عملية السلام... ظاهرها رحمة وباطنها عذاب

مرتضى بدر

العرب يبسطون أذرعهم للسلام، واليهود يقبضون أكفهم في وجوههم ويزرعون في الأرض الفساد. العرب يعلنون الضوء الأخضر لبدء المفاوضات، واليهود يردون بالأحمر، وبالحديد والنار، وتهويد المدينة المقدسة، وبسط السلطة على الحرم الإبراهيمي في رام الله.

العرب في المؤتمرات يلهون وينددون ويناشدون (أوباما)، واليهود على الأرض يتوسعون ويبنون ويهينون سيد البيت الأبيض. العرب قبلوا في غضون شهر واحد طلب (أوباما) بالموافقة على بدء المفاوضات من دون شروط، فاجتمعوا في القاهرة وأعطوا التفويض للسلطة الفلسطينية للدخول في المفاوضات لمدة أربعة أشهر، بينما حكومة الصهاينة ولأكثر من 12 شهرًا تماطل وتعربد من دون الاكتراث بدعوات البيت الأبيض، متسببةً بذلك في إحراج رئيس أقوى دولة في العالم. الأرض المقدسة وما حولها تنتفض، والأمة العربية والإسلامية تتفرج.

الشعب الفلسطيني يقدم الدماء، ونحن لا نستطيع مدّهم بالدواء!! والفضل يرجع للحصار الرسمي العربي من جهة، والإسرائيلي من جهة أخرى.

رغم الانتكاسات المتتالية لمشاريع السلام، ورغم ما حلّ بالشعب الفلسطيني من دمارٍ وتشريدٍ نتيجة سياسة الأرض المحروقة التي اتبعها الكيان الغاصب، والتوسع اليومي في الأراضي الفلسطينية، رغم كل الويلات المتلاحقة، نجد أن النظام العربي الرسمي مازال يلوح بغصن الزيتون، هذا في الوقت الذي تستمر فيه الجرافات الصهيونية في قلع الأشجار ومزارع الزيتون، وإزالة البشر والحجر والشجر من أجل بناء مشاريع استيطانية من دون أن تولي أي اهتمام بالاحتجاجات والانتقادات أو حتى القرارات الدولية.

 الرئيس المغلوب على أمره (أوباما) يكتفي بإظهار الانزعاج من قرار بناء 1600 وحدة استيطانية في القدس الشرقية الخاضعة للسلطة الفلسطينية، وينتظر الرد الرسمي من (نتنياهو)، والأخير يرد عليه بلغة التحدي ويعلن استمرار الاستيطان.

عملية السلام التي تبنتها الدول العربية كانت وما زالت ظاهرها الرحمة وباطنها العذاب. لا أرغب في الولوج في تاريخ هذه العملية البائسة، فأسرد العذابات والنكبات التي حلت بفلسطين وأهلها منذ انطلاقة مشروع ما سُمّي بعملية السلام؛ فلغاية اليوم لم نجنِ من هذه العملية سوى الخراب والجراح والبؤس والشقاء والشقاق والنفاق. والمؤسف أن العرب قد أخذوا بظاهر القول وهو (السلام)، الذي هو اسم من أسماء الله، ومن صاحب ضمير لا يرغب أن يعم الوئام ويفشي السلام في ربوع العالم، بخاصة في فلسطين الجريحة؟ وفي الوقت الذي يتمسك العرب فيه بظاهر المشروع وعنوانه الجميل، يتمسك الصهاينة بجوهر المشروع بغية تحريفه وإفساده وتفريغه من محتواه.

وهذا ما وقع بالفعل منذ انطلاقة المشروع لغاية اليوم، وصار الجميع أمام الأمر الواقع. هذا الواقع الذي صنعته إسرائيل بكل أحزابها السياسية، وبدعم أميركي وغربي مباشر...

هذه الخديعة الكبرى مازالت مستمرة، ويسوّقها الغرب بقيادة الولايات المتحدة بشتى الطرق. والمؤسف أننا نجد من العرب من يشتري الوعود الكاذبة بأثمان باهظة، ومنهم من دخل شريكًا مع الصهاينة في إخماد غضب الشعب الفلسطيني. الخديعة الكبرى بدأت حينما قبل النظام الرسمي العربي بأول التنازلات، واستمر مسلسل تلك التنازلات حتى وصل بهم الأمر في أنهم يتوسلون من المحتل الغاصب الجلوس معهم على طاولة المفاوضات، فيرفض.

هل هناك إذلال واحتقار أكثر من هذا؟ اليهود ومعهم الغرب يدركون الحقيقة التالية: ما دامت الشعوب العربية لا تنعم بنعمة الحرية والديمقراطية، ومادامت الأنظمة الفاسدة والمستبدة تتحكم بمصير معظم هذه الشعوب، ومادام وضع الأمة على هذا الحال، فإن إسرائيل ستستمر في التوسع والتمسك بالأراضي المحتلة من دون أن تتنازل عن شبر من هذه الأراضي. أما مناقشات السلام العبثية، والزيارات واللقاءات، والقيل والقال فإنها ستستمر في دوامة محكمة من دون أن تؤثر على واقع القضية.

الخديعة الكبرى تتكشف معالمها يوماً بعد آخر، هذه الخديعة التي يكتوي بسببها الشعب الفلسطيني بصفة خاصة، والشعوب العربية والإسلامية بصفة عامة.

شبكة النبأ المعلوماتية- الاثنين 22/آذار/2010 - 5/ربيع الثاني/1431

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1431هـ  /  1999- 2010م