من يفسّر الدستور؟

صادق حسين الركابي

يبدو أن معركة الانتخابات العراقية ما تزال في أوجها وذلك على الرغم من إعلان نتائجها من قبل المفوضية العليا المستقلة للانتخابات. وتحتدم حدة الجدل السياسي اليوم حول تفسير المادة (76) من الدستور العراقي والتي تنص على أن رئيس الجمهورية يكلف مرشح (الكتلة النيابية) الاكثر عدداً بتشكيل مجلس الوزراء خلال خمسة عشر يوما من تاريخ انتخاب رئيس الجمهورية.

وعلى الرغم من أن الأطراف التي تختلف اليوم على تفسير هذه المادة من الدستور هي ذاتها  تلك التي وافقت على وضع هذا الدستور فإن كلا ً منها يرى تفسيرا ً مختلفا ً لهذه الفقرة.

فالتفسير الذي تتبناه القائمة العراقية بزعامة الدكتور إياد علاوي والتي حازت على أكبر عدد من المقاعد في نتائج الانتخابات الأخيرة التي أعلنتها المفوضية  يعتبر الكتلة النيابية المعنية بالدستور مقتصرة فقط على الكتلة الفائزة بأكبر عدد من المقاعد المعلن عنها في نتائج الانتخابات البرلمانية.

 أما وجهة نظر إئتلاف دولة القانون بزعامة رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي فتفسر عبارة الكتلة النيابية الأكثر عددا ً بأنها الكتلة التي تشكل أكبر تحالف مع الكتل الأخرى في المجلس النيابي الجديد.

 لذا فقد عمد البعض وفي محاولة للخروج من هذه الأزمة إلى اللجوء إلى المحكمة الاتحادية العليا لفضّ النزاع وحسم موضوع تفسير الدستور. وهو ما رفضته القائمة العراقية جملة ً وتفصيلا ً على اعتبار أن هذه المحكمة غير معنية بتفسير فقرات الدستور وأنها غير تخصصية.

وهذا يعني أن العراق من وجهة نظر سياسية أصبح في وضع لا يحسد عليه وهو ما يهدد بفراغ سياسي كبير في حال عدم الاتفاق على تحديد الآلية التي يجب اعتمادها لاختيار الحكومة العراقية الجديدة.

ويعزو بعض المراقبين السياسيين هذا النزاع إلى اختلاف الأجندات السياسية لهذه الكتل وفي معظم الأحيان التأثير الإقليمي لدول المنطقة في قراراتها. مما يجعل الأمر أكثر تعقيدا ً وأشد خطورة.

فمنطقة الشرق الأوسط والخليج تحديدا ً تشهد صراعا ً قويا ًعلى النفوذ بين الولايات المتحدة وحلفائها من جهة  وبين إيران ومن يناصرها من جهة أخرى ، فيما لم يتمكن سياسيو العراق على ما يبدو من إيجاد حالة من التوازن بين الشد والجذب الذي يعصف بدول المنطقة.

وفي حال استمر هذا النزاع بين الكتل السياسية في العراق فإن مجمل العملية السياسية سوف يكون في خطر شديد لا سيما وأن الدستور العراقي لم يعد الفصل والحكم في قضايا مصيرية كهذه. وهذا ينذر بأمور عدة في مقدمتها خروج بعض الأطراف السياسية عن إطار الدستور وإرجاع البلاد إلى نقطة البداية قبل سبع سنوات.

إن حالة  التخبط السياسي هذه سوف تؤدي وبلا شك إلى زعزعة ثقة الكثيرين بقدرة الدستور العراقي على حل الكثير من المعضلات التي تبرز هنا وهناك مع كل يوم تتقدم فيه العملية السياسية نحو منعطف أو مرحلة جديدة. ولا يعلم أحد ما هو مصير العملية الانتخابية والمسيرة الديموقراطية في العراق؟ وهل يمكن الوثوق بقدرة هؤلاء السياسيين على حل هذه الأزمة بالتوافق أم أن الأمر سوف يشهد تدخلا ً أمميا ً عاجلا ً لتجنيب العراق مخاطر اللجوء إلى الشارع وبالتالي الخروج عن المسار الديموقراطي والدخول في نفق مظلم من الاحتمالات الغير حميدة العواقب؟

إن إبقاء العراق في دوامة تفسير الدستور وصعوبة تحديد الحُكم المناسب والجهة التي سوف تحدد رئيس الوزراء الجديد سوف يؤدي وبحسب عدد من المراقبين السياسيين إلى اللجوء إلى الشارع العراقي وهو الأمر الذي تبدو ملامحه في طور التشكيل لا سيما وأن جهات عدة خرجت في مسيرات شعبية غاضبة للتنديد بنتائج الانتخابات في حين ظهرت دعوات أخرى تنادي باستفتاء شعبي جديد لحسم موضوع رئيس الوزراء القادم.

وفي الوقت الذي يطمئن فيه عدد من السياسيين العراقيين الجمهور الواسع بضمان سير العملية الديموقراطية في العراق وفق المسار القانوني وبعيدا ً عن أية أفعال خارج أروقة السياسة ،يتخوف المواطن العراقي من عاصفة جديدة من العنف تذكر بأيام العام 2005 المليئة بالاصطفافات الطائفية التي أجمع العراقييون كلهم على رفضها.

ويبقى الحل النهائي في أيدي من وضع الدستور في إنقاذ العراق وتجنيبه أية نتائج تسيء لحاضره ومستقبله.  ويبدو هذا الأمر صعبا ً في الوقت الحاضر طالما كانت المصالح الشخصية والحزبية في عراق اليوم تتفوق على مصلحة الوطن والمواطن.

[email protected]

شبكة النبأ المعلوماتية- الخميس 1/نيسان/2010 - 15/ربيع الثاني/1431

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1431هـ  /  1999- 2010م