول على بعض القناعات الأولية.

 ولقد تناولنا في هذا البحث الصغير جملة من الأمور أتسمت بطابع البساطة والبعد عن التعقيد حيث أعتمدنا على بعض المصادر ومنها القرآن الكريم وتفسيره، كما أعتمدنا على نصوص بعض الأدعية المأثورة لأئمة أهل البيت عليهم السلام كأدعية الإمام أمير المؤمنين علي بن أبي طالب والإمام السجاد علي بن الحسين عليهما السلام، كما أستفدنا من بعض المراكز البحثية والعلمية، وآراء العلماء والباحثين ومنهم الشيخ عبد المنصف محمود أحد شيوخ الأزهر الشريف، وبينا أهمية إستذكار واستحضار عظمة الخالق عند النظر الى بديع مخلوقاته ومعالم موجوداته.

عوامل نشوء اللغات عند الإنسان

وفقاً لما جاء في  مذاهب وآراء حول نشوء اللغات -  لصلاح الدين الزعبلاوي‏، جاء إن العوامل التي أدت إلى نشوء اللغة عند الإنسان هي:

أولاً: العوامل الطبيعية: وتعتمد على الأصوات الصادرة من المحيط كصوت الهواء والماء وأوراق النبات والطيور والحيوانات والحجر، ومنها يبرز التنوع في الصوت للدلالة على الشئ.

ثانياً: العوامل الاجتماعية: وتظهر من خلال التوافق بين الناس أنفسهم وبين محيطهم ايضاً.

نظريات نشوء اللغة عند الإنسان

ومن موقع زفرات الذي أعتمد على كثير من المصادر اللغوية وبعنوان نظريات نشوء اللغة عرض ونقد، وقد ذهبت إلى أن اللغة قد نشأت للأسباب النظرية التالية:

أولاً: نظرية التوقيف: ويرى أصحاب هذه النظرية أن اللغة هبة من الله تعالى.

ثانياً: نظرية المحاكاة: ملخص هذه النظرية أن اللغة نشأت عن طريق محاكاة الإنسان لأصوات الطبيعة المحيطة به.

ثالثاً: نظرية الإصطلاح : حيث يذهب أصحاب هذه النظرية إلى أن اللغة هي إصطلاح وتواضع يتمّ بين أفراد المجتمع، ومن ثمّ ليس لألفاظ اللغة أيّة علاقة بمسمياتها.

أقول: يمكن لنا أن نقول بأن أصوات الحروف تكاد تكون موجودة في كل اللغات، يبقي كيفية رسم ذلك الحرف المبتني على الصوت ويحصل هذا بإلابداع والإتفاق، ثم يمكن تجميع تلك الحروف لتشكل الكلمات والجمل وفي النهاية تتشكل لغة تفاهم كاملة تتدخل فيها مجموعة من العوامل منها الإلهية عن طريق الأنبياء وبواسطة الوحي، وعن طريق العوامل الطبيعية والاجتماعية المتعددة.

بعض آراء علماء الدين

ومن شبكة الاعلام العربية نقلاً عن مجلة عقيدتي: نقلاً عن الشيخ عبدالمنصف محمود من علماء الأزهر الشريف بقوله: قال الله تعالي: "ومن آياته خلق السماوات والأرض واختلاف السنتكم والوانكم إن في ذلك لآيات للعالمين" الروم: ..22 إن من الآيات الدالة علي كمال قدرة الله تعالي وباهر حكمته اختلاف السنة العباد من عرب وعجم وترك وروم وحبشة وهنود وغيرهم.

أن أول من تكلم بجميع اللغات هو سيدنا آدم عليه السلام علمه الله تبارك وتعالي إياها عن طريق الإلهام وتلك اللغات المتنوعة واللهجات المتعددة تفرقت في أولاده وستظل منتشرة بينهم علي اختلاف أجناسهم وألوانهم إلي أن تقوم الساعة ويرث الله الأرض ومن عليها. قال تعالي: "وعلم آدم الأسماء كلها" البقرة: ..31 أي أسماء الأشياء كلها أو اللغات جميعها ومن بينها اللغة العربية وقد ألقي جبريل عليه السلام اللغة العربية علي لسان نبي الله نوح عليه السلام وألقاها نوح علي لسان ابنه سام وقد جاء في تفسير القرطبي ما رواه عكرمة عن ابن عباس رضي الله عنه "إن نوحا عليه السلام لما هبط إلي اسفل الجودي ابتني قرية وسماها ثمانين فأصبح ذات يوم وقد تبلبلت ألسنتهم علي ثمانين لغة إحداها اللسان العربي وكان لا يفهم بعضهم بعضا". وممن تكلم بالعربية وذاع صيته يعرب بن قحطان ثم انتشرت اللغات المتعددة في جميع أنحاء العالم. إنتهى.

بعض آراء الأدباء العرب

ومن ملتقى الأدباء والمبدعين العرب: ( يقول ربنا سبحانه: (وما أوتيتم مِن العِلم إلاّ قليلاً، وتحت هذه اللافتة تدور أية نقاشات تتناول تاريخ البشر وألسنتهم التي هي مِن آيات الله تعالى" واختلاف ألسنتكم وألوانكم" . ولذلك فنقاشنا هو مِن باب التلاقح المعرفي: العرب هم جنسٌ من بني آدم، شأنهم شأن الفرس والإغريق والصينيين. فمِن المفارقة التاريخية إذن أن يكون آدم أبو هؤلاء جميعاً عربيَّ اللسان.

