قراءة في كتاب: المستقبل الأسود في مصر

 

 

 

 

 

 

الكتاب: الدكتور جمال حمدان ولمحات من مذكراته الخاصة

المؤلف: جمال حمدان

إعداد: عبد الحميد صالح حمدان

الناشر: عالم الكتب- القاهرة

عدد الصفحات: 72 صفحة- قطع كبير

 

 

 

شبكة النبأ: تلقي الأوراق الخاصة بالمفكر المصري الراحل جمال حمدان أضواء على آرائه في قضايا مازالت ساخنة منها علاقة بلاده بإسرائيل والعالم العربي وجماعات الإسلام السياسي ولكنه بدا متشائما حتى سجّلَ أن "مستقبل مصر أسود" وأن الخيار أمام البلاد لم يعد بين السيئ والأسوأ بل بين الأسوأ والأكثر سوءا.

ويسجل الكاتب الذي رحل في ظروف غامضة في ابريل نيسان 1993 في أوراقه الخاصة أن مصر فقدت زعامتها في العالم العربي وليس لها وريث "لان وراثة مصر كانت أكبر من أي دولة عربية أخرى منافسة" وكانت النتيجة هي تقسيم وراثة مصر فانتقل الثقل الاقتصادي الى الخليج والسياسي إلى العراق الذي انتهى دوره منذ حرب الخليج 1991 .

وبإيجاز يرى أن "بداية نهاية مصر عربيا كامب ديفيد ونهاية النهاية حرب العراق" في اشارة إلى اتفاقية كامب ديفيد بين مصر واسرائيل 1978 وبموجبها وقع الجانبان معاهدة السلام المصرية الإسرائيلية عام 1979. أما حرب العراق فيعني بها ما سمي بحرب تحرير الكويت بعد احتلال العراق لها في أغسطس آب 1990.

وأعد عبد الحميد صالح حمدان الأوراق الخاصة بشقيقه جمال حمدان وتصدر في ذكرى رحيله هذا الأسبوع عن (عالم الكتب) في القاهرة في كتاب (العلامة الدكتور جمال حمدان ولمحات من مذكراته الخاصة) يضم 72 صفحة كبيرة القطع.

وقال محرر الكتاب في مقدمته ان شقيقه كتب مسودات تضم أفكاره واراءه متفاعلا مع الاحداث تمهيدا "لادراجها في عمل كبير كان ينوي اخراجه عن العالم الاسلامي في الاستراتيجية العالمية" ولكنه نبه الى أن هناك أشياء حجبها "مراعاة لحرمتها واحتراما لذكرى كاتبها" الذي مات في حريق شب في بيته قبل 17 عاما ومازال موته لغزا. بحسب رويترز.

وحمدان الذي ولد عام 1928 اختار أن يعيش في عزلة فلم يختلط بأحد أو يستقبل زائرين في بيته الذي عاش فيه وحيدا. ومازال حمدان يحظى باحترام كبير في الاوساط العلمية والثقافية. وله نحو 20 كتابا منها (دراسات في العالم العربي) و(دراسة في جغرافيا المدن) و(المدينة العربية) و(بترول العرب) و(الاستعمار والتحرير في العالم العربي) و(افريقيا الجديدة) و(استراتيجية الاستعمار والتحرير) و(اليهود انثروبولوجيا) و(6 أكتوبر في الاستراتيجية العالمية) وهو قراءة لما بعد حرب أكتوبر تشرين الاول 1973 التي تمكن فيها الجيش المصري من عبور قناة السويس واستعادة شريط مواز لها في شبه جزيرة سيناء التي احتلتها اسرائيل في حرب يونيو حزيران 1967 .

أما العمل الموسوعي لحمدان فهو (شخصية مصر.. دراسة في عبقرية المكان) ونشر لاول مرة ككتاب عام 1967 ثم تحول الى موسوعة في أربعة مجلدات لا تخص الجغرفيا وحدها وانما قراءة لماضي البلاد ومستقبلها اذ يسجل في المقدمة فيما يشبه الرثاء أن مصر تحولت من "أول أمة في التاريخ الى أول دولة الى أول امبراطورية... الى أطول مستعمرة في التاريخ" قبل أن تتخلى عن مكانتها ودورها كما يقول في أوراقه.

