مفاتيح حل المشاكل الأمنية

الإمتحان الأخير للدولة والشعب في مواجهة الإرهاب

محمود الربيعي

الإسراع في إعلان التشكيل الجديد للرئاسات الثلاث يقطع  الطريق أمام الإرهابيين

يستعد العراقيون هذه الأيام لإعلان تشكيلة مجلس النواب الجديد وإختيار الرئاسات الثلاث، ويترقب شعبنا بفارغ الصبر الخطط الجديدة في مواجهة المهمات الصعبة ومنها حفظ الأمن وتقديم الخدمات، وإستكمال السيادة والإستقلال، وتشكيل وزارات قوية وكفوءة ووطنية تعبر عن إرادة الشعب.

مواجهة الإرهاب وتقديم الخدمات من أهم المطالب الشعبية

لقد أصبحت مهمة مواجهة الإرهاب أولى المهمات الوطنية لحفظ الأمن والسلام، كما أن تقديم الخدمات لم يعد يحتمل التأخير، والكل يترقب حزم الحكومة في محاسبة المقصرين وإستبدال الضعيف بالقوي، وتحويل التقصير المتعمد إلى القضاء العادل.

(( العراق يتعافى بالوحدة السياسية وحكومة الشراكة الوطنية ))

وأمامنا نقطتين مهمتين أولاهما تحديد هوية الإرهاب، وثانيهما التركيز على الأساليب الناجحة لإحاطة ذلك الإرهاب ومن ثم القضاء عليه.. وغايتنا من ذلك الوصول إلى نقطة الإستقرار الأمني بعد تشكيل ((حكومة قوية وكفوءة قادرة على إدارة الملفات بروح وطنية عالية)) تعتمد على تأييد الشعب الذي أختار النخب التي إتفقت على أن تتبنى حكومة الشراكة الوطنية وبمشاركة جميع الكتل الكبيرة الفائزة الممثلة لإرادة الشعب.

وفي نظرنا فإن أول خطوة جريئة هي إختيار وزراء مهنيين أكاديميين، يتمتعون بالخبرة والشعور الوطني المستقل الذي يستوعب المواطنين بشكل متكافئ ويضعهم في طريق البناء الواحد الموحد،  ويرسم لهم طريق القانون والنظام بشكل حقيقي يحقق الأهداف الوطنية، ويلزم المواطنين بالواجبات التي تساهم في درء الأخطار الداخلية والخارجية المهددة لإستقرار العراق وأمنه، ويخطط لهم إختيار نوع العمل الذي يحقق التعاون بين الحكومة والشعب بما يضمن الحفاظ على الأمن والحدود والثروات ويحقق الحياة الحرة الكريمة ويهيئ كافة الخدمات الضرورية للمواطنين، ويعطي الضمانات لإنهاء البطالة بتوفير فرص العمل الشريف.

الإرهاب في العراق صناعة داخلية أم صناعة خارجية؟؟

ولقد تأكد لنا بأن مصادر الإرهاب إما داخلية ولها توصيفات،  أو خارجية تحتاج الى بيان، وسواء كانت صناعتة داخلية أم خارجية فإن علينا أن نشخص بكل دقة مصادر ذلك الإرهاب، وبصورة عامة فإن الغاية من الإرهاب هو تنشيط حالة الخوف والذعر في قلوب المواطنين، وهو فعل من لادين له، ويتجسد بفعل البعث وأفعال السياسات الإقليمية والدولية أولئك الذين يشعرون بالضرر من العملية السياسية، وهؤلاء لهم مصلحة كبيرة في خلق حالة عدم الإستقرار.

المصالحة مع الوطنيين الأحرار أقصر الطرق لإنهاء الإحتلال

ولقد تبين بعد الإحتلال أن القوات الأجنبية لاتمتلك القدرة للسيطرة على الملف الأمني، حيث أن هذه القوات مهيئة لخوض حروب خارجية ولاتفهم كما يفهم الشعب أسرار أعداءه، فالشعب يفقه تماماً دور حزب البعث والمنظومات الإقليمية والدولية في معادلة الأمن والسلطة، وإن القوة التي يتمتع بها الشعب في إدارة الملف الأمني هي الأقدر في السيطرة عليه من قوات الإحتلال، ومن المنطق أن نقول بأن حجم الإرهاب هو بحجم إمكانيات حزب البعث أو أكثر، ومتى تم الإنتهاء من هذا الحزب الإقصائي بحيث غادر الزمان والمكان أمكن للشعب أن يعيد النظر بمشاركة المواطنين جميعاً ودون إستثناء في إدارة الملف الأمني وعلى أساس الإنتماء للوطن والإخلاص له.

الإرهاب النوعي المكثف يستهدف المواطن والسلطة

لقد أستثمرت الإرادات السياسية المعادية في الداخل والخارج طبيعة الخلافات بين السياسيين من أجل أن تعطي صورة بأن الأمن في العراق هش وكان طريقها إلى تحقيق مآربها إستهداف أرواح المواطنين الأبرياء من خلال ماترتكبه من الجرائم البشعة ضد الإنسانية بالإضافة الى ضرب الأهداف الستراتيجية كالسفارات العربية والأجنبية وتفجير الفنادق الضخمة والأحياء السكنية، والتجمعات السكانية وهي أعمال وحشية بالغة الشدة تثير إهتمام الكثير من وسائل الإعلام، وترسل رسائل الخوف للدول والدبلوماسيين ورجال الأعمال والموظفين الحكوميين الراغبين في العمل داخل العراق، كما تنشر الذعر في صفوف المواطنين وتدعو الى القلق.