اللغة كائن حيّ كما تشهد بذاك سُنة الله في الحياة والواقع العملي للبشر، وبالتالي لا يجوز غضّ الطرف عن التغيرات اللغوية المتواصلة التي تتعرض لها اللغات، وليست العربية استثناءً مِن ذلك.

اللغة الأولى التي علَّمها الله لآدم هي لغة توقيفية تلقاها آدم بالوحي ونقلها لذريته مِن بعده، وخضعت هذه اللغة لتصرّفات بني آدم على مدار القرون المتطاولة مِن بعده. فبقيت آثارٌ لهذه اللغة الأم موجودةً في جميع لغات الأرض، نظراً لاتحاد المنشأ كما قال ربنا: (كان الناسُ أمّةً واحدةً.

-  مَن قال إن هناك لغةً عربيةً واحدة! هناك لغات عربية عديدة أكثرُها باد واندثر باندثار الشعوب العربية المتناثرة. يقول ابن فارس: ((لغة العرب لم تنته إلينا بكلّيتها، وأن الذي جاءنا عن العرب قليل من كثير، وأن كثيراً من الكلام ذهب بِذهَاب أهله)). اهـ ويكفي أنّ الله تعالى نصّ في كتابه أنه أنزل القرآن (بلسانٍ عربيٍّ مُبينٍ)، إذ ما أكثر الألسنة العربية غير المبينة التي كانت منتشرة في جميع أنحاء شبه الجزيرة العربية منذ القِدم. ولذلك تـُعتبر العربية الحجازية التي نزل بها القرآن الكريم أكثر تطوراً وتهذيباً من لغات جنوب الجزيرة وشرقها وشمالها والتي لو اطلع عليها أحدنا لظنها أقرب إلى الفينيقية أو البابلية.

آراء لبعض مراكز الدراسات والبحوث العلمية

ومن موقع المعرفة جاء فيه: تتصل الدلافين بعضها ببعض بوساطة سلاسل معقدة من الأصوات تسمى إخراج الأصوات الكلامية. وتُصْدِر الحيوانات هذه الأصوات من أكياس مليئة بالهواء متصلة بمناخيرها. ويشبه إخراج الأصوات الكلامية أصوات الطقطقة والصفير في تحديد الموقع باستخدام الصَّدى.

ومن موقع أنكاوا جاء فيه: للدلفين 200 صوت يتخاطب بها: تتميز الدلالفين بالذكاء والقدرة على التعلم كما تتميز بطبيعتها غير العدوانية، وهي سمكة اجتماعية يمكنها بطريقتها الخاصة التخاطب مع بني جنسها ، عن طريق إصدار أصوات خاصة وصفير.

وهذا ماكشفت عنه  دراسة استرالية، بأن الدلافين تستخدم حوالي 200 صوت من أجل التخاطب بعضها مع بعض وللتعبير عن حاجاتها.

وأوضحت الباحثة ليز هاوكنز، من مركز أبحاث الحيتان في جامعة ساوثرن كروس في ليزمور باستراليا أن التخاطب بين الدلافين معقد للغاية، كما أن متابعة الصفير أو الأصوات التي تطلقها يدل على أن لها لغة خاصة بها.

وأشارت الباحثة، إلى أن الدلافين تستخدم أصواتا معينة خاصة بها تبعا للحالة التي تكون فيها، مثل محاولة تقديم نفسها والتعرف على آخرين.

وتعتبر الدلافين قادرة على التعلم وهي تستخدم الصدى من أجل تحديد مسيرتها، ويعتبر جهازها السمعي الراداري من بين أعقد الأجهزة الرادارية بين المخلوقات الحية، وباستطاعتها الغوص إلى أعماق لا يمكن للإنسان الوصول إليها.

الدولفين تدعو بعضها بالأسماء:

وجد الباحثون في اسكوتلندا أن الدلافين لديها مهارات تماثل القدرات البشرية التي تمكن الأشخاص من التعرف على بعضهم بشكل فردي.

ونقلت صحيفة تايمز اللندنية عن دراسة أجرتها جامعة سانت اندروز الاسكتلندية أن الدلافين تطور صفارة مخصصة في الأشهر الاولى من حياتها تستخدم كوسيلة للتعريف الشخصي عن الذات.

من مصادر الدعاء لأئمة أهل بيت العصمة الأثني عشر عليهم السلام

أولاً: أدعية الصحيفة السجادية الكاملة للإمام زين العابدين علي بن الحسين عليهما السلام:

ورد في دعاء التسبيح وهو الدعاء (56): " سُبْحَانَكَ تَسْمَعُ أَنْفَاسَ الْحِيتَانِ فِي قُعُورِ الْبِحَارِ ".

كما رَوى الزُّهْرِي عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ قالَ : كانَ الْقَوْمُ لا يَخْرُجُونَ مِنْ مَكَّةَ حَتَّى يَخْرُجَ عَلِيٌّ بْنُ الْحُسَيْنِ سَيِّدُ الْعَابِدِينَ عَلَيْهِ السَّلامُ، فَخَرَجَ وَخَرَجْتُ مَعَهُ، فَنَزَلَ فِي بَعْضِ الْمَنَازِلِ فَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ، فَسَبَّحَ فِي سُجُودِهِ ـ يَعْنِي بِهذَا التَّسْبِيحِ ـ فَلَمْ يَبْقَ شَجَرٌ وَلا مَدَرٌ إلاَّ سَبَّحَ مَعَهُ، فَفَزِعْنَا، فَرَفَعَ رَأسَهُ، فَقَالَ: يَا سَعِيدٌ أَفَزِعْتَ؟ فَقُلْتُ: نَعَمْ يَا ابْنَ رَسُولِ اللهِ فَقالَ: هذَا التَّسْبِيحُ الاعْظَمُ، حَدَّثَنِي أَبِي عَنْ جَدِّي عَنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ: لاَ تَبْقَى الذُّنُوبُ مَعَ هَذَا التَّسْبِيحِ، وَأَنَّ الله جَلَّ جَلالُهُ لَمَّا خَلَقَ جَبْرَئِيلَ أَلْهَمَهُ هذَا التَّسْبِيحَ، وَهُوَ اسْمُ اللهِ الأَكْبَرُ.

