الشرق الأوسط ومثلث الممانعة

مرتضى بدر

“ننصح سوريا بالابتعاد عن إيران”... كلمات بائسة قالتها وزيرة الخارجية الأميركية هيلاري كلينتون في آخر زيارة لها للمنطقة... ليتها لم تقلها؛ لأن الرد السوري جاء قاطعاً وسريعاً. واعتبر المراقبون الرد السوري بمثابة صفعة دبلوماسية ومن العيار الثقيل موجّهة للإدارة الأميركية، ولشخص السيدة الناعمة كلينتون التي أثبتت أنها تفتقد لكثير من أبجديات السياسة، وتتجاهل عمق العلاقة الاستراتيجية بين دمشق وطهران.

 في اليوم الذي قدّمت فيه كلينتون نصيحتها لسوريا، وجّه الرئيس السوري رسالة عاجلة لنظيره الإيراني دعاه فيها لزيارة عاجلة إلى دمشق لإعلان الرد الحاسم، وأمام الملأ وقع الطرفان على اتفاقية إلغاء التأشيرة بين البلدين، كخطوة عملية على تعزيز العلاقات، بدلاً من تضعيفها كما طلبت كلينتون.

وفي اليوم التالي التحق السيد حسن نصر الله زعيم حزب الله بالرئيسين، وفي نفس اليوم اجتمع أحمدي نجاد بقيادات حركة حماس ومنظمة الجهاد الإسلامي.

يوم الخميس الماضي الذي شهد لقاءات وحوارات وعمليات تنسيقٍ بين دول وقوى الممانعة والمقاومة يعتبر يوماً تاريخياً، فمن خلال ذلك التجمع الوحدوي وُجّهت رسائل عديدة إلى أكثر من جهة، وفي مقدمتها (إسرائيل) مفادها أن تحالف قوى الممانعة على كامل الاستعداد للرد على أي عدوان صهيوني محتمل على أي طرف من أطراف دول وقوى الممانعة.

 وفي المؤتمر الصحافي المشترك قال الرئيس بشار الأسد: “إن شعوب دول المنطقة في حاجة أكثر لدعم التعاون وليس تقطيع أوصال التعاون”، مطالبا الدول والعالم الغربي بعدم تقديم الدروس لدول المنطقة في تحديد العلاقات فيما بينهم؛ لأن هذه الدول هي الأكثر دراية بمصالحها.

قد يظن البعض أنه بمجرد تحسين العلاقة السعودية - السورية، وتعيين سفير أميركي جديد في دمشق، ستتشجّع دمشق على إعادة النظر في تحالفها الاستراتيجي مع طهران وقوى المقاومة الإسلامية في فلسطين ولبنان!! المراهنون على هكذا نوع من الرهانات إما أنهم يعيشون في عالمٍ من الرومانسية السياسية، أو أن إحساسهم السياسي قد أصابه العطب.

الغارق في المشاريع السياسية الفاشلة أشبه بالغريق الذي يتشبث بأي شيء قد ينجيه من الغرق والموت المحتم. لقد فشلت معظم المشاريع السياسية للإدارات الأميركية السابقة، وقد تجلى هذا الفشل في عهد جورج بوش الابن؛ مما اضطره للدخول في حروبٍ ونزاعاتٍ مسلحة في محاولة تبرير فشله. فقد دُفن مشروع الشرق الأوسط الكبير، وخُمد مشروع محور الاعتدال العربي مقابل محور الممانعين والرافضين للسياسات الغربية، وجُمّد مشروع السلام في الشرق الأوسط، وسقطت خطط عزل إيران، ومحاولات إيجاد شرخ بينها وبين حليفاتها في المنطقة.

 المكر والمال والإعلام هي أدوات يستخدمها الغرب بالتعاون مع حلفائه في المنطقة لكسر إرادة الدول والقوى الممانعة والمقاومة، وكل القوى السياسية الداعمة لها في العالمين العربي والإسلامي. الدول والقوى الممانعة صمدت في وجه غطرسة الكيان الصهيوني والإدارة الأميركية السابقة، وباعتقادي فإنها ستقف صامدةً في وجه المخططات والتهديدات، ومثلما تمكنت من إفشال كثير من المشاريع الصهيونية والأميركية، فهي قادرة على إفشال مشاريع أخرى إذا لم تراعِ فيها حقوق ومصالح شعوب المنطقة وفي مقدمتها الشعب الفلسطيني.

مثلث الممانعة يعتبر اليوم رقماً صعباً في معادلة الشرق الأوسط. الولايات المتحدة قبل ربيبتها (إسرائيل) تضع ألف حساب قبل الإقدام على أي عملية ضد أحد أضلاع هذا المثلث. (إسرائيل) التي تخشى وصول صواريخ حزب الله إلى مدنها، ستضع ألف حساب للصواريخ الإيرانية المتطورة القادرة على تحويل المدن والبلدات الصهيونية إلى رماد. اليوم مثلث الممانعة هو الذي يفرض شروطه، وهو الذي يطلب من الولايات المتحدة تغيير سلوكها في الشرق الأوسط، بعد أن كانت أميركا و(إسرائيل) هما اللتان تفرضان شروطهما على دول المنطقة. هكذا انقلبت المعادلة بفضل الإرادة والصمود والاتكال على الواحد القهار.

شبكة النبأ المعلوماتية- الثلاثاء 9/آذار/2010 - 22/ربيع الأول/1431

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1431هـ  /  1999- 2010م