الإصلاح السياسي في مواجهة عواصف الفساد

علي الطالقاني

شغلَ مفهومُ الإصلاحِ الأنظمةَ السياسية على مختلف العصور، إلا أنه استخدم  حسب الظروف والمتطلبات لكل زمن. وولد هذا المفهوم حديثاً في العراق؛ لما طرأ من تطور سياسي رغم إشكاليات الوضع الراهن، حيث أجريت الانتخابات الأولى في تاريخ العراق الحديث عام 2005 في وضع خطير، سعت مختلف القوى إلى أثبات وجودها ولو بطرق لا تتناسب مع مفهوم الديمقراطية وتطلبت مرحلة ما بعد الانتخابات مواجهة آثار الحقب الديكتاتورية التي سادت العراق تاريخياً من جانب، ومواجهة أخطاء الميول السياسية للكيانات من جانب آخر.

أما قديماً عرف تاريخ العراق بمآسٍ فضيعة لا يختلف عليها اثنان، وحديثاً أزهقت أعمال العنف أكثر من مليون روح إنسان، أما الخسائر المادية والاقتصادية فتقدر بـ مليارات الدولارات، وبينت منظمة الشفافية الدولية مؤخراً مرتبة العراق بين مصاف الدول الأكثر فساداً إذ  أحتل المرتبة 176 من بين 180 دولة.

تحمل العراقيون العواصف السياسية وتمسك الشعب بالإصلاح السياسي الذي يتطلب منه بالدرجة الرئيسة مراقبة أشد، بالإضافة إلى ما هو مطلوب من تفعيل أداء القضاء، ووكالات مكافحة الفساد، وتنفيذ القانون، وإعطاء مجال للإعلام المستقل. ففي غياب مفهوم الإصلاح السياسي، تتأزم الأوضاع وتتكاثر المشكلات التي ينبغي معالجتها قبل فوات الأوان. فقد بات الأمر واضحاً في العراق. هناك مشكلات بنيوية تستدعي مواجهة شاملة، عبر مفهوم الوحدة الوطنية، وبناء سلطة قوية والاهتمام بالتنمية ومكافحة الفساد بجرأة وشجاعة. ومن دون ذلك لا يمكن الوصول إلى الهدف، ولا يمكن بناء دولة قوية موحدة الرأي، فمسؤولية الإصلاح يقع عبؤها على الجميع.

ومن أجل الإصلاح وتجسيد متطلباته، لا خيار أمام مختلف التيارات السياسية إلا الانخراط في المشروع السياسي من أجل بلورة مشروع الإصلاح عبر التعامل فيما بينها بصورة شفافة على أساس الانتماء الوطني.

ولإعادة النظر في مفهوم الإصلاح السياسي حتى يتسنى لنا صياغة المشروع الوطني ذاتياً يرتبط ذلك بتحويل التوجهات نحو مسار الإصلاح عبر ما يلي.

- المحافظة على المشروع الديمقراطي عبر الانتخابات الحرة التي تعتبر الأساس في مشروع الإصلاح، من اجل القضاء على الفساد.

- أن يستهدف الإصلاح التركيبة السياسية وقوى المجتمع المدني.

- أن تأخذ منظمات المجتمع المدني دورها الحقيقي في إيصال صوت الجماهير إلى الحكومة والمطالبة بحقوقهم.

- تشكيل لجنة قانونية سياسية فكرية من أجل دعم وتفعيل الدستور، ودعم المنظمات المعنية بشؤون الإصلاح.

- أن تتحمس الكيانات السياسية من أجل تنمية مشروع الإصلاح سياسياً واجتماعيا.

- إحداث توافق بين الكتل والأحزاب المتعارضة فيما بينها.

- أن لا يكون قانون الانتخاب حكرا على الكيانات السياسية داخل الحكومة، من اجل عدم إعادة  إنتاج مرحلة ديكتاتورية جديدة.

- استيعاب مفهوم الاختلاف وتنشيط مفهوم الحوار.

المطلوب أن يعمل الجميع على تحقيق مطلب الإصلاح السياسي، ولكي يكتب للعملية الإصلاحية النجاح ينبغي العمل بجدية لا إن يسطر السياسيون الكلام فقط.

ويبدأ الإصلاح من تغيير الثقافات السلبية عبر تطوير الجانب التعليمي فان أحوج ما نكون إليه اليوم تقوية القيم الإيجابية وتنميتها وحمايتها عبر تأسيس المؤسسات الثقافية، فالثقافة الحية هي التي تمتلك القدرة على اكتشاف مستقبل البلد، وتهيئة الظروف الملائمة، والاستفادة من التحولات والتطورات والتجارب.

يحتم علينا ذلك إعادة النظر في السياسات المتبعة في مؤسسات الدولة؛ فنحن بحاجة لإشاعة قيم: الحرية، والديمقراطية، والتعددية، والتسامح، والمساواة.. فالتنوع أمر إنساني وتاريخي يثري مفهوم الإصلاح.

[email protected]

شبكة النبأ المعلوماتية- الأربعاء 10/شباط/2010 - 25/صفر/1431

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1431هـ  /  1999- 2010م