إن الإهتمام بقراءة الأدعية المأثورة للأئمة عليهم السلام تدعو النفس الى الرفعة والصفو والتفاعل خصوصا تلك الأدعية التي تحرك التأمل كدعاء التحميد لله عز وجل وهو (الدعاء الأول) من أدعية الصحيفة الكاملة السجادية للإمام زين العابدين عليه السلام، و(الدعاء السابع) عند الصباح والمساء  والدعاء (التاسع والعشرون) متفزعا الى الله عز وجل وكذلك الدعاء (الرابع والأربعون) إذا نظر الى الهلال، ، والدعاء (الواحد والخمسون) في الرهبة، و(السابع والخمسون) في تمجيد الله عز وجل، ، والدعاء (الحادي والستون) مما يحذر ويخاف، وأدعية المناجاة ودعاء الشاكرين وغيرها من الأدعية المأثورة.

ثانياً: أدعية الإمام  الإمام أمير المؤمنين علي بن ابي طالب عليه السلام كدعاء الصباح، كل ذلك يوفر مناخاً رائعاً للنفس المؤمنة التي ترجو رحمة ربها.

من معارف القرآن الكريم الحديث عن لغات المخلوقات

فمن سورة 27 النمل الآيات من ( 16 –  37 ) تعرضت لذكر حديث النبي سليمان عليه السلام إلى الطير والنمل: قال تعالى: " وَوَرِثَ سُلَيْمَانُ دَاوُودَ وَقَالَ يَا أَيُّهَا النَّاسُ عُلِّمْنَا مَنطِقَ الطَّيْرِ وَأُوتِينَا مِن كُلِّ شَيْءٍ إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْفَضْلُ الْمُبِينُ * وَحُشِرَ لِسُلَيْمَانَ جُنُودُهُ مِنَ الْجِنِّ وَالإِنسِ وَالطَّيْرِ فَهُمْ يُوزَعُونَ * حَتَّى إِذَا أَتَوْا عَلَى وَادِي النَّمْلِ قَالَتْ نَمْلَةٌ يَا أَيُّهَا النَّمْلُ ادْخُلُوا مَسَاكِنَكُمْ لا يَحْطِمَنَّكُمْ سُلَيْمَانُ وَجُنُودُهُ وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ *  فَتَبَسَّمَ ضَاحِكًا مِّن قَوْلِهَا وَقَالَ رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَى وَالِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحًا تَرْضَاهُ وَأَدْخِلْنِي بِرَحْمَتِكَ فِي عِبَادِكَ الصَّالِحِينَ *  وَتَفَقَّدَ الطَّيْرَ فَقَالَ مَا لِيَ لا أَرَى الْهُدْهُدَ أَمْ كَانَ مِنَ الْغَائِبِينَ *  لَأُعَذِّبَنَّهُ عَذَابًا شَدِيدًا أَوْ لَأَذْبَحَنَّهُ أَوْ لَيَأْتِيَنِّي بِسُلْطَانٍ مُّبِينٍ *  فَمَكَثَ غَيْرَ بَعِيدٍ فَقَالَ أَحَطتُ بِمَا لَمْ تُحِطْ بِهِ وَجِئْتُكَ مِن سَبَإٍ بِنَبَإٍ يَقِينٍ *  إِنِّي وَجَدتُّ امْرَأَةً تَمْلِكُهُمْ وَأُوتِيَتْ مِن كُلِّ شَيْءٍ وَلَهَا عَرْشٌ عَظِيمٌ *  وَجَدتُّهَا وَقَوْمَهَا يَسْجُدُونَ لِلشَّمْسِ مِن دُونِ اللَّهِ وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ فَصَدَّهُمْ عَنِ السَّبِيلِ فَهُمْ لا يَهْتَدُونَ *  أَلاَّ يَسْجُدُوا لِلَّهِ الَّذِي يُخْرِجُ الْخَبْءَ فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَيَعْلَمُ مَا تُخْفُونَ وَمَا تُعْلِنُونَ *  اللَّهُ لا إِلَهَ إِلاَّ هُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ *  قَالَ سَنَنظُرُ أَصَدَقْتَ أَمْ كُنتَ مِنَ الْكَاذِبِينَ * اذْهَب بِّكِتَابِي هَذَا فَأَلْقِهْ إِلَيْهِمْ ثُمَّ تَوَلَّ عَنْهُمْ فَانظُرْ مَاذَا يَرْجِعُونَ *  قَالَتْ يَا أَيُّهَا الْمَلَأُ إِنِّي أُلْقِيَ إِلَيَّ كِتَابٌ كَرِيمٌ *  إِنَّهُ مِن سُلَيْمَانَ وَإِنَّهُ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ *  أَلاَّ تَعْلُوا عَلَيَّ وَأْتُونِي مُسْلِمِينَ *  قَالَتْ يَا أَيُّهَا الْمَلَأُ أَفْتُونِي فِي أَمْرِي مَا كُنتُ قَاطِعَةً أَمْرًا حَتَّى تَشْهَدُونِ *  قَالُوا نَحْنُ أُوْلُوا قُوَّةٍ وَأُوْلُوا بَأْسٍ شَدِيدٍ وَالأَمْرُ إِلَيْكِ فَانظُرِي مَاذَا تَأْمُرِينَ *  قَالَتْ إِنَّ الْمُلُوكَ إِذَا دَخَلُوا قَرْيَةً أَفْسَدُوهَا وَجَعَلُوا أَعِزَّةَ أَهْلِهَا أَذِلَّةً وَكَذَلِكَ يَفْعَلُونَ *  وَإِنِّي مُرْسِلَةٌ إِلَيْهِم بِهَدِيَّةٍ فَنَاظِرَةٌ بِمَ يَرْجِعُ الْمُرْسَلُونَ *  فَلَمَّا جَاءَ سُلَيْمَانَ قَالَ أَتُمِدُّونَنِ بِمَالٍ فَمَا آتَانِيَ اللَّهُ خَيْرٌ مِّمَّا آتَاكُم بَلْ أَنتُم بِهَدِيَّتِكُمْ تَفْرَحُونَ *  ارْجِعْ إِلَيْهِمْ فَلَنَأْتِيَنَّهُمْ بِجُنُودٍ لّا قِبَلَ لَهُم بِهَا وَلَنُخْرِجَنَّهُم مِّنْهَا أَذِلَّةً وَهُمْ صَاغِرُونَ ".