ويرى بعض المؤرخين أن الحدود الحالية لمصر لا تختلف كثيرا عن تلك التي رسمها الملك مينا قبل أكثر من 5100 عام للدولة حين أسس الاسرة الفرعونية الاولى على طبقات من خبرات متنوعة أثمرت بناء الاهرام وغيرها من "المعجزات" والعجائب في مراحل تالية ومنذ عام 2600 قبل الميلاد أقيم أول نظام اداري مركزي في التاريخ في العاصمة منف.

ويبدي حمدان في (مذكراته الخاصة) خوفه من تراجع مساحة الزراعة التي تعني الحياة للبلاد ومن غير الزراعة ستتحول مصر "الى مقبرة بحجم الدولة" لان مصر بيئة جغرافية مرهفة وهشة لا تحتمل العبث "ولا تصلح بطبيعتها للرأسمالية المسعورة الجامحة الجانحة. الرأسمالية الهوجاء مقتل مصر الطبيعية."

ويقول ان مصر تتحول "لاول مرة من تعبير جغرافي الى تعبير تاريخي" بعد أن ضاقت أمامها الخيارات.. ليس بين السيء والاسوأ وانما بين الاسوأ والاكثر سوءا ويصف بقاءها واستمرارها بأنه نوع من القصور الذاتي.

ويرى أن مصر "تهرب من المستقبل الاسود. بل من الحاضر البشع الى الماضي التليد... لاول مرة في التاريخ يتغير مكان مصر في العالم ومكانتها الى الاسفل فتجد نفسها لاول مرة في وضع من العالم لم يسبق من قبل وهو أنها كيان منكمش في عالم متمدد. أنها كيان متقلص في عالم متوسع" لكنه يستبعد ما يصفه بمشاريع اسرائيل والصهيونية والغرب لتفتيت مصر ويعتبر هذا نوعا من السفه والجنون.

ويعزو ذلك "لان مصر أقدم وأعرق دولة في الجغرافيا السياسية للعالم غير قابلة للقسمة على اثنين... مصر السياسية هي ببساطة من خلق الجغرافيا الطبيعية... انها نبت طبيعي بحت" والفرق بين مصر وبعض الدول المحيطة أن الاخيرة أصبح عندها فائض قوة أما مصر فلديها "فائض أزمة تغرق بها داخل حدودها" مضيفا أنه بقيام اسرائيل عام 1948 فقدت مصر ربع دورها التاريخي ثم فقدت نصف وزنها "بهزيمة 1967 ثم فقدت بقية وزنها جميعا في كامب ديفيد... مصر الان خشبة محنطة مومياء سياسية كمومياواتها الفرعونية القديمة ولا عزاء للخونة."

ويرى أن الرئيس المصري الاسبق جمال عبد الناصر "أول وللاسف اخر" حاكم يعرف جغرافيا مصر السياسية وأن "الناصرية هي المصرية كما ينبغي أن تكون... أنت مصري اذن أنت ناصري... حتى لو انفصلنا عنه (عبد الناصر) أو رفضناه كشخص أو كانجاز. وكل حاكم بعد عبد الناصر لا يملك أن يخرج على الناصرية ولو أراد الا وخرج عن المصرية أي كان خائنا" لان الناصرية في رأيه قدر مصر الذي لا يملك مصري الهروب منه.

ويقول ان الناصرية "بوصلة مصر الطبيعية" مع احتفاظ كل مصري بحقه المطلق في رفض عبد الناصر لان المصري "ناصري قبل الناصرية وبعدها وبدونها."

ويرى أن كامب ديفيد كانت تعني "اطلاق يد اسرائيل مقابل اطلاق يد مصر في سيناء" وأن مصر منذ الاتفاقية "لم تعد مستقلة ذات سيادة وانما هي محمية أمريكية تحت الوصاية الاسرائيلية أو العكس محمية اسرائيلية تحت الوصاية الامريكية."

