تقاطعات السياسة وعالم المعلوماتية

السياسة تخترق غوغل وتفرض شروط جديدة في عالم المعلوماتية

 

شبكة النبأ: في آخر حلقة من حلقات الخلاف بين الحكومة الصينية ومحرك البحث العملاق جوجل اتهمت وكالة الأنباء الصينية الحكومية شينخوا شركة جوجل بالعمل وفق أجندة سياسية تخدم المصالح الأمريكية.

وفي تطور لاحق أعلنت مجموعة غوغل عن حل وسط تأمل أن يتيح لها مواصلة تقديم خدماتها في الصين مع إعلانها عن إنهاء الرقابة على محرك بحثها باللغة الصينية "غوغل.سي ان" وتحويل المستخدمين إلى موقعها في هونغ كونغ "غوغل.كوم.اتش كي".

وقد لا يكون الأمر منطقياً، إلا أن شركة موتورولا لتصنيع الهواتف الجوال قد قررت اعتماد محرك البحث بينغ (bing) بديلا عن محرك البحث غوغل (Google) في هواتفها التي تعمل بنظام آندرويد والتي سيتم بيعها في الصين، مستغلة الخلاف الحاد بين غوغل والسلطات الصينية..

العمل وفق أجندة سياسية

واتهمت وكالة الأنباء الصينية محرك البحث جوجل بمحاولة نشر القيم والثقافة الأمريكية ووصفت اتهامات جوجل للحكومة الصينية بالوقوف وراء هجمات القرصنة التي تعرضتها بأنها لا صحة لها.

ودافعت المقالة التي نشرتها الوكالة وكتبها ثلاثة من محرريها عن الرقابة التي تفرضها الحكومة الصينية على خدمات الانترنت والتي تعتبر محور الازمة بين جوجل والحكومة الصينية ووراء تهديد جوجل بالانسحاب من السوق الصينية.

وقالت الوكالة "للاسف ان جوجل لا تسعى فقط الى توسيع انشطتها التجارية في الصين بل الى ترويج القيم والافكار والثقافة الامريكية".

وكانت الانباء قد اشارت مؤخرا الى امكانية اصدار جوجل بيانا تعلن فيه عن ايقاف اعمالها في السوق الصينية التي تعتبر الاكبر في العالم من حيث عدد المشتركين في الانترنت، 400 مليون مشترك، وتعتبر السوق الاسرع نموا في العالم.

وكانت جوجل قد هددت في شهر يناير/كانون الثاني الماضي بالانسحاب من الصين احتجاجا على ما وصفته بهجمات قرصنة معقدة مصدرها الصين استهدفت سرقة شفرات برامجها والتسلل الى حسابات البريد الالكتروني الخاصة بناشطين صينيين يعملون في مجال حقوق الانسان. بحسب فرانس برس.

وقالت جوجل اثر ذلك انها لن تلتزم بقوانين الرقابة التي تفرضها الحكومة الصينية على الانترنت حتى لو ادى ذلك الى اغلاق موقعها باللغة الصينية.

وتحظر الحكومة الصينية على شركات تقديم خدمات الانترنت عرض صور او مواضيع مناهضة للحكومة الصينية ومن بينها المواد السياسية التي تراها الصين مناهضة لها.

وكانت الحكومة الصينية قد حجبت مؤخرا مواقع واسعة الانتشار على شبكة الانترنت مثل فيسبوك وتويتر ويوتيوب.

واتهمت الوكالة جوجل بخرق القانون الدولي وقالت "لا توجد دولة على وجه الارض تقبل بعدم فرض رقابة على المواد الاباحية والعنيفة والعنصرية والمتطرفة والارهابية والمعادية للاجانب والقمار".

ووصفت الوكالة تهديدات جوجل بالانسحاب من السوق الصينية ما لم ترفع الرقابة على عملها بانها "سخيفة وعنجهية" وقالت ان القوانين الصينية لن تغير لمسايرة مصالح شركة امريكية، ملمحة الى خدمة جوجل للمصالح الامريكية.

وتدخلت وزيرة الخارجية الامريكية بالخلاف بين الحكومة الصينية وجوجل ونددت بالرقابة التي تفرضها الصين وغيرها من الدول على الفضاء الالكتروني وردت بيكين عليها واتهمت الولايات المتحدة بانتهاج سياسة "امبريالية المعلومات".