تفسير ذلك: ومن كتاب الميزان في تفسير القرآن للعلامة السيد محمد حسين الطباطبائي قدس سره الشريف جاء فيه: فلأن ما حكاه الله تعالى في الآيات التالية من محاورة سليمان و الهدهد يتضمن معارف عالية متنوعة لا يسع لما نجده عند الهدهد من الأصوات المعدودة أن تدل عليها بتميز لبعضها من بعض ففي كلام الهدهد ذكر الله سبحانه و وحدانيته و قدرته و علمه و ربوبيته و عرشه العظيم و ذكر الشيطان و تزيينه الأعمال و الهدى و الضلال و غير ذلك، و فيه ذكر الملك و العرش و المرأة و قومها و سجدتهم للشمس، و في كلام سليمان أمره بالذهاب بالكتاب و إلقائه إليهم ثم النظر فيما يرجعون، و هذه كما لا يخفى على الباحث في أمر المعاني المتعمق فيها معارف جمة لها أصول عريقة يتوقف الوقوف عليها على ألوف و ألوف من المعلومات، و أنى تفي على إفادة تفصيلها أصوات ساذجة معدودة.

على أنه لا دليل على أن كل ما يأتي بها الحيوان في نطقه من الأصوات أو خصوصيات الصوت يفي حسنا بإدراكه أو تمييزه، و يؤيده ما نقل من قول النملة في الآيات التالية و هو من منطق الحيوان قطعا و لا صوت للنملة يناله سمعنا و يؤيده أيضا ما يراه علماء الطبيعة اليوم أن الذي يناله سمع الإنسان من الصوت عدد خاص من الارتعاش المادي و هو ما بين ستة عشر ألفا إلى اثنين و ثلاثين ألفا في الثانية، و أن الخارج من ذلك في جانبي القلة و الكثرة لا يقوى عليه سمع الإنسان و ربما ناله سائر الحيوان أو بعضها.

و قد عثر العلماء الباحثون عن الحيوان من عجيب الفهم و لطيف الإدراك عند أنواع من الحيوان كالفرس و الكلب و القرد و الدب و الزنبور و النملة و غيرها على أمور لا يكاد يعثر على نظائرها عند أكثر أفراد الإنسان.

و قد تبين بما مر أن ظاهر السياق أن للطير منطقا علمه الله سليمان، و ظهر به فساد قول من قال إن نطق الطير كان معجزة لسليمان و أما هي في نفسها فليس لها نطق هذا.

قوله تعالى: «حتى إذا أتوا على واد النمل» الآية، «حتى» غاية لما يفهم من الآية السابقة، و ضمير الجمع لسليمان و جنوده، و تعدية الإتيان بعلى قيل: لكون الإتيان من فوق، و وادي النمل واد بالشام على ما قيل، و قيل في أرض الطائف، و قيل: في أقصى اليمن، و الحطم الكسر.

و المعنى: فلما سار سليمان و جنوده حتى أتوا على وادي النمل قالت نملة مخاطبة لسائر النمل: يا أيها النمل ادخلوا مساكنكم لا يكسرنكم سليمان و جنوده أي لا يطأنكم بأقدامهم و هم لا يشعرون.

و فيه دليل على أنهم كانوا يسيرون على الأرض.

قوله تعالى: «فتبسم ضاحكا من قولها» إلى آخر الآية، قيل: التبسم دون الضحك، و على هذا فالمراد بالضحك هو الإشراف عليه مجازا.

و لا منافاة بين قوله (عليه السلام): «علمنا منطق الطير» و بين فهمه كلام النملة إذ لم ينف فهمه كلام سائر الحيوان أو كلام بعضها كالنملة.