إستقراء نفسي وأمني لعوامل الإرهاب في العراق

ومن خلال إستقراء الملف الأمني فإن هناك عوامل عديدة مهدت لهذا الإرهاب منها حل الجيش العراقي البعثي بشكل فوضوي مما خلق إرباكاً للجهاز العسكري المهني إذ لم تكن هناك خطة مسبقة لإلحاقه بعملية التغيير، كما أن إطلاق سراح أرباب السوابق سمح بشكل خطير لمشاركتهم في منظومات إرهابية لم يحسب لها حساب! عدا أن الملف الأمني لم تستلمه عناصر قوية وكفوءة بل كانت ضعيفة ومخترقة وغير مجهزة بأجهزة حديثة تتلائم مع حجم حالات التفجير والقتل وحوادث الإغتيال والخطف.

البندقية الديمقراطية في مواجهة الإرهابَيْن الداخلي والخارجي

وهناك مشكلة خطيرة تستلزم الإهتمام ألا وهي المجموعات الإرهابية المصنعة خارجياً تشاركها قوات الإحتلال التي لم تستطع أن تُقَدِّرَ الوضع الداخلي تقديراً صائباً وقد أفرطت في إستخدام القوة، وكثيراً ماقَتَلَتْ أو سَجَنَتْ أبرياء.. يضاف إلى ذلك تهور أجهزة الحماية التابعة للشركات الأمنية التي إشاعت الإرهاب وأرتكبت العديد من عمليات القتل، ولقد قَدّمَتْ المنظمات الإرهابية خدمات كبيرة لقوات الإحتلال التي تبحث عن السيطرة بأي شكل من الأشكال دون أن يهمها نوعية الخسائر وكميتها التي تصيب المواطنين.

كما هَيَئَتْ تلك المنظمات فرصاً أكبر للمحتلين للإستمرار في تواجدهم بحجة القضاء على الإرهاب، ونرى أن هذه المنظمات هي من صنع أجنبي وخليجي محض، ولقد إستغل الإرهابيون الأوضاع المرتبكة لإشعال الفتن وإشاعة الخوف والقيام بعمليات التخريب والقتل وإلحاق الدمار بالممتلكات وإحداث الفوضى مما أظهر الأجهزة الأمنية الوطنية في حالة ضعيفة.

أهم الإجراءات الواجب إتخاذها عند تشكيل حكومة جديدة

ولأجل القضاء على الإرهاب بشكل كامل ينبغي:

أولاً: الإهتمام بتشكيل وزارات قوية وفق أسس مهنية سليمة وإختيار شخصيات مستقلة كوزراء للداخلية والخارجية والعدل والدفاع وفي مجال التخطيط والإعلام.

ثانياً: تعيين قيادات مركزية كفوءة في المواقع المتقدمة لقوى الأمن الداخلي، وجهاز الإستخبارات، والجيش، والشرطة، وحرس الحدود، وإدارات السجون، والمفارز الوطنية في مختلف مناطق البلاد سواء  فيما يخص الخطوط الداخلية أوالمناطق التي تربط بين المحافظات وكذلك المطارات.

ثالثاً: التعهد بإجراء إصلاحات في مجالات التعليم والصحة والمواصلات بما يعزز الوضع الأمني، ويعتمد ذلك على وضع برامج ومناهج عملية، وتخطيط وإحصاء دقيق. 

رابعاً: تطوير الأجهزة الإستخباراتية ومراكز المعلومات وفق أسس مهنية تعتمد الخبرة الوطنية والخبرة الإقليمية والدولية، ومن المهم الإعتماد على الطاقات الشابة المتخصصة، والكوادر العلمية الكفوءة.

خامساً: لم تُبْدِ قوات الإحتلال أي إهتمام للخسائر الكبيرة التي تعرض لها المواطنين الأبرياء، والأكثر من ذلك أن الشعب فقد الكثير من الضحايا الأبرياء على أيدي قوات الإحتلال نفسها.

سادساً: لم تنزع قوات الإحتلال السلاح من أيدي البعثيين، ولم تُؤَمِّن الحدود كما ينبغي، لذلك فإن وجود هذه القوات من عدمها أصبح لايشكل أهمية تذكر، إذ لم يمنع تواجدها حدوث تفجيرات وتدمير وإختراق أمني خطير.

سابعاً: نشير إلى أن المجازر الجماعية التي حدثت بعد التغيير لم تَلْقَ أي تحقيق على مستوى المهمة الملقاة على الأجهزة الأمنية.

القيادة الناجحة مع الخطة الإستخبارية، والسرية في العمل الأمني المهني

كما نوصي بما يلي:

أولاً: أن يكون الملف الأمني بأيدي أمينة متفق عليها من جهة الوطنية والإخلاص والأمانة والحرص والإستقلال.

ثانياً: أن تعمل القوى الأمنية بسرية تامة وبمعزل عن الإعلام.

ثالثاً: أن يكون جهاز الإستخبارات قوي يملأ الفراغ ويحقق النجاح في العمل بما يضمن الحصول على المعلومات بشكل مبكر.

لقد أصبحت مهمة مواجهة الإرهاب المنظم ضرورة حتمية، ولابد أن تتظافر الجهود لأجل وقف هذا الإرهاب، كما تقتضي الضرورة التعاون الجماعي في حكومة المشاركة الوطنية.. ونتمنى أن تحقق الحكومة الجديدة أكبر قدر من الوحدة والتكاتف والعمل المشترك وتستطيع أن تبذل أقصى الجهود المتميزة لمكافحة الجرائم المنظمة، في الوقت الذي نتمنى للجميع الموفقية والنجاح والمسارعة الجادة لتشكيل الحكومة وسيرى الله عملكم ورسوله والمؤمنون.

شبكة النبأ المعلوماتية- السبت 17/نيسان/2010 - 2/جمادى الأولى/1431

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1431هـ  /  1999- 2010م