واستفاد محرك البحث الصيني "بايدو" الذي يسيطر سيطرة شبه مطلقة على سوق الصينية من هذا الخلاف حيث ارتفعت قيمة اسهمه في البورصة بنسبة 44 بالمائة منذ توجيه جوجل التهديد بالانسحاب من السوق الصينية.

اتهامات  لجوجل بمساعدة المخابرات الأمريكية

وفي نفس السياق اتهمت صحيفة للحزب الشيوعي الصيني جوجل بالتآمر مع جواسيس أمريكيين وقالت إن انسحاب الشركة من الصين بسبب الرقابة يبرر جهود الصين لتشجيع التكنولوجيا المحلية.

وجاء احدث هجوم للصين على اكبر شركة لمحرك البحث على الانترنت في العالم في الطبعة الخارجية لصحيفة الشعب الصينية وهي الصحيفة الرئيسية للحزب الشيوعي الحاكم في الصين.

واغلق جوجل مؤخرا بوابته على الانترنت باللغة الصينية في بر الصين وبدأ في توجيه المستخدمين الى موقعه في هونج كونج بعد اكثر من شهرين من اعلانه انه لن يقبل الرقابة الذاتية التي طالبت بها الحكومة الصينية والمصممة على استمرار قبضة صارمة على حرية وصول المستخدمين المحليين للانترنت.

وقالت وزارة الخارجية الصينية انها تعتبر رحيل جوجل "عملا فرديا" لشركة واضافت ان البلاد مازالت ترحب بالمستثمرين الاجانب.

ولكن رد بكين على شكاوى جوجل من الرقابة وعمليات التسلل للانترنت كرر ايضا ادعاءات ذات صبغة قومية بان جوجل وواشنطن استغلتا النزاع بشأن الرقابة على الانترنت لتحدي سلطة الحزب الشيوعي.

وقال تعليق في الصفحة الاولى من الصحيفة إن "جوجل ليس الها بالنسبة للشعب الصيني وحتى اذا قدم عرضا كاملا بشأن السياسة والقيم فانه مازال ليس الها.

"في حقيقة الامر جوجل ليس عفيفا عندما يتعلق الامر بالقيم. فتعاونه وتواطؤه مع المخابرات واجهزة الامن الامريكية معروفان."

وقال التعليق إن افعال جوجل لابد وان تدفع الصين لزيادة التركيز على تطوير التكنولوجيا الخاصة بها.

وعلى الرغم من ان هذه التعليقات الصارمة قد لا تعكس السياسة الرسمية فانها تعكس غضب الصين من الولايات المتحدة بعد التوترات التي حدثت في الاونة الاخيرة بشأن مبيعات السلاح الامريكية لتايوان واجتماع الرئيس باراك اوباما مع الدلاي لاما ودعوات واشنطن لبكين لزيادة قيمة عملتها اليوان.

وقال تعليق الصحيفة إن جوجل "اساء تقدير الموقف تماما وهو لا يعرف ان الشعب الصيني يمقت جدا التهديدات والضغوط الخارجية." فيما قالت وزارة الخارجية الامريكية ان قرار جوجل باغلاق بوابته قرار يتعلق بالشركة ولا يخص الحكومة الامريكية.

غوغل تنهي الرقابة على موقعها

وفي تطور لاحق أعلنت مجموعة غوغل عن حل وسط تامل ان يتيح لها مواصلة تقديم خدماتها في الصين مع اعلانها عن انهاء الرقابة على محرك بحثها باللغة الصينية "غوغل.سي ان" وتحويل المستخدمين الى موقعها في هونغ كونغ "غوغل.كوم.اتش كي".

وبدلا من وقف نشاطاتها في الصين كما المحت من قبل، اختارت غوغل الحل الوسط مع اصرارها على عدم الانصياع لطلب ممارسة الرقابة الذاتية.

وكانت غوغل اعلنت في كانون الثاني/يناير انها تفكر في مستقبل عملياتها في الصين بعد تعرضها لهجمات تستهدف فك شيفرتها وحسابات البريد الالكتروني "جيميل" التابعة لناشطين من اجل حقوق الانسان في الصين. وقالت الشركة انها ضاقت ذرعا بالضغوط التي تمارسها الحكومة الصينية عليها من اجل فرض رقابة ذاتية، والمحت الى انها يمكن ان تنهي نشاطاتها في الصين في حال عارضت السلطات الصينية قرارها.