و قد تسلم جمع منهم دلالة قوله: «علمنا منطق الطير» على نفي ما عداه فتكلفوا في توجيه فهمه (عليه السلام) قول النملة تارة بأنه كانت قضية في واقعة، و أخرى بتقدير أنها كانت نملة ذات جناحين و هي من الطير، و ثالثة بأن كلامها كان من معجزات سليمان (عليه السلام) و رابعة بأنه (عليه السلام) لم يسمع منها صوتا قط و إنما فهم ما في نفس النملة إلهاما من الله تعالى هذا.

و ما تقدم من معنى منطق الحيوان يزاح به هذه الأوهام. على أن سياق الآيات وحده كاف في دفعها.

و قوله: «و قال رب أوزعني أن أشكر نعمتك التي أنعمت علي و على والدي و أن أعمل صالحا ترضاه» الإيزاع الإلهام.

تبسم (عليه السلام) مبتهجا مسرورا بما أنعم الله عليه حتى أوقفه هذا الموقف و هي النبوة و العلم بمنطق الحيوان و الملك و الجنود من الجن و الإنس و الطير فسأل الله أن يلهمه شكر نعمته و أن يعمل بما فيه رضاه سبحانه.

قوله تعالى: «اذهب بكتابي هذا فألقه إليهم ثم تول عنهم فانظر ما ذا يرجعون» حكاية قول سليمان خطابا للهدهد كأنه قيل: فكتب سليمان كتابا ثم قال للهدهد: اذهب بكتابي هذا إليهم أي إلى ملكة سبإ و ملئها فألقه إليهم ثم تول عنهم أي تنح عنهم وقع في مكان تراهم فانظر ما ذا يرجعون أي ما ذا يرد بعضهم من الجواب على بعض إذا تكلموا فيه.

و قوله: «فألقه» بسكون الهاء وصلا و وقفا في جميع القراءات و هي هاء السكت، و مما قيل في الآية: إن قوله «ثم تول عنهم فانظر» إلخ، من قبيل التقديم و التأخير و الأصل فانظر ما ذا يرجعون ثم تول عنهم: و هو كما ترى.

قوله تعالى: «قالت يا أيها الملؤا إني ألقي إلي كتاب كريم إنه من سليمان و إنه بسم الله الرحمن الرحيم» في الكلام حذف و إيجاز و التقدير فأخذ الهدهد الكتاب و حمله إلى ملكة سبإ حتى إذا أتاها ألقاه إليها فأخذته و لما قرأته قالت لملئها و أشراف قومها يا أيها الملؤا «إلخ».

فقوله: «قالت يا أيها الملؤا إني ألقي إلي كتاب كريم» حكاية ذكرها لملئها أمر الكتاب و كيفية وصوله إليها و مضمونه، و قد عظمته إذ وصفته بالكرم.

" تُسَبِّحُ لَهُ السَّمَاوَاتُ السَّبْعُ وَالأَرْضُ وَمَن فِيهِنَّ وَإِن مِّن شَيْءٍ إِلاَّ يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَلَكِن لاَّ تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ إِنَّهُ كَانَ حَلِيمًا غَفُورًا " سورة 17 الإسراء الآية 44.

«تسبح له السموات السبع و الأرض و من فيهن» يثبت لأجزاء العالم المشهود التسبيح و أنها تسبح الله و تنزهه عما يقولون من الشريك و ينسبون إليه.

و التسبيح تنزيه قولي كلامي و حقيقة الكلام الكشف عما في الضمير بنوع من الإشارة إليه و الدلالة عليه غير أن الإنسان لما لم يجد إلى إرادة كل ما يريد الإشارة إليه من طريق التكوين طريقا التجأ إلى استعمال الألفاظ و هي الأصوات الموضوعة للمعاني، و دل بها على ما في ضميره، و جرت على ذلك سنة التفهيم و التفهم، و ربما استعان على بعض مقاصده بالإشارة بيده أو رأسه أو غيرهما، و ربما استعان على ذلك بكتابة أو نصب علامة.

و بالجملة فالذي يكشف به عن معنى مقصود قول و كلام و قيام الشيء بهذا الكشف قول منه و تكليم و إن لم يكن بصوت مقروع و لفظ موضوع، و من الدليل عليه ما ينسبه القرآن إليه تعالى من الكلام و القول و الأمر و الوحي و نحو ذلك مما فيه معنى الكشف عن المقاصد و ليس من قبيل القول و الكلام المعهود عندنا معشر المتلسنين باللغات و قد سماه الله سبحانه قولا و كلاما.

و عند هذه الموجودات المشهودة من السماء والأرض ومن فيهما ما يكشف كشفا صريحا عن وحدانية ربها في ربوبيته و ينزهه تعالى عن كل نقص و شين فهي تسبح الله سبحانه.

فإن قلت: مجرد الكشف عن التنزه لا يسمى تسبيحا حتى يقارن القصد و القصد مما يتوقف على الحياة و أغلب هذه الموجودات عادمة للحياة كالأرض و السماء و أنواع الجمادات فلا مخلص من حمل التسبيح على المجاز فتسبيحها دلالتها بحسب وجودها على تنزه ربها.

قلت: كلامه تعالى مشعر بأن العلم سار في الموجودات مع سريان الخلقة فلكل منها حظ من العلم على مقدار حظه من الوجود، و ليس لازم ذلك أن يتساوى الجميع من حيث العلم أو يتحد من حيث جنسه و نوعه أو يكون عند كل ما عند الإنسان من ذلك أو أن يفقه الإنسان بما عندها من العلم قال تعالى حكاية عن أعضاء الإنسان: «قالوا أنطقنا الله الذي أنطق كل شيء»: حم السجدة: 21 و قال «فقال لها و للأرض ائتيا طوعا أو كرها قالتا أتينا طائعين»: حم السجدة: 11 و الآيات في هذا المعنى كثيرة، و سيوافيك كلام مستقل في ذلك إن شاء الله تعالى.

