الكيّا العراقية

كتابات مشاغبة

حيدر الجراح

شعار قناة الجزيرة القطرية الذي يكون فاصلا زمنيا بين برنامج واخر في معظم اوقات البث والبالغة 24 ساعة بالتمام  والكمال وهو الشعار الذي تعمل على تكريسه القناة الفضائية من خلال عدد من البرامج ليس اقلها برنامج منبر الجزيرة والذي يشارك فيه الكثير من المشاهدين العرب عبر الهواتف وبالصوت والصورة احيانا للتعبير عن اراءهم او غضبهم او احتجاجهم على جميع الامور الحياتية المزرية والمحبطة التي يعيشوها..

ومنبر الجزيرة – وهنا الحرفة الاعلامية – لايختار مواضيعه هؤلاء المشاركين بل هو موضوع محدد سلفا من قبل معد البرنامج والقائمين عليه..

( الكيّا ) تسمية تطلق على سيارات نقل الركاب التي تجوب شوارع مدن العراق المهترئة كاوضاعه السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية والتعليمية، وهي سيارة خفيفة وسريعة تتسع لاحد عشر او اربعة عشر راكبا، وهذه السيارة كسبت شهرة واسعة بين اوساط العراقيين في تجاوزها للانظمة والقوانين المرورية فهي كثيرا ماتسير عكس اتجاه السير او على الارصفة عند اشتداد الزحام نتيجة للحواجز الكونكريتية ونقاط التفتيش على الطرق العامة الرئيسة والفرعية..

والكيّا هذه السيارة المراوغة والماكرة غزت شوارع العراق بعد العام 2003 برفقة الغزو الامريكي وغزو الاطباق الفضائية اللاقطة وغزو الفساد المالي والاداري وجميع انواع الغزو الاخرى حتى احتلت مكانة مهمة في تنقلات العراقيين داخل مدنهم وما بينها..

والكيّا العراقية اخذت تنافس البرامج الحوارية وبرامج التوك شو لفضائياتنا المتلونة بالوان الطائفية والقومية والحزبية فهي تتيح للراكبين التعبير عن اراءهم بمنتهى الصراحة دون الخوف من مقص الرقيب او كاتمات الصوت او عبوات التفجير اللاصقة.. وهؤلاء الركاب احرار في اختيار الموضوع الذي يريدون.. فما ان يبدأ احدهم بالتعليق على الازدحام او على الرشوة التي يستلمها رجل المرور امام الجميع حتى تبدأ التعليقات والتعقيبات والاراء.. وكل يسابق الراكب الاخر في ابداء رايه حول ظاهرة من ظواهر المجتمع..

راكبوا الكيّا العراقية على اصناف:

صنف عمال البناء والعاملين في القطاع الخاص والحمالين الذين يعملون في الشورجة او سوق جميلة وبقية الاسواق الكبرى الاخرى، وهؤلاء تغلب على احاديثهم، تمنيات التعيين في الشرطة او الحرس الوطني بعد دفع عشرة اوراق او اكثر – الورقة تعني المائة دولار – لاحد وكلاء التوظيفات المعتمد في احد المجالين..

صنف الموظفين الذين لاتوجد لديهم خطوط خاصة تقلهم الى دوائرهم وهؤلاء تغلب على احاديثهم تمنيات الزيادة في الرواتب او العلاوات وتاثير الازمة المالية العالمية على مستحقاتهم الشهرية، واوامر النقل والتنسيب، مع الشعور بالحرج الذي ينتابهم حين يسمعون الحديث عن الرشوة والفساد المالي في دوائر الدولة..

صنف ربات البيوت اللواتي يجرجرن اطفالهن الى الاسواق او العيادات الشعبية او دوائر الرعاية الاجتماعية وتغلب على احاديثهن ماوزعته وزارة التجارة من مواد غذائية لهذا الشهر وما ستطبخه فلانة على الغداء واخرى تتحدث عن الراتب الهزيل الذي تستلمه من الرعاية الاجتماعية والذي لا يكفي وجبة الغداء لوحدها طيلة شهر واحد..

و ( الكيّا ) تجمّع ديمقراطي بامتياز.. فلا احد بمقدوره مصادرة رايك او منعك من الكلام في ما تريد حتى لو كان كلامك ( شيش بيش ) اي لارابط له.. والكيا صورة مصغرة للمجتمع العراقي في تسامحه وتنوعه ففيها تجد الشيعي الى جنب السني والمسيحي بجانب المسلم وكل يسير الى وجهته دون اعتراض من راكب لاخر..

وقد خضعت هذه السيارة مثل بقية سيارات النقل العام الكبيرة الى الكتابة عليها بكلمات وعبارات قليلة ومختصرة وجد صاحبها انها تعبر عن حاجة معينة او رغبة ما او تعبيرا عن شيء يحبه او متألما من تجربة عاطفية فاشلة.. فهناك تقرا على الزجاج الخلفي لهذه السيارت كلمات او عبارات من مثل:

الدكتورة – دموع – الحب لحظة والعذاب سنين – الوكحة - محبوبة سبع الدجيل – ياناظري صلي على النبي – اللهم اعطهم ضعف مايتمنون لي- الطالبة – ماكو صاحب – ام البنين – لا اله الا الله – يارب سترك – تستاهل حزن والبس عليك اسود.. الى اخر هذه الكلمات والعبارات التي تتوزع على مضامين دينية وعاطفية واجتماعية تفصح بشكل ما عما يدور في اذهان الناس او مايعيشونه في حياتهم اليومية..

شبكة النبأ المعلوماتية- الاثنين 15/شباط/2010 - 30/صفر/1431

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1431هـ  /  1999- 2010م