ويحافظ القرار الذي اعلنه المدير القانوني للشركة ديفيد دروموند على موقع مدونة غوغل الرسمي على وجود موقع غوغل الصيني، مع وقف الرقابة على خدمات البحث والاخبار والصور في محركات "غوغل سيرش" و"غوغل نيوز" و"غوغل ايميج" وتحويل الزوار الى موقع هونغ كونغ حيث يحصلون على نتائج بحث غير خاضعة للرقابة بلغة صينية مبسطة معدة خصيصا للمستخدمين الصينيين وتوفرها خادمات الشركة في هونغ كونغ.

واوضح دروموند ان "الحكومة الصينية كانت واضحة تماما على امتداد محادثاتنا بان الرقابة الذاتية تعتبر مطلبا قانونيا لا نقاش فيه"، معتبرا ان "النهج الجديد حل يتناسب مع الصعوبات التي واجهناها". وقال انه "يامل تماما ان تحترم الحكومة الصينية" هذا القرار.

لكن الشركة نفسها قالت انها غير واثقة من رد فعل السلطات الصينية التي تملك القدرة تقنيا على تشويش الوصول الى موقع غوغل.

واعلنت غوغل انها اتاحت صفحة على الانترنت يتم تحديثها يوميا لكي يتمكن الجميع من معرفة خدمات غوغل المتوفرة في الصين. ومساء الاثنين، اعلنت هذه الصفحة ان خدمات التدوين "بلوغر" و"يوتيوب" وبعض المواقع كانت محجوبة.

وقالت غوغل التي تبلغ حصتها من السوق الصينية 30% وتاتي ثانية بعد موقع بيدو الصيني ان بالامكان اعاقة موقعها في هونغ كونغ من خلال الزيارات الكثيفة بهدف ابطائه وحجب بعض الخدمات بصورة مؤقتة. اطلقت غوغل محرك البحث باللغة الصينية في كانون الثاني/يناير 2006 بعد الموافقة على فرض رقابة على المواقع التي تتضمن محتوى يحظرها القانون الصيني.

ونفت السلطات الصينية اي علاقة لها في كانون الاول/ديسمبر بالهجمات التي تعرضت لها غوغل و20 شركة اخرى. واعلن البيت الابيض عن خيبة امله بعد فشل المفاوضات بين غوغل والصين.

وقال المتحدث باسم مجلس الامن القومي مايكل هامر "لقد خاب املنا لعدم توصل غوغل والحكومة الصينية الى اتفاق كان سيتيح لغوغل مواصلة تقديم خدمة البحث بالصين على موقع غوغل.سي ان". وقال ان ادارة باراك اوباما "ملتزمة بحرية الانترنت وتعارض الرقابة"، مؤكدا ان العلاقات الصينية الاميركية "ناضجة بما يكفي لاستيعاب الاختلافات".

ووجهت الصين انتقادا حادا لقرار مجموعة غوغل الاميركية انهاء الرقابة على محرك بحثها باللغة الصينية "غوغل.سي ان" ووتوجيه اللوم الى الصين في الهجمات التي تعرضت لها على الانترنت.

وقال مسؤول صيني مكلف الانترنت في المكتب الاعلامي لدى مجلس الدولة، في تصريحات نقلتها وكالة انباء الصين الجديدة (شينخوا) ان قرار غوغل "خاطىء تماما"، و"ينتهك تعهداتها الخطية".

غير ان المدافعين عن حقوق الانسان رحبوا بقرار غوغل. وقالت مديرة هيومن رايتس ووتش في الصين شارون هوم "ان لديهم حقا افكارا مذهلة. لقد اوقفوا الرقابة مع بقائهم في الصين".

واضافت لفرانس برس "ينبغي ان يشكل هذا رسالة الى الشركات الاخرى بان هناك حلولا غير حل الخيار بين البقاء في الصين مع ممارسة الرقابة او الرحيل".

وقال المعارض الصيني في المنفى وي جنغشنغ من جانبه "نحن قلقون من ان تتعرض مجموعات الانترنت لضغوطات حكومية اقوى".