و إذا كان كذلك فما من موجود مخلوق إلا و هو يشعر بنفسه بعض الشعور و هو يريد بوجوده إظهار نفسه المحتاجة الناقصة التي يحيط بها غنى ربه و كماله لا رب غيره فهو يسبح ربه و ينزهه عن الشريك و عن كل نقص ينسب إليه.

و بذلك يظهر أن لا وجه لحمل التسبيح في الآية على مطلق الدلالة مجازا فالمجاز لا يصار إليه إلا مع امتناع الحمل على الحقيقة، و نظيره قول بعضهم: إن تسبيح بعض هذه الموجودات قالي حقيقي كتسبيح الملائكة و المؤمنين من الإنسان و تسبيح بعضها حالي مجازي كدلالة الجمادات بوجودها عليه تعالى و لفظ التسبيح مستعمل في الآية على سبيل عموم المجاز، و قد عرفت ضعفه آنفا.

و الحق أن التسبيح في الجميع حقيقي قالي غير أن كونه قاليا لا يستلزم أن يكون بألفاظ موضوعة و أصوات مقروعة كما تقدمت الإشارة إليه و قد تقدم في آخر الجزء الثاني من الكتاب كلام في الكلام نافع في المقام.

فقوله تعالى: «تسبح له السموات السبع و الأرض و من فيهن» يثبت لها تسبيحا حقيقيا و هو تكلمها بوجودها و ما له من الارتباط بسائر الموجودات الكائنة و بيانها تنزه ربها عما ينسب إليه المشركون من الشركاء و جهات النقص.

و قوله: «و إن من شيء إلا يسبح بحمده» تعميم التسبيح لكل شيء و قد كانت الجملة السابقة عدت السماوات السبع و الأرض و من فيهن، و تزيد عليها بذكر الحمد مع التسبيح فتفيد أن كل شيء كما يسبحه تعالى كذلك يحمده بالثناء عليه بجميل صفاته و أفعاله.

و ذلك أنه كما أن عند كل من هذه الأشياء شيئا من الحاجة و النقص عائدا إلى نفسه كذلك عنده من جميل صنعه و نعمته تعالى شيء راجع إليه تعالى موهوب من لدنه، و كما أن إظهار هذه الأشياء لنفسها في الوجود إظهار لحاجتها و نقصها و كشف عن تنزه ربها عن الحاجة و النقص، و هو تسبيحها كذلك إبرازها لنفسها إبراز لما عندها من جميل فعل ربها الذي وراءه جميل صفاته تعالى فهو حمدها فليس الحمد إلا الثناء على الجميل الاختياري فهي تحمد ربها كما تسبحه و هو قوله: «و إن من شيء إلا يسبح بحمده».

و بلفظ آخر إذا لوحظ الأشياء من جهة كشفها عما عند ربها بإبرازها ما عندها من الحاجة و النقص مع ما لها من الشعور بذلك كان ذلك تسبيحا منها، و إذا لوحظت من جهة كشفها ما لربها بإظهارها ما عندها من نعمة الوجود و سائر جهات الكمال فهو حمد منها لربها و إذا لوحظ كشفها ما عند الله سبحانه من صفة جمال أو جلال مع قطع النظر عن علمها و شعورها بما تكشف عنه كان ذلك دلالة منها عليه تعالى و هي آياته.

و هذا نعم الشاهد على أن المراد بالتسبيح في الآية ليس مجرد دلالتها عليه تعالى بنفي الشريك و جهات النقص فإن الخطاب في قوله: «و لكن لا تفقهون تسبيحهم» إما للمشركين و إما للناس أعم من المؤمن و المشرك و هم على أي حال يفقهون دلالة الأشياء على صانعها مع أن الآية تنفي عنهم الفقه.

فالحق أن التسبيح الذي تثبته الآية لكل شيء هو التسبيح بمعناه الحقيقي و قد تكرر في كلامه تعالى إثباته للسماوات و الأرض و من فيهن و ما فيهن و فيها موارد لا تحتمل إلا الحقيقة كقوله تعالى: «و سخرنا مع داود الجبال يسبحن و الطير»: الأنبياء: 79، و قوله: «إنا سخرنا الجبال معه يسبحن بالعشي و الإشراق»: ص: 18، و يقرب منه قوله: «يا جبال أوبي معه و الطير»: سبأ: 10 فلا معنى لحملها على التسبيح بلسان الحال.

و قد استفاضت الروايات من طرق الشيعة و أهل السنة أن للأشياء تسبيحا و منها روايات تسبيح الحصى في كف رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) و سيوافيك بعضها في البحث الروائي الآتي إن شاء الله تعالى.

وفي البحث الروائي جاء فيه

وفي تفسير العياشي، عن أبي الصباح عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: قلت له: قول الله: «و إن من شيء إلا يسبح بحمده» قال: كل شيء يسبح بحمده، و إنا لنرى أن تنقض الجدر هو تسبيحها: أقول: و رواه أيضا عن الحسين بن سعيد عنه (عليه السلام).

