المساءلة والعدالة في العراق

مرتضى بدر

في زمن العهر السياسي تصبح المعادلة دوماً معكوسة... الجلاد يأخذ صفة الضحية... والعميل يوصف بالمناضل... والمُفسد يُلقّب بالمُصلح... ومُدمر الدولة يسمّى بالقائد الملهم... وأكبر طاغيةٍ في عصره يتحول رمزاً في نظر أتباعه... والإرهابي يوصف بالمجاهد والمقاوم... هكذا تركت ثقافة الاستبداد تأثيرها في مجتمعاتنا الشرقية.

فما أقبح هذه الثقافة التي تبرر للظلم والقهر والقتل والتدمير باسم الإسلام تارةً، والقومية تارةً أخرى! وما أبشع هذه الثقافة التي ساهمت وتساهم في تفشي ظاهرة انتهاك حقوق الإنسان في بلداننا، بعد أن تمكنت من تشويه صورة العرب والمسلمين في العالم.

ما حدث في العراق طوال العقود الأربعة الماضية، وما يحدث اليوم على المشهد السياسي والانتخابي، والعمليات الإرهابية التي تقوم بها جماعة القاعدة، والأخرى التي تسمي نفسها بالمقاومة تعكس صورة واقعية لثقافة الاستبداد التي دشنها حزب البعث في العراق، ودعمها بشتى الوسائل القمعية.

 طبعاً هذا لا يسقط دور المحتلين في إضعاف هذا الشعب وقواه السياسية حفظاً لمصالحهم في العراق والمنطقة.

العملية السياسية بعد سقوط صدام مرت بمنعطفات وتقاطعات في المصالح بين الكيانات السياسية، وتدخلات لبعض القوى الإقليمية والدولية، وعلى الرغم من أن هذه الدولة تخوض مرحلة المخاض الصعب المليء بالآلام، والدماء، والدموع، فإنها مصممة على أن تكون عملية الولادة السياسية الجديدة طبيعية، ومن دون الحاجة إلى إجراء عملية قيصرية.

المولود الجديد الذي سيرى النور في شهر مارس المقبل (موعد الانتخابات البرلمانية) سوف يغيّر وجه العراق، وسيكشف الخريطة الحقيقية للمكونات السياسية، خصوصا تلك التي قدمت التضحيات، وليست تلك التي انتفعت في عهد النظام البائد، التي مازالت تحنّ لتلك الحقبة السوداء من تاريخ العراق.

باعتقادي، ومثلما قرر الشعب الألماني، وكثير من الشعوب الأوروبية اجتثاث الحزب النازي الذي تسبب في تدمير أوروبا وقتل الملايين في الحربين العالميتين، جاءت إرادة الشعب العراقي، وليست إرادة المحتل في اجتثاث البعث. والسؤال البديهي في هذا الحال هو: هل حلال على الشعوب الأوروبية أن تسنّ قانونًا يمنع النازيين من عودتهم إلى الحكم مجدداً ومنع جميع أنشطتهم وشعاراتهم، وحرام على الشعب العراقي والكويتي والإيراني الذي عانى من جرائم النظام البعثي من سنّ قانون يمنع وصول البعثيين مجدداً إلى الحكم في العراق؟

غريب أمر بعض الدول العربية التي عانت من جرائم صدام، نجدها هذه الأيام وقد استنفرت قواها الإعلامية في خدمة شرذمة من أعوان صدام الذين دخلوا العملية السياسية تحت لافتات وطنية. هذا الإعلام الموجّه يعمل على تضخيم حجم بعض الشخصيات والجماعات البعثية من جهة، ويبثّ مقالات فكرية وتحليلية تتحدث عن التسامح والتعايش من جهة أخرى!!

 هذا الإعلام المخادع الذي لم يستطع التأثير على الشعب الكويتي الذي لم ينسَ جريمة الغزو الصدامي، ويحتفل في فبراير من كلّ عام بتحرير بلادهم من براثن الجيش البعثي، فكيف يا ترى يستطيع خداع الشعب العراقي الذي عانى الويلات من جرائم البعث؟

لقد شهدنا مؤخراً كيف استطاعت الحكومة الكويتية منع تسمية شارع باسم صدام على أحد شوارع مدينة المزار الجنوبي بمحافظة الكرك، فاستجابت الحكومة الأردنية لطلبها. لا يعتقد أي عاقل أنه يمكن محو ذاكرة الشعوب أو طمسها أو تحريفها من خلال إعلام مزيف ومخادع. ومثلما لم يستطع النازيون الجدد الوصول إلى البرلمانات الأوروبية، فمن المستحيل وصول البعثيين مجدداً إلى مقاعد البرلمان العراقي، خصوصا بعد تفعيل قانون هيئة المساءلة والعدالة الذي صدر بناء على رغبة وإرادة الشعب العراقي وليس بإرادة (بريمر) كما يدعي البعثيون.

فمهما حاول الأميركان والبريطانيون، ومهما سعى الإعلام البعثي في الداخل والخارج، والدعوات المعسولة التي تنطلق من هنا وهناك التي تتحدث عن التسامح والصلح ونسيان الماضي الأليم، فإن ضحايا صدام أي الشعب العراقي برمته سيقفون في وجه أعوان صدام ويمنعونهم من الوصول مجدداً إلى البرلمان، خصوصا بعد أن قال بوقهم الإعلامي رئيس (جبهة الحوار الوطني) صالح المطلق إنه لن يوقع على وثيقة التبرّؤ من البعث.

(مطلق) الذي عرف عنه إطلاقه للصيحات والتصريحات النارية ضد الأميركان والإيرانيين، واتهام خصومه السياسيين بالعمالة للمحتلين، نراه وقبل وصول نائب الرئيس الأميركي (جو بايدن) إلى بغداد يكشف: “أنه قد اتصل بالولايات المتحدة، وأنه متفائل بمهمة بايدن”. البعثيون ولكي يضمنوا وصولهم إلى سلطة القرار في بغداد فإنهم لن يترددوا أبداً في التحالف حتى مع الشيطان، وبالطبع إنهم وفي سبيل ذلك لن يترددوا في التوقيع غداً على وثيقة البراءة من البعث!!

شبكة النبأ المعلوماتية- السبت 20/شباط/2010 - 5/ربيع الأول/1431

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1431هـ  /  1999- 2010م