اليمن بين الإصلاح والفوضى

مرتضى بدر

هل اليمن بتضاريسها وجبالها الوعرة ومكوناتها القبلية مؤهلة لتتحول إلى أفغانستان جديدة؟ هل الأزمة في اليمن أساسها سياسي أم اقتصادي؟ ما أسباب عدم بلوغ الوحدة بين الشمال والجنوب غايتها؟ هل النظام السياسي يمارس الاستبداد والقمع ضد معارضيه؟ هل توجد أدلة على تدخل قوى إقليمية في الشأن الداخلي أم إن كل ذلك مجرد ادعاءات ومراوغات من صنع النظام نفسه؟ كيف استطاع تنظيم القاعدة تقوية وتثبيت تواجده في اليمن؟ كيف يستطيع النظام الصمود أمام دعوات الانفصال في الجنوب، والمطالبات بضرورة الإصلاح وإلغاء سياسة التمييز من قبل الحوثيين في الشمال، وخطر جماعة القاعدة في عدد من المحافظات؟

 هل مساعدات الدول المانحة تذهب لصالح الإصلاحات السياسية والاقتصادية أم تتجه لدعم الحزب الحاكم؟ لماذا ارتفعت أصواتٌ في الغرب تنادي بعدم تكرار التجربة الأفغانية في اليمن بعد أن ثبت بأن معظم مبالغ المساعدات للدول المانحة قد ذهبت في جيوب جماعة الرئيس حامد كرزاي وأدت إلى تفشي ظاهرة الفساد المالي والسياسي في هذا البلد؟

لماذا يكابر الحزب الحاكم في صنعاء ويدعي بأنه قادر بقوة السلاح على حل معضلات اليمن؟ ولماذا إذاً يطالب بـ 40 مليار دولار لمواجهة القاعدة، وخطة مارشال لانتشاله من الفقر والفاقة؟ الإجابة عن هذه الأسئلة العشرة ضرورية في هذه المرحلة الحرجة التي تمر بها اليمن. وبحسب تقديري، إننا لو تمكنا من الحصول على إجابات شافية لكل تلك الأسئلة، يمكننا حينئذ الوصول إلى المعضلة الحقيقية التي تعاني منها اليمن بصورة دقيقة.

نبدأ بملف حقوق الإنسان والحريات... عشية انعقاد المؤتمر الدولي في لندن حول الأوضاع الأمنية في اليمن أصدرت الفيدرالية الدولية لحقوق الإنسان بالتعاون مع منظمتين حقوقيتين (هود) و(الشقائق) اليمنيتين تقريراً مشتركاً دعت من خلاله المجتمع الدولي إلى تبني موقف صريح تجاه شريكتها اليمن فيما يتعلق باحترام حقوق الإنسان, على وجه الخصوص, أثناء مكافحتها للإرهاب.

وجاء في التقرير: “إن الحرب ضد الإرهاب في اليمن ما هي إلا جزء من الحملة ضد التهديدات على الأمن الوطني المرتبطة بأزمتين سياسيتين داخليتين هما المتظاهرين في الجنوب والحوثيين في صعدة. وهناك تماثل وثيق تم تسجيله عن طريقة التعامل مع المشتبه بهم في الإرهاب وبين أولئك المتهمين بجرائم ضد الأمن الوطني”.

ودعا التقرير المجتمع الدولي النظر إلى تفاصيل الأزمة السياسية الداخلية الشائكة كالنزاع الطويل الأجل والشائك في المنطقة الشمالية بصعدة وحوادث العنف السياسي في الجنوب, وطالب التقرير المجتمع الدولي بدعم عملية الحوار مع جميع الأطراف من أجل الوصول إلى حل سياسي لهذه النزاعات.

إذًا كان نشاط تنظيم القاعدة في اليمن سبباً في انعقاد مؤتمر لندن في 27 من الشهر الماضي، إلا أن الحكومة اليمنية كانت متخوفة من أن ينجر المؤتمر إلى فتح ملف الإصلاحات السياسية؛ ولذا بذلت جهودًا كبيرة من أجل أن تتمركز مناقشات المؤتمر حول خطر القاعدة والحصول على منح مالية من الدول المشاركة، بيد أن المجتمع الدولي بات أكثر حذراً بعد تجربتها المرّة مع الحكومة في أفغانستان، بخاصة بعد أن تبين لها أن معظم المساعدات المالية ذهبت إلى جيوب المتنفذين من أنصار الرئيس حامد كرزاي، وهذا ما لاحظناه في البيان الختامي للمؤتمر.

اليوم وبعدما وضعت الحرب أوزارها في الشمال، تفاءلنا ببزوغ ملامح حل للأزمة السياسية، لكننا صدمنا بلغة الخطاب المتشنج للرئيس علي عبدالله صالح ضد الحراك الجنوبي حين رفع الشعار (الوحدة أو الموت).. الرئيس لم يكن موفقاً خصوصا في هذا الظرف الذي يتطلب من جميع القوى السياسية اليمنية الحفاظ على التهدئة، والابتعاد عن لغة التخوين، وعدم إفساد الأجواء أمام المساعي الإقليمية والدولية لحل الأزمة.

(ديفيد ميليباند) و(دوغلاس الكسندر) وزيرا الخارجية والتنمية الدولية البريطانيان كتبا مقالاً مشتركاً عشية مؤتمر لندن، وأشارا إلى الأهداف الثلاثة للمؤتمر... الأول يتمركز حول مكافحة التطرف والإرهاب، والثاني يتمركز حول الإصلاح السياسي والاقتصادي، والهدف الثالث والأخير يتمركز حول آلية إنفاق أموال المساعدات التي تم التعهد بتقديمها.

يبدو واضحًا أن نتائج المؤتمر تضمنت تقديم منحٍ مقابل التزاماتٍ وتعهداتٍ من قبل النظام اليمني. وأعتقد أن مؤتمر الدول المانحة الذي سيعقد نهاية الشهر الجاري في الرياض لن يخرج من هذا السياق. والسؤال الذي يطرح نفسه: هل النظام الحاكم في اليمن سيستجيب لرغبات الدول الإقليمية والدولية في إيجاد حل للأزمات التي تعاني منها اليمن، أم إنه سيكابر كعادته، ويتملص من التعهدات رغبة في بقاءٍ أطول في السلطة؟ تأخير عملية الإصلاح السياسي والاقتصادي يعني إغراق اليمن في الفوضى الهدامة؛ مما سيترك تداعيات سلبية كبيرة على كل المنطقة.

شبكة النبأ المعلوماتية- الأحد 28/شباط/2010 - 13/ربيع الأول/1431

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1431هـ  /  1999- 2010م