و فيه، عن النوفلي عن السكوني عن جعفر بن محمد عن أبيه (عليه السلام) قال: نهى رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) أن يوسم البهائم و أن يضرب وجهها فإنها تسبح بحمد ربها: أقول: و روى النهي عن ضربها على وجوهها: الكليني في الكافي، بإسناده عن محمد بن مسلم عن أبي عبد الله (عليه السلام) عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) قال: و في حديث آخر: لا تسمها في وجوهها.

وفيه، عن إسحاق بن عمار عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: ما من طير يصاد في بر أو بحر و لا شيء يصاد من الوحش إلا بتضييعه التسبيح.

و فيه، عن مسعدة بن صدقة عن جعفر بن محمد عن أبيه (عليه السلام): أنه دخل عليه رجل فقال: فداك أبي و أمي إني أجد الله يقول في كتابه: «و إن من شيء إلا يسبح بحمده و لكن لا تفقهون تسبيحهم» فقال له: هو كما قال الله تبارك و تعالى. قال: أ تسبح الشجرة اليابسة؟ فقال: نعم أ ما سمعت خشب البيت كيف ينقصف؟ و ذلك تسبيحه فسبحان الله على كل حال.

و في الدر المنثور، أخرج ابن مردويه عن أبي هريرة أن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) قال: إن النمل يسبحن.

و فيه، أخرج النسائي و أبو الشيخ و ابن مردويه عن ابن عمر قال: نهى رسول الله عن قتل الضفدع و قال: نعيقها تسبيح.

و فيه، أخرج الخطيب عن أبي حمزة قال: كنا مع علي بن الحسين فمر بنا عصافير يصحن فقال: أ تدرون ما تقول هذه العصافير؟ فقلنا: لا فقال: أما إني ما أقول: إنا نعلم الغيب و لكني سمعت أبي يقول: سمعت علي بن أبي طالب أمير المؤمنين يقول: إن الطير إذا أصبحت سبحت ربها و سألته قوت يومها و إن هذه تسبح ربها و تسأل قوت يومها.

أقول: و روي أيضا مثله عن أبي الشيخ و أبي نعيم في الحلية عن أبي حمزة الثمالي عن محمد بن علي بن الحسين (عليهما السلام) و لفظه قال محمد بن علي بن الحسين: و سمع عصافير يصحن قال: تدري ما يقلن؟ قلت: لا قال: يسبحن ربهن عز و جل و يسألن قوت يومهن.

و فيه، أخرج الخطيب في تاريخه عن عائشة قالت: دخل على رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فقال لي: يا عائشة اغسلي هذين البردين فقلت: يا رسول الله بالأمس غسلتهما فقال لي: أ ما علمت أن الثوب يسبح فإذا اتسخ انقطع تسبيحه.

و فيه، أخرج العقيلي في الضعفاء و أبو الشيخ و الديلمي عن أنس قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): آجال البهائم كلها و خشاش الأرض و النمل و البراغيث و الجراد و الخيل و البغال و الدواب كلها و غير ذلك آجالها في التسبيح فإذا انقضى تسبيحها قبض الله أرواحها، و ليس إلى ملك الموت منها شيء.

أقول: و لعل المراد من قوله: و ليس إلى ملك الموت منها شيء، أنه لا يتصدى بنفسه قبض أرواحها و إنما يباشرها بعض الملائكة و الأعوان، و الملائكة أسباب متوسطة على أي حال.

و فيه، أخرج أحمد عن معاذ بن أنس عن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): أنه مر على قوم و هم وقوف على دواب لهم و رواحل فقال لهم: اركبوها سالمة و دعوها سالمة، و لا تتخذوها كراسي لأحاديثكم في الطرق و الأسواق فرب مركوبة خير من راكبها و أكثر ذكرا لله منه.

و في الكافي، بإسناده عن السكوني عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: للدابة على صاحبها ستة حقوق: لا يحملها فوق طاقتها، و لا يتخذ ظهرها مجلسا يتحدث عليها، و يبدأ بعلفها إذا نزل، و لا يسمها في وجهها، و لا يضربها فإنها تسبح، و يعرض عليها الماء إذا مر بها.

و في مناقب ابن شهرآشوب،: علقمة و ابن مسعود: كنا نجلس مع النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) و نسمع الطعام يسبح و رسول الله يأكل، و أتاه مكرز العامري و سأله آية فدعا بتسع حصيات فسبحن في يده، و في حديث أبي ذر: فوضعهن على الأرض فلم يسبحن و سكتن ثم عاد و أخذهن فسبحن.

ابن عباس قال: قدم ملوك حضرموت على النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) فقالوا كيف نعلم أنك رسول الله؟ فأخذ كفا من حصى فقال: هذا يشهد أني رسول الله فسبح الحصا في يده و شهد أنه رسول الله.

و فيه، أبو هريرة و جابر الأنصاري و ابن عباس و أبي بن كعب و زين العابدين: أن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) كان يخطب بالمدينة إلى بعض الأجذاع فلما كثر الناس و اتخذوا له منبرا و تحول إليه حن كما يحن الناقة، فلما جاء إليه و أكرمه كان يئن أنين الصبي الذي يسكت.

أقول: و الروايات في تسبيح الأشياء على اختلاف أنواعها كثيرة جدا، و ربما اشتبه أمرها على بعضهم فزعم أن هذا التسبيح العام من قبيل الأصوات، و أن لعامة الأشياء لغة أو لغات ذات كلمات موضوعة لمعان نظير ما للإنسان مستعملة للكشف عما في الضمير غير أن حواسنا مصروفة عنها و هو كما ترى.

