الكتاب الرقمي ومكتبات بلا ورق

 

شبكة النبأ: يواجه ناشرو الكتب سابقة مقلقة في الوقت الذي يبدؤون فيه المسيرة باتجاه التحول إلى الصيغة الرقمية. وقبل عشر سنوات، كانت صناعة الموسيقى ما زالت تعتمد إلى حد كبير على مبيعات الأقراص المدمجة في المتاجر.

ولكن ما بدأ كقطارة للموسيقى المقرصنة على الإنترنت أصبح طوفاناً، حين اكتشف الزبائن طرقاً سهلة للحصول على الموسيقى مجاناً.

دخلت «أبل» في هذه الفوضى. وبوجود جهاز «الأيبود»، ومتجر «إي تيونز»، قدمت مجموعة التقنية لشركات الموسيقى طريقة سهلة لبيع الموسيقى على الإنترنت، وللزبائن طريقة سهلة لشرائها.

ومع ذلك، وبتشجيع مبيعات الأغنية الواحدة، وتحديد السعر لجميع الأغاني بنحو 99 سنتاً، قللت «أبل» كذلك من قيمة النموذج التاريخي لبيع الأسطوانات الموسيقية في صناعة التسجيل. ولم تتعاف شركات الموسيقى من الأمر. وحين سلمت السيطرة على التسعير إلى شركة تقنية، اكتشفت صناعة الموسيقى أن الأمر في غاية الخطورة.

يعلم الناشرون أن عليهم تفادي ارتكاب الأخطاء ذاتها. ويقول جون ماكينسون، الرئيس التنفيذي لشركة بنجوين للنشر، إن الناشرين «حذرون باستمرار بشأن الطريقة التي تفكك بها قطاع عمل الموسيقى من خلال مزيج من التغييرات في التسعير، والمشاركة في الملفات بشكل غير قانوني». ويقول إن من المهم «ألا نضع أنفسنا في ذلك الموقف».

ما زالت شركات الموسيقى تأسف على حقيقة أنها لم تكن قادرة على تمثيل جبهة متحدة في مواجهة شركة أبل – كانت أي محاولة منسقة لرفع الأسعار تُعامل من جانب المنظمين على أنها دليل على التواطؤ، وتطلق قضايا قانونية ما زال ينبغي حلها.

ويدرك الناشرون أنهم لن يستطيعوا التضامن بشأن تسعير الكتب الرقمية، ولكن عليهم التفاوض منفردين مع عمالقة الأجهزة والتجارة الإلكترونية.

يرى ماكينسون اختلافات جوهرية بين الكتب والموسيقى: من حقيقة أن القراء يريدون روايات بأكملها، وليس فصولاً قليلة، إلى حقيقة أن المستهلكين لا يمكنهم تحميل كتبهم المادية على مكتباتهم الرقمية بالطريقة التي يمكنهم بواسطتها تحميل الأقراص المدمجة على أجهزة أي تيونز.

أثار متجر الكتب الرقمي الجديد الذي تم عرضه حين كشفت شركة أبل عن جهاز إيباد، اهتمام المراجعين، غير أن ماكينسون على قناعة بأن الكتب الورقية – وبالحبر سوف تبقى صيغة مادية جذابة- وهو أمر افتقرت إليه صناعة الموسيقى منذ زوال تسجيل «الجرامافون». ويقول، على الرغم من أن ذلك ليس كافياً على الأرجح لحماية نموذج الصناعة. ويعلق على ذلك قائلاً: «أعتقد أن الكتب غرض دائم. ولكن هناك خطر هائل في الرضا عن الذات».

انتصار جديد

في السياق ذاته تقترح شركة صغيرة في مواجهة شركات عملاقة مثل «غوغل» و«امازون» و«أبل»، على اصحاب المكتبات وزبائنهم اداة تساهم في توفير الالفة بين الكتاب الرقمي والقارئ حيث في امكان الأخير قصد مكتبته المفضلة بغية شراء هذا النوع من الكتب، على ان توفر له امكانية الاتصال برقم هاتفي مخصص للمساعدة التقنية حين تواجه الحاسوب مشاكل.

وتعرف هذه الخدمة المتوافرة حاليا باسم «ايباجين»، علما بانها كانت اطلقت على نطاق ضيق في عام 2008، وقوامها الاقتراح على اصحاب المكتبات عرض دليل يتضمن كتب الناشرين الرقمية على الانترنت وفي المكتبات.

ومثال على ذلك دار «غاليمار» للنشر التي تصدر كتابا رقميا وآخر ورقيا في الوقت نفسه.

وقال ستيفان ميشالون، المدير العام لجهاز «ايباجين»، ان «في وسع 440 مكتبة راهنا بيع كتاب رقمي مباشرة من مكتباتهم»، وتابع «كما في وسع متصفحي الانترنت ايضا تحميل هذه الكتب من الموقع المخصص لبيع الكتب عبر الموقع الالكتروني «ايباجين.فر».

على الرغم من ان هواة الكتب الرقمية ما زالوا نادرين جدا في فرنسا فإن في وسعهم قراءتها بواسطة جهاز كمبيوتر او حواسيب من دون لوحة مفاتيح او جهاز قراءة مثل «كيندل» من «امازون» و«ريدر» من «سوني» او «اي باد» من «آبل» الذي يدخل الى اسواق فرنسا في نهاية ابريل.