وكان مصطفى الفقي رئيس لجنة الشؤون العربية بمجلس الشعب المصري (البرلمان) قال لصحيفة المصري اليوم في يناير كانون الثاني الماضي ان الرئيس القادم لمصر "يحتاج الى موافقة أمريكا وعدم اعتراض اسرائيل" وأثارت تصريحاته جدلا واسعا في ضوء عدم وجود نائب للرئيس حسني مبارك (82 عاما) الذي يحكم مصر منذ عام 1981 ولم يعلن عما اذا كان سيرشح نفسه لفترة جديدة في الانتخابات الرئاسية العام القادم وفي حالة عدم ترشحه فان كثيرا من المصريين يعتقدون أنه سيسعى الى تسليم السلطة لابنه جمال رغم نفي الاب والابن.

ويقول حمدان في أوراقه ان مصر "تم دفنها في كامب ديفيد. وفي كامب ديفيد ماتت فلسطين وتم دفنها في مدريد وواشنطن" في اشارة الى مؤتمر مدريد للسلام الذي عقد عام 1991 .

ويرى أن اسرائيل "تدرك أن الحل السلمي اذا تحقق وأسفر عن دولة فلسطينية مستقلة فان هذا لن يكون نهاية المطاف أو نهاية الصراع بل نهاية اسرائيل" ويشدد على أن "كل عربي أو مسلم يقبل باسرائيل فهو خائن قوميا وكافر دينيا."

وفي فصل عنوانه (دنيا العالم الاسلامي) يقول حمدان الذي كان عاشقا لعلوم الجغرافيا ان العالم الاسلامي حقيقة جغرافية ولكنه خرافة سياسية وان المسلمين أصبحوا "عبئا على الاسلام بعد أن كان الاسلام عونا للمسلمين" وان الاسلام السياسي تعبير عن مرض نفسي وعقلي "فلو كان لدى الاسلام السياسي ذرة احساس بالواقع المتدني المتحجر لانتحر" موضحا أن الجماعات المتشددة وباء دوري يصيب العالم الاسلامي في فترات الضعف السياسي اذ يحدث التشنج لعجز الجسم عن المقاومة.

ولا يجد حمدان تناقضا بين العلمانية والدين لان "كل الاديان علمانية أي دنيوية... الدين في خدمة الدنيا لا الدنيا في خدمة الدين... هدف الاسلاميين الارهابيين هو حكم الجهل للعلم" مضيفا أن منطقهم بسيط وواضح فلانهم في قاع المجتمع فليس لديهم ما يخسرونه فاما أن يضعهم المجتمع في مكانة مقبولة أو فيذهب الجميع الى الجحيم تحت ستار الدين.

ويقول ان "الاسلام هو العلمانية. لا اسلام بلا علمانية وان كان هناك علمانية بلا اسلام."

ويضيف أن العلمانية هي "ترشيد التدين.. التدين بلا هستيريا وبلا تطرف. العمل فوق العبادة والعلم فوق الدين أصول اسلامية مقررة. الفتنة الطائفية والتطرف الاسلامي في مصر كلاهما نتيجة مباشرة للاعتراف باسرائيل ثم نتيجة غير مباشرة لكل تداعيات هذا الاعتراف. هذا الاعتراف هو نوع مستتر من الانتحار الوطني" مضيفا أن تصفية الجماعات الاسلامية المتشددة والانظمة الحاكمة "شرط حتمي لاي مواجهة مع العدو الخارجي."

ويرى أن "مشكلة الاسلام والمسلمين أنهم يواجهون العالم الخارجي من مركب نقص حضاري وطني قومي مادي ولكن من مركب عظمة ديني... هذه بالدقة افة الاسلام تحديدا أكثر من أي دين اخر. بالتخلف الحضاري والفكري تحول الاسلام كسلاح ذي حدين من الموجب الى السالب."

شبكة النبأ المعلوماتية- الأربعاء 21/نيسان/2010 - 6/جمادى الأولى/1431

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1431هـ  /  1999- 2010م