الشيعة.. من صراع الوجود الى صراع الكراس

هادي جلومرعي

على مدى قرون متطاولة كان الشيعة _في الغالب_ مواطنين من الدرجة الثانية وحتى الثالثة في مجتمعات دينية متزمتة لم تجد وصفا ملائما لوصمهم به افضل من (الرافضة). وفي ظل سلطات دنيوية متحالفة مع فئة رجال الدين الذين نجحوا في دفع الشيعة الى الزوايا المهملة وأرغموا الحكام المتحالفين معهم على الشعور الدائم بالخوف من انقلاب يحضر له الشيعة او غدر وحتى التواطؤ مع اعداء مفترضين و لو كان الحكام المتجبرون هم من جاء بهم..

هولاكو اجتاح بغداد بينما كان الخليفة يلهو ويحتسي مالذ من خمر امام انظار رجال الدين الذين اعلنوا فيما بعد ان الشيعة قد تواطؤا مع جيش هولاكو الغازي ولم يحملوا الخليفة المسوؤلية.

وهو ماحدث ايضا مع صدام حسين الذي نسي الجميع انه احرق العراق في حروب عبثية وبالنيابة مع ايران ثم اجتاح الحليف السابق الكويت ليعود بحصار جعل العراقيين يهيمون على وجوههم في البلدان ولم يجد الباقون في الداخل سوى ان يرضخوا للسلطة المطلقة او ياكلوا ماإختلط من جلود الافاعي والجرذان بالدقيق المخزون في مستودعات عفنة..

ومع كل ذلك تحول صدام الى شهيد وصار الشيعة متواطئين مع المحتل الامريكي وتحول احمد الجلبي المعروف بولائه للولايات المتحدة (نصير الطوسي القرن العشرين) بدعوى انه خدع الامريكان واوهمهم ان صدام يعكف على صناعة اسلحة نووية وكأن الجماعة في السي اي ايه والبنتاغون والبيت البيضاوي مجرد صبيان صغار ينتظرون من الجلبي ان يوجه لهم التعليمات والنصائح قبل ان يذهبوا الى النوم..

وبالفعل فان الشيعة وعلى مدى قرون متطاولة لم يتجاهلوا الفرص التي قد تمر مر السحاب ليقفزوا الى الواجهة ويتسيدوا المشهد السياسي ويحولوا العراق الى عامل قلق لجميع الانظمة في المنطقة التي دفعت باموالها ورجالها ومخابراتها وافكارها الى ساحة صراع مكشوفة مع الولايات المتحدة والنظام السياسي الذي قام متعثرا بعد عام 2003 وبحماية امريكية واهنة في مسعى واضح لتغيير الاوضاع ووأد التجربة الديمقراطية الناشئة التي وجدت في 7 مارس الماضي انها وصلت الى مراحل متقدمة في التاثير على الوضع الحالي والاوضاع في عموم الشرق الاوسط..

وتمثل ذلك في انتخابات شارك فيها الجميع وحتى الذين حملوا السلاح في مراحل الصراع الاولى ولم يغيروا من خططهم إلا بعد أن أدركوا ان العراق لن يعود الى وضعه السابق او الى حالة الصراع الاولى وان القطار بدأ يبتعد ولابد من اللحاق به و لو في عربة يتولاها شيعي لبرالي غالب اهله واعمامه من شيعة الفرات الاوسط ولكنه موسوم بالبعثية والعلمانية والتواطؤ مع المحيط العربي المتضاد مع المشروع الشيعي..

دخل الشيعة في ثلاث قوائم كبيرة هي (دولة القانون بزعامة المالكي...والائتلاف الوطني بزعامة متناوبة... والعراقية بزعامة علاوي وهو لبرالي شيعي).

استطاعت هذه القوائم اكتساح الساحة والفوز بالمطلق في الانتخابات النيابية المنصرمة وكان علاوي (فرس الرهان) حين استطاع استقطاب الفئات السنية التي تعيش مرحلة التيه والضياع بعد انهيار تجربة جبهة التوافق التي هي امتداد لحركة الاخوان المسلمين حين  فقدت ابرز قادتها(طارق الهاشمي) اذ توجه الى علاوي وتحالف معه بينما خسرت الجبهة الانتخابات النيابية باعتراف امينها العام الدكتور اسامة التكريتي وشيخوخة ابرز زعاماتها وانتقال العرب السنة الى دائرة اختيار مختلفة بعد فشل المشروع الاسلامي الاخواني التوافقي.

بينما توجهت القيادات الاخرى الى التحالف مع الكتل الشيعية الاسلامية التقليدية وبعضها تحالف مع قوى ناشئة كقائمة وحدة العراق التي يتزعمها وزير الداخلية جواد البولاني..

انتقل الشيعة الى مرحلة الصراع من اجل الكراس بعد ان كان الكفاح متوجها الى تأكيد الوجود المهمش وغير المعترف به ويبدو أن القيادات الشيعية تشعر اكثر من اي وقت مضى انها حققت المهم في صراعها الداخلي وأحكمت سيطرتها على مؤسسات الحكم وصارت تنتهج فكرا احترافيا لاستقطاب العرب السنة الحائرين والذين خسروا جولات الصراع المسلح لاعادة الامور الى نصابها وتراجع التاثير السحري للمقاومة العسكرية وتردد بعض الجماعات الشيعية المسلحة عن فكرة مواجهة السلطة القائمة...

سرعان مابدأ النزاع الداخلي يشتعل بين القوى الشيعية الكبرى لجهة النفوذ والسلطة واحتساب عدد المقاعد التي حصل عليها كل طرف سياسي،بعد ان كان الهم الاكبر في السابق احتساب عدد الشيعة الناجين من سطوة المقابر الجماعية او عدد الذين عبروا الحدود بجلودهم،او الذين خرجوا بعد عقود من زنازين مظلمة تحت الارض...

وصار متوقعا ان تتحالف قوى شيعية مع اخرى ليست منافسة وحسب وربما وضعت في مراحل سابقة في خانة الاعداء.

تحول صراع الوجود الى صراع كراس،وهو امر ليس بالمعيب مالم يخرج عن المبادئ والقيم التي يمكن ان تساهم في بناء عراق مختلف لايعتمد الفئوية او الطائفية او التسيد العرقي الممقوت.

نتائج الانتخابات ستحدد ما إذا كان الوجود هو الهدف ام الكرسي؟

وربما سيكون الهدف عند الشيعة الحصول على مكاسب تؤكد وجودهم الديني والدنيوي معا.

[email protected]

شبكة النبأ المعلوماتية- الأحد 21/آذار/2010 - 4/ربيع الثاني/1431

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1431هـ  /  1999- 2010م