الحلقة المفقودة

وقال ميشالون ان «جهاز (ايباجين) يشكل الحلقة المفقودة في السوق الرقمية اذ تنشئ رابطا بين الناشر وصاحب المكتبة والقارئ»، وتابع «تسمح هذه الاداة ايضا بتوحيد قاعدة المعلومات الورقية والرقمية لدى الناشرين وامكانية الوصول الى ارشيفهم الرقمي، كما يوحد ايضا طريقة تصفح المؤلفات وشرائها وتحميلها».

وقال فرانسوا بوجار رئيس شركة «تايت-لايف» التي صممت جهاز «ايباجين»، «نقدم لاصحاب المكتبات موقعا الكترونيا مع امكانية بيع الكتب الرقمية في المكتبات».

حين يدخل متصفح الى موقع «ايباجين.فر» عليه ان يختار مكتبة ما، ثم في امكانه تحميل كتاب او فصول منه على الانترنت ليقرر بعدها ان كان الكتاب يثير اهتمامه، عندها في وسعه التحول الى موقع المكتبة الالكتروني لشرائه او الذهاب الى «مقرها». ويمثل الكتاب الرقمي حوالى 3 % فقط من مبيعات الكتب في العالم. بحسب وكالة فرانس برس.

وقال بوجار «في عام 2009 كنا نبيع كتابا رقميا يوميا في حوالى عشرين مكتبة لكننا امسينا نبيع عشرين كتابا رقميا منذ مطلع السنة في 25 مكتبة. انها البداية ونطمح الى بيع مائة كتاب رقمي يوميا في السنة المقبلة». ورأى «ان الكتاب الرقمي سيشكل في عامي 2014 و2015 نسبة 10 % الى 15 % من المبيع».

ويطمح مدير عام «هاشيت ليفر» ارنو نوري في ان يشكل مبيع الكتب الرقمية نسبة 10 % الى 15 % من رقم اعمال النشر الرقمي «في السنوات الخمس الى السبع المقبلة».

مساعدة تقنية

وقال بوجار ان «خدمة ما بعد البيع اساسية ونحن نقترح مساعدة تقنية عبر الهاتف للعديد من الزبائن الذين يواجهون صعوبات في تحميل اي كتاب رقمي بسبب (دي ار ام)» (ادارة الحقوق الرقمية على غرار الاسطوانة).

واظهرت دراسة وضعها المركز الوطني للكتاب التي عهد بها الى «ايبسوس ـ ميديا سي تي» ان ثلث الفرنسيين يقولون انهم مستعدون لقراءة رواية رقمية في يوم ما».

وكان وزير الثقافة الفرنسي فريديريك ميتران قد اعلن في نهاية مارس تخصيصه قرضا بقيمة 500 الف يورو بفائدة صفر في المائة بغية استحداث بوابة الكترونية موجهة للمكتبات المستقلة كي تتمكن من مواجهة التحدي الرقمي.

حلم لم يتحقق

في السياق ذاته ما يزال الوصول إلى "مكتب خال من الأوراق،" حلما يراود كثيرين ممن يدعمون تولي التكنولوجيا على معظم نواحي الحياة، فرغم التقدم الرقمي، إلا أن المكاتب والشركات ما تزال تطبع الأوراق وتبعث عبر جهاز الفاكس، أكثر من ترليون ورقة كل عام.

لكن هذا الحال تغير بالنسبة لمجلة "تريند هنتر دوت كوم"، التي أعلنت أن مكاتبها خالية تماماً من الورق، وفقاً لمؤسسها جيريمي غاتسيش، الذي يقول إن مكاتب المجلة تخلو أيضاً من خزائن الملفات.

وبدأ حلم "مكاتب بلا ورق" عام 1975، عندما تنبأت مجلة "بيزنس ويك"، أن نرى بحلول عام 1990 مجموعة من المكاتب مربوطة مع بعضها البعض، لكن دون ورق، وبوجود الكثير من الخزائن الرقمية.

لكن نبوءة المجلة تأخرت كثيرا، فبعد أكثر من 20 عاما من الموعد الذي حددته، ما زال رجال الأعمال وموظفو الشركات يختارون أرشفة 62 في المائة من وثائقهم على الورق ومنم ثم في خزائن الملفات.

وقبل أن تضرب الأزمة المالية الكثير من القطاعات، قدر مختصون عدد الأوراق التي تمت طباعتها في المكاتب والشركات في الولايات المتحدة وحدها نحو 1.019 تريليون ورقة، وفقاً لشركة "إنفو تريندز" للأبحاث التسويقية.

ويقول المحلل في الشركة جون شين إن كثيرا من الناس "لا يقتنعون بالوثيقة إلا إذا كانت مطبوعة على ورق، إذ يعتقدون أن حملها أسهل وقراءتها أسهل، من قراءة وثيقة على جهاز كمبيوتر محمول مثلا." بحسب (CNN).

ويضيف شين "معظم الأوراق التي يطبعها الناس حاليا هي وثائق يقرأونها مؤقتا ثم يتلفونها، وليس للحفظ.. الناس يحبون الورق.. يقرأونه ثم يلقونه.. هذا السلوك يحب تغييره إذا أردنا أن نصل إلى مكاتب بلا ورق."

شبكة النبأ المعلوماتية- الخميس 15/نيسان/2010 - 29/ربيع الثاني/1431

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1431هـ  /  1999- 2010م