و الذي تحصل من البحث المتقدم في ذيل الآية الكريمة أن لها تسبيحا هو كلام بحقيقة معنى الكلام و هو إظهارها تنزه ربها بإظهارها نقص ذاتها و صفاتها و أفعالها عن علم منها بذلك، و هو الكلام فما روي من سماعهم تسبيح الحصى في كف النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) أو سماع تسبيح الجبال و الطير إذا سبح داود (عليه السلام) أو ما يشبه ذلك إنما كان بإدراكهم تسبيحها الواقعي بحقيقة معناه من طريق الباطن ثم محاكاة الحس ذلك بما يناظره و يناسبه من الألفاظ و الكلمات الموضوعة لما يفيد ما أدركوه من المعنى.

نظير ذلك ما تقدم من ظهور المعاني المجردة عن الصورة في الرؤيا فيما يناسبه من الصور المألوفة كظهور حقيقة يعقوب و أهله و بنيه ليوسف (عليه السلام) في رؤياه في صورة الشمس و القمر و الكواكب و نظير سائر الرؤى التي حكاها الله سبحانه في سورة يوسف و قد تقدم البحث عنها.

فالذي يناله من ينكشف له تسبيح الأشياء أو حمدها أو شهادتها أو ما يشابه ذلك حقيقة المعنى أولا ثم يحاكيه الحس الباطن في صورة ألفاظ مسموعة تؤدي ما ناله من المعنى و الله أعلم.

الآثار الإلهية العجيبة في الكون والحياة تدعو الى الخضوع والخشوع للخالق العظيم

إن شلالات نياكارا وغيرها من الشلالات، وكذلك الجبال والوديان والغابات، والبحار والبحيرات والأنهار تدل على عظمة الخالق وتثير الإعجاب بسحرها الأخّاذ، أو تبعث الخوف في النفوس أحياناً لما لتلك المواقف من رهبة في النفس وكل ذلك يدعو الى الخضوع والخشوع، وعلى الصلاة والتحميد والشكر لذكر نِعَم الله وآلآءه العظيمة.

إن كل موقف يسجل فيه خوف أو رهبة أو رعب يدعونا الى الصلاة والى التدبر وكان هذا هو ديدن الأنبياء نوح وإبراهيم وموسى وعيسى ومحمد عليهم أفضل الصلاة والسلام، ولاريب أن نصلي لله كما صلوا، ونذكره كما ذكروه أول مرة،  "ونسبح لله مع الشجر والحجر والنجم والقمر والوديان والجبال والشعاع وحبات الرمال، نخشع في تلك اللحظات الصمدانية الرائعة التي يشخص فيها نظرنا إلى السماء ثم لانملك إلاّ أن نَخِرَّ الى الجبين ساجدين لله في عبادة مطلقة هي قمة السيادة وخضوع إرادي هو ذروة الشموخ، " مقتطفات أذكرها عندما كنت أستمع الى برنامج الراديو في الستينيات أو السبعينيات وفيها ذكر لله وتمجيد لعظمته وجمال خلقه وهو الجميل... " اللهم إني أسألك من جمالك بأجمله ، وكل جمالك جميل ، اللهم إني أسألك بجمالك كله "، " اللهم إني أسألك من عظمتك بأعظمها ، وكل عظمتك عظيمة، اللهم إني أسألك بعظمتك كلها" ،" اللهم إني أسألك من قدرتك بالقدرة التي استطلت بها على كل شيء، وكل قدرتك مستطيلة، اللهم إني أسألك بقدرتك كلها ". مقتطفات من دعاء السحر للإمام السجاد زين العابدين علي بن الحسين عليه السلام.ويدعى ايضاء بدعاء البهاء.

خاتمة 

نرجو أن نكون قد وفقنا لبيان حقيقة نشوء اللغة عند الإنسان، وبيان قدرة وإمكانية الأنبياء على فهم لغات الحيوانات كما حدث ذلك للنبي سليمان عليه السلام، كما نتمنى أن نكون قد أجبنا عن بعض التساؤلات التي تتعلق بواجبات الإنسان تجاه خالقه العظيم خصوصاً في الأوقات التي تتجلى له فيها عظمة الخالق.

..................................

المصادر البحثية

القرآن الكريم

موقع السراج في الطريق الى الله للتحقق من الايات القرآنية الكريمة

كتاب الميزان في تفسير القرآن للعلامة السيد محمد حسين الطباطبائي قدس سره الشريف

الصحيفة السجادية الكاملة للإمام زين العابدين علي بن الحسين عليه السلام

دعاء السحر للإمام السجاد زين العابدين علي بن الحسين عليهما السلام

دعاء الصباح للإمام أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام

المسائل المنتخبة للعلامة السيد ابو القاسم الموسوي الخوئي قدس سره الشريف

مذاهب وآراء حول نشوء اللغات لصلاح الدين الزعبلاوي

موقع زفرات المعتمد على كثير من المصادر اللغوية وبعنوان نظريات نشوء اللغة عرض ونقد

شبكة الاعلام العربية نقلاً عن مجلة عقيدتي: نقلاً عن الشيخ عبدالمنصف محمود من علماء الأزهر الشريف

ملتقى الأدباء والمبدعين العرب

موقع المعرفة

موقع أنكاوا Ankawa

مقتطفات من بعض البرامج الدينية لراديو الكويت

شبكة النبأ المعلوماتية- الثلاثاء 27/نيسان/2010 - 12/جمادى الأولى/1431

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1431هـ  /  1999- 2010م