ويمكن ان تخضع غوغل نفسها لمثل هذه الضغوط من الصين حيث ترغب في مواصلة عملها البحثي والانمائي ونشاطها التجاري. واضاف وي جنغشنغ "نعرف ان الحكومة الصينية لن تتراجع، لم يكن من الممكن التوصل الى حل وسط".

وسعى المسؤول القانوني لشركة غوغل كي لا تتعرض السلطات لموظفي الشركة في الصين بقوله "نريد ان يكون واضحا ان كل هذه القرارات اتخذت ونفذت من قبل مدرائنا التنفيذيين في الولايات المتحدة ولا يمكن ان يعتبر ايا من موظفينا في الصين مسؤولا عنها".

وقالت منظمة مراسلون بلا حدود من جانبها ان "السلطات الصينية اختارت الرقابة على الانفتاح. لا يسعنا سوى ان ناسف لان اكبر محرك للبحث في العالم اضطر الى اغلاق نسخته الصينية تحت ضغط الرقباء".

وحيت "مراسلون بلا حدود" موقف غوغل الذي وصفته بانه "شجاع" معتبرة ان الامر يتعلق بنزاهة الانترنت. وقالت المنظمة من مقرها في باريس ان "ظهور شبكات انترنت وطنية تتحكم بها الدول القمعية خلال السنوات الماضية يجعل عمليا العديد من مستخدمي الانترنت ضحايا وضع تسود فيه التفرقة الرقمية".

وكان الوصول في الصين الى مواقع تغطي مواضيع حساسة مثل التيبت لا تزال محجوبة الثلاثاء.

مايكروسوفت تحل محلها

قد لا يكون الأمر منطقياً، إلا أن شركة موتورولا لتصنيع الهواتف الجوال قد قررت اعتماد محرك البحث بينغ (bing) بديلا عن محرك البحث غوغل (Google) في هواتفها التي تعمل بنظام آندرويد والتي سيتم بيعها في الصين!!

واللافت في الأمر هو وجود محرك البحث غوغل بشكل افتراضي في الهواتف التي تعمل بنظام التشغيل آندرويد، لاسيما وأن شركة غوغل نفسها هي التي تطور نظام آندرويد للهواتف الجوالة كما هو معروف!

إلا أن الأمر لا يقتصر على ذلك فحسب، بل سيتم أيضا الاعتماد على خدمة الخرائط التي تقدمها مايكروسوفت كبديل عن خدمة غوغل مابس Google Maps الشهيرة على الهواتف ذاتها والتي يتم بيعها في الصين.

وكما يقول المثل الشهير، مصائب قوم عند قوم فوائد، فقد حققت مايكروسوفت من خلال النزاع الذي نشأ بين شركة غوغل والحكومة الصينية ما لم تكن لتحلم بتحقيقه، لاسيما وأن الصين هي واحدة من أكبر الأسواق التقنية في العامل، مما يجعل الفوز بهذا السوق أو خسارته عاملا هاما في مسيرة نجاح أو إخفاق أي من الشركات المزودة لخدمات الإنترنت المختلفة.

وكانت غوغل قد تعرضت للعديد من المضايقات من الحكومة الصينية في الآونة الأخيرة، ومن ذلك تطبيق العديد من القيود والإجراءات الصارمة على خدمات غوغل في الصين، مما دفع غوغل إلى الإعلان مؤخرا عن أنها ستوقف نشر كافة نتائج البحث المرتبطة بالصين على موقعها إذا لم تتغير معاملة الحكومة الصينية لها، وتبين في وقت لاحق أن شركة غوغل ستغلق كافة مكاتبها في الصبن، وستوقف النسخة الصينية من محرك البحث.

ومن المتوقع أن تصل الهواتف الجديدة المزودة بمحرك البث بينغ (Bing) إلى السوق الصينية خلال الشهر الحالي، في حين ستقوم شركة موتورولا بتحديث الهواتف الحالية الموجودة في الصين والتي تعتمد على نظام التشغيل آندرويد لإضافة خدمة البحث من Bing إليها.

لكن السؤال الذي يطرح نفسه، هل ستسير الأمور بين مايكروسوفت والحكومة الصينية بشكل جيد؟ أم أن العلاقة الودية ستنتهي قريبا كا كان الحال مع غوغل؟

شبكة النبأ المعلوماتية- الأحد 28/آذار/2010 - 11/ربيع الثاني/1431

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1431هـ  /  